الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خطاب العقل في القرآن الكريم

19 فبراير 2009 23:25
لايوجد دين احتفى بالعقل وعمل على تقديره وإدراك مكانته كالإسلام والعقل الذي يخاطبه الإسلام يقوم بأدوار أربعة : فهو الذي يميز الأضداد، ويوازن بين الأمور، ويدرك الحقائق، ويعصم الضمير، ويقابل ذلك الجمود والعنت والضلال· والدور الأول للعقل دور عام يقوم على أساس القدرة على التفريق والتمييز بفطرته بين الخير والشر وإن تفاوتت العقول فى تقدير ما هو شر وما هو خير· والدور الثانى للعقل أنه يوازن بين خير الخيرين وشر الشرين· وهذا الدور أدق وأصعب على العقل من الدور الأول، إذ إن الإدراك فيه فطري، وهذا الإدراك نظري يحتاج الى كثير من التأمل· والدور الثالث هو إدراك الحقائق إذ يستطيع العقل بعد الجهدين السابقين أن يدرك الشيء إدراكاً تاماً على ما هو عليه· أما الدور الرابع فهو عصمة الضمير، فيمنع العقل صاحبه من كل ما هو ضار به، ولا يغيب عن الأذهان أن تقدير الضرر أو المنفعة يختلف فيهما كثير من العقول· ويلاحظ في خطاب القرآن الكريم للعقل أطوار ثلاثة يمر بها كل عقل سليم، هي: 1 - البحث والروية، والفكر والتأمل وإطالة النظر، وإلى هذه المرحلة يخاطب القرآن الكريم الناس بنحو قوله : (قل انظروا) وقوله :(أولم ينظروا) وقوله: (أو لم يتفكروا)· 2- فإذا انتهى العقل من بحثه، ووصل إلى الحقيقة خاطبه بلفظ العقل كما قال: (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) وقوله تعالى : (ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) أي لا يستطيعون أن يدركوا الحقائق بعد البحث والروية· 3- فإذا استخلص العقل النتيجة خاطبه باللب كما قال تعالى : (وما يذكر إلا أولوا الألباب) وقوله تعالى: (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب) سورة آل عمران - 190 وإذا كانت هذه أطوار العقل التي يمر بها في مزاولته لعمله فإن ثمة موانع تحول بينه وبين ما يريده الله تعالى له من سبر لأغوار الحق واليقين هذه الموانع كما يصورها القرآن الكريم، ثلاثة : (- تقليد الآباء: ذلك أن حب الآباء قد ينسي الأبناء التفكير في كثير من القضايا فيندفع المرء مقلداً لمن يحب بغير فكر أو روية وقد حكى القرآن الكريم عن قوم قالوا: (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) سورة الزخرف - 22 تلك هي المشاعر النفسية التي يتكون منها المزاج وفيها يستقر الماضي، كأن الآية تعبر عن دقة ما انتهى إليه علماء النفس من أن الانسان ابن أبويه وابن شعبه أيضا، قال تعالى: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله، قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون) سورة البقرة - 170 ومع دعوة القرآن الكريم إلى نبذ التقليد، أمرنا بتوقير الآباء ليفصل بين وجوب احترامهم وجواز تقليدهم · فاحترامهم مطلوب وتقليدهم غير مطلوب، فالأب عاش في عصر غير العصر وله مفاهيمه التي قد تختلف قليلاً أو كثيراً مع مفاهيم الأبناء، على أنه لا مكان لتقليد أحد فيما يخالف حكم الله ورسوله· 2- تقليد مشاهير المجتمع: فكثير من الناس ينقادون وراء هؤلاء ظناً منهم أنهم المثل والقدوة التي ينبغي أن يحتذى حذاها ويأخذون كل شيء من جانبهم على أنه الصواب دائماً دون تفكير مطلقاً وهذا بالتأكيد خطأ، فهؤلاء بشر منهم المصيب ومنهم المخطئ ومعنى هذا أن على المكلف أن يستخدم عقله للتمييز بين الخير والشر، والحق والباطل ، وألا يكون مفتوناً بصاحب دعوة قد يلعب به هواه· ولعل هذا ما نبه إليه الحق سبحانه حين ذكر أمر قوم قد ضلوا وأضلوا كثيراً حين يقول سبحانه وتعالى (وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل) الأحزاب : 76 3 الإرهاب الفكري: متى شعر العقل بالمؤاخذة على تفكير يبديه أحجم واحتفظ به داخله وربما تعطل عن التفكير نتيجة الإرهاب المتسلط عليه وربما حصر تفكيره فيما يرضى به المستبدون· وها هو فرعون يعلن في تسلط قائلاً: (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) سورة غافر - 29 فآفة العقل: الغرور والضلال والعقل الإنساني لا يصاب بآفة أضر له من الجمود على حالة واحدة يمتنع عنده كل ما عداها فالجمود يشل التفكير والجامد لايلد حركة والخامد لا يبعث حياة· والعنت والعناد، آفة تصيب العقول نتيجة غرور كامن فيها كالنظر إلى من يعارضه فيراه أقل منه ويحجم عن اتباعه· وفي الإسلام (الحكمة ضالة المؤمن فأنى وجدها فهو أحق بها) ومن الآفات التي تصيب العقل: آفة الضلال، فيقع في الحيرة أو يقبل على الباطل ويدع الحق ولا منجى للعقل من هذه الآفة إلا معونة الله وتوفيقه مع الأخذ بأسباب الهداية قدر الوسع والطاقة· ومهما بلغ الإنسان أرقى درجات التعقل فإنه معرض للزيغ·· ومن تتبع سير الذين اغتروا بعقولهم، رأى الخلاف بينهم أكثر من الاتفاق· وكل يحاول أن يقلل من شأن سابقه وأن يهون من قيمة بحثه·· ولا يبطل فى الإسلام عمل العقل أن الله بكل شيء عليم فإن خلق الإنسان للعمل لا يسلبه القدرة على التفكير، ولا يعفيه من تبعة الضلال والتقصير· فإذا جاء الاسلام بتعاليم، كان دور العقل فيها أن يبذل قصارى جهده في تفهمها وتذوقها، فلم تجيء من عقل يتأثر بالعادات والأمزجة أو يتأثر بالمنافع المحدودة الخاصة وإنما هي تنزيل من حكيم حميد، يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير·· فالإسلام لم يلغ العقل· بل احتكم إليه فيما هو من مجاله، وحكى عن طائفة من أهل جهنم غيبوا عقولهم قولهم :(وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير) سورة الملك - 10 والغيب الذي جاء الإسلام به لا يتناقض مع العقل في مقرراته بل إن العقل يقرره ويثبته ولكل منهما طريق·· فالعقل محدود والغيب غير محدود ومن هنا كانت المعرفة في الإسلام على نوعين : معرفة عقلية، ومعرفة إيمانية تعلو فوق العقل لأنها ترتفع عن مجاله المحسوس المشاهد، فعلى العقل أن يفكر بحرية فإذا انتهى الى غايته - تولاه الإيمان فيما لا مجال للعقل فيه· وحينئذ يصل المسلم الى السلامة بالعقل والايمان على وفاق· فالإيمان حرية صحيحة تعصم من دروب الزلل كلها فيغذى العقل بالحرية التي هي من ضرورياته· والايمان منفعة خالصة لأنه الحد الفاصل بين النفس وشهواتها فيعصم العقل من الزلل· وهو عزاء نافع يلهم العقل حكمة كل مصيبة أو يلهمه الثقة بالحكمة التي يجهلها فيحتفظ للعقل بقيمته الحقيقية· فالإيمان لا يلغي العقل، بل يكرمه، ويشيد من شأنه، بيد أنه يلزم العقل بالوقوف عند حده فليس من حقه التطاول بغير علم، ولا البحث فيما لا يدركه، أما في مجاله فعليه أن يفكر وأن ينطق وأن يبحث عن الحكمة وأن يرقى حتى يتذوق ثم يقول (ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار) سورة آل عمران - ·191 وأن لا يقف بنفسه عند حدود الحاضر أو يكون أسيراً لذكريات الماضي بل يتطلع بعقله الرباني إلى أفق أوسع وغد أرحب يتمسك بثوابته ويجتهد فيما لا نص فيه، فإن أصاب الحق وأدركه فله أجران، وإن جانب الصواب ففى بذل الجهد وشرف المحاولة أجر ومثوبة، فقد فهم سليمان ما غاب عن ذهن داود عليهما السلام بيد أن الثناء وطلاوة الذكر كان من نصيب الاثنين معاً (ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكماً وعلماً) الأنبياء-·79
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©