الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

باكستان: حدود التوظيف السياسي للغوث الإنساني

10 أكتوبر 2010 21:11
لعل أبعد ما يمكن أن يوصف به عمل منظمات الغوث الإنساني في باكستان هو كونه سهلاً أو آمناً. ذلك أن عملنا يطالبنا بالسفر إلى مناطق نائية جدّاً يتم استهدافنا فيها من قبل المتطرفين العازمين على إفشال مهمة إنقاذ حياة المتضررين التي نقوم بها، سواء كان ذلك الاستهداف بالقتل أم بالاختطاف أو الترهيب. والحقيقة أن وصف المهمات التي نقوم بها هناك، بأنها تتم تحت رعاية أميركية -وهو ما تريده لنا إدارة أوباما- لا يسهم إلا في جعل مهماتنا أشد صعوبة وخطراً. وإنه لشرف وامتياز لي أن أكون رئيساً لمجموعة "أنترآكشن" وهي تحالف دولي بين المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال الغوث الإنساني والتنمية، مقره في أميركا، ويعمل في مختلف أنحاء العالم. ويستجيب ربع أعضاء المجموعة تقريباً -البالغ عدد أعضائها 200 منظمة إغاثة غير حكومية دولية- لكارثة الفيضانات التي ضربت باكستان مؤخراً، بينما ظل بعضها يعمل أصلاً في باكستان منذ عدة عقود. وعلى رغم الدعم الذي تتلقاه جهودنا من التبرعات والمنح العامة، فإن معظم المساعدات الإنسانية التي نقدمها، في مجالات توفير الغذاء ومياه الشرب والتعليم وخدمات الرعاية الصحية الأساسية للمتضررين، ننفذها من خلال التمويل الذي نحصل عليه من قبل الحكومة الأميركية. وخلال الأسابيع الأخيرة الماضية، أقنعتنا إدارة أوباما بإظهار هذه الحقيقة وترويجها على أوسع نطاق اجتماعي ممكن. وضمن الضغوط التي مارستها علينا الإدارة في هذا الاتجاه، تشكك وزيرة الخارجية كلينتون في مدى شجاعتنا بقولها في الشهر الماضي إن هناك الكثير من منظمات الغوث الإنساني غير الحكومية تخشى في باكستان من ربط نشاطها وجهودها بالحكومة الأميركية. والحقيقة أن آخر من يمكن أن يوصف بالجبن هو المنظمات العاملة في أفغانستان وباكستان التي تؤدي مهامها الإنسانية تحت تهديدات القتل والاختطاف والترهيب اليومي. فعمال هذه المنظمات يواجهون مخاطر جمة، ومن الواجب الثناء على الشجاعة التي يبدونها في مساعدة ملايين الناس الذين دمرت حياتهم الفيضانات والعمليات الإرهابية. وأستطيع فهم دوافع إدارة أوباما وراء ذلك الإصرار على ربط جهودنا الإنسانية بتمويلها لتلك الجهود. ذلك أن بعض مسؤوليها يرون أن الفشل في إبراز دور الولايات المتحدة في عمليات الغوث الإنساني هذه، يعد فرصة مهدورة لا تعوض لأميركا، خاصة في معركة كسب العقول والقلوب التي تخوضها هناك جنباً إلى جنب مع المجهود الحربي المعادي لـ"طالبان". هذا وتطالِب منظماتِنا بإبراز شعارات أميركية واضحة على الأدوية التي نوزعها على المرضى، وفي مراكز توزيع المساعدات الغذائية مثلاً.. وغيرها. وفي عام 2009 وافقت واشنطن على تخصيص مبلغ 7.5 مليار دولار للمساعدات الموجهة إلى باكستان، يتم إنفاقها خلال السنوات الخمس المقبلة. غير أن الحقيقة التي لاحظها مثلنا المحلل السياسي الأميركي "ديفيد إجناتيوس" مؤخراً، هي أن الباكستانيين يطالعون أنباء الضربات الجوية الأميركية التي تحصد العشرات من المواطنين المدنيين الباكستانيين، أكثر مما يطالعون أخبار دولارات المساعدات الأميركية هذه في صحفهم اليومية! وعلى عكس ما يحدث هنا في باكستان، فقد دأبت منظمات الغوث الإنساني غير الحكومية، التي كانت تعمل في دول مثل ليبيريا والكونجو، على الترويج المستمر لحقيقة أن المساعدات الإنسانية المقدمة لمواطني هذه الدول، مصدرها الشعب الأميركي. غير أن من شأن تنظيم حملة دعائية نشطة للترويج لعلاقة المساعدات الإنسانية المقدمة للمواطنين الباكستانيين بالولايات المتحدة، أن يعطل جهودنا ويمنع وصولها للمتضررين والمحتاجين في موعدها، بسبب التهديد اليومي الذي تتعرض له حياة العاملين في هذه المنظمات. وفي الكثير من الحالات، تؤدي حملات الترويج الدعائية هذه إما إلى إثارة المظاهرات الشعبية ضدنا، أو الهجوم علينا من قبل المتطرفين وغيرهم من الكارهين للولايات المتحدة. كما تزيد هذه الحملات من تعريض حياة الأميركيين أنفسهم وغيرهم من عمال الغوث الإنساني للخطر. وكلما ازداد تأكيد ارتباط العمل الغوثي الذي نقوم به كإغاثة إنسانية بالحكومة الأميركية، كلما بتنا عرضة لخطر أشد. ففي شهر مارس المنصرم، تعرضت منظمة World Vision-التي تعتبر من أنشط المنظمات الأعضاء في مجموعة تحالفنا "إنترآكشن"، وتعمل في مجالات تمتد من تقديم خدمات الرعاية الصحية، وحتى الزراعة وجهود محو الأمية- لهجمات في منطقة "خيبر باختون خوا"، في شمال غربي باكستان، قتل فيها سبعة من موظفي المنظمة. وفي العام الماضي تعرض مكتب برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في العاصمة إسلام آباد لهجوم، أزهقت فيه أرواح سبعة من موظفي المكتب. وعليه، فإنه لابد من حفظ التوازن بين جهود الحد من المخاطر التي يواجهها عمال منظمات الغوث الإنساني في باكستان، وتوصيل حسن نوايا الولايات المتحدة تجاه المواطنين الباكستانيين، إضافة إلى توصيل المساعدات الإنسانية للمتضررين بالفعالية اللازمة. وعلى واشنطن أن تترك لمنظمات الغوث الإنساني المحافظة على توازن هذه العوامل مجتمعة، على طريقتها الخاصة أثناء ممارستها اليومية لمهامها، وإن تطلّب ذلك تفادي وضع شارات أميركية في المراكز الصحية الجديدة التي نفتتحها. فهناك بعض الحالات -لاسيما في المناطق الأقل اضطراباً أمنيّاً وعنفاً- لا تواجه منظمات الغوث العاملة أية مشاكل أو صعوبات في الإعلان عن ارتباط جهودها بالتمويل الحكومي الأميركي. وعلى عكس ذلك تماماً تكون المناطق المضطربة أمنيّاً التي ينشط فيها المتطرفون بصفة خاصة. فهناك لا قيمة على الإطلاق لمجرد الكشف عن الدور الأميركي في جهود الغوث الإنساني المقدمة للناس. ذلك أن رفع أي شارات أميركية، يعني دعوة للهجمات والعنف ضد عاملي هذه المنظمات. صمويل إي. ورثنجتون رئيس تحالف «أنترآكشن» للغوث الإنساني والتنمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©