الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

المناهج..القوة الناعمة في الحرب على الإرهاب

المناهج..القوة الناعمة في الحرب على الإرهاب
26 ديسمبر 2016 21:08
ليلى خليفة (أبوظبي) لن يطلع عبد الله أحمد «11 سنة» على سيرة القائد صلاح الدين الأيوبي، التي كانت ضمن منهاج الصف الخامس الابتدائي، فالصبي، الذي يدرس في المدرسة التجريبية الحديثة بكفر الشيخ المصرية، واحد من ملايين الطلبة العرب، الذين خضعت مناهجهم لعمليات تطهير من «الحض على العنف»، استجابة لتوصيات «تخطت الحدود»، اعتبرتها ركيزة أساسية في الحرب على الإرهاب. كما لن يرى طلال «9 سنوات» الأم «المحجبة»، التي تشارك أولادها الطعام، في درس لغة عربية كان مقرراً على الصف الثالث الابتدائي، فقد اقتضت التعديلات، التي أجرتها وزارة التربية والتعليم الأردنية أن تُرسم من دون غطاء رأس، فارتداؤه داخل المنزل «غلو». ولا يمكن اجتزاء «تسونامي» تغيير المناهج من حراك إعادة صوغ المشهد الثقافي العربي، الذي انبثق عن تطورات غير مسبوقة عصفت بالمنطقة على أجنحة الثورات السياسية وما رافقها من انقلابات فكرية. ومع صعود «مناخ الخوف»، متعلقاً برافعة «داعش»، تماهت الحدود الفاصلة بين الأخطار الحقيقية والمفترضة، وتداخلت مصادر التهديد، وتعددت مسببات الهلع. واجتهدت نخب في البحث والتحليل، ولم تسلم المناهج من أصابع الاتهام، بوصفها المكون الأهم للمنظومة الفكرية. وسارع كثيرون، لا سيما المحسوبون على التيار الليبرالي، إلى المناداة بتغييرها، مستغلين جرائم «مصورة» ارتكبتها المنظمة الإرهابية كحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، وذبح الأقباط في ليبيا، واستباحة الإيزيديين في العراق، في تعزيز تيار داعم للطرح على اعتبار أن المناهج «ملغّمة» بأفكار متشددة تهيئ جيلاً قابلاً للاختراق، وربما تفرّخ «داعشيين» جاهزين. ويبدو أن المناهج هي العنصر التربوي، الذي تستهدفه الجهود المبذولة لتجفيف منابع الإرهاب، إذ لم تعلن وزارات التربية في الدول، التي قررت تغيير مناهجها، اتخاذ أي إجراءات نحو المعلم مثلاً رغم أن خبراء يرون أنه العنصر «الأخطر» لا سيما أنه المسؤول عما يصطلح تسميته بـ «المنهاج الخفي» ما يجعل الإجراءات «منقوصة»، وفقهم. وتحولت المناهج إلى ملف ضاغط على الحكومات منذ هبت عليها رياح التسييس اعتباراً من عام 2001، على خلفية هجمات الحادي عشر من سبتمبر حين نعتت الإدارة الأميركية المناهج العربية بأنها «محرضة على الإرهاب»، وما لبثت أن تجدد هبوبها في أعقاب سقوط بغداد، حيث برزت مطالبات بتغيير مقررات تعليمية سادت في حقبة حكم صدام حسين، تلتها مرة ثالثة أعم وأشمل رافقت الحراك الثوري الذي ضرب الإقليم منذ عام 2011. ما أسفر عنه احتقان «مشروع» يتزامن مع كل إجراء تتخذه وزارات تربية عربية حيال مناهجها، إذ لا يمكن تجاهل حالة عدم الثقة بين العامة والغرب. وتأتي التغييرات الأخيرة، التي طالت مناهج أكثر من نصف الدول العربية، في ظل استقطاب سياسي يدفع باتجاه تخفيف الجرعات الدينية، مستفزاً في الوقت نفسه مجسات الممانعة في المجتمع، وأظهر استطلاع أجرته «الاتحاد» على عينة من 50 ولي أمر ينتمون إلى 7 جنسيات عربية، أنهم جميعاً لا يعتقدون أن المناهج المدرسية من العوامل المشجعة على الانضمام إلى الجماعات الإرهابية، كما لم يرصد 70% منهم عبارات تحض على العنف والكراهية. ورغم أن الاستطلاع، الذي أجري عبر موقع «surveymonkey»، ضيق النطاق إلا أنه مؤشر على وجود هوة بين الرؤية الرسمية والقاعدة الجماهيرية ذات الصبغة المحافظة، يمكن وضعها في سياق احتجاجات نشطت في دول مارست التغيير، وبلغت ذروتها في العاصمة الأردنية عمان، حين أقدم متظاهرون بينهم معلمون على حرق كتب جديدة، متخوفين من «تهديد الهوية الإسلامية» للمجتمع. خلقت تعديلات مناهج التعليم توترات تعاظمت مع استشعار إشارات استفزت المشاعر الدينية، أبرزها إقصاء سير رموز تاريخية من المقررات، رغم ما تحظى به من احترام في الذاكرة الجمعية للشعوب العربية. في حين لم تتمكن تبريرات شرعنة القرار من تهدئتها. رموز تاريخية وعمدت وزارة التربية المصرية، اعتباراً من العام الدراسي الجاري، إلى حذف درس صلاح الدين الأيوبي، محرر القدس، وستة فصول من سيرة القائد عقبة بن نافع، من منطلق «تنقيح المناهج من إشارات التحريض على العنف». وقالت الدكتورة بثينة كشك، وكيل أول وزارة التربية والتعليم بمحافظة الجيزة المصرية إن «القرار جاء بناء على توصية من اللجنة التي شكلها مركز تطوير المناهج، المكلفة بإجراء المراجعات لكتب اللغة العربية من الصف الأول الابتدائي إلى الصف الثالث ثانوي بهدف تنقيحها من الموضوعات التي يمكن أن تحث على العنف أو التطرف، أو تشير إلى أي توجهات سياسية أو دينية أو أي مفاهيم يمكن أن تستغل بشكل سيء». وأشارت إلى أن ما تم حذفه من درس عقبة بن نافع، الذي لا يزال يدرس لطلبة الصف الأول الإعدادي، «مجرد عبارات صغيرة كانت تسيئ له، وأن حذفها لا يؤثر على المحتوى»، فيما لم تعلق على إلغاء درس صلاح الدين. والمقاربة ذاتها تنسحب على الحالة الأردنية حيث شُطبت قصة الطيار الأردني فراس العجلوني، ما أجج انتقادات وصلت إلى قبة البرلمان، وصفت الإجراء بأنه «اعتداء على التاريخ». ويحسب للعجلوني، الذي استشهد في قصف جوي إسرائيلي عام 1967، أنه كان أول ضابط عربي يخترق أجواء العدو، ويدمر طائرات لجيشه. فيما ظهر الجانب الرسمي مصراً على موقفه، فقد قال نائب رئيس الوزراء الأردني الدكتور جواد العناني في تصريح صحفي إن «الحكومة الأردنية ليست خجلة من تعديل المناهج (...) اكتشفنا أن في بعضها ما يحفز على الإرهاب». إلا أن علاء الحمراوي، الطالب في الصف السادس، بمدرسة شهيد السلام الابتدائية بكفر الشيخ، لم يلتقط أيا من عدوى التخوف، التي أصابت مسؤولي التعليم من دروس القادة المسلمين، حيث وصف الحمراوي صلاح الدين بـ «القائد العظيم، والحاكم العادل، الذي يتخذ قراراته بعد التشاور مع رفاقه»، وهي صفات حتماً لا تنطبق على «إرهابي»، كما تحمست حنان عبد الحميد معوض في الصف نفسه، من المدرسة التجريبية الحديثة، لدى حديثها عن صلاح الدين، وقالت الفتاة، مستذكرة ما درسته عنه العام الفائت، إنه «بطل وشجاع». وصنف المعلم المتقاعد وليد النمر إجراء شطب سير قادة تحت بند «تأويلات مغلوطة»، وقال إن حذف «الفتوحات الإسلامية» من كتب التاريخ في دول عربية، «ليس تصرفاً حصيفاً، فهذه حقائق لا يمكن نفيها أو تجاهلها». واعتبر أن المشكلة لا تكمن في سرد الوقائع التاريخية والتركيز على أبطالها، وإنما في كيفية طرحها، والسياق الذي توضع فيه، متخوفاً من «انقلاب السحر على الساحر»، حين يسعى طلبة لمعرفة أحداث تاريخية، مستعينين بمصادر «غير موثوقة» قد تزوده بمعلومات مؤدلجة تؤثر فيه فكرياً وعاطفياً ولاحقاً سلوكياً. جاء رأي النمر، الذي قضى في سلك التعليم 30 عاماً، منسجماً مع ما أظهرته نتائج الاستبانة، إذ أعرب 83% من أولياء الأمور رفضهم لحذف سير قادة مسلمين من المناهج. وأوضح أن الطفل لا يدرك المعاني المجردة كالشجاعة والعدل والحكمة، ويحتاج إلى مثال واقعي يدعمها ليقبلها ويعمل بها، مشدداً على ضرورة اعتماد مبدأ القدوة الحسنة في التربية وعلى رأسها «القامات التاريخية المتوافق عليها»، بدلاً من ترك فراغ القدوة ليمتلئ بما هو غث. ويظهر أن التوجهات العربية لإلغاء دروس بعينها مرتبطة بمخرجات مؤتمرات متخصصة، وذكر الخبير التربوي السعودي الدكتور محمد المسعودي أن الدورة التاسعة عشر للمجلس المركزي لاتحاد المعلمين العرب، التي عقدت في القاهرة، بحثت حذف الموضوعات، التي من شأنها حض الطلبة على «العنف والكراهية»، ومنها الفتوحات الإسلامية. ويشار إلى أن اتحاد المعلمين العرب يضم مصر وسوريا واليمن وتونس والسودان والمغرب والعراق وليبيا والجزائر وفلسطين وموريتانيا والبحرين. واللافت، أن تعديل المناهج الدراسية وضع على أجندة وزراء داخلية الدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي، إلى جانب ملفات التعاون الأمني، وتبادل المعلومات، ودعم أجهزة الأمن، وتجفيف منابع الإرهاب، وفق اتفاقية وقعت، في ختام القمة الخليجية الرابعة والعشرين (2003)، بحسب المسعودي. القاسم المشترك شكلت قيم التسامح القاسم المشترك الأكبر للتغييرات، التي عمت دولًا عربية، فالحكومة الأردنية مثلًا، أدخلت تعديلات على مناهج خمسة مساقات هي اللغتين العربية والإنجليزية والتربية الوطنية والتربية الإسلامية والتاريخ تحت مبرر نبذ العنف، ووزعت «وثيقة السلام» على مدارس المملكة الحكومية تدعو فيها إلى التركيز على تدريس الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة الداعية لإشاعة ثقافة التسامح بمختلف المراحل التعليمية. ولم يختلف التوجه في المغرب رغم بعد المسافة، فبحسب المسعودي، أخضعت وزارة التربية الوطنية المغربية مقررات التربية الإسلامية في مدارسها لمراجعة شاملة بالشراكة مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، لضمان تدريسها وفق القيم السمحة الداعية إلى الوسطية والاعتدال والتسامح والتعايش، في ظل تخوف من تأثير التيارات الدينية المتطرفة وتوظيفها المغرض لمناهج التعليم، على خلفية تفكيك أجهزة الأمن هناك عشرات الخلايا المسلحة. والأمر ذاته ينطبق، وفق المسعودي، على دول خليجية اتخذت إجراءات جادة لتخليص المناهج من الفكر المنحرف، وخطاب الكراهية، إلى جانب إجراء إصلاحات سياسية والتوقيع على اتفاقيات دولية لمكافحة الإرهاب. ولا تنفصل دعوات المطالبة بتغيير المناهج عن محيطها العام، إلى ذلك، قال المسعودي إن المناهج المدرسية السعودية، هي الأكثر تعرضاً للاتهام بأنها «تحرّض على التشدد والطائفية ورفض الآخر»، مشيراً إلى أنه ملف مطروح منذ الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، حين وجهت الولايات المتحدة انتقادات «لاذعة» لها، بحجة أنّ 15 انتحارياً من أصل 19 كانوا من حملة الجنسية السعودية، ما أكسب دعوات تعديل المناهج زخماً سياسياً، تصاعد مع تفجيرات الرياض عام 2003، التي استهدفت مجمعات يسكنها أجانب، فاشتعل نقاش مسألة «التطرف الديني» مجدداً بشكل موسع داخل المملكة، وكان من إفرازاته إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، كما نشط كتاب ومثقفون في تهيئة ظروف قادت في محصلتها إلى قيام وزارة التربية السعودية بتطوير بعض المناهج، خاصة الدينية. ويأتي الربط بين الإرهاب والمناهج في إطار «حرب الأفكار»، وفق تعبير الإدارة الأميركية، بحجة أن الإرهاب المحارب هو ديني «إسلاموي». ما ولد صراعات اتخذت عناوين متعددة، ونشبت في ميادين مختلفة، من الديني إلى السياسي وانتهاء بالثقافي، فالرؤية الأميركية شخصت مناهج الدول العربية مباشرة بأنها «تحض على نشر ثقافة العنف وكراهية الغرب»، حسبما صرحت به مسؤولة برامج مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية ألينا رومانسكي عام 2003، قائلة «من الآن فصاعداً لا توجد فسحة للكراهية وعدم التسامح والتحريض، فنحن نحاول أن نعيش معا، وأي منهاج دراسي لا يسير في هذا الاتجاه يجب تغييره». ولم يتوقف الربط بين الإرهاب والمناهج منذ أحداث الـ 11 من سبتمبر حتى اليوم، فدورته لا تزال سارية، وآخر تجلياتها قيام مؤتمر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، الذي عقد، قبل نحو شهرين، بالتعاون مع معهد «المهاتما غاندي» للتعليم من أجل السلام والتنمية المستدامة في نيودلهي، بالدعوة إلى «تبني منهجية تربوية تعتمد على الاندماج واحترام الآخر للحيلولة دون انتشار ظاهرة التطرف». وتضمنت توصيات المؤتمر إشارات واضحة حول أهمية إيجاد بيئة مدرسية تنهي الشعور بالتهميش، وتقضي على العنف الجسدي والنفسي، مع تحديد الطلبة المعرضين لخطر التطرف، ومتابعتهم واحتوائهم، وبناء شراكات وتفاهمات بين المؤسسات التعليمية والمجتمع لإنقاذهم وتحصينهم، غير أن أهم توصياته تصب في «تغيير المناهج الدراسية نحو تثقيف الأجيال القادمة بالقيم الإنسانية من أجل القضاء على التمييز والفقر باعتبارهما من أهم عوامل التطرف». ولم يبرئ المسعودي مناهج سابقة من شبهة التحريض على العنف. ورأى أن بعضها أخرج الدين الإسلامي العظيم من «مضمونه» الروحاني والأخلاقي والتربوي، وحوله إلى أداة للتنفير والحكم والعقاب، ونشر اتجاهات تناهض التعايش، وتكرس الصراعات. وخلص إلى أن «المناهج الدراسية بحاجة إلى تعديلات باتجاه تنمية قيم الحوار والتسامح والعيش المشترك، ومن جانب آخر تنمية العقل النقدي والبحثي والمعرفي والتقني لدى الطلبة»، محذراً من تسميم عملية تطوير المناهج بجعلها محكومة لقرارات سياسية. مطالب بالتراجع رغم كل محاولات الإيضاح الرسمية، إلا أن إجراءات تعديل المناهج جوبهت بالاحتجاجات الشعبية، معتبرة أنها «ضبابية». في هذا الإطار، قال المسعودي إن المناهج في دول عربية تحولت إلى أزمة «رمزية» مستمدة من عمق الكرامة العربية والإسلامية، وما لبث الرمز أن اتسع ليملأ ساحة «الصراع على التغيير»، ثم تحول إلى مقاومة للتغيير، ووصل الأمر إلى اتهام من يسعى إلى تغيير المناهج بارتكاب «جريمة دينية ووطنية»، كما ظهر في رد فعل حزب النور السلفي في مصر. وفي الجزائر طالبت «حركة مجتمع السلم»، التي تعد أكبر حزب إسلامي هناك، بالتراجع عن «إصلاحات الجيل الثاني للتعليم»، ورأت أنها شهدت «خروقات» تتعارض مع إرادة الشعب وثوابته، داعية كل «القوى الحية» في المجتمع للتصدي لمحاولات «التغريب وتهديد الثوابت الوطنية». وفي جارتها تونس أكد «الائتلاف المدني» أن وزارة التربية لم تطبق مبدأ الديمقراطية التشاركية على عملية صياغة المشروع الوطني لإصلاح المنظومة التربوية. وانتقد تركيبة لجنة القيادة المشتركة للمشروع، معتبراً أنها تمثل لوناً أيديولوجياً واحداً. وفي الأردن لا يزال الجدل السياسي والديني حول المناهج محتدماً. لم تكترث جهود الإصلاح التربوي كثيراً بمسألة «المنهاج الخفي»، الذي رآه الخبير التربوي السعودي الدكتور محمد المسعودي عيباً واضحاً فيه. وقال «حتى وإن أنكرنا احتواء المناهج على أي نوع من أنواع الحض على الكراهية، فإن هناك ما يسمى المنهاج الخفي، الذي لا يمكن التحكم فيه أو توجيهه، فهو خاضع لشخصية المعلم وسلوكه وتوجهاته الفكرية»، مؤكداً أن تأثيره في الطلبة يفوق المنهج الدراسي بكثير، فبداخل الفصول الدراسية لا يوجد رقيب على ما يقوله المعلم، فقد يبدو في ظاهره إصلاحاً وإنكاراً للمنكر، فيما هو في باطنه جرأة على التكفير وسفك الدماء وتفريق الأمة، مستنكراً تطويع المناهج لخدمة أغراض «إسلاموية». وأوضح، المسعودي، المتخصص في علم النفس المدرسي، أن المنهاج الخفي يمثل القيم والتوجهات التي تظهر في النشاطات والممارسات، التي يتعرض لها الطلبة داخل المدرسة، وتؤثر بهم، ويكتسبونها بصورة غير واعية، وعادة ما تكون صادرة عن المعلمين والمرشدين والمشرفين. ولفت إلى بعض الأنشطة غير الصفية، التي تصنف «منهجاً خفياً»، كالمحاضرات والأندية الطلابية. وأبدى الخبير التربوي الأردني الدكتور ذوقان عبيدات المخاوف ذاتها من «المنهاج الخفي»، حتى أنه اعتبره الشق المباشر من «الداعشية» المستشرية في الكتب المدرسية، استناداً إلى دراسة تحليلية أجراها على محتوى كتب ثلاثة مقررات، وهي اللغة العربية والتربية الوطنية والثقافة العامة، إلى جانب كتب التربية الإسلامية. وعرف عبيدات «الداعشية» بأنها في شقها السلبي (غير المباشر) تعني غياب قيم الإبداع، والجمال، والموسيقى، والحب، والخير عن المناهج، فيما تعني في شقها الإيجابي (المباشر) وجود نصوص يمكن للمعلم نقلها بتفسيرات متطرفة أو متحيزة، وهو ما يندرج تحت مفهوم «المنهاج الخفي». وأظهرت الاستبانة البحثية، التي أجرتها «الاتحاد»، أن نحو 77% من أولياء الأمور يعتقدون بأن المعلمين قادرون على توجيه الأطفال نحو العنف أو التسامح. ملامح «داعشية» في سياق متصل، رأى عبيدات أن طبيعة المادة في كتب التربية الإسلامية يمكن أن تنقل إلى الطلبة بطريقة «داعشية»، ومن أمثلة ذلك أن دروس الجهاد تمتد في جميع سنوات الدراسة، وتتضمن هداية العالم بأجمعه، وإزالة أية عقبات أمام انتشار الدعوة الإسلامية، متسائلاً «هل يستطيع المعلم شرح مثل هذه المفاهيم بطريقة متوازنة ويضعها في إطارها الموضوعي بعيداً عن تشجيع ثقافة العنف؟» وضرب مثالاً آخر يتمثل في أن الكتب تتضمن مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعتبره واجباً على كل مسلم، معلقاً «تصوروا كيف يمكن لمعلم أن يفسر: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده (..) وكيف يمكن لمراهق أن يطبق هذه الأفكار؟»، ذاهباً إلى أن أي كتاب يخلو من القيم والمهارات ذات البعد الإنساني والعلمي لا يسهم في مواجهة التطرف. وليس هذا الجانب الداعشي الوحيد، الذي انتقدته دراسة عبيدات في المناهج الأردنية، فقد احتوت، وفقها، على هجوم صريح على العلوم الحديثة، واتهامات بأنها «تبعد الناس عن الدين والإيمان والشرف، وتدمر البيئة، وتسهم في انتشار الفساد والطلاق والمخدرات». وشرح «ليس هناك موازنة بين كفتي ميزان العلم (الفوائد والأضرار)، فالمؤلف أراد للطالب أن يفهم من الدرس أن اكتساب العلم الحديث وإن لم يكن في الأصل جيداً فهو ضرورة للبقاء». كما اعتبرت الدراسة غياب التفكير من الجوانب الداعشية في المناهج، وقال عبيدات إنه «لم يلحظ أية مواقف تحرض على التفكير، فالمادة معروضة سرديا، والتقويم كله في نهاية الدروس يستخدم كلمتي اذكر وعدّد من دون طلب رأي الطالب في قضية ما». ومن الملامح الداعشية في المناهج كذلك، وفق دراسته، تقديم المرأة في صورة تابع، واقتصار المواضيع حولها بواجبات الطاعة لزوجها. وخطورة مثل هذه المناهج، بحسب عبيدات، الأمين العام السابق لوزارة الشباب، أنها تنتج جيلاً سهل الاستمالة، وضعيف المقاومة العقلية، وقليل الحيلة النقدية ما يجعله لقمة سائغة أمام الجماعات المتشددة، فيما المطلوب تخريج نشء مفكر، وناقد، وواثق، ومبدع، ومنفتح، وفاحص. عدم رضا ولا يبدو عبيدات راضيا عن الإجراءات، التي اتخذتها وزارة التربية لإصلاح المناهج، معتبراً أن ما حصل «تعديلات شكلية تمثل بداية مشوار تحسين وضع المرأة، والاهتمام بالهوية الوطنية، والعناية بالفنون». في حين أن تطوير المناهج، بحسبه، «عملية مستمرة تشاركية تخضع لمتغيرات محلية وإقليمية وعالمية». وقال إنه يجب تطوير أهداف المؤسسة التربوية أولاً لجعلها مؤسسة تؤمن بالحرية والتعددية والتجديد، وتحث على مناقشة التابوهات الاجتماعية، لتكون «صانعة للمستقبل»، ومهيئة لخلق جيل قادر على حل المشكلات بطريقة إبداعية بعيداً عن العنف. والمطلوب أيضاً، وفقه، أن «تفصل المؤسسة التربوية بين الخرافات والأوهام في تراثنا، فمن مسؤولياتها تنقية الموروث، والسماح بمناقشته، وتجنب محاسبة من ينتقده تحت شعارات القداسة والصلاحية الدائمة». ورغم اختلاف الأسباب فإن النمر يتفق مع عبيدات في عدم الرضا عن إجراءات الإصلاح التربوي في الأردن، واصفاً الخطوات التربوية المتخذة بأنها «عرجاء» كونها ركزت على المناهج، وأغفلت بقية عناصر العملية التعليمية من معلمين وطلبة وبيئات مدرسية. وقال إن التطوير لم يبن على تقييم شفاف وموضوعي للمناهج بغية تحديد مواطن الضعف فيها، استبعاداً لأي شبهات تسييس. ورأى أن تخليص الوعي من الأفكار الهدامة لا يقتصر على تنقيح المقررات الدراسية، بل يحتاج إلى خطة إصلاح تشمل مختلف جوانب الحياة. وواضح أن حالة عدم الرضا في الأردن رسمية كذلك، فقد لاحت في أفق الأزمة إشارات تراجع، حيث وجه وزير التربية والتعليم محمد الذنيبات، مؤخراً، كتاباً إلى إدارات المدارس، بتقديم مقترحاتهم وآرائهم حول التعديلات الأخيرة على الكتب المدرسية كونها «طبعة تجريبية». في المقابل، بدا الجانب الرسمي في مصر مرتاحاً لما أقدم عليه. إذ قالت الدكتورة بثينة كشك، وكيل أول وزارة التربية والتعليم بمحافظة الجيزة، إن ما حدث للمناهج المدرسية يمكن توصيفه بأنه «نظرة موضوعية» للوصول إلى إعداد جيل يعرف معنى الانتماء الحقيقي، معتبرة أنه «تصحيح للمسار». وأوضحت أنه يأتي منسجماً مع جهود الدولة لمكافحة الإرهاب، مشيرة إلى أن وزارة التربية تجتهد في تقديم منهج علمي لمواجهة الأفكار المتطرفة، من منطلق الدور الخطير المنوط بها، والمتمثل بإعداد المواطن المصري، بما يتلاءم مع متطلبات العصر. ورغم أن كشك لم تحسم مسألة احتواء الكتب السابقة على أفكار مشجعة على الإرهاب، إلا أنها قالت إنه «بعد دراسة واعية ومتأنية للمناهج من خلال لجنة تضم خبراء تربويين، تم حذف ما لا يتلاءم مع عقلية الطالب، ولا يحقق الهدف التربوي منه بالمرحلة التعليمية المقيد بها». وذكرت «لا أعتقد أن المناهج لعبت دوراً في رفد المنظمات الإرهابية بالعنصر البشري، ولكنني لمست محاولات لإدخال مفاهيم هدامة خلسة إلى بعض المناهج للقضاء على بعض القيم المصرية المتعارف عليها»، لافتة إلى أن الوزارة راجعت كل تغييرات المناهج التي جرت في ظل حكم «الإخوان»، وما وجد فيها من أكاذيب أو معلومات مغلوطة تم تصحيحه أو حذفه. ويشار إلى أن جماعة «الإخوان المسلمين» وصلت إلى سدة الحكم في مصر عام 2012 بعد انتخاب القيادي البارز فيها محمد مرسي رئيساً للجمهورية، والذي ما لبث أن عزل عام 2013، على خلفية «مظاهرات 30 يونيو». ويظهر أن هناك توجساً من وجود منتمين أو متعاطفين مع الجماعة «الإرهابية» بين صفوف المعلمين، فقد قالت كشك إنه لا مكان لمعلم يحمل أفكاراً حزبية وينشرها في المدارس، مشيرة إلى أن الوزارة تتابع جميع المعلمين سواء من خلال التوجيهات المختصة، أو المتابعات الفنية، أو تقييم الأداء. وشددت على أن «من يثبت بثه لأي صورة من صور التطرف للطلبة يستبعد وفق ضوابط تحقق عدم إلحاق الظلم به». تخفيف المناهج استخدمت وزارة التربية المصرية عبارة «تخفيف المناهج» للإشارة إلى الإجراءات التي اتخذتها، في إطار خطة تستكمل العام المقبل. ولتوضيح آلية «التخفيف» لا سيما التي استهدفت مقررات التربية الإسلامية في المرحلة الابتدائية، والتي وصلت نسبته، وفق صحيفة مصرية إلى 40%، قالت كشك، مبدية استغرابها من النسبة، إن «لجانا متخصصة، منبثقة عن مركز تطوير المناهج، الجهة المخولة بتطويرها منذ إنشائه عام 1988، راجعت منهج التربية الإسلامية إلى جانب مراجعته من قبل مؤسسة الأزهر الشريف، وحرصنا على أن يتضمن مفاهيم الدين السمحة، والقيم الإسلامية البناءة». فيما كان رئيس لجنة تطوير المناهج حسن شحاتة قال في تصريحات صحفية إن «تخفيف المناهج لم يتم بشكل عشوائي، وما تم حذفه هي الموضوعات التي استهلكت». و«التخفيف» سواء كان بداعي تضمين المناهج قيم الإسلام السمحة، أو التخلص من الموضوعات المستهلكة، فإنه لاقى انتقادات شعبية اعتبرته «نفذ لاعتبارات سياسية لا تصب في مصلحة الطلبة». إلا أن كشك أشارت إلى أن أي تغيير في المجتمع يلقى مقاومة، كما يجد تأييداً، معتبرة أن إدراك الأفراد لهدف التغيير يجعلهم يؤمنون بضرورته. منحنى مباشر مقابل «التغيير» الأردني و«التخفيف» المصري، ارتأت الإمارات أخذ منحى مباشر في سعيها لتحصين أبنائها من التطرف، فقد كان عبد الله زكريا (16 سنة) يعتقد أن الجماعات «الدينية» السياسية تسعى لإقامة الشريعة واستعادة مجد الأمة، وكان يكن لها الاحترام، إلا أن دراسته كتاب «السراب»، الذي أقرته وزارة التربية والتعليم على طلبة الصف الثاني عشر اعتباراً من العام الدراسي الجاري، غيرت قناعاته. وقال عبد الله، الطالب في مدرسة درويش بن كرم الثانوية بالعاصمة، إنه أدرك عقب دراسته «السراب»، وهو كتاب نشاط ضمن منهج الدراسات الاجتماعية والتربية الوطنية، أن الجماعات، التي تتخذ من الإسلام شعاراً لها، تسعى إلى تحقيق مآرب دنيوية، مستغلة العلاقة الحساسة بين الدين والمجتمع، مؤكداً أنها «ظاهرة خداعة». وبدا الفتى، الذي ينوي دراسة الطب، واثقاً في استنتاجه أنهم «لا يهدون إلى الإسلام، بل إلى الضلالة». واتفق سعيد محمد علي الحق مع ما ذهب إليه عبدالله (زميله في الصف)، لافتاً إلى أن الكتاب الذي يدرسونه، وفق طريقة أوراق العمل، وعّاه بخطورة تلك الجماعات، ووضح أمامه الخطوط الفاصلة بينها وبين العمل السياسي الديني الصحيح. وقال إن قادتها «يقصون (يكذبون) على الناس». ويعبّر كتاب «السراب» عن رؤية مؤلفه سعادة الدكتور جمال السويدي، بأن الصراع الذي تخوضه دول في العالمين العربي والإسلامي، ضد الفكر المتطرف وتنظيماته، ليس محصوراً في نطاق أمني عسكري، بل هو حرب ممتدة وذات طابع فكري، ما يتطلب تخطيطاً تربوياً بعيد المدى. ويناقش الكتاب ظاهرة الجماعات الدينية السياسية من زوايا فكرية وسياسية وعقائدية وثقافية واجتماعية، كما يركز على الفكر الديني السياسي بشتى تجلياته وجماعاته، ويرصدها تاريخياً وصولاً إلى ذروة صعودها السياسي بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. وقال السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، إن الكتاب، الذي نال جوائز عدة، يقف في وجه تصوير الجماعات الدينية السياسية وكأنها تمثل حقيقة الإسلام، فاضحاً نواياها، وكاشفاً أكاذيبها. وحرصت وزارة التربية، التي تتعاون مع المركز، على استهداف طلبة الصف الثاني عشر ليتمكنوا من تناول الكتاب بالقراءة والتحليل قبل تخرجهم في المدرسة، وانتقالهم للحياة الجامعية ومن ثم العملية، وخصوصاً في هذه الحقبة الزمنية، التي أصبحت للعصابات، التي تمارس تلاعبها باسم الدين، أذرع ووسائل وأدوات، ما حملها لتطوير منهج «الدراسات الاجتماعية والتربية الوطنية»، الذي يضمَّ مواد التاريخ والجغرافيا والاقتصاد وعلم الاجتماع، للصفوف من التاسع إلى الثاني عشر، والذي أقر تدريسه بدايةً من العام الدراسي 2016 - 2017. وقال السويدي إن تطوير هذا المنهج يتوافق مع رؤية القيادة الرشيدة للدولة، التي تجسِّدها مبادرة «الإمارات تقرأ»، والمواصفات التي تنشدها في جيل جديد من الطلبة المؤهلين والقادرين على الفهم والبحث والتحليل، والمسلَّحين بالقيم التي تحض على التسامح وقبول الآخر والانفتاح، والحائزين مهارات النقد البنَّاء بعيداً عن الحفظ والتلقين عبر تدريس كتب علمية خارجية تتعلق بفروع المادة الأصلية. وركزت وزارة التربية على تطوير منهاج التربية الوطنية، مؤمنة بأهمية رص الصفوف، وتأمين الجبهة الداخلية لقتل محاولات التطرف في مهدها، وقال السويدي إن المادة ترسخ قيم الولاء والانتماء والتضحية من أجل الوطن في نفوس الطلبة، الذين هم في مرحلة عمرية حسَّاسة، خوفاً من استمالتهم من جانب تنظيمات متطرِّفة تبرع في غسل الأدمغة. وضمن هذا المحور أيضاً جاءت مبادرة «التربية الأخلاقية»، التي أطلقها ديوان ولي عهد أبوظبي، بتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ليتم إدراجها في مقرَّرات مدارس الدولة. وقال السويدي إن المبادرة تنطوي على أهمية كبيرة، ليس لأنها ترسِّخ القيم والأخلاقيات، وتهذب سلوكات الطلبة فقط، وإنما لأنها تعزِّز منظومة القيم الإيجابية في المجتمع، وتسهم في التنشئة على حب الوطن والانتماء إليه، بما يضمن بناء الشخصية الإماراتية المتسلحة بالعلم والأخلاق معاً كأساس لأيِّ عملية تنمية ناجحة. ويشار إلى أن الدعوة إلى تعميق الاهتمام بالتربية الأخلاقية في المدارس والجامعات الإماراتية كانت إحدى توصيات المؤتمر السنوي السابع للتعليم، الذي نظمه المركز في نوفمبر 2016. ومؤخراً، هزت جريمة المجتمع الإماراتي حين أقدم شاب على حرق والديه بالنار حتى الموت نتيجة تأثره بالفكر المتزمت. وكان رئيس مركز جنيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي، الدكتور حنيف حسن القاسم، حمل في تصريح صحفي، «بعض المناهج القديمة والمراجع الخاطئة التي يشوبها التطرف والغلو في الدين» المسؤولية. وتابع أنه «ينبغي تنقية بعض المراجع الدينية من الشوائب والنصوص السقيمة، ومن التفسير العقيم لحماية المجتمع من التطرف». وبات تغيير المناهج الدينية والوطنية والتاريخية والاجتماعية توجُّهاً رئيساً لكثير من الدول العربية في الآونة الأخيرة، وهو ما اعتبره السويدي ضرورة فأغلبها لا يخاطب العقل، ويغلب عليه الطابع النظري، في وقت تنشط فيه الجماعات الدينية السياسية لنشر فكرها الضال، مستخدمة أحدث الوسائل والتقنيات، ما يتطلب ليس التصدي لهذه المحاولات فقط، وإنما العمل على تعزيز الوعي الديني والثقافي في صفوف النشء، وتنشئتهم على قيم الوسطية والاعتدال والتسامح، بصفتها حائط الصد الرئيس لمواجهة النزعات المتشدِّدة، مشيراً إلى أنه تطور مهم وإيجابي في المعركة ضد قوى الإرهاب ما يخرج جيلاً مدركاً لطبيعة المتغيرات والمستجدات على الساحتين الإقليمية والعالمية، وقادراً على التصدِّي لأي محاولة للنَّيل من أمن الوطن أو استقرار المجتمع. وتعد تجربة الإمارات في تطوير المناهج نموذجاً يمكن الاستفادة منه عربياً، لأنها توازن بين الحفاظ على الهوية الوطنية، وتحصين النشء في مواجهة الأفكار المتطرفة من ناحية، والانخراط في العلوم العصرية المتقدمة التي تسهم في مواكبة الطفرة التكنولوجية من ناحية ثانية. اتساع الفجوة وقال السويدي «ليس مقبولاً ولا منطقياً أن تظل الفجوة شاسعة بين العالم العربي والدول الأخرى في هذا المجال، لهذا من الضروري التركيز على الرياضيات والعلوم بصفتها الأساس في الانتقال نحو اقتصاد المعرفة». ولفت إلى أن تطوير المناهج الدراسية في الدولة يسير وفق محورين متوازيين، الأول خاص بتطوير المناهج التي تستهدف تعزيز الهوية الوطنية والثقافية، وتشكيل توجهات الطلبة. فيما يعنى المحور الثاني بتطوير المواد الدراسية، التي تخدم مسيرة التنمية والتطور في الإمارات، وتسهم في بناء قاعدة من الكوادر المتخصِّصة انسجاماً مع التوجُّه الاستراتيجي لتوطين التكنولوجيا المتقدِّمة. وفي أغسطس 2016، اعتمد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي خطة التطوير الشامل لمنظومة التعليم في الدولة، بغية إدخال تغييرات كبيرة في المناهج، والمهارات الطلابية، والمسارات التعليمية، وأنظمة التقييم المدرسي. وفي سياق محاكاة توجهات الدولة نحو الابتكار ومواكبة الحداثة، ذكر السويدي أنه تم إدراج مناهج جديدة للتكنولوجيا والتصميم الابتكاري والعلوم الصحية والإرشاد الوظيفي ومهارات الحياة وإدارة الأعمال، لافتاً إلى أن العمل جار على إدخال برمجة الكمبيوتر وعلومه ضمن المقرَّرات الدراسية من الصف الأول حتى الثاني عشر. فضلاً عن التركيز على المساقات، التي تخدم المشروعات الوطنية الكبرى، وفي مقدِّمتها المشروع النووي للاستخدام السلمي للطاقة النووية، ومشروعات الطاقة المتجدِّدة، لافتاً إلى أن وزارة التربية انتهت من بناء منهاجين مستحدثين يطرحان للمرة الأولى هما مادة تصميم وتكنولوجيا، لطلبة الصفوف من الرابع حتى التاسع، ومادة التكنولوجيا والابتكار، التي تستهدف الصفوف من العاشر حتى الثاني عشر. ومؤخراً اعتمد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، تصاميم مشروع دولة الإمارات العربية المتحدة لاستكشاف المريخ (مسبار الأمل)، الذي من المتوقع أن يصل إلى المريخ بحلول عام 2021، لتكون من بين تسع دول فقط تطمح إلى استكشاف الكوكب الأحمر. إلى ذلك، قال السويدي «هذا طموح كبير من الضروري إدراجه في مناهجنا، خاصة أننا نتطلَّع إلى كوادر مواطنة تتولى قيادة هذا المشروع العملاق». ورغم أن استراتيجية الحرب على الإرهاب، التي تشنها دول عربية تقتضي في شقها الفكري مراجعة المناهج، وتنقيتها من شوائب يمكن استغلالها من قبل المتشددين، إلا أنه يُخشى في المقابل، من أن تُثير توترات داخلية في الدول المستقرة. لذا كان لا بد من تمرير ناعم لمثل تلك التغييرات، وتأطيرها بإطار وطني شفاف، يبعد عنها شبهات التدخلات الخارجية والأهواء السياسية، فضلاً عن محاولة جعلها هماً مجتمعياً تشترك فيه كل أطياف المجتمع بالسهر والحمى، بعيداً عن ألاعيب السياسة، وصفقاتها. منهج ينمي العقل عما ينقص عمليات تطوير المناهج العربية لتكون مؤثرة، قال الخبير التربوي والباحث المتخصص محمد المسعودي، إن اللجان المسؤولة عليها الاهتمام بتطوير محتوى الكتب المدرسية بأسلوب صياغة مؤثر في الطلبة، ويراعي أفكارهم وأعمارهم وحالاتهم النفسية، مضيفاً أن المطلوب هو تعديل جذري يبنى على منهج ينمي العقل، ويحث على التفكير. وقال إنه ينبغي أن تستند أسس التطوير إلى فلسفة تربوية منبثقة عن أهداف المجتمعات وطموحاتها، مع رؤية «واضحة» في أذهان المطورين، واعتماد أهداف محددة تعكس تنمية الفرد تنمية شاملة ومتوازنة، وتعمل على إشباع حاجاته، وحل مشكلاته، وتعزيز ميوله واتجاهاته الإيجابية، وبما ينسجم ومصلحة المجتمع وطموحاته وأهدافه، وطبيعة العصر ومستجدات العلوم الأساسية والنفسية والاجتماعية. وأضاف أنه من المهم أن يتسم التطوير بشموله، وكفاياته الأكاديمية والتربوية، وأساليب تقويمه وأدواته وطرائق تحليل نتائجه، وأن يتسم بالشراكة المجتمعية الرسمية، مع الأخذ في الحسبان اتسامه بالاستمرارية، والابتعاد عن العشوائية، مع الاستفادة من التجارب السابقة، ونتائج الدراسات والبحوث العلمية المتعلقة بالتعلم وطرائقه واستراتيجياته، لافتاً إلى ضرورة اعتماد نظم التعلم الإلكتروني لتقديم إنتاج معرفي يلائم احتياجات سوق العمل. تحرك ذاتي «منفتح» قال سعادة الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، إن الإمارات، وهي تبادر للانتقال إلى المستقبل، عبر التسلُّح بالعلم والمعرفة وبناء الأجيال القادرة على استكمال مسيرة التطوير والارتقاء، لا تدخر جهداً في الانفتاح على العالم الخارجي في عمليات تطوير التعليم والمناهج، ونظراً إلى المكانة التي تحتلها منظمة «اليونسكو»، بصفتها منظمة دولية متخصصة بالتربية والثقافة والعلوم، فإن الدولة أقامت معها علاقات وثيقة منذ زمن طويل، فقد انضمت إليها في العشرين من أبريل عام 1972، أي بُعيد انطلاق مسيرة دولة الاتحاد مباشرة، ومنذ ذلك الحين هناك قنوات اتصال مباشرة بين الجهات المتخصصة بالتعليم محلياً وعلى رأسها وزارة التربية والتعليم، والمنظمة الأممية، مشدداً على أن تحرك الدولة لتطوير التعليم، بما في ذلك المناهج، تحرك ذاتي بدافع وطني أصيل، ينطلق من مسيرة التنمية الشاملة والمستدامة. شريك مغيب انتقد الخبير التربوي الأردني الدكتور ذوقان عبيدات تهميش المعلم من عملية الإصلاح التربوي المنصبة في جهود مكافحة الإرهاب، وقال إن «المعلمين عموماً يصنفون بأنهم من الفئات المجتمعية الأقل من المتوسطة أي أن بعض الطلبة أكثر رقياً اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً منهم، ما يجعل المعلم غير قادر على فهم سلوكات الطلبة وتصرفاتهم، وتالياً غير قادر على التأثير فيهم». وتابع أنهم يشعرون بالإحباط نتيجة قلة تأثيرهم، فهم يشكون ظروف العمل، وبيئته، وسوء الطلبة، وقلة الدخل، ما يجعلهم عاجزين عن القيام بوظيفتهم، التي تتجاوز شرح الدروس إلى اكتشاف توجهات الطلبة وتوجيهها وتصحيح مسارها، مشدداً على أن المعلم شريك مغيب عن عملية تطوير المناهج. وأبدى استياءه من ضعف نتاج المعلمين العرب عموماً من البحث العلمي، ما يجعلهم تقليديين، ويفتقرون إلى مهارات بناء الشخصية. ورأى أن ما سبق يفسر اتجاه بعضهم أو تعاطفهم مع الجماعات المتطرفة.  
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©