الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجيش المصري... مؤسسة إدماجية

9 يوليو 2012
عندما أجبر المحتجون المصريون الرئيس السابق "مبارك" على التخلي عن حكمه الذي استمر 30 عاماً، فإنهم اعتمدوا على مؤسسة الجيش التي كانوا يقدسونها، كي تعمل كحامية لثورتهم. لكن ذلك الود تجاه الجيش سرعان ما تبدد بسبب العنف الذي أبداه أفراده في مواجهة المتظاهرين، ثم تعرضت العلاقة لضربة أخرى عندما تلكأ المجلس العسكري الحاكم في إنجاز عملية التحول الديمقراطي وانتزع صلاحيات الرئيس المنتخب في نهاية المطاف. لكن رغم الانتقادات الغاضبة وغير المسبوقة التي تعرض لها قادة الجيش غير المعتادين على الخضوع للرقابة الشعبية، فهناك عدد محدود للغاية من العلامات التي يمكن أن تدل على حدوث شرخ في السمعة الطيبة التي تحظى بها القوات المسلحة على وجه العموم. ورغم الهتافات غير المألوفة الموجهة ضد الجيش في احتجاجات واعتصامات ميدان التحرير، فإنه ليس من الصعب العثور على كثير من الشباب المصري، مثل طارق أبو النجا (16 عاماً) الذي يقول إن "حلم حياته أن يصبح ضابطاً في القوات المسلحة"، ومدحت محمد الذي يقول إنه لن يتردد في التطوع في الجيش فداءً للوطن واستجابة للواجب حتى لو كان عمره 45 عاماً. والإعجاب الشعبي بمؤسسة الجيش يمكن أن يشكل عنصر تفاؤل بالنسبة لإمكانية تحقيق الاستقرار. لكن في الوقت الذي بدأ فيه ظل الجنرالات العسكريين يختفي تدريجياً، فإن ذلك الإعجاب يمكن أن يعطل الجهود المدنية الرامية لإيجاد برلمان حقيقي، وتحقيق السيطرة على الأمور العسكرية، لأن هذه الأمور تتطلب دعم شعب نال منه التعب والسأم بعد عام ونصف العام من المظاهرات والاحتجاجات، وبات يتطلع إلى أن يظهر الرئيس الجديد المنتخب، محمد مرسي، قدرة قيادية تمكنه من التصدي لتحقيق هذه المهام. يقول ياسر الشيمي، المحلل بالقاهرة والذي يعمل لدى "مجموعة الأزمات الدولية"، تعليقاً على ذلك: "إن هذه الحقيقة في حد ذاتها سوف تجعل من مهمة الرئيس أو أي مؤسسة مدنية أخرى أكثر صعوبة بكثير... لأن الثورة على نظام مبارك وإسقاطه شيء، والثورة على المؤسسة العسكرية شيء آخر مختلف تماماً". وفي خطاب تنصيبه مؤخراً، قال مرسي: "إن القوات المسلحة يجب أن تعود إلى ثكناتها"، لكنه حتى قبل أن يقول ذلك كان الحاضرون من كبار الشخصيات والبرلمانيون السابقون قد هتفوا بأن "الشعب والجيش يد واحدة". ويقول اللواء متقاعد سامح سيف اليزل، المقرب من المؤسسة العسكرية، إن "غالبية المصريين موالون للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وللجيش بشكل عام". ويضيف: "إن الناس في مصر ينظرون إلى الجيش على أنه يمثل الملاذ والمنقذ الأخير". واستطلاعات الرأي التي أجريت قبل الانتخابات تدعم هذا الرأي. فالاستطلاع الذي أجراه معهد "جالوب" في أبريل الماضي أظهر أن ثقة المصريين في الجيش قد هبطت بنسبة قليلة منذ يونيو 2011 حيث كانت تبلغ قبل ذلك التاريخ 95 في المئة ثم هبطت لـ89 في المئة. وأظهر استطلاع رأي آخر أجراه مركز "بيو" لاستطلاعات الرأي، أن ثلاثة أرباع المصريين يؤمنون بأن الجنرالات العسكريين يتمتعون بنفوذ كبير. والاستطلاعان معاً يثبتان أن الغالبية العظمى من المصريين تنظر للمؤسسة العسكرية بشكل إيجابي. والاحترام الذي يحظى به الجيش يرجع لأسباب عديدة، منها أنه المؤسسة التي خرج منها حكام مصر الأربعة بعد ثورة يوليو 1952. كما يرجع أيضاً لتاريخه المشرف الذي يعتز به المصريون والذي كان من أبرز محطاته حرب أكتوبر التي انتهت باسترداد سيناء من الاحتلال الإسرائيلي. وعلاوة على ذلك كان ينظر للجيش دوماً على أنه مؤسسة إدماجية قادرة على احتواء كافة المصريين، وعلى أنه بشكل عام أقل وحشية وفساداً من قوات الشرطة والأمن التي عملت خلال الثلاثين عاماً الماضية على حماية نظام مبارك. وقبل الثورة، كان ينظر للجيش بإعجاب كذلك بسبب النجاح الذي حققته مشروعاته الاقتصادية التي يقال إنها تشكل ثلث الاقتصاد المصري، والتي تشمل أنشطة عديدة تتراوح بين إنتاج المواد الغذائية وحتى إنتاج الأجهزة المنزلية، والمعدات الحربية. ورغم أن مرتبات الجيش التي تتزايد على نحو بطيء قد جعلت من خيار الخدمة العسكرية النظامية خياراً غير مغر بالنسبة للكثير من الشبان المتعلمين، فإن الجيش ما زال حتى الآن يمثل وسيلة للترقي والصعود الاجتماعي بالنسبة لأبناء الفقراء. ويقول المحللون إن النقد المفتوح والعنيف الذي وجه إلى الجيش في الشهور التي تلت يونيو 2011، كان غير مسبوق، وقد هز سمعة المؤسسة العسكرية على نحو لم يحدث من قبل ولم يكن ممكناً تخيله. ولكن بعد أن بدأ العسكريون، إثر انتخاب الرئيس الجديد، ينسحبون من واجهة الأحداث -رسمياً على الأقل- فمن المتوقع أن تخفت المشاعر المناوئة للعسكريين في المدى القصير، كما يتنبأ بعض المحللين. ومن هؤلاء "جوشوا ستاتشر"، الخبير في الشؤون المصرية بجامعة "كنت ستيت"، والذي قام بالعديد من الدراسات والأبحاث عن المؤسسة العسكرية في مصر، حيث يقول: "هناك العديد من الحفر والمطبات على طريق عودة مصر للاستقرار... والآن وبعد تولي مرسي فإنه سيكون مسؤولا عن كل مطب وحفرة في هذا البلد مما يعني أن كل اللوم الذي كان موجهاً للعسكريين سوف يتوجه إليه. كارين بروليارد القاهرة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©