الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

‏(JOSC) أو ... حروب أميركا القذرة!

‏(JOSC) أو ... حروب أميركا القذرة!
22 يناير 2014 21:25
بوصول الصحفي الأميركي جيرمي سكاهيل إلى أفغانستان، بدأت بالظهور قصص جديدة عن الحرب الدائرة هناك غير تلك القصص التي تنقلها للعالم مكاتب الإعلام التابعة للجيش الأميركي وحلف الناتو، وتأخذ طريقها إلى وسائل الإعلام المختلفة، كتلك التي تصور جنودهم وهم يزورون سكان القرى النائية في بيوتهم ويحتسون معهم الشاي. ثمة صورة أخرى، بل هناك حرب مختلفة، تجري بين الطرفين وتحاول أجهزة إعلام ومخابرات الجيش التستر عليها، اكتشفها الصحفي بعد سماعه أخباراً عن عملية عسكرية نفذتها وحدة أميركية خاصة، وقتلت خلالها أفراداً من عائلة أفغانية كانت تحتفل ليلة زفاف ابنها. ما حفز الصحفي على متابعة القضية بخاصة وأن التقرير الصحفي الذي وصل من قائد عمليات حلف الناتو في منطقة زابول أكد مقتل ثلاثة من «طالبان» فيها وأن لا إصابات بين المدنيين، ولم يذكر اسم الوحدة باستثناء إشارة صغيرة إلى وجود أسماء القتلى ضمن «القوائم»!. الأميركيون «الطالبان» البحث عن سر القوائم واسم الفرقة التي نفذت الهجوم هما الركيزتان اللتان سيعتمد عليهما المخرج ريتشارد رولي في بناء فيلمه التسجيلي «حروب قذرة»، وسيكونان، هما، المدخل للبحث عن حروب سرية أخرى تجري في مناطق مختلفة من العالم، مثل: العراق والصومال واليمن. سيقود بحثه عن اسم الفرقة إلى مناطق في العمق الأفغاني، لا يصلها الصحفيون لخطورتها ولا يريد الجيش الأميركي وقيادة الناتو وصولهم إليها، وسيجمع خلالها معطيات سيتوزع الفيلم وفقها بين البحث الصحفي والبحث الوثائقي، الذي سيدير البحث الأول ويتداخل معه، ما يضع عمل رولي على المحك لاختبار مصداقيته سيما وأن التدخل الشخصي للصحفي سيكون حاضراً طيلة زمن الفيلم، ما يستوجب الابتعاد عنه بحدود ما يستلزمه العمل الوثائقي حتى لا يبدو في النهاية وكأنه ريوبور تاجاً تلفزيونياً، ولهذا سنرى درجات التداخل والتقارب مختلفة بين قصة وأخرى لكن في مجموعها سنجد أنفسنا قبالة فيلم تسجيلي مثير للاهتمام وعميق المحتوى فيه من الجهد المذهل للصحفي، كشخصية مركزية فيه، وقوة بيّنة للمعطيات التي سيتوصل إليها العمل السينمائي خارج الحدود الصحفية، ما يجعل منه فيلماً استقصائياً بامتياز، نجد ملامحه واضحة في مسار بحث سكاهيل في منطقة جلال آباد عن طبيعة العمليات العسكرية الأميركية التي تجري فيها باستمرار كما يقول سكانها المحليون. كل الشهادات تؤكد أن الأميركيين يأتون إلى هنا بغتة، وفي عتمة الليل، يقتلون رجالًا أبرياء ثم يمضون، لدرجة أطلق عليهم سكان المنطقة اسم «الأميركيون الطالبان» لتشابه هيئتهم الخارجية بالمقاتلين «الطالبان»؛ فشعورهم طويلة وقد أطلقوا لحاهم، وتلثموا. يغادرون بعد أن يمحوا كل أثر لوجودهم. لم يفطن هؤلاء مع كل سرية تحركاتهم إلى وجود كاميرات الفيديو الشخصية ولا الكاميرات الفوتوغرافية عند الأهالي؛ فهذه ستكون خصمهم والشاهد الأقوى ضدهم. حكاية العرس لقد اطلع الصحفي على تسجيلات للعرس الذي قالت التقارير إنه كان تجمعاَ لـ «طالبان»، والحقيقة أنه كان عرساً عادياً تحول إلى مأتم، وقتلت فيه نساء حوامل وأطفال. لم تذكر التقارير مَن هم هؤلاء الذين قاموا بالعملية ولم يجب أحد على أسئلة الصحفي، الذي أخذ التسجيلات وذهب إلى واشنطن لمعرفة حقيقة ما يجري ولماذا لا أحد يريد كشف طبيعة الفِرق التي تقوم بالعمليات السرية هناك. ولاستثارة الرأي العام، طلب الصحفي سكاهيل من الكونجرس الأميركي متابعة ما يجري في أفغانستان، ومعرفة أسباب التذمر من وجود جيوشهم هناك والتي تعود إلى ممارسات غير مسؤولة يقتل فيها أبرياء ما يدفع الناس للتفكير في الانتقام منهم والانضمام إلى الجماعات المسلحة المعارضة لوجودهم، وطالب بالكشف عن الفِرق السرية التي لمح إلى أن تحركاتها تجري وكأنها خارج المؤسسة العسكرية، بعد أن حلل ما توفر عنده من تسجيلات ومقابلات في أفغانستان. لم يعبأ الكونجرس ولجانه الخاصة بمطلبه لكن ومن حسن حظه ظهرت أنباء عن فضيحة «بلاك ووتر» في العراق، وعن وجود جنود مرتزقة، سموا بـ «الجنود الوسخين»، في شكل غامض بين وحدات الجيش الأميركي هناك. الأخبار ستزيد من حماسة الصحفي للاستمرار في عمله رغم حالات الإحباط التي انتابته بسبب الكتمان وصعوبة الوصول إلى معلومات دقيقة. التقرير المحرّف يسجل للوثائقي قدرته على الجمع بين الشخصي والعام: بين الصحفي وهاجسه المهني وبين عرضه لوجهة نظر المؤسسات الرسمية المحكمة والرصينة والتي من الصعب اختراقها دون وجود خلل من داخلها، وهذا ما حدث عندما أعلن فجأة كاتب التقرير الصحفي عن عملية «العرس» استقالته واعترافه أمام الصحفي بأن تقريره قد حُرف من قبل القيادة والضابط الذي قادة العملية. التحري عن الضابط قاد إلى معرفة ما كان يبحثان عنه الصحفي والوثائقي سوية. لقد تعرفا على الفرقة السرية وزمن تأسيسها ومَن يديرها. الوصول إلى حقيقة وجود (الوحدة العسكرية الأميركية السريّة ( ومختصرها JSOC ) سيفتح باب الوثائقي واسعاً وسيسهل من مهمته، بعد أن اتضح للمسؤولين بأن أمرهم قد انكشف ولم يبق سوى التستر على تفاصيل عملياتها وهذا ما راح ينقب عنه الوثائقي ليكتشف أن ثمة «حروب قذرة» بدأت في العراق حين تم تأسيس فرق خاصة قامت بتنفيذ عمليات استخباراتية، واتسم عملها بالسرية، تتلقى أوامرها من قادة الوحدة السرية، دون الرجوع إلى قيادات الجيش، وأن صلاتها مباشرة بالمخابرات الأميركية وتختص بعمليات الاغتيال التي تنفذها ضد «أهداف» تصلهم أسماءها عبر «قوائم» يلتزمون بتصفيتهم في حرب مجاورة للحرب المعلنة والملتزمة بقواعد الاشتباك الحربي كما هو متعارف عليها. حقائق مذهلة إذن كانت هناك حربان واحدة رسمية وأخرى سرية قذرة تجسدت في عمليات محددة كتصفية «العولقي» في اليمن. لقد تحرى الوثائقي نشاط العولقي كداعية إسلامية أولا في الولايات المتحدة الأميركية ثم انضمامه «للقاعدة» لاحقاً. مقتله من قبل الفرقة السرية لم يكن وفق قواعد القانون الدولي كونه أميركي الجنسية عدا هذا يذهب الوثائقي ليكشف تبعات ملاحقاته في الخارج وما صاحبها من سقوط ضحايا من اليمنيين لا علاقة لهم به تجلت حين وصل الصحفي إلى محافظة أبين، وقاده أحد رؤوساء قبائلها إلى المناطق التي قَصفتها الطائرات الأميركية دون طيار وقتلت مواطنين أبرياء، ليذهب بعدها أبعد ويلتقي والد العولقي الذي حكى له الطريقة التي تمت فيها قتل حفيده الصغير دون أن يكون له علاقة بنشاط والده في اليمن. حقائق مذهلة عن النشاطات السرية تشكل لكبرها نوعاً من الحروب السرية قامت باسم محاربة الإرهاب في حين تمثل ممارساتها، نفسها، إرهابا لضحاياها المدنيين، الذين كثيرا ما تورد أسماءهم، خطأ، في قوائم يضعها أناس مجهولون، كما قدمها المخرج ريتشارد رولي في وثائقيّه الذي بحث في القضايا الأخلاقية والقانونية لهذا النشاط السري، والممارسة فيه كل أنواع الانتهاكات الجسمانية والنفسية، في أمكنة مختلفة من بينها الصومال المحطة الأكثر نشاطاً لعمليات الفرقة السرية واستغلالها للخلافات السياسية والقبلية هناك، لدرجة لم تتردد في التعاون مباشرة مع «تجار حروب» أهلية، من بينهم رجل يدعى «العين البيضاء»، أوكلت له مهمة تزويدهم بأسماء قادة ونشطاء حركة «الشباب» الصومالية مقابل تلقيه أموالاً ضخمة. القائمة هنا تطول وتدرج فيها الأسماء وفق مصالح طرف متحارب وغير حيادي، يمتهن الحرب وسيلة للارتزاق، ولهذا يمكن للحرب «ضد الإرهاب» أن تمتد ويذهب ضحيتها الكثير كما جاء في تفاصيل المشاهد التي صورها الوثائقي على الحدود الكينية الصومالية حيث العمليات السرية تجري دون توقف وتشترك الفرق العسكرية الأميركية السرية في حروبها العبثية التي لا طائل منها والخاسر الأكبر فيها الأبرياء، ولسعتها وقوة دعمها لن يتوقف عملها مستقبلاً وقد تتخذ، كما عرضه الوثائقي، أسماء مختلفة ومناطق نشاط جديدة ولكن سمتها في النهاية ستبقى سمة «الحروب القذرة».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©