الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صدع النزاع الفلسطيني الإسرائيلي

7 يوليو 2012
تحكم النظم المعقدة بالأسلوب الذي تتفاعل من خلاله الصفائح التكتونية وكيف يتجمّع الضغط عند حدودها. ومن خلال مجرد النظر إلى الصدع على سطح القشرة الأرضية، بعد وقوع زلزال، فلا يمكننا توقّع متى يقع الزلزال التالي، تماماً مثلما لا نستطيع توقّع ثوران النزاع التالي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، واليهود والعرب. قامت الكاتبة المقتدرة "ديبي فورد" في فبراير 2009، بتعريف اثنتين من طالباتها على بعضهما بعضاً، وهما برندا، ناشطة السلام الأميركية اليهودية ومديرة سابقة في صناعة الموضة، وسامية، الأميركية العربية المسلمة ذات الأصول اللبنانية، وهي ناشطة سياسية وصاحبة أعمال ريادية في مجال الاتصالات. كانت برندا قلقة من الوضع المتدهور في الشرق الأوسط، واعتقدت فورد أن سامية ستكون شريكة جيدة لبرندا للتباحث معها حول ذلك الوضع. لكن ما لم تتوقعه فورد هو أنه بالرغم من سنوات التدريب الطويلة، والاهتمام المشترك بإنهاء ذلك النزاع، فقد واجهت طالبتاها حاجزاً أيديولوجياً لا يستطيع الكثيرون التغلب عليه وتجاوزه. لقد عرّفت برندا نفسها كيهودية صهيونية، مما ولّد ردة فعل سلبية لدى سامية التي تعتبر نفسها مساندة للفلسطينيين ومكافحة متحمسة ضد الصهيونية. لقد تعلّمت برندا من خلال التوتّر الذي نتج عن ذلك أنه عندما تسمع سامية تعبير الصهيونية، فإنها تفكّر بعقيدة إرهابية توسّعية، وبطبيعة الحال يخطر على بالها موضوع النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. تعلّمت سامية بدورها أن برندا ترى هويتها اليهودية على أنها جزء لا يتجزأ من هويتها الصهيونية، والتي تعرّفها على أنها رابط تاريخي مع أرض إسرائيل (فلسطين) وكافة الشعوب اليهودية، إضافة إلى تعبير عن قيمها اليهودية التي تؤكد على أهمية الحياة والحرية والعدالة والوحدوية مع الكون. كانت المحرقة تقف وراء التوتّر، وكانت موضوع حديثهما الأول. سألت سامية، التي فقدت جدتها وعمتها في الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان عام 1982، سألت برندا: "لماذا لا يستطيع اليهود التخلي عن قصة المحرقة والمضي إلى الأمام، وما علاقتنا نحن العرب بالمحرقة؟". فأجابت برندا، التي تعتبر هويتها اليهودية جزءاً لا يتجزأ من خوفها من الفناء: "لماذا تطلبين مني نسيان المحرقة؟". أجابت سامية: "بسبب الألم الذي تسبَّبَت به، وهي تستمر في التسبب بأذى كبير ومتواصل للشعب الفلسطيني والعربي في منطقة الشرق الأوسط، وذلك جريمة لم يرتكبوها". هنا تنتهي معظم الأحاديث. تشبه التفاعلات الإنسانية في أحوال وأوضاع النزاع خطوط الصدع بين الصفائح التكتونية. عندما يصبح الضغط الناتج عن التوتّر غير محتمل، فإن الطاقة التي يطلقها تصبح مثل التسونامي، تخلق هستيريا جماعية، تحث على الحقد والخوف وتفصل الشعوب وتدمّر المجتمعات. وفي تلك اللحظة بالذات، أخذت برندا نفساً عميقاً وأجابت: "من الحاسم أن نتذكر ونعترف بمأساة المحرقة البشرية، مقتل ستة ملايين يهودي وملايين غيرهم أبادتهم النازية". وأضافت قائلة: "نحن بحاجة كذلك لأن نتذكر أن حوالي ملايين الفلسطينيين أصبحوا لاجئين، ونزح نحو مليون يهودي من الدول العربية. يجب ألا ننسى ذلك". انفتحت سامية وأجابت: "كيف نستطيع إذن أن نستخدم المحرقة لإشفاء الإنسانية ومنع القتل الجماعي المستقبلي، بدلاً من ترك المحرقة تستغلّنا؟". بينما قمنا بالتعامل مع المواضيع الساخنة التي تفصل بين مجتمعاتنا، كالصهيونية والمحرقة وغزة وحرب لبنان والقدس والاحتلال والمستوطنات والتفجيرات الانتحارية وحق العودة وأسطول المعونة الدولية إلى غزة... استخدمنا هذه المواضيع لمواجهة الواقع وتعميق فهمنا للآخر. رأينا أهمية الربط، على سبيل المثال، وبدون المقارنة، بين مقتل ضحية المحرقة دورا شاكليان البالغة من العمر 70 عاماً والتي قتلت في تيوفيبول في أوكرانيا، ومقتل مريم بحسون جدة سامية البالغة من العمر 70 سنة أيضاً في غارة إسرائيلية على مدينة صيدا. من خلال هذه الروابط قمنا بتوسيع قصة المحرقة لتضم كلا السردين. ليست الحواجز التي تفصل الإسرائيليين والفلسطينيين واليهود والعرب مجرد حواجز فعلية، وإنما هي مشحونة عاطفياً ومعقدة، تذكي نيرانها الأحداث الحالية. نستطيع استخدام هذه الأحداث لإضفاء الشيطانية على الآخر أو تحويل اهتمامنا نحو إيجاد حلول جديدة معاً. وبإلهام من هذه الوقائع المدركة، قمنا بتأسيس مركز القيادة التكتونية لتحويل النزاع والتواصل عبر الثقافات، ومهمته تحديد وإيجاد أزواج من القادة على طرفي النزاع للقيام معاً بتحويل هذا النزاع. يستخدم نموذج القيادة التكتونية أفلاماً وثائقية مثل "الموت في القدس"، للتعريف بحالات النزاع، ثم -ومن خلال لعب الأدوار- يخوض المشاركون تجربة كلا السردين، مستخدمين التوتّر المحيط بنزاعات معينة لكشف أعمق الحقائق حول حياتهم وأفكارهم ومشاعرهم وإيجاد هوية مشتركة متجانسة منسجمة، دون تغيير مفاهيمهم ومعتقداتهم الجذرية. يقوم الأشخاص ببناء هيكل الدعم الخاص بهما بناءً على الانضباط والالتزام، للاهتمام بالذات وبالآخر بشكل متساوٍ، ومساءلة الطرف الآخر والوقوف مع بعض في كلا المجتمعين، خاصة أثناء فترات النزاع. ومنذ أول مكالمة هاتفية، لم نتمكن من تجنب الأحداث الخلافية. هل ستشكل إيران النووية تهديداً أم ستوفر توازناً إقليمياً في مواجهة إسرائيل؟ هل "حزب الله" منظمة إرهابية أم قوة تحرير؟ نقف معاً، مزدوجتين وملتزمتين في خط الصدع، ونبحث تحت السطح ونتفحص التوتّر ونستخدمه لربط المجتمعات. سامية مصطفى بحسون وبرندا نعومي روزنبرغ مؤسِّستا «مركز القيادة التكتونية لتحويل النزاع والتواصل عبر الثقافات» ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند» الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©