الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تنفجر مرارتها.. وتذهب للبيت

11 أكتوبر 2010 10:40
لم يسبق أن اشتكت من أي مرض، غير الأمراض العادية التي تصيب كل الناس من زكام وتوابعه، وفجأة شعرت بألم حاد في الجهة اليمنى بين البطن والصدر، نقلها زوجها إلى الطوارئ بأحد المستشفيات بالشارقة، وصفوا لها بعض المسكنات ونصحوها بالرجوع إلى البيت لأن المسألة بسيطة. وقالوا إن الألم بسبب ارتجاع في المريء، لكنها كادت تفقد حياتها نتيجة هذا التشخيص، ونتيجة للامبالاة وغياب المسؤولية المهنية، حيث كانت المرارة منفجرة، وظلت على هذه الحال أسبوعاً كاملاً، (ع إ) تروي قصتها كاملة عن تبعات هذا الخطأ الطبي الذي كاد يفقدها حياتها وأخطاء طبية أخرى تعرضت إليها أثناء إجراء العملتين وبعدهما. هكذا تقول المتضررة (ع إ) التي رفضت إعطاء اسمها بالكامل، نظراً لمكانتها بالمجتمع: أُنقذت حياتي بأعجوبة، بعد أن تعرضت لآلام قاسية جداً، كان أكثرها فظاعة في الجانب الأيمن، وحيث كان ذلك مساء أحد الأيام، فنقلني زوجي إلى خدمة الطوارئ بأحد المستشفيات في الشارقة، سألني الطبيب عن أعراض الألم، أجبته والألم يقطع أنفاسي، بعد هذا الكشف الشفهي، قال إنه ارتجاع مريء، ووصف لي بعض المسكنات ورجعت إلى البيت، كنت ألتهم هذه المسكنات وأقاوم المرض. وتضيف (ع إ ): وعندما رجعت إلى البيت تقيأت أشياء وسوائل لونها أخضر، سألتهم قالوا إن المسألة عادية ولا تستدعي كل هذا القلق، بعد أسبوع تفاقمت الآلام وزادت حدتها، رجعت إلى المستشفى نفسه ليكتشفوا أن مرارتي منفجرة قبل أسبوع، صعقني الخبر، فكيف يقاوم جسدي هذه الآلام وبقيت حية، لأن المتعارف عليه أن المرارة المنفجرة تقتل، وتشير (ع إ ) إلى أن سوائل المرارة في هذه الأثناء وصلت إلى المعدة. وتضيف: لم يسبق أن عرفت أبداً أنني أعاني المرارة، على عجل قرر الأطباء إجراء عملية منظار لاستئصال المرارة، لكن تعرضت إلى أخطاء أخرى، وتقول عن ذلك: قاموا بفتح أربعة ثقوب في بطني لإجراء عملية بالمنظار لاستئصال المرارة، سحبوا المرارة، لكن العملية لم تكن ناجحة فاضطروا إلى إجراء عملية أخرى في اليوم التالي، وهي عبارة عن شق البطن، وبعد مضي ثلاثة أيام رجعت إلى البيت، لكن الألم كان لا يحتمل، ولم أستطع مقاومته، رجعت إلى المستشفى نفسه مرة أخرى، ليجدوا أن سبب الألم هو وجود التهاب مكان الفتحة. قسوة كلام وأخطاء تضيف (ع إ) حينها قلت للطبيب المعالج إنني أخبرتك بعد العملية الثانية أنني أشعر بآلام حادة في منطقة الفتحة بعد زوال آثار البنج، حينها رد علي وقال: ما المشكلة إذن؟ قلت له:”تقول هذا لأنك لم تشعر بآلامي”، كما أن جسمي لم يستطع المقاومة بعد هذه الانتكاسات، حيث أصبت بهبوط حاد في الدورة الدموية. وتقول (ع إ) عن وضعية الطوارئ في بعض المستشفيات: مسألة الطوارئ يلزمها حل جذري، يجب أن يكون بها متخصصون يفحصون الحالات، وليس وصف المسكنات وتقديم النصح بالعودة إلى البيت، فالطوارئ غالباً ما تعتمد على المسكنات، وهذه بالدرجة الأولى مسألة أخلاقية وإنسانية. التهاب مفاصل وأدوية قاتلة الأخطاء الطبية يكاد لا يسلم منها الكبير ولا الصغير، عن هذا الأمر يتحدث والد أحد الأطفال عن قصته مع التشخيص الخاطئ ووصف الأدوية غير اللازمة، حيث يقول نجيب المدني: ارتفعت درجة حرارة ابني حين كان عمره 3 سنوات إلى ما يفوق الأربعين درجة، لم تفلح مخفضات الحرارة في علاجها، مع أن الأمر لم يكن عادياً، بحيث لم تكن هناك مسببات، قصدنا كثيراً من المستشفيات الخاصة والعامة في أبوظبي، لكن لم يستطع أحد تشخيص ما يعانيه، لم يعد يقوى على الحركة، وأصيب بتشنج في أرجله وأياديه، هذا الأمر دام أكثر من شهر. ويضيف نجيب في السياق نفسه: سبق لأحد أطباء الأطفال أن وصف لنا مخفضاً للحرارة، وقال إن الحالة يمكن أن تكون التهاب مفاصل، ومع ذلك كنا نركض من مستشفى لآخر طلباً للعلاج، هكذا قصدنا أحد المستشفيات الخاصة المعروفة، وكان هناك طبيب أطفال من جنوب أفريقيا، وكوننا نثق في الأجانب أكثر من العرب في مجال الطب، جلسنا أمامه وتأملنا خيرا، وسألنا ألف سؤال، قبل فحص ابني، وكان يعمل على توثيق كل شيء على الكمبيوتر مما زاد من أهميته عندنا، وبعد أكثر من ساعة وصف لنا بعض الأدوية التي تخص التهاب المفاصل، لكننا لم نجدها أبداً في كل الإمارات، وكل صيدلية طلبنا منها هذا الدواء تقول إن ذلك يعتبر ضربا من الجنون، ويتساءلون كيف لطبيب متخصص أن يصف دواء يمنع إعطاؤه للصغار، نظراً لمضاعفاته الخطيرة على الكبار قبل الأطفال. كيف يمكن تعويض المتضررين؟ على الرغم من أن ما أفسد في الصحة لا يمكن استرجاعه أبداً، ولتسليط الضوء على مسطرة إثبات الخطأ، ولإغناء هذا التحقيق، توجهنا ببعض الأسئلة إلى المحامي إبراهيم التميمي، وهو يعرف بداية الخطأ الطبي بالقول: الخطأ الطبي هو الإخلال بالالتزامات الخاصة التي تفرضها مهنة الطب من دون قصد الإضرار بالغير، ويكون هذا الإخلال بترك ما يجب فعله أو فعل ما يجب الإمساك عنه، فهو إخلال وتقصير في مسلك الطبيب ولا يقع من شخص يقظ وجد في الظروف نفسها، أو هو أي نشاط طبي أو عمل طبي مقدم للمريض يخرج عن المألوف والقواعد الطبية المتبعة والمألوفة في المهنة والاختصاص، وينتج عنه ضرر أو أذى للمريض. ويضيف إبراهيم التميمي: ينتج الخطأ الطبي، إما عن عدم اتباع الأصول العلمية للمهنة أو عن الجهل والخطأ، أو قد يكون عن الاعتداء. وقد حددت المواد من (12 وحتى 26) من القانون الاتحادي رقم 1975/7 في شأن مزاولة مهنة الطب البشري واجبات الطبيب ومسؤولياته وبشكل مفصل وواضح، كما نصت المواد من (27 وحتى 30) على العقوبات التي توقع على الطبيب عند مخالفة واجباته ومسؤولياته، هذا فضلاً عن مسؤوليته وفقاً لقانون العقوبات الاتحادي عن جرائم القتل الخطأ (إذا توفي المريض) أو الإصابة الخطأ (إذا أصيب المريض)، بالإضافة إلى المسؤولية المدنية عن تعويض المتضرر وفقاً للمادة (282) من قانون المعاملات المدنية الاتحادية. رقابة متفاوتة يقول الدكتور سمير غويبة - طب عائلي - عن الأخطاء الطبية في الإمارات: يجب أن نعترف أولاً بأن الأخطاء الطبية جزء لا يتجزأ من المهنة على مستوى العالم، وحتى في الدول الأكثر تقدماً، مع اختلاف واضح في ردود فعل من دولة إلى أخرى، فمثلاً في أميركا يعتبر الخطأ الطبي كارثة على الطبيب وعلى المريض وعلى المستشفى، ويقدم ذلك انتعاشاً للمحامين والقضاء والمحاكم؛ لأن التعويضات باهظة جداً هناك، هكذا فإن القضاء شديد الوطء على الطبيب والمستشفى، في حين يعتبر العنصر البشري في المقام الأول، كما أن شركات التأمين ملزمة بتغطية أخطاء الطبيب؛ لذا فهي لا تتعامل معه بسهولة، هكذا يفكر الطبيب أكثر من مرة في التبعات التي ستمنعه من ممارسة المهنة مستقبلاً التي يمكن أن تنجم عن خطأ طبي، ولا يقدم على إجراء أي عملية جراحية إلا بعد التأكد من نجاحها. على عكس بعض الدول التي تتميز بالتأني والتراخي في محاسبة الطبيب، بالإضافة إلى وجود قانون التأمين الطبي الذي يتوجه لحماية الطبيب، هكذا يقول سمير غويبة إن الطبيب في هذه الحالة يعمل في مناخ مستقر بعيداً عن التشنج والارتباك مما قد ينتج بعض الأخطاء الطبية، لكن البعض تعاطى مع هذا الأمر بكثير من اللامبالاة. ويقول الدكتور سمير: تعتبر نسبة الأخطاء الطبية في بريطانيا عالية جداً مقارنة مع أي بلد آخر، هكذا يجب التروي في التدخلات الجراحية، كما يجب التفريق بين الخطأ الطبي والإهمال، فكثير من المضاعفات توصف بأنها إهمال من الطبيب، فمثلاً عملية الزائدة الدودية مضاعفات جراحتها أكثر من عملية القلب المفتوح، كما أن تعدد الأخطاء الطبية في الفترة الأخيرة في الإمارات ناجم عن غياب الرقابة، فمثلاً ما حصل في دبي دليل على ذلك، حيث انتحل رجل شخصية جراح عالمي أطلق على نفسه “جرّاح هوليوود”، حيث أجر فيلا في منطقة راقية بدبي وبدأ بإجراء عمليات تجميل نجم عنها تشوهات في بشرة كثير من النساء. ويشير الدكتور سمير إلى أن الإمارات عرفت انتعاشة صحية واكبت التأمين الصحي، ويضيف: كان كثير من الناس يؤجلون الجراحات، لكن مع التأمين الصحي أقبل الكثير على العمليات الجراحية مما زاد الأخطاء الطبية. ويضيف الدكتور سمير: أما بالنسبة للقطاع الحكومي فيعتبر الأفضل، بحيث يمارس ضوابط صارمة ورقابة ذاتية بحكم موقعه في الواجهة، أما القطاع الخاص ففيه كثير من الدخلاء ممن لا ينتمون للمهنة، وكثير منهم منهية خدماتهم من القطاع العام، هكذا يجب إعادة تقييم لما هو مطروح في قطاع الصحة ولكل المراكز ولكل الحاصلين على الشهادات الطبية، ويجب التأكد من تاريخ الجراح، وأنصح بتروي المرضى في اللجوء إلى الجراحات التي قد تحمل مضاعفات، كما يجب على المريض اختيار الجراح المناسب لإجراء عمليته، ولناقشته في أطوار هذه العملية وفي مضاعفاتها واحتمالات نسب النجاح من عدمه، وفي ضرورة إجراء العملية من عدمه؛ لأن العملية قد تكون فقط زيادة في دخل الطبيب. قانون حمورابي “المسؤولية المدنية والجنائية في الأخطاء الطبية” هو كتاب في 127 صفحة من القطع المتوسط، صادر عن مركز الدراســات والبحوث التابع لجامعـة نايف العربية للعلوم الأمنية، ويناقش مؤلف الكتاب د. منصور عمر المعايطة، طبيعة الأخطاء الطبية وأنواعها وأنواع الضرر والمــسؤولية الجنائية والمدنية لمرتكــبي الأخطاء الطبية وطرق انتفاء المسؤولية المدنية والوسائل القضائية في إثباتها. ويعرج الكتاب في فصله الأول على الحديث عن التطور التاريخي للمسؤولية المدنية والجنائية للأطباء، بدءاً من التشريع الفرعوني الذي اهتم بحماية الأفراد من القائمين على العمل الطبي، وهو عبارة عن قواعد دونت لكبار الأطباء القدامى، تعرض من لا يلتزم بها من الأطباء للمسؤولية والعقاب الذي يصل في بعض درجاته إلى الإعدام. وفي قانون حمورابي نصــوص تدل على تنظـيم الأعمال الطبية والتشـدد في معاملة الشخص القائم بالعمل الطبي، إذا حدث منه أي خطأ يتعلق بمجال المهــنة والعمل، وكان أبقراط في العصــــر الإغـــريقي يطـــلب من تلاميذه أن يقسـموا على الالتزام بواجبات وأخلاقيات وأدبيات ومســؤوليات الطبيب، وهو القســم الذي أصبح مقرراً على جميع الأطــباء حتى يومـنا هذا. وفي الإسلام اتفق الفقهاء على أن الضرر أو الموت إذا جاء نتيجة لفعل واجب مع الاحتياط وعدم التقصير لا ضمان فيه، حيث إن من القواعد المقررة شرعاً في هذا المجال أن عمل الطبيب عند الإذن له بالعلاج أو عند طلبه يعد واجباً، والواجب لا يتقيد بشرط السلامة. وفي العصر الحديث اتجهت بعض الدول إلى تشكيل محاكم خاصة بالأطباء وقضايا الأخطاء الطبية. 127 شكوى ابتداء من خطأ التشخيص الطبي، مروراً بخطأ الوصفات العلاجية وانتهاء بالعمليات الجراحية التي ارتفع ضحاياها خلال الفترة الأخيرة بشكل مخيف مقارنة بعدد السكان، كشفت أحدث إحصائية لوزارة الصحة أن عدد شكاوى الأخطاء الطبية في المستشفيات التابعة للوزارة بلغ 127 شكوى ابتداء من عام 2008 حتى منتصف عام 2009، منها32 شكوى تحقق المحاكم فيها، بينما أعلنت هيئة الصحة في دبي أن إجمالي شكاوى الأخطاء الطبية التي تحقق فيها الهيئة في الفترة نفسها بلغ 37 شكوى، تنوعت ما بين إهمال وخطأ طبي، إضافة لبعض الحالات التي ثبت فيها الإهمال والخطأ الطبي معاً، حسب ما نشر في بعض وسائل الإعلام في حينها. الضحايا 20? أكدت بعض إحصائيات منظمة الصحة العالمية أن هناك ما يقرب من 20% من المرضى على مستوى العالم يعانون أخطاء طبية، إذ بلغت النسبة في كندا 24% خلال عام 2007، وبلغت في الولايات 14% من العام نفسه، بخلاف حالات الوفاة الناتجة عن أخطاء طبية والتي تتجاوز سنوياً 98 ألف حالة. وتشير الأرقام إلى أن الأخطاء الطبية تنال من ملايين الناس كل عام، كما يشير أحد مراكز الأبحاث في واشنطن إلى أن هذه الأخطاء تكلف حوالي 3.5 مليار دولار سنوياً، بما في ذلك الأخطاء الإدارية والتي تشمل القرارات الطبية أو سوء توزيع الأدوية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©