الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كولومبيا.. الطريق الوعر إلى السلام

6 نوفمبر 2017 22:14
منذ التوصل إلى تسوية للصراع في كولومبيا، وهو أطول حروب أميركا اللاتينية، ظل الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس يحظى بحفاوة كبيرة حول العالم، كما حصل على جائزة نوبل للسلام. ولهذا فقد يتوقع المرء أن يذهب سانتوس أخيراً إلى التقاعد أو تولي منصب شرفي في بلاده. ولكن الصورة ما زالت أكثر تعقيداً مما قد يبدو لأول وهلة، فاتفاق السلام الذي توصل إليه سانتوس في العام الماضي ظلت تعترضه المشكلات والعراقيل. وقد انتهت الشهر الماضي مسيرة للمزارعين ضد أمر رسمي بإزالة زراعة نبات الكوكا -الذي يستخرج منه الكوكايين- بالقوة. وفي يوم 26 أكتوبر، اختفى أيضاً زعيم بارز من جماعة مقاتلة وافقت على إلقاء السلاح، مما يذكي تكهنات بأن المتمردين ربما يحبطون الاتفاق. واعترفت أيضاً جماعة متمردة أخرى، مشاركة حالياً في محادثات السلام، بقتل أحد زعماء جماعات السكان الأصليين، مما أثار الغضب من تراخي الحكومة الشديد ضد المجرمين. وبالإضافة إلى تصاعد الاستياء، تشتت تركيز حكومة سانتوس بعيداً عن جهود إحلال السلام. وكانت الحكومة قد تعهدت بتعزيز التنمية في الريف، وإقامة محاكمات في جرائم الحرب، ورعاية المقاتلين الذين تركوا جماعة القوات المسلحة الثورية في كولومبيا «فارك» وإدماجهم في تيار السياسة الرئيسي، وبالتالي تحول منطق العنف إلى منطق صناديق الاقتراع. ولكن هذه المقترحات تعطلت في المجلس التشريعي الذي يهيمن عليه أعضاء غير مقتنعين بجدوى عملية إحلال السلام. وفي الأسبوع الماضي منع رودريجو لارا ريستريبو، رئيس الغرفة الأدنى في المجلس التشريعي، ممثلي «فارك» من دخول المجلس إلى أن يتم استجوابهم في محكمة خاصة بالسلام لم يتم تشكيلها بعد. والسلام لن يتحقق طبعاً إلا بالمضي قدماً في تنفيذ هذه الوعود. وقد أنهى سانتوس الحرب الكولومبية، بعد نصف قرن من الصراع الذي أودى بحياة 200 ألف شخص وهجّر ملايين الأشخاص من ديارهم، وبعد أربع سنوات من المفاوضات المشحونة التي تعرضت لانتكاسات عدة. ولكنه ما زال بحاجة إلى أن يقنع الكولومبيين بجدوى السلام، خاصة من رفضوا بفارق طفيف الصورة الأولى لخطة السلام في أكتوبر الماضي. ومن المثير للدهشة أن معظم المقاتلين السابقين الذين كانوا مكروهين على نطاق واسع في كولومبيا بسبب تاريخهم الدموي قد التزموا بالنظام. وقد أسس المتمردون حزباً سياسياً وأطلقوا على أنفسهم اسم «القوة الثورية البديلة المشتركة»، وجعلوا من قائدهم السابق رودريجو لوندونو رئيساً لحزبهم. ولكن الانتقال إلى الوضع الطبيعي محفوف أيضاً بالمخاطر. وقد تساءل آدم إيزاكسون، وهو خبير في شؤون كولومبيا في مكتب واشنطن لأميركا اللاتينية: «كيف سيحاكمون كل هؤلاء المقاتلين السابقين؟ القانون يمضي ببطء في الهيئة التشريعية، وحتى إذا تم إقرار قانون فسيتعين على المحكمة الدستورية النظر فيه، ولذا فإن أولى المحاكمات قد تجرى بعد عام من الآن». ومن المشجع أن المزارعين الذين كانوا يكسبون قوتهم من حصاد وبيع أوراق الكوكا قد سجلت في صفوفهم مواقف إيجابية. وقد تعهدت 25 ألف أسرة بالتخلي عن زراعة الكوكا مقابل تلقي دعم ومساعدات لزراعة المحاصيل القانونية. ولكن غياب المساعدة والمشورة الرسمية أدى إلى إثارة غضب سكان بعض القرى وإضراب المزارعين. وذكر مفتشون أن من بين 50 ألف هكتار لزراعة الكوكا كان المقرر أن تخصص سنوياً لزراعة محاصيل قانونية بديلة لم يزرع منها إلا 2400 هكتار تقريباً أي أقل من 5% من الحصة المستهدفة سنوياً. وقد يؤدي عدم الوفاء بالوعود إلى تشويه الثقة في الحكومة، مما يدفع المزارعين الراغبين في ترك النشاط غير المشروع إلى الاحتماء بالمجرمين. وأي من نقاط القصور هذه يمكن التغلب عليها منفردة، ولكنها جميعاً قد تسمم عملية السلام. فلم تنفذ حكومة «بوجوتا» حتى الآن التعهدات التي قطعتها من أجل الترويج للسلام ببناء الطرق ومد شبكة الكهرباء في الريف. ولم يتم التقدم بقانون حيوي لإصلاح الأراضي لصالح الأسر المشردة. ومع تعثر اقتصاد كولومبيا، أقرت الحكومة أيضاً بالافتقار إلى التمويل لتنفيذ هذه الخطط. ووجود هذه القضايا الساخنة يعزز الجدل السياسي المحتدم في كولومبيا في الوقت الذي بدأ فيه المرشحون يعدون أنفسهم للسباق الرئاسي المقبل. وعلى رغم نجومية سانتوس الدولية إلا أن معدلات التأييد له انخفضت في الداخل. والخطر النهائي قد لا يكون انزلاق كولومبيا في تمرد عسكري آخر لأن قوات المتمردين منهكة ولا ترغب في القتال، بل الخطر يتمثل في اتساع الفجوة بين الريف وعقلية الصفوة السياسية في العاصمة بوجوتا. وفي هذا السياق ذكر إيزاكسون أن «ربع سكان كولومبيا يعيشون في 80% من الأراضي، والتصور الغالب هناك هو أن الحكومة غير مؤثرة». وكذلك ذكر روبرت كارل، الباحث في جامعة برنستون ومؤلف كتاب «السلام المنسي» عن تاريخ كولومبيا في السياسة والعنف، أن «فارك» لم تظهر «من حساسيات الحرب الباردة بقدر ما خرجت من دعاوى الدفاع عن المهملين في الريف». *صحفي متخصص في شؤون أميركا الجنوبية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©