طبعا لكل مجتمع عاداته وتقاليده التي تراكمت لديه عبر السنين، لكن إندونيسيا، تعد حالة خاصة جدا، لأنها تتمتع بتنوع عرقي وديني واجتماعي بالغ الثراء، في ظل تعداد سكانها الهائل الذي يبلغ نحو 238 مليون نسمة ، ينحدرون في معظمهم من أصول شتى. وبدخول الإسلام البلاد عن طريق التجار، تغيرت الحياة واكتسب الناس عادات جديدة ظل يتوارثونها منذ مئات السنين.. وتتجلى هذه العادات التي رسخها الإسلام، أوضح ما تكون في الطقوس التي يستقبل بها الإندونيسيون شهر رمضان.
لكبيرة التونسي (أبوظبي) - بعد رحلة طويلة تنقلت خلالها الأسرة في دول عدة، بينها الولايات المتحدة وتايلاند، ها هي أسرة سلمان الفارسي السفير الأندونيسي لدى الدولة، تمضي رمضان في مجتمع مسلم، يعيش فيه وافدون من جنسيات شتى. ومن قبل بداية الشهر الفضيل، تتملك السيدة أمي محمودة الفارسي حرم السفير لهفة لخوض التجربة واستكشاف أبعادها.
جاءت محمودة الفارسي من بلد غني بالطقوس والعادات يرتبط كثير منها بالدين وشهر رمضان بالتحديد، خاصة في الريف، حيث عادة ما يستقبل المسلمون رمضان بذبح الذبائح، وإغلاق المدارس وفتح المساجد طوال الليل، لتلاوة القرآن الكريم في حلقات الذكر، ويسمى ذلك «تدارس».
كما تقام المآدب الجماعية في المساجد والأحياء السكنية، ويتم تبادل الهدايا والأطعمة بين الأهل والجيران.
وتتمتع أندونيسيا بتنوع عرقي وحضاري كبير، حيث تحتضن أكثر من 17 ألف جزيرة، يعيش فيها نحو 240 مليون نسمة من نحو 300 أثنية، ويتكلمون بـ 742 لغة ولهجة مختلفة، حتى أن لكل محافظة عاداتها وتقاليدها، الأمر الذي انعكس على المائدة الأندونيسية بشكل عام.
ويكاد يكون لكل جزيرة مأكولات شعبية خاصة، بما يتناسب مع طبيعة الأرض والناس واللغة. لكن في كل الأحوال تبدو تأثيرات المطابخ الصينية والهندية والشرق الأوسطية والأوروبية، واضحة على المطبخ الأندونيسي.
تقول أمي محمودة في حوار مع «الاتحاد» «الأرز هو الطعام الأساسي للشعب الإندونيسي، ما عدا جزيرة بابوا، وأمبون، حيث يشكل دقيق النشا المادة الأساسية لإعداد طعامهم».
ولكل جزيرة أيضا بهاراتها الخاصة بمختلف مذاقاتها. على سبيل المثال ، يشتهر أهل ميننانج ماباو في سومطرة، بالأطباق ذات التوابل الكثيرة والحارة، بينما يميل أبناء جاوة أكثر إلى المذاق الحلو في طعامهم.
وتوضح أمي محمودة أن الأندونيسيين عموماً يفطرون على «الكولاك» مع التمر والوجبات الخفيفة والحلويات، إضافة إلى المشروبات، أما الأرز بالمرقة أو صالونة ، فإنه يقدم أثناء السحور.
روحانيات
وما أن يهل الشهر الفضيل حتى تتحول الشوارع إلى ساحة ملأى بالزينة والأنوار، خاصة في مناطق التسوق. ويتردد صوت الأناشيد الإسلامية من كل مكان، وتغلق جميع المطاعم بالستائر خلال ساعات النهار، «حتى يتناول غير المسلمين طعامهم من دون خدش مشاعر المسلمين»، بحسب أمي محمودة. وعلى الرغم من التعدد العرقي والديني المثير في إندونيسيا إلا أن روحانيات الشهر الفضيل تجمع السكان على اختلاف انتماءاتهم، حيث تتشابه الأطباق ووجبات الإفطار والعشاء والسحور.
ويعد الكولاك من أبرز ملامح المائدة الرمضانية، وهو مشروب لا يظهر إلا في رمضان، ويتم إعداده من الموز الأخضر والبطاطا المسلوقة مع عصير جوز الهند والسكر. وعادة ما يستخدم في طهي وجبات الإفطار، لبن جوز الهند والتوابل والفلفل الأحمر. وهناك أيضاً «أبهم» الذي يشبه الكعك، ويتم تقديمه إلى جانب التمر.
وفيما مضى كان الإندونيسيون يجلبون الطعام من منازلهم للمساجد قبل أذان المغرب، حيث يفطرون ثم يؤدون صلاة المغرب، وبعد الصلاة يتناولون الإفطار الأساسي. ويحرص الرجال على ارتداء الـ «كوكوك»، كما ترتدي النساء الأزياء الإسلامية الجميلة عند التوجه للمساجد لأداء صلاة العشاء والتراويح.
تحضير يسبق رمضان
تقول أمي محمــودة إن بعض ســكان أندونيسيا يعمدون قبل رمضان بأشهر إلى إعداد أنواع من الطعام، ويقومون بتخزينه، مثل «رينداج»، وهو نوع من الطعام مصنوع من لحم البقر المخلوط بحليب جوز الهند. ويوضع على النار مع مواصلة تقليبه حتى يستنفد مرقته.
وتفضل أمي محمودة تناول الإفطار أو السحور مع أفراد العائلة، ثم يتوجه الجميع إلى المسجد لصلاة العشاء والتراويح والاستماع إلى المحاضرات الدينية. ويشكل المسجد مركزاً دائماً لتجمع الأصدقاء والجيران وأسرهم.
طابور ودق الطبول
يعرف الشهر الفضيل حراكاً ونشاطاً على جميع المستويات، بحيث تقسم الأيام على مراحل عدة، منها ما يتم فيه التجهيز لبداية الشهر، ومنها ما يرتبط بالأزياء التقليدية، ومنها ما يتعلق بتجهيزات العيد، لذلك تعرف شوارع وأسواق أندونيسيا ازدحاماً كبيراً خلال الأيام التي تسبق هذه المناسبة.
ولعيد الفطر وضع خاص عند الأندونيسيين، حيث يسارع المسلمون قبل حلوله إلى «تجهيز أنواع من الكيك، والوجبات الخفيفة والمتنوعة، فتزدحم الأسواق ومراكز التسوق لشراء الأطعمة والملابس. ويسير الإندونيسيون في الشوارع خلال العيد في طابور عسكري، يحملون الأضواء، والعصي المشتعلة بالنار، ثم يقومون بضرب الطبلة، ويكبرون، ويوحدون، ويمجدون الله عز وجل لأكثر من ساعتين»، بحسب أمي محمودة.
أنشطة خاصة
وعادة ما تقيم قرينة السفير الأندونيسي ولائم إفطار لأفراد الجالية في بيتها في نهاية كل أسبوع خلال رمضان، وتقول «أنا كزوجة السفير، أشعر بأن جميع الأندونيسيين في الإمارات جزء من أسرتي، أريد أن أساعدهم لتخفيف معاناتهم، وقضاء حوائجهم، بقدر ما استطيع». وتحمل حرم السفير الأندونيسي ذكريات جميلة جداً عن تجربة الصيام في واشنطن خلال عمل زوجها في الولايات المتحدة. وهي تعتبر أن ثمة جوانب إيجابية لحياة أسرة الدبلوماسي وتنقلها الدائم من بلد لآخر، كما أن لها أيضاً جوانب سلبية، لكنها في كل الأحوال حرصت على ربط أبنائها بمجتمعهم الأصلي في اندونيسيا، كما أتاحت لهم الفرصة من أجل إثراء تجاربهم الحياتية، والاستفادة من المجتمعات التي يتنقلون بينها.
أطباق شهية
يوجد جوز الهند بغزارة في إندونيسيا، نظراً لمناخها الاستوائي، ومنذ زمن بعيد والإندونيسيون يستخدمونه في مجالات شتى، ويشيع استخدام حليب جوز الهند في المطبخ الأندونيسي لإعداد أطباق مثل «سايور لوديه» و»أبور أيام» و»رندانج»، وهو عبارة عن لحم البقر بجوز الهند والتوابل الحارة.
لإعداد «رندانج»
? كيلو غرام من لحم البقر، خالٍ من الدهون والعضلات
? 1.5 لتر حليب جوز الهند
? 1 ورقة الكركم
? 5 ورقة البرتقال
? 1 ساق عشب الليمون، رضوض (الجزء الأبيض فقط)
1-2 ملعقة حامض جلوجور
10 قرون فلفل حار، مقطع إلى شرائح رقيقة جداً
التوابل الأساسية
? 3 ملاعق الخولنجان، المفروم
? 1/2 ملعقة من الكركم، المفروم
200 جرام فلفل حار
? 4 بصلات
? الملح حسب المذاق
تخلط المقادير مع اللحم، ويترك على نار هادئة، مع التحريك مدة 4 ساعات، إلى أن يجف الحليب.
تنوع مثير في مساحة هائلة
تقع إندونيسيا في جنوب الشرق قارة أسيا في مساحة تقدر بنحو مليوني كم² ، وتضم أكثر من 17 ألف جزيرة. وأشهرها: جزيرة جاوى، سومطرة، كليمانتان، سولاويسي، وبالي. وهي دولة ذات مناخ استوائي، ويكون الطقس في العادة باردًا بين يونيو وسبتمبر، بينما ديسمبر حتى مارس هو الفصل المطر. ودرجة الحرارة ما بين 21 و33 درجة مئوية.
وإندونيسيا ذات كثافة سكانية كبيرة تصل إلى 940 نسمة لكل كيلومتر مربع، وعدد سكانها 240 مليون نسـمة، وتتكون إداريًا من 33 مقاطعة، ولكل محافظة عادات وتقاليد خاصة.
والسكان عمومًا ينتمون إلى مجموعات عرقية ولغوية ودينية مختلفــة منتشــرة ومتفرقة عبر العديد من الجزر والتي تجاوز عددها 300 شعب (إثنية)، يتحدثون بـ 742 لغة ولهجة مختلفة. والجاوية هي أكبر إثنية في البلاد، وهي المهيمنة سياسياً.
وعلى الرغم من أن إندونيسيا ليست دولة إسلامية، فإنها تعتبر الدولة التي يعيش فيها أكبر عدد من المسلمين.
وهم يشــكلون 86.1? من إجمالي السـكان، ونسبة 9? من الســـكان مسيحيون
و3? هـندوس، و 2? بوذيون أو أقليات أخرى.
عدد اليوم
