السبت 11 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معضلة العراقيين السود

29 يوليو 2014 22:50
جلال دياب ثيجيل، شاب طويل القامة، يغلب على شخصيته طابع المرح والوسامة، وهي صفات كافية لأن تجعل منه رجلاً يتمتع بشعبية لافتة في مدينة البصرة التي يعيش فيها. ولكنه، كان يجمع إلى تلك الصفات سواد البشرة، وهو واحد من عشرات ألوف العراقيين الذين يعيشوا على هامش المجتمع بسبب لون بشرتهم. وفي عام 2003، وبعد أن لاحظ التحوّل والانفتاح الذي طرأ على المجتمع العراقي عقب الغزو الأميركي، وأيضاً بعد نجاح باراك أوباما في تخطي التاريخ المرير لوطنه مع التفرقة العنصرية حتى أصبح أول رئيس من أصل أفريقي للولايات المتحدة، بدأ جلال بالعمل على تأسيس محفل سياسي للمطالبة بإصدار القوانين والتشريعات التي تناهض التفرقة العنصرية في العراق. إلا أن الحظ لم يكن حليفه حيث اغتيل العام الماضي في البصرة برصاصة عنصرية. وتتفق معظم التقديرات الإحصائية على أن عدد العراقيين السود يقارب 400 ألف. ويعودون من حيث أصولهم إلى ما وراء الصحراء الأفريقية الكبرى، ويعيش معظمهم الآن على أطراف وضواحي مدينة البصرة على الرغم من أن قلّة قليلة من الباحثين تعتقد أن عددهم قد يصل إلى مليونين. ولا يتوافر إلا القليل من المعلومات المدوّنة حول تاريخهم القديم في العراق، على الرغم من أن الوثائق المتوافرة تشير إلى أن الموجة الأولى منهم وصلت إلى العراق كعبيد في مطلع القرن السابع الميلادي. وكما هي حال السود ذوي الأصل الأفريقي في الولايات المتحدة، فإن سود بلاد الرافدين عملوا كخدم في البيوت العامرة الثرية وأيضاً في الزراعة. ويسجل التاريخ اندلاع سلسلة من انتفاضات العبيد العراقيين كان من أشهرها تلك التي حدثت عامي 869 و883 إلا أنها سرعان ما أخمدت. وواصلت التجارة بالعبيد الأفارقة في العراق ازدهارها خلال عشرينيات القرن الماضي، وكان يتم جلبهم من أرخبيل جزر زنجبار في المحيط الهندي وأيضاً من غانا الأفريقية على المحيط الأطلسي. إلا أن هذه التجارة منعت. وصدرت في العراق منذ تلك الفترة قوانين تهدف إلى تكريس المساواة ومنع العنصرية ضد السود في كافة أوجه النشاطات البشرية من الأعمال المنزلية والوظائف وحتى الحياة الثقافية. وغالباً ما يطلق العراقيون على ذوي البشرة السوداء اسم «العبيد»، وكثيراً ما كانت تسند إليهم الأعمال البسيطة. ولقد وجدت بعض مظاهر الثقافة الغريبة والمتميزة لذوي البشرة السوداء تربتها الخصبة في العراق. وكان العراقيون يقصدون المنجمين السود لطرد الأرواح الشريرة من نفوسهم وللاستشفاء من أمراضهم العضوية والنفسية. وعندما طالت فترة اندماج السود في المجتمع العراقي، اعتنق معظمهم الدين الإسلامي وأخذ بعضهم بالمذهب السنّي، واعتنق آخرون المذهب الشيعي. وكانت الجريمة التي اقترفها جلال ولقي مصرعه بسببها، هي أنه اعتقد أن الواقع المجحف الذي يعيشه السود العراقيون يمكن تغييره. وبدافع من إعجابه الشديد بكل من باراك أوباما والرجل الثوري المدافع عن السود في أميركا مارتن لوثر كينج، عمد إلى تأسيس «رابطة الدفاع عن الحريات» في البصرة التي رفعت شعارات تنادي بصيانة الحريات المدنية والحفاظ على الهوية الإثنية المتميزة للسود العراقيين. وتمكن جلال من استقطاب عدد كبير من المؤيدين حتى أن سود البصرة أطلقوا عليه لقب «مارتن لوثر كينج العراق». وفي بلد كالعراق تتغلغل فيه الانقسامات والاستقطابات المذهبية والإثنية في صلب التركيبة السياسية، يكون للإثنيات ذات العلامات الفارقة القوية (كسواد البشرة مثلاً) حظها الضئيل في الاستمرار والبقاء، وعادة ما تنال الانتقادات من بقية الأطراف. وبسبب هذا الوضع، لم يتمكن أسود عراقي واحد من احتلال منصب حكومي رفيع، ولم يتقلد أي من السود العراقيين منصب وزير في أية حكومة عراقية. وفي إطار مساعي جلال لنشر ثقافة المساواة الإثنية، بدأ بتشكيل فصول دراسية لتعليم الطلاب الحقائق المتعلقة بغنى الإرث الثقافي للسود. وشجع السود العراقيين على نشر موسيقى «الهيب- هوب» المتميزة في مناطق الجنوب العراقي عقب الغزو الأميركي. وكان الخطأ الذي ارتكبه جلال هو إهماله للتهديدات بقتله والتي كانت تصله بشكل متكرر وحازم. وقبل عام، وفيما كان يغادر غرفة أحد الفصول الدراسية في البصرة والذي علق فيه صورة لباراك أوباما، أطلق عليه مسلح النار من مسدسه وأرداه قتيلاً. ولم يكن اغتيال جلال حادثاً عنصرياً أبداً، بل إنه اغتيال سياسي من دون أدنى شك. وكانت صورة أوباما كالراية الحمراء بالنسبة للأحزاب السياسية الشيعية التي تلقى الدعم والتشجيع من إيران. وكان من بين الشعارات التي طرحها جلال هو أن على الممثلين السياسيين للسود العراقيين أن يخوضوا الانتخابات بكل عزيمة وإصرار، وأن يختطفوا بعض الأصوات من الأحزاب السنّية والشيعية على حد سواء. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©