الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اختلاط الحابل بالنابل.. من طنجة إلى بابل!

اختلاط الحابل بالنابل.. من طنجة إلى بابل!
30 يوليو 2014 14:17
لعلنا اتفقنا على أن كلمة (الحكم) وأفعالها (حكم - يحكم - احكم) لم ترد في القرآن الكريم بمعنى السلطة والرئاسة، أو بالمعنى السياسي الذي استحدثناه وحاولنا ونحاول تفسير أو تأويل النص القرآني على أساسه. وقد قال الله عز وجل على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام: «رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين»، وليس وارداً على الاطلاق أن سيدنا إبراهيم عليه السلام كان يدعو الله عز وجل أن يهب له الملك أو الرئاسة أو الزعامة أو الإمارة، ولكن الحكم يعني الحكمة والرأي السديد والقدرة على الاستنتاج ويعني أيضاً الهداية إلى الحق، وقال الله عز وجل عن يوسف عليه السلام: (ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً)، وقال عن موسى عليه السلام: (ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكماً وعلماً)، ولا يمكن أن يكون الحكم هنا بمعنى الملك، لأن الملك ورد صريحاً في غير موضع بالقرآن الكريم وقال عز وجل على لسان سليمان عليه السلام: (قال رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي)، ولم يقل (حكماً) لأن الحكم لا يعني الملك ولا علاقة له بالسلطة السياسية وحكاية (الحاكمية) التي ابتدعها الخوارج وسار أحفادهم الإرهابيون على دربهم. وألفاظ السلطة بالقرآن الكريم لم يرد بينها أبداً لفظ (الحاكم)، لأن هذا اللفظ حديث ومبتدع أو هو ضمن الألفاظ ذات المعاني المنقولة، فنحن نقلنا المعنى من الحكمة والقضاء إلى الملك والرئاسة، واللفظ الشائع للسلطة في القرآن هو (الملك)، وهناك (العزيز) وغيرهما، وفي القرآن الكريم على لسان الهدهد وهو يتحدث عن بلقيس: (ووجدت امرأة تملكهم)، ولم يقل (تحكمهم). الحكم بما أنزل الله ليس خطاباً موجهاً للملوك والسلاطين والأمراء والرؤساء، لكنه أمر لنا جميعاً. والذين يسفكون الدماء ويهلكون الحرث والنسل ويرتكبون الجرائم النكراء ويفسدون في الأرض من أجل الوصول إلى السلطة بحجة أنهم يريدون أن يحكموا بما أنزل الله، حجتهم ضاحدة وأضلهم الشيطان وزين لهم سوء عملهم فرأوه حسناً لأنهم يرفعون شعار حق يريدون به باطلاً، فهم طلاب دنيا وليسوا طلاب دين، وهم أحفاد الذين (كفروا)، أي حكموا بالكفر على الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وعلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، هم أحفاد مشعلي الفتنة الكبرى، وهم أي هؤلاء الأحفاد مشعلو الفتنة الكبرى الحالية (فتنة الخريف العربي). ويفخر مشعلو فتنة «الخريف العربي» ومؤيدوها بأنها كسرت حاجز الخوف لدى المواطن العربي، وهو أمر ينبغي أن نخجل منه لا أن نفخر به، لأن كسر حاجز الخوف والحياء هو أسوأ ما ابتلينا به في هذه الفتنة ومنها، فالخوف هو وقود حركة الإنسان من أجل الدنيا والآخرة، نحن نتحرك بالخوف، نخاف على حياتنا وعلى أولادنا وعلى أرزاقنا وعلى وظائفنا، ونحن ندعو الله خوفاً أولاً، وطمعاً ثانياً (يدعون ربهم خوفاً وطمعاً) والترتيب هنا ضروري، الخوف يسبق الرجاء، ولا يمكن تصور حياة يفقد الناس فيها الخوف، الخوف من الله ومن القانون ومن المجهول، والله تعالى حجب عنا الغيب لتنمو فينا فضيلة الخوف منه تعالى. وقد تحدث السلف كثيراً عن السلطة السياسية، وعن صفات السلطان أو الملك بما يخالف تماماً ذلك الذي ذهب إليه الخوارج وأحفادهم حول إلباس الحكم في القرآن الكريم معنى سياسياً ليس له، وتقول العرب: (سلطان تخافه الرعية خير للرعية من سلطان يخافها)، لابد أن تخاف الرعية لتنضبط، فإذا استضعفت سلطانها فسد الأمر كله، ويقول العرب أيضاً: (السلطان لا ينبغي أن يهزل في وعد أو وعيد، أي لا ينبغي أن يخلف وعداً أو وعيداً)، فإذا هزل في وعد ولم ينجزه أصاب اليأس من يحسن، وإذا هزل في الوعيد ولم ينجزه طمع المسيء وزاد فساده في الأرض. وتقول العرب أيضاً: خير للرعية أن يكون السلطان نسراً حوله الجيف من أن يكون جيفة حولها النسور، ولا ينبغي للرعية أن تأمن عقوبة السلطان ولا ينبغي لها أن تيأس من عفوه وإحسانه، وكان زياد بن أبي سفيان حين تولى أمر العراق يقول: إذا رضي نصف الرعية عن السلطان فاحكموا له بأنه عادل، وأضعف الولاة والسلاطين والملوك من يحاولون البحث عن حل يرضي الجميع، لأن الحل الذي يرضي الجميع لا وجود له، وهو في ذاته مشكلة، ويُقال: حرمان الجميع أرضى للجميع، لكن إعطاء الجميع مشكلة، فكل امرئ لا يرضى بنصيبه وبما أخذ من العطاء، والناس مجبولون على المخالفة، لذلك لابد من إلزامهم لأن انتظار التزامهم من تلقاء أنفسهم هو انتظار ما لا يأتي، وكان الحسن البصري أو غيره يقول: لو أمرنا بالجزع لصبرنا، لكننا مأمورون بالصبر لذلك نجزع. وقد اشتكى الناس لعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه من أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخيفهم حتى أخاف العذراء في خدرها، فكلم عبدالرحمن الفاروق عمر في الأمر فقال له: ليس لهم عندي سوى ذلك، فلو علموا ما لهم عندي لأخذوا ثوبي من على عاتقي. وقد أقر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ولاية القوي الفاجر، فقد كان جالساً يوماً مع المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وقال له: من ينصفني من أهل الكوفة؟ إذا وليت عليهم التقي ضعفوه أي قالوا إنه ضعيف، وإذا وليت عليهم القوي فجروه أي قالوا إنه فاجر، فقال له المغيرة: اجعل على ولايتهم القوي الفاجر لأن قوته لك وفجوره عليه، أما التقي الضعيف، فإن تقواه له وضعفه عليك، فقال له عمر: أنت القوي الفاجر وقد وليتك الكوفة، وظل المغيرة والياً على الكوفة حتى مات. وكان الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان يردد دائماً: من ينصفنا من الرعية؟ يريدون أن نسير فيهم سيرة أبي بكر وعمر، وهم لا يسيرون فينا سيرة رعية أبي بكر وعمر، وقد كان ذلك بالأمس البعيد فما تقولون الآن وقد تباعد بنا الزمان؟ وفي كل زمان نقول ما قاله طرفة بن العبد أو لبيد (لا أتذكر). ذهب الذين يعاش في أكنافهم..وبقيت في خلف كجلد الأجرب لقد غابت الحقيقة، وغامت الرؤية واختلط الحابل بالنابل من طنجة إلى بابل، وسنبقى طويلاً ضحايا حقيقة غائبة ورؤية غائمة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©