الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إنه النصيب

إنه النصيب
23 يوليو 2006 01:40
سعاد جواد: يا ربي··· قلبي الضعيف بين أصابعك الكريمة فارفق به ولا تجعله محطماً متألماً··· واجعلني أرضى بما قسمت لي· كلمات الدعاء تنطلق من لساني صادقة وانا أدعو ربي مع كل صلاة كي أتخطى ما أمر به بسلام· أنا انسانة واقعية··· أؤمن بالقسمة والنصيب، ولا أقتنع باللعب والعبث، فالحب بالنسبة لي هو شعور يولد بعد الزواج، وهو تجربة لا تليق أبداً ببنات العائلات المحترمة· أبعدت نفسي عن كل ما حولي من الإيحاءات والإشارات والنظرات· وانا قوية ومحصنة لا أحد يستطيع اختراق أسواري· اتصرف باعتزاز كبير بالنفس معتمدة بقوتي على مواجهة ذلك المارد الذي يتحدثون عنه وعن ضحاياه الكثر· وأحمد ربي لأنني لست هشة وضعيفة لأقع في مثل ذلك المطب··· ولكن! خفقان القلب هل يعقل ما حدث؟ والله أنا لا أصدق نفسي· كيف بدأ قلبي بالخفقان دون إرادتي؟ انه أمر عجيب··· انسان لا أعرفه··· لم أشاهده يوماً··· ولكنني كنت احس بشعور غريب لمجرد سماع سيرته· بوادر غريبة تجتاحني عندما أسمع أخته - صديقتي - وهي تتحدث عنه· أحاول إخفاء شوقي ولهفتي لسماع المزيد، بينما هي تزيد من تلك الجرعات يوماً بعد يوم· هل يعقل ان يكون له ذلك التأثير من مجرد السماع؟ والله كل شيء جائز· ألا يقولون إن الأذن تعشق قبل العين أحياناً؟ كانت أخته متعلقة به بشكل كبير· هي أخته الوحيدة والمفضلة لديه، يتعامل معها كصديقة، يحقق لها كل ما تريد··· ولا يبخل عليها يوماً بشيء· وأنا صديقتها المقربة، تهمس لي بكل خلجات أحاسيسها ومشاعرها الرقيقة· في الفترة الأخيرة وجدتها تتحدث عنه أمامي بكثرة، تصف شخصيته، مواقفه الرجولية، طباعه··· حتى امتلأت شوقاً لرؤيته· أمنية صغيرة أخفيتها بداخلي دون ان أجرؤ على البوح بها· ملك متوج أراد الله ان يحقق لي تلك الأمنية· كنت في بيت صديقتي، وكان باب المجلس مفتوحاً، ونزل هو من فوق السلم· شاهدته··· يا الهي! ليس انساناً عادياً··· انه ملك··· ملك متوج على عرش الرجولة والكمال· طار قلبي من مكانه، هرب من بين أضلعي، تحول إلى طائر مغرد يحلق بعيداً عني ولا استطيع استعادته· ما هذا الانسان الذي أشاهده أمامي؟ انه ملك حقيقي· خطواته الواثقة، محياه الرائع، قامته··· كل شيء فيه مذهل· هي والله نظرة واحدة فقط··· ولكنها بقيت محفورة في أعماقي· بقيت متسمرة في مكاني كتمثال· ماذا لو شاهدني؟ ماذا لو أحس بوجودي؟ هل سيسأل أخته عني؟ ماذا يحدث لو اختارني شريكة لحياته؟ سأكون أسعد انسانة على وجه الأرض· ولكن! للأسف لم يحدث كل ذلك، ولم يصوب نظره نحوي· كانت عيناه زائغتين ونظره مشتتا··· كان عقله مليئا بالأفكار ولم يلحظ وجودي· انطلق بخطواته الواثقة وانصرف خارجاً إلى شأنه وتركني في وضع مختلف تماماً عما كنت عليه في الماضي· بدأت صديقتي بالتلميح عن رغبتها الحقيقية الصادقة بأن اكون زوجة لأخيها··· سعدت لذلك ولكني سكت عن التعبير عما بداخلي حياءً منها· كنت أتابع بذرة الأمل الجميل وهي تنمو بالتدريج في صدر صديقتي ووالدتها· فقد اتفقتا على انني أفضل من تصلح لهذا الشاب المتميز· فنحن متشابهان في جوانب كثيرة من شخصيتينا - كما تقول صديقتي - وما أجمله من حديث وما أحلاه من أمل· اقترب الحلم الجميل من التحقيق عندما حدثتني أمه عن رغبتها بان اكون زوجة لولدها فسكت حياءً منها··· وأخبرتها بان الأمر كله بيد أهلي كما تقتضي العادات والتقاليد· صارت تتحدث عني بكلمات طيبة··· نعم البنت انت··· تربية راقية··· جمال وأخلاق وثقافة، ومن عائلة ممتازة· ماذا يريد ابني اكثر من ذلك؟ كل شيء كان رائعاً، ولم أكن أتوقع انقلاب الأمور بهذا الشكل العجيب· قصة الأم جلست الأم مع ولدها لتحدثه بفكرتها وهي تشعر بسعادة غامرة· هي ليست أمه التي أنجبته··· انها زوجة أبيه التي ربته منذ ان كان طفلاً صغيراً· أمه ماتت وتركته هو وأخوته أيتاماً صغاراً لا حول لهم ولا قوة، وهي، امرأة نادرة ليست كمثل باقي النساء· كانت مطلقة لديها ولد واحد لا يزيد عمره عن السنتين، تقدم لها خاطب أرمل لديه أربعة أولاد كبيرهم في الثامنة وصغيرهم في الثانية من عمره· قالت لها أمها: اتركي ولدك عندي··· فزوج الأم لا يحب ان يربي أولاد غيره··· ربما سيفرق في المعاملة بين ولدك وأولاده· اتركيه لأربيه بنفسي وتفرغي انت لزوجك وأولاده· نفذت المرأة ما طلبته أمها منها وفرغت نفسها وقلبها لزوجها وأولاده فكانت لهم نعم الأم· اعطتهم كل ما في قلبها وطاقتها من رعاية واهتمام ولم تقصر معهم في شيء أبداً، حتى عندما رزقت ببنت وولد، لم يؤثر عليها ذلك وكانت حريصة على عدم التفريق بين أولادها وأولاد زوجها وبقيت تحبهم وتعتني بهم بنفس القدر· كبر الأولاد وانهوا دراستهم بتفوق وحصلوا على وظائف جيدة ومراكز طيبة· الابن الأكبر اختار لنفسه فتاة ليتزوجها، لم تعارضه الأم على الرغم من عدم قناعتها بمستوى الفتاة ومستوى عائلتها· فقد كانت تتمنى لابنها الأفضل والأحسن، ولكنها لم تعترض وقامت بكل ما توجب عليها من ترتيبات ومن جميع النواحي· الولد الثاني أيضاً اختار لنفسه فتاة دون استشارتها ولم يجعل لها دوراً هاماً في ذلك الزواج· كانت الغصة تكبر بداخلها يوماً بعد يوم··· لم لا يكون لها دور حقيقي مع هؤلاء الأولاد؟ لقد كانوا يشكلون كل شيء في حياتها، فلم لا تشكل هي شيئاً هاماً في حياتهم؟ بلعت غصتها وسكتت ولم تعترض على شيء أبداً· الولد الثالث ما زاد في الطين بلة هو ان زوجتي ولديها لم تحاولا ان تكسبا محبتها وانما ناصبتاها العداء منذ ان دخلتا المنزل، وصارت كل واحدة منهما تتفنن في إغاظتها واستفزازها بشتى الوسائل· لم تقل شيئاً وبقيت تكتم بداخلها ذلك القهر ولا تتحدث به إلا أمام ابنتها الوحيدة التي أنهت دراستها الجامعية وصارت قريبة إلى قلب تلك الأم المسكينة· كان الوضع محتملاً ما دام الأولاد يسألون عنها وعن أختهم ولا يقصرون معهما في شيء· خصوصاً الولد الثالث الذي ارتبط بهما بشكل كبير، وهو يدلل أخته ويعتمد عليها في كل صغيرة وكبيرة ويلبي لها كل طلباتها باهتمام كبير· فكرت الأم وابنتها بأن زواج هذا الولد سيكون على يديهما، حيث ستختاران له الفتاة المناسبة التي تليق به، وبالطبع فإن الاختيار قد وقع علي وذلك لحسن حظي طبعاً· جلست الأم مع الولد لتحدثه عن تلك الرغبة في تزويجه من اختارتها له، فلم يعترض ولكنه طلب مشاهدتي··· فأخبرته بأن الأمر فيه شيء من الصعوبة بسبب التقاليد العائلية· كان كل شيء يسير بشكل طبيعي ولكن، يبدو ان زوجة الأخ الأكبر قد أحست بالهمس الحاصل من ورائها فعملت بسرعة فائقة على تقويض أركان تلك الفكرة من أساسها· تحدثت مع زوجها بشأن تزويج أخيه وقامت باختيار فتاة على شاكلتها وعملت كل المستحيلات لأجل اقناع الولد بالارتباط بها· وبالطبع فقد كان لها ما أرادت حيث تم تحديد الموعد لخطبة الفتاة، فطلبوا من الأم والأخت الذهاب لذلك الموعد لإتمام الخطبة· اليوم المشؤوم لم تستطع تلك الأم ان تفعل شيئاً وبقيت طوال الليلة التي سبقت ذلك الموعد تدعو ربها بان تصبح مريضة فلا يجبرونها على المشاركة بتلك الخطبة، وقد حدث لها ما أرادت· مرضت وارتفعت نسبة السكر بدمها لدرجة خطيرة ادخلت على أثرها إلى المستشفى، وقد تصورت بأنهم ربما يفكرون بتأجيل الخطبة ولكنهم لم يفعلوا وانما اتهموها بالتظاهر بالمرض لإعاقة سعادة الولد· حتى أخته فإنها من كثرة زعلها أصيبت بألم في المعدة وأجريت لها عملية المنظار في نفس تلك الفترة المؤلمة· بعد الخطبة مباشرة تغير الولد ولم يعد يسأل عن أمه وأخته كما كان يفعل من قبل مما زاد من تشاؤم الأم وابنتها من تلك الخطبة· أيضاً فإن طائرهم العزيز الذي تربى معهم لسنين طويلة و تعلم ان يردد اسماءهم ويغني ويصفق لهم، هرب في نفس ذلك اليوم ولم يعد إلى بيتهم· حاولت أخته ان تسأله عن مشاعره تجاه تلك الفتاة التي سيرتبط بها فأبدى عدم لهفته لذلك الزواج··· ولكن زوجة أخيه تؤكد دائماً بأنه مبهور بخطيبته وانه سعيد جداً ومتلهف للزواج منها· القسمة والنصيب وأنا وسط هذه العاصفة، أجدني تائهة ومستغربة· أستمع للأحداث، وأتمنى لو انني لم أكن جزءاً منها، فقلبي يتقطع ألماً على صديقتي وأمها وعلى كل ما تعانياه في هذه القضية· فما ذنب تلك الأم المسكينة التي ربت وضحت وهي تجد أن أولادها لا يكترثون لها؟ وما ذنب صديقتي وهي تتحسر على أخيها الغالي وهي تجده يخطو نحو زواج لن يحقق له السعادة مع انسانة لا تستحقه؟· لم يبق على عقد القران إلا أسابيع قليلة والعرس سيقام بعد شهرين· سأذهب إلى ذلك العرس وأقف إلى جانب صديقتي وأمها في موكب الحزن الداخلي الدفين··· ماذا أفعل؟ انه النصيب وأنا مؤمنة بقضاء الله وقدره·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©