الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا وأوروبا... عقبات التجارة الحرة

11 يوليو 2013 12:54
سارة ميلر لانا باريس عندما يجلس المفاوضون الأميركيون مع نظرائهم الأوروبيين خلال الأسبوع الجاري لبدء مباحثات اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فإنهم يطأون أرضاً مجهولة سواء نجحوا في توقيع اتفاق أم لم ينجحوا، فاتفاقية التجارة والشراكة الاستثمارية، كما تسمى رسمياً، ستكون هي الأكبر من نوعها في العالم متجاوزة اتفاقية التجارة الحرة لشمال أميركا، «نافتا»، التي تجمع الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، هذا ناهيك عما يحمله مضمونها من طموحات كبيرة. ومن المتوقع أن تركز المفاوضات الجارية في ظل الرسوم الجمركية المنخفضة أصلاً بين الجانبين -والتي لا تمثل مشكلة في حد ذاتها- على العراقيل الأخرى أمام نشاط الشركات التي تعقد أحياناً التجارة الثنائية بين أوروبا وأميركا مثل معايير السلامة، وإجراءات التفتيش والمراقبة، ومع أن هذه الأمور قد تبدو بسيطة، إلا أنها هي الأعقد من بين القضايا المطروحة على طاولة التفاوض، لأنها تمس مباشرة حياة الناس على ضفتي الأطلسي من قبيل الطريقة التي ينظف بها لحم الدجاج قبل عرضه في الأسواق، وطريقة التعامل مع الصيدليات، أو معايير سلامة السيارات. ومن شأن التوصل إلى اتفاقية للتجارة الحرة أن يقوي الشراكة الأميركية الأوروبية في وقت من الضبابية وتوتر العلاقات الأوروبية الأميركية على خلفية تسريب معلومات عن تجسس الولايات المتحدة على مواطنين أميركيين ومؤسسات أوروبية، وفي حال نجح الجانبان في توقيع الاتفاق ستكون قواعد اللعب العالمية أكثر إثارة في ظل صعود الصين وتنامي قدراتها. ولكن حتى في حال الفشل، وهناك العديد من المراقبين يرجحونه، ستكون التجربة مهمة لأنها ستُظهر سهولة التخلص من الرسوم الجمركية التي ما عادت مشكلة، وصعوبة التعامل مع العراقيل الأخرى ذات الجذور الثقافية التي تستعصي على الحل. وكما يقول «فريديرك إريكسون»، مدير المركز الأوروبي للاقتصاد السياسي الدولي في بروكسل «إن أي فشل في التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة سيقود إلى توقف جهود دعم التجارة الحرة في القرن الحادي والعشرين». ومع أن الرسوم الجمركية بين أوروبا وأميركا منخفضة أصلاً، إلا أنه وبالنظر إلى الحجم الكبير للتجارة بين الطرفين، حيث ينتجان معاً نصف حجم الاقتصاد العالمي، يقول المدافعون عن الاتفاقية إنه من شأنها تعزيز النمو الاقتصادي وخلق المزيد من فرص العمل، ولاسيما في أوروبا التي تعيش على وقع تداعيات الأزمة المالية، التي تصل فيها معدلات البطالة إلى حوالي 12 في المئة. وحسب الإحصاءات الأميركية يستثمر الطرفان لدى بعضهما بعضاً حوالي 4 تريليونات دولار، وهو ما يخلق سبعة ملايين وظيفة. ولكن ما يهم في هذه المباحثات هو العراقيل غير المرتبطة بالرسوم الجمركية، فاليوم يمر كل مُنتج صنع في فرنسا على سبيل المثال من عدد من العقبات التنظيمية قبل أن يصل إلى السوق، بل يمر بأكثر من ذلك إذا كان سيصل إلى الولايات المتحدة. ولو ذللت هذه العقبات يمكن لكل طرف الاعتراف بالأنظمة واللوائح الجاري العمل بها عند الطرف الآخر دون الحاجة إلى إخضاعها لنفس النظم عندما تصل إلى السوق المحلية. ومع ذلك هناك بعض الجوانب التي لا يريد أحد التخلي عنها مثل دعم فرنسا لصناعتها السينمائية، والمقاومة الأوروبية عموماً للمنتجات المعدلة وراثياً، أو القوانين المرتبطة بحماية الخصوصية، ولاسيما بعد فضيحة التجسس الأميركية التي تثير مخاوف الأوروبيين، وهو ما يشير إليه «بروس ستوكس»، الباحث في مركز «بيو» للبحوث، قائلاً إن «إحدى القضايا الأساسية التي تشغل الأوروبيين هي حماية خصوصية مواطنيهم». وعلى رغم الصعوبة التي ستعتري المفاوضات الأوروبية الأميركية للتوقيع على اتفاقية للتجارة الحرة يرى المدافعون عنها أن الوقت الراهن هو الأنسب لتحقيق هذا الإنجاز بالنظر إلى ضعف الاقتصادات الأوروبية حالياً واستمرار الصعوبات الأميركية، الأمر الذي يحتم على الطرفين تقديم تنازلات لما في ذلك من مصلحة للاقتصادين، وهذا ما يؤكده «توماس رايتس»، الباحث في مركز بروكينجز بقوله: «تعاني أوروبا من أزمة اقتصادية ومازال النمو الأميركي بطيئاً، ولذا تأتي اتفاقية التجارة الحرة بمثابة الفرصة التي يمكن من خلالها للقادة الأوروبيين إبراز حرصهم على تحقيق النمو الاقتصادي»، وفي نفس السياق يقول «يركسون» إن الجهات التنظيمية لديها من الحوافز اليوم ما يدفعها للتنازل عن بعض قواعدها الصارمة لأن أي فشل في ذلك سيعطل جوانب أخرى في المفاوضات. الاتفاقية لم تثر حتى الآن صخباً في الولايات المتحدة، ولكن يتوقع المراقبون أن تواجه بعض المشاكل ما أن يتم التطرق إلى التفاصيل، وربما يرجع هذا الهدوء الأميركي في التعامل مع اتفاقية للتجارة الحرة مع أوروبا إلى الوجود الفعلي للتجارة الحرة التي تمارس يومياً بين الطرفين، ثم التعاون التقليدي بين الولايات المتحدة والأوروبيين، بحيث لا ينظر أغلب الأميركيين إلى ما يجري على أنه تغيير جوهري في قواعد التجارة. ولكن الأمر ليس بذات الهدوء على الجانب الأوروبي الذي من المتوقع أن يثير بعض الإشكالات، وقد بدأت بالفعل مع تحفظ فرنسا على إنتاجها الثقافي الذي تريد حمايته كجزء مما تسميه بـ«الاستثناء الثقافي» لمنع تدفق الأفلام الأميركية، ومع أن فرنسا سمحت بالتفاوض حول الإعلام فستبقى المسائل الثقافية من أصعب القضايا في هذه المفاوضات. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان سيانس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©