الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شعراء يصفون أحوالهم في شهر الصيام

شعراء يصفون أحوالهم في شهر الصيام
11 يوليو 2013 00:07
حفل تراث شهر رمضان عبر التاريخ بكتابات شرعية وأخرى تاريخية وأدبية بينت فضائل ومنزلة شهر الصيام الفضيل على المسلمين، كما دبج العلماء والأدباء والشعراء الكثير من نتاجاتهم في الكتابة عن الشهر المبارك. يقول الإمام ابن الجوزي في كتابه «بستان الواعظين ورياض السامعين»: «مَثَلُ الشهور الاثنيّ عَشَر، كَمَثَلِ أولاد يعقوب، وكما أَنَّ يُوسُفَ أحبُّ أولاد يَعْقُوب إليهِ، كذلك رَمَضان أحَبُّ الشُهُورِ إلى اللهِ وكما غَفَرَ لهم بِدَعوةِ وَاحِدٍ مِنْهُم وَهُو يُوسُف كذلك يَغْفِرُا للهُ ذنوب أحَدَ عَشَرَ شَهْراً بِبَركَة ِرَمَضَان». وكان لابد للأدب العربي وهو صوت الحياة ومرآتها أن يتأثر بدوره بهذه الحياة الجديدة التي فرضها الصيام، والشعراء والأدباء هم أول مَن يتأثر بما حولهم من أحداث وعلى قدر تأثرهم وما تحمل أنفسهم من مشاعر العاطفة نحو كلّ حدث جديد يكون تعبيرهم عنه. وإذا حل شهر رمضان مع الصيف كان قاسياً. فقد عبر عن ذلك الشاعر ابن الرومي قائلاً: شهرُ الصيام مُبارك ما لم يكن في شهر آبِ خِفْتُ العذابَ فصمتهُ فوقعتُ في نفسِ العذابِ وأكمل البيتين شاعر آخر قال: اليومُ فيه كأنّهُ مِنْ طُولِهِ يوم الحسابِ ولمّا كانت الحياة في الجزيرة العربية قاسية غاية القسوة، وجافة غاية الجفاف وكان الناس لا يزالون في تردد من أمرهم قال ذلك المجوسيّ الذي أجهده الصيام: وجدنا دينكم سهلاً علينا شرائعه، سوى شهر الصيام المستثقلون يذكر مصطفى عبدالرحمن في «فنون رمضان» حكايات وقصائد عن شهر الصوم، منها أنّ أعرابياً قَدِمَ على ابن عم له في الحضر فأدركه شهر رمضان فقيل له يا أبا عمرو لقد آتى شهر رمضان، قال وما شهر رمضان؟ قالوا: الإمساك عن الطعام والشراب. قال أبالليل أم بالنهار؟ قالوا: بالنهار. قال أيفرضون بدلاً من الشهر؟ فقالوا: لا. قال: فإن لم أصم فعلوا ماذا؟ قالوا: تُضرب وتُحبس، فصام أياما فلم يصبر فارتحل عنهم وهو يقول: يقولُ بني عمي وقد زرتُ مِصْرَهُم تهيأ أبا عمرو لشهرِ صيامِ فقلتُ لهم هاتُوا جرابِي ومِزْوَدِي سلامٌ عليكم فأذهبوا بسلامِ فبادرتُ أرضاً ليس فيها مُسيطرٌ عليَّ ولا منّاع أكل طعامِ وهذا الشاعر الفرزدق يقول وقد استثقل أيام رمضان: ثَقُلَ الصومُ علينا أثقلَ اللهُ عليهِ زارني بالأمسِ بدرٌ كنتُ مُشتاقاً إليهِ فمضى لم أقضِ منهُ حاجةً كانت لديهِ وأدرك أعرابياً شهر رمضان فلم يصُم فعذلته امرأته فزجرها وأنشأ يقول: أتأمرني بالصومِ لا دَرَّ دَرّها وفي القبرِ صومٌ يا أُميم طويلُ لقد كان العرب لا يعرفون الإسلام إلاّ اسمه من الشعر ولا مِن الشرع إلاّ رسمه. ولا يكادون يفقهون شيئاً من أصول العبادات لبعدهم في البادية عن العلماء الواعظين وانشغالهم بأمور الدنيا والنضال في سبيل العيش في صحرائهم القاحلة التي لا تجُود عليهم إلاّ بالنزر اليسير من العشب ترعاه الماشية والأنعام والماء يتبلغون به ويعيشون عليه. ومن طريف ما يُروى في هذا المقام أنّ أعرابياً دخل على زياد بن أبي سفيان وهو وَالٍ بالعراق في شهر رمضان فقال له بعد أن استقر في مجلسه: «لقد حانت صلاة العصر». فأدرك زياد ما يعنيه فقال له: «صلِّ حيث أنت». قال الأعرابي: ما أردت ذلك.. فقال زياد: ما تريد يا أخا العرب؟ قال الأعرابي: أتطعمون غذاءكم وعشاءكم معاً؟ فضحك زياد وقال: ألستَ صائماً؟ فأخذ زياد يضحك وقال: للخدم، قدموا له المائدة حتى لا يأكل درعه. تشدد كان بعض الصحابة الكرام يحلو لهم أن يتشددوا في أمور الدين وأن يحاولوا التشبه بصاحب الرسالة الأعظم النبي الأكرم محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وهم لا يملكون قدرته النفسية ولا يحملون قوته الروحية ولا يملؤهم ما يملؤه من العزيمة الصادقة والصبر الحقيقي والتوفيق الإلهي. وكان عليه الصلاة والسلام إذا وجد أحدهم يقول له: «يا هذا إنّ الدين مَتينٌ فأوغِل فيه برفق... إنّ المَنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى». فمن ذلك أنّ رسول الله عليه الصلاة والسلام كان يصوم صوم الوصال. وهو أن يصوم ثلاثة أيام بلياليها لا يفطر فيها. وقد أراد كعب بن مالك أن يفعل كما فعل الرسول الكريم فيصوم صوم الوصال فنهاه عليه الصلاة والسلام عن ذلك وقال له: «أُبيحَ هذا لي ولم يَبُح لأُمتي». فقال كعب بن مالك: بنفسي وأهلي والذينَ أُحبهم لصومي صوم الناسكينَ ذوي البرِّ فإن صمته صوم الوصالِ فإنني قمينٌ بأن ألقى رضاكَ إلى الحَشْرِ ولو شاءَ ربيّ كان صومي كلّه وصالاً فلم يصبح مِن العامِ في شهرِ ميقات كان شعراء العصرين الأموي والعباسي في دمشق وبغداد يؤمنون باليوم الآخر وبالعقاب وبالله خالف السموات والأرض، حتى أن الشاعر أبا نواس رغم غزلياته وخمرياته كتب ما كتبه في آخر حياته متوسلاً إلى الله أن يعفو عن ذنوبه.. إلاّ أنّ الذي لا شكّ فيه أنّ حياة البادية التي عاشها هؤلاء الشعراء كانت تباعد بينهم وبين رمضان، يقول أحد الشعراء: قُل لشهرِ الصيامِ أنحلتَ جسمي إنّ ميقاتنا طلوع الهلالِ أجهد الآنَ كلّ جهدك فينا سنرى ما يكون في شوالِ وقال شاعر آخر: نُبِئْتُ أنّ فتاةً كنتُ أطلبها عرقُوبها مثل شهرِ الصومِ في الطُولِ أما الذين عضّهم الجوع وعذّبهم الفقر لم ينسوا أن يصفوا حالهم وما يلاقونه في هذا الشهر كما قال الشاعر ابن سكرة الهاشمي: وهنوا بالصيامِ فقلتُ مهلاً فإنّي طُول عُمْرِي في صيامِ وهل فطر لِمَن يُمسي ويضحي ؤمل فضلَ أقواتِ اللئامِ حتى الشعراء الذين مدحوا شهر رمضان لم يمتدحوه لمشاعرهم نحو الشهر الكريم، وإنما مدحوه من خلال مدحهم للخلفاء الذين كانوا كلما أقبل رمضان فتحوا دار الخلافة للشعراء يأكلون ويشربون ويمدحون. بل ونجد الشعراء قد تنافسوا في إظهار مشاعرهم نحو هذا الشهر المبارك الذي أظل على الإنسانية في مشارق الأرض ومغاربها بالخيرات والبركات وإنما تنافسوا وأسرفوا في الحديث عن مباهج رمضان وخيرات رمضان التي كان يجود بها الخلفاء عليهم. قال الشاعر العباسي البُحتري يمدح الخليفة: بالبرِّ صُمتَ وأنتَ أكرم صائمٍ وبسُنَةِ اللهِ الرضيّةِ تُفْطِرُ وشهر رمضان مناسبة قيل فيها الشعر لمدح الخليفة وليست موضوعاً ولا فناً أصيلاً من فنون الشعر العربي، وحتى الذين عبروا عن مشاعرهم نحو رمضان ولم يعبروا عن المفاهيم الحقيقة لهذا الشهر المعظم وما جاء به من تعاليم من أجل خير الناس أجمعين. الضيف ورمضان في الشعر العربي المعاصر يحلق شعراؤه أحيانا ويهبطون أحياناً، فلم يعدّ للشعر وقفة عند باب الخليفة يستجدي أكف العطاء. ولم يعدّ رمضان باباً يقصده الشعراء بالذم والهجاء. فاللدين هببته التي يقف عندها كلّ مشرك ضال عن سبيل الهداية. إنّه رمضان شهر الخير الذي يرجع الروح الى منبعها الأزلي فتبرأ من أدران الحياة وتتخلص من مباذل الدنيا وتتجه الى خالق السموات والأرض داعية مبتهلة مكبرة. إنه رمضان الضيف الكريم الذي يعاود كلّ عام حاملاً سُنَناَ علويّة النظام، كما يصوره الشاعر محمود حسن إسماعيل: أضيفٌ أنتَ حلّ على الأنامِ وأقسمَ أن يحيا بالصيامِ قطعت الدهر جواباً وفياً يعودُ مزارُه في كلّ عامِ تخيم لا يُحسَد حِمَاكَ ركنٌ فكلُ الأرضِ مهدٌ للخيامِ نسختَ شعائرَ الضيفانِ لمّا قنعتَ مِنَ الضيافةِ بالمَقَامِ ورُحت تسنُّ للأجوادِ شَرْعاً مِنَ الإحسانِ علوي النظامِ بأنّ الجوعَ حرمانٌ وزهدٌ أعز مِنَ الشرابِ أو الطعامِ ويصور إسماعيل الصائمين المُترقبين صوت المؤذن منتظرين في خشوع وفي رهبة نداءه: جعلتَ الناسَ في وقتِ المغيبِ عبيدُ ندائِكَ العاتي الرَهيبِ كما ارتقبوا الأذانَ كأنّ جرحاً يُعذبهم تلفت للطبيبِ واتلعت الرِقَاب بهم فلاحُوا كرُكبانٍ على بلدٍ غريبِ عتاةِ الإنسِ أنتَ نسختَ منهم تذلك أوجه، ضنى جنوبِ ولكن الشاعر محمود حسن إسماعيل يصور المآذن ونورها الذي كأنه وحيّ يذكر بالهداية ويملأ النفوس بالإيمان ويدفعها إلى الخير والمحبة والسلام بهذه الأبيات: تلفتتُ المآذن حالمات كحُوريات خُلْدِ سافراتِ تضوعُ مباخر النُسّاكِ منها فتحسبها غصوناً عاطراتِ تلألأَ حولها أطواق نورٍ مُضيئات بحُبك هائماتِ كأنّك حامل وحياً إليها وقَفْنَ بسِحرِهِ متلفاتِ إذا صاح الأذانُ بها أرْنَت بإلهامٍ كموجِ البحرِ عاتِ يُذكِّر بالهِدايةِ كلّ ناسٍ ويُوقظُ كلّ غَاْفٍ للحياةِ
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©