السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مدينة البُليدة عاصمة للورود والأزهار في الجزائر

مدينة البُليدة عاصمة للورود والأزهار في الجزائر
9 يوليو 2012
حسين محمد (الجزائر) - احتضنت ولاية البُليدة بغرب الجزائر معرضاً للورود والأزهار، شارك فيه 122 عارضاً من 22 ولاية، كان بمثابة الإعلان عن بداية عملية إعادة الاعتبار للولاية كعاصمة للورود في الجزائر بعد سنوات من تراجع مكانة الورد بها، وشهد المعرض إقبالاً واسعاً من سكان البُليدة والولايات المجاورة لإمتاع البصر بمناظر خلابة. وتُلقب البُليدة منذ عقود عديدة بـمدينة الورود بسبب شهرتها الكبيرة في إنتاج مختلف أنواعها وهذا منذ عهد الاحتلال الفرنسي حتى الآن، وقلما تجد عائلة من سكانها لا تزرع الورد ولو في فناء بيتها أو بالأواني البلاستيكية، وقد أهَّلها ذلك لاكتساب شهرة واسعة، وكانت تقيم سنوياً مهرجاناً يتم فيه تقاذفُ الورود وكذا رشق السياح والزوار بها ويُسمى «حرب الورود» بحسب بن يحيى حسين، رئيس الجمعية البيئية «الجوالة». وحافظت ولاية البليدة على ريادتها في زراعة الورود وإقامة مشاتل لها وتموين كل الولايات الجزائرية الـ48 بها، إلى غاية بداية التسعينيات، حيث بدأت مكانتها تتراجع لأسباب غير محددة، إلا أن بعض المتتبعين أكدوا أن السبب الرئيس يعود إلى استفحال الأزمة الأمنية بالبلد، خاصة في البُليدة، حيث شهدت أحداثاً خلفت آلاف الضحايا، ليحلّ الموتُ والفجيعة والأحزان محل الحياة والفرح والورود التي لم تعد تجد مكاناً لها وسط الدمار والخراب، إلى أن استعادت البلاد عافيتها في الألفية الجديدة، فبدأت الورود تستعيد بدورها مكانتها تدريجياً، لكن الأزمة القاتمة بقيت تلقي بظِلالها الكثيفة عليها فلم تتمكن من استرجاع مكانتها كاملة وقلّ الاهتمام بها. حملة توعية من هنا فكرت جمعية الجوالة بأنجع الطرق لإقناع السكان والجمعيات المحلية بالعودة إلى الاهتمام بالورود مجددا وزرعها وتوسيع نطاق مشاتلها فأقامت هذا المعرض بمشاركة الولاية، لقطع الخطوة الأولى. ويقول سفيان رليد، عضو بـجمعية الجوالة بعد انتهاء فترة هذا المعرض سنقوم بحملة واسعة لتوعية السكان بالعودة إلى غرس الورود مجدداً، فهي رمزٌ للحياة والأمل، ومن المؤسف التخلي عن هذه العادة الحميدة، وأعتقد أن السلطات تهتم بما يكفي بهذا المجال لكن السكان لا يهتمون. وأوضح أن البلديات تقوم بغرس الورود والأزهار في الحدائق العمومية، إلا أن السكان لا يحافظون عليها، كما أنها فتحت المجال للشباب لإنشاء مؤسسات صغيرة خاصة بمشاتل الورود، لكن الاستثمارات فيها لا تزال محدودة برغم أن الدولة عادة ما تمنح قروضاً بنكية لأصحابها. وفتح المعرض بعض أجنحته للشباب المستثمِر في مشاتل الورد، وقال الشاب حميد بن عياط، إنه حصل على قرض بنكي لإقامة مشروع مشتلة صغيرة للورود والأزهار، ولكن المشروع لا يزال ببدايته، وهو متفائل بتوسعه. مشاتل نموذجية وأضاف بن عياط “المئات من سكان البُليدة الذين يملكون هكتارات من الأراضي، أقاموا مشاتل نموذجية ناجحة للورود وحققوا أرباحا مالية كبيرة، ولديهم زبائن من مختلف أنحاء الجزائر، هو نشاطٌ مربح بشرط توفر أراض واسعة وتمويل كاف. وعرض أصحابُ المشاتل أنواعاً مختلفة من الورود والأزهار والنباتات المتسلقة والشوكية في شارع يمتد إلى نحو 300 متر، وحظي الجناحُ بإقبال واسع من السيدات بالدرجة الأولى لاقتناء أزهار ونباتات يمكن غرسُها في أوان بلاستيكية داخل البيوت، حيث تقول سيدة من المدينة وهي تتجول برفقة طفلها أمام المشاتل “هذه النباتات التزيينية تمنح شرفة البيت منظرا جميلاً، وروائحُها عطرة، هي فرصة لاقتناء ما أريد بأسعار منخفضة”، إلا أن هذه المواطنة أضافت ملاحظة وجيهة “يؤسفني أن أرى الورود الاصطناعية تحل محل الورود الطبيعية على نطاق واسع في معاملاتنا اليومية، هذا أمرٌ غير مبرر وغير مقبول، ويجب أن يُردّ الاعتبار للورد الطبيعي”. ديكورات متنوعة وخصص المنظمون أجنحة واسعة للمشاركين من 22 ولاية جزائرية، والذين لبُّوا دعوة جمعية الجوالة للمشاركة في المعرض، وقدم المشاركون أفضل ما لديهم من ديكورات وورودٍ طبيعية واصطناعية، وفضل الشاب بلال العجرود من ولاية جيجل شرق الجزائر، تقديم ديكور متكامل لملابس العروس مزدانة بالورود وألوان علم الجزائر، كما قدم باقة من الورود والأزهار المجففة في لوحات فنية، فضلا عن أعمال يدوية وحِرفية مختلفة، ونال بذلك جائزتين. أصداف البحر أما ولاية بجاية ففضلت تقديم ديكور آخر يعتمد على الدمج بين الورود وأصداف البحر التي بدت متناسقة متعانقة في منظر جميل، بينما قدمت ولاية “وادي سوف” باقة من “الورود الصحراوية” كما أسمتها، وأكد المشرف على الجناح سيف الدين ضاوي أن مشتلته تنتج الورود أو “النوَّار” في فصل الشتاء وليس الربيع كما جرت العادة، ولذلك يقوم تزويد بعض الولايات بها انطلاقا من هذا الفصل. ولم تقتصر مشاركة الولايات الصحراوية على “وادي سوف”، بل شاركت “تمنراست” أيضاً (2300 كلم جنوب الجزائر) بعرض يمثل أهم الأزهار الشهيرة بهذه المنطقة الشاسعة التي يستوطنها “الطوارق” ومنها أزهار السنط والنيلية والدفلة والآس.. بحسب بن ناجمي محمد، المشرف على جناح هذه الولاية المتاخِمة للنيجر. أكبر باقة ورد وأثناء فترة المعرض القصيرة التي لم تتجاوز الـ 3 أيام، كان نحو 40 شابا متخصصا في زراعة الورود يقومون بهندسة أكبر زربية بالورود الطبيعية بطول 30 مترا وعرض 20 مترا، واستعان الشباب بالعشب الطبيعي لتثبيت الورود زاهية الألوان ومختلفة الأشكال، في “ساحة الحرية” بقلب مدينة البُليدة، وأكدت مهدية عبان، عضو بجمعية جوالة أن الأمر تطلّب توفير 20 ألف وردة لإتمام الزربية. واستقطبت الزربية الآلافَ من عشاق الورود وبخاصة الفتيات والسيدات وأطفالهن، وتحلق الجميع حول هذا “الفراش” الطبيعي الوثير الذي حمل شعار50 في قلب العلم الوطني، وهي إشارة إلى قرب احتفال الجزائريين بالذكرى الخمسين لاستقلال بلدهم عن فرنسا «5 يوليو 1962- 5 يوليو 2012»، وصممت هذه الزربية خصيصاً لتشارك ولاية البُليدة بها في الاحتفالات الضخمة المنتظرة بالمناسبة في كل الولايات الجزائرية، فضلاً عن منح ساحة الحرية المركزية منظراً بهيجاً يسرّ العيون. تجربة أولى يرى سفيان رليد، عضو بجمعية الجوالة أن المعرض كان تجربة أولى استفاد منها المهتمون بالورود والبيئة، واستخلصوا عدة دروس ومنها تجنب إقامة المعرض في الصيف وضرورة إقامته في الربيع حتى يكون عدد الورود كبيراً. وأعرب عن أمله في اقناع الناس بالعودة إلى الاهتمام بالورود والاستثمار في زراعتها وحتى بيعها، حيث يريد أن يرى شابا يبيع الورود عوضا عن عبوات السجائر الضارة بالصحة والبيئة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©