الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مملكة الأحلام

مملكة الأحلام
11 يوليو 2013 00:23
يستحقّ والت الياس ديزني، الرجل الذي بنى امبراطورية وصلت أرباحها إلى 40 مليون دولار سنوياً، لفتة إلى حياته الخاصة والمهنية بعدما حصد ومؤسساته ومدنه الترفيهية أكثر من 950 جائزة، من ضمنها 48 جائزة أوسكار وأربع جوائز ايمي خلال حياته، ما حفّز الباحث يوسف حاتم النعيمي على كتابة سيرة عملاق الرسوم المتحركة الأشهر في العالم، مبتكر «ميكي ماوس» و»سندريلا» و»سنو وايت» و»بينوكيو» و»أليس في بلاد العجائب» و»تنة ورنة» و»النبيلة الشاردة» وغيرها من الشخصيات التي رافقت الأجيال مشكّلة ذلك العالم المتداخل بين الأحلام والأمنيات وفق قاعدة صاغها منذ كان فتى يملك الكثير من الأحلام والقليل من المال. ينطلق النعيمي في رحلة البحث عن «والت» الانسان من سؤال فضولي: «كيف يصنع رجلٌ واحدٌ كلّ هذا؟»، فلا تتأخّر الإجابة نقلا عن صاحب مملكة الأحلام نفسه المؤمن بمقولة: «ستحقق كل أحلامك إذا كنت تملك الشجاعة لمطاردتها». فمن أي باب تحلو المطاردة في حياة رجل عرفت عنه بساطته وصرامته في آن؟. هل من باب جولاته «السندبادية»، هو القادم من أصول كندية ـ إيرلندية؟ أم من «ظلمة» الكاراج الذي «سلّفه» إيّاه عمّه في هوليوود، وكان لا يملك سوى أربعين دولاراً في جيبه أنفقها على محاولته الأولى في فن «الأنيمايشن»، فكانت الخميرة الأولى لفيلم «أليس في بلاد العجائب»؟ أم من شعبيته التي استثمرتها الحكومات للتقريب بين الدول المتخاصمة؟ أم من باب المؤامرات التي حيكت ضده لسرقة إنجازاته وأبطاله من الكارتون؟. وليس آخراً إنجازاته من مدن سياحية ومنتزهات ونجمتين تحملان اسمه مزروعتين في أرض هوليوود؟... بين «شيكاغو» ولاية الولادة في العام 1901، ومستشفى «القدّيس جوزف» حيث فارق الحياة بعد أيّام من احتفاله بعيد ميلاده الخامس والستين في العام 1966، سيرة حياة مزدحمة بالعطاء والتقلبات منذ حمل الابن وزر التقلبات التي ألمّت بعائلته، سواء لجهة التنقل الدائم أو لعدم استقرار أوضاعها المالية. فكان مجبراً على الخروج من المدرسة قبل نصف ساعة من انتهاء الدوام لتسليم النسخة المسائية من الجريدة التي توزعها شركة والده المتواضعة، متحديا العواصف الثلجية وتقلبات الطقس في مدينة كانساس الباردة في الولايات المتحدة. أمّا الراتب، فكان في حسابات والده: «تلك الغرفة التي يقطنها هي ما يكسب لقاء عمله». وبنتيجة دوام التوزيع الذي ينتهي في الرابعة والنصف فجرا من كل يوم، لم يعد والت طالباً مثاليا وإن حافظ على إرادته في تعلّم فن الكارتون. في صغره تعرّف «والت» إلى عائلة «فايفر» التي اعتادت أن تأخذ أبناءها الى مسرحيات «الفودفيل» (المسرحيات الهزلية التي بلغت شهرتها في عشرينات القرن الماضي). وبتعلقه بتلك المسرحيات، درس الحركات وحفظ الحيل، ومن ثمّ بدأ بالرسم والتحريك لأول مرة، فرسم لجريدة المدرسة وللأصدقاء والجيران. وبعد انتقال عائلته إلى كانساس حصل على وظيفة بائع للجرائد والصودا لركاب القطار (من تلك التجربة بدأ عشقه للقطارات، وكان من هواياته أن يصمم ويبني قطارات مصغرة وذلك ما يظهر في أفلامه من كثرة السكك الحديدية). وفي السادسة عشرة من عمره زوّر سنه من أجل الالتحاق بالجيش الأميركي في الحرب العظيمة ضد ألمانيا، وعندما رجع تغيّر فكرياً وجسدياً مع رغبة بأن يصبح فنانا، وهو الخيار الذي أغضب والده فغادر الابن إلى كانساس وهناك التحق بأكاديمية للفن، وتعرّف على شاب فنان اسمه «اب آيووركس» (الرجل الذي قام برسم ميكي وتصميمه لاحقا). تعداد إنجازات والت لا تنتهي، من أبرزها اختراعه لشخصية الفأر «ميكي ماوس» الذي يمثّل الشركة إلى اليوم، وإنجازه أوّل فيلم كارتون مكتمل بالصوت في العام 1928، وكذلك أوّل فيلم رسوم متحركة طويل على المستوى الفني «سنو وايت والأقزام السبعة» في العام 1937، وافتتاحه مدينة «ديزني لاند» في كاليفورنيا التي استقبلت أكثر من 600 مليون زائر منذ افتتاحها في العام 1955. وكان يرى في تلك المدينة: «النجمة، وكل شيء آخر يلعب دورا ثانوياً». وفي الخمسينيات والستينيات غدا نجما تلفزيونيا يطل كل يوم أحد على شاشات المنازل الأميركية متحدثا عن جديده وحديقته، ومسترجعاً بداياته التي لم تكن تخلو من محطات الخيانة والإفلاس، إذ تعرّض كثيراً لسرقة الشخصيات التي ابتكرها ومن بينها «أوزوالد الأرنب المحظوظ»، وهو أوّل شخصية يبتكرها قبل «ميكي». وكان لا يتردد في إنفاق مبالغ خيالية على أفلامه، إذ كلّفه فيلم «سنو وايت» أكثر من مليون وخمسمئة ألف دولار. في الكتاب الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون طرق لما هو أبعد من مسيرة رجل انطلق من الصفر مؤسساً لتاريخ فن «الأنيميشن»، إذ يعرض للدور الديبلوماسي الذي قام به «والت» مدججاً بشهرته في سبيل تغيير مسار سياسات الشعوب وإعادة تشكيل وعيها السياسي والثقافي، إذ استغلّت الحكومة الأميركية شعبيته في تحسين علاقاتها مع جنوب أميركا الذي بدأ التأثير النازي يظهر على أجزاء منها. وعلى الرغم من رفض والت العرض، فإنه وافق بعد اقتراحهم عليه إنتاج أفلام عن هذه البلدان على نفقة الحكومة. وفي خط مواز يعرض النعيمي دخول «والت» على خط العلاقات بين الدول، فكان الوسيط الذي نجح في لم شمل الأميركيتين وانضمام الأرجنتين إليهما وكسب التحالف مع البرازيل لتنضم معهم ضد ألمانيا في الحرب العالمية الثانية. وبنتيجة مساهماته وجهوده الصادقة قلدته الولايات المتحدة في العام 1964 وسام الحرية: «والت ديزني هو سفير الحرية للولايات المتحدة الأميركية من أجل جهده المتفاني الذي لا يعرف الكلل في خدمة الأشياء الأعظم أهمية، الكرامة الإنسانية والمسؤولية الشخصية، من أجل طبيعته الخلّاقة والمتمكنة في توصيل آمال وطموحات مجتمعنا الحر إلى أركان كوكبنا البعيد». رحلة مطاردة «والت» في عقر أحلامه وتوسعاته منهكة لكثرة تشعباتها وغناها بالأحداث التي يصعب جمعها كلها بين دفتي كتاب، فإذا بالباحث يتّبع أسلوب «الجندب» في القفز من محطة إلى أخرى، وهو الأمر الذي ينعكس على إنسيابية الأحداث. كما تترك الترجمة بعض البصمات السلبية على تشكيل الجمل واللغة، إلا أنّ الممتع في العمل بالإضافة إلى كم المعلومات عنه، إرفاقه بملف صور يعرض أبرز محطات صاحب مملكة الأحلام منذ كان في الثانية من عمره وإلى آخر صورة نشرت له قبل وفاته وما صدر بعدها من رسوم كارتون تعبر عن حزن العالم برحيل الرجل الأسطورة الذي تحلّق من حوله الصغار في طريقهم إلى دنيا بساط الريح حيث الحياة جنون وفرح ولا مستحيل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©