السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«ميثاق النمو» الأوروبي: مَنْ المشتري والبائع؟!

9 يوليو 2012
تستقبل أوروبا فصل الصيف في أجواء متفائلة بعض الشيء، بعد قرار للاتحاد الأوروبي يقضي بسحب إيطاليا وإسبانيا من حافة الهاوية، وكذلك بعد انتصار مذهل لإسبانيا في كأس أمم أوروبا لكرة القدم، أعاد مشاعر الفخر الوطني في وقت كانت فيه هذه الأخيرة آخذة في الانحسار. والواقع أن دينامية أزمة اليورو تهدد بجعل هذا الصيف صيف غضب ويأس واضطرابات اجتماعية، لاسيما في الجزء الجنوبي من أوروبا حيث بلغ معدل البطالة بين الشباب 40 في المئة. والآن، ومع تدقيق مالي في فرنسا يُظهر أن على الرئيس فرانسوا هولاند إيجاد 40 مليار دولار في اقتطاعات التقشف خلال ثمانية عشر شهراً المقبلة، يمكن القول إن هذا الصيف لن يكون مثل سابقيه في القارة العجوز. غير أن المعنويات ارتفعت بشكل مفاجئ بعد أن قدمت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الأسبوع الماضي تنازلات بشأن مقاربتها المركزة على التقشف فقط، كما عمت مظاهر الفرح والابتهاج شوارع مدريد بعد فوز المنتخب الإسباني بثالث بطولة دولية على التوالي، وهو شيء غير مسبوق. ولأول مرة في تاريخ أزمة اليورو، بدأ بعض المحللين يتحدثون عن "ربح للجانبين"، بغض النظر عن محدوديته. اجتماع الاتحاد الأوروبي الذي عقد في التاسع والعشرين من يونيو الماضي ببروكسل، بدا على وشك الفشل، لكنه انتهى وسط جو من التفاؤل، وإن كان محدوداً، وذلك بعد أن وافقت ميركل، بتنسيق مع رئيس الوزراء الإيطالي ماريو مونتي، على السماح لصندوق إنقاذ بقيمة 650 مليار دولار بشراء دين البنوك ووقف "عدوى" مضاربات السوق التي تعم إيطاليا وإسبانيا. وكان من تأثيرات هذا القرار أن سادت مشاعر الفرح والابتهاج إيرلندا التي تعاني من إفراط في دين البنوك التي تشكل عبئاً يثقل كاهل اقتصادها ويجره إلى الأسفل، كما تنفس الناس الصعداء في العديد من العواصم الأوروبية. وفي هذا الإطار، يقول ثيبو ميرسييه، الخبير الاقتصادي في مؤسسة "بي إن بي باريباس" في باريس: "إن مبدأ رسملة مباشرة للبنوك من قبل "آلية الاستقرار الأوروبي"، بدون زيادة الدين السيادي للبلدان يمثل تقدماً هاماً"، مضيفاً: "كما أنه مفيد بالنسبة لإسبانيا التي يمكن أن تواجه ما يصل إلى 100 مليار يورو من إعادة رسملة البنوك". وأردف ميرسييه يقول: "إن الوتيرة السياسية للبناء الأوروبي بطيئة جداً... لكن ما تم تحقيقه خلال الأشهر القليلة الماضية كان سريعاً، حتى وإن بدا بطيئاً جداً بالنسبة للأسواق والمستثمرين". وعليه، فهل يعني ذلك أن أزمة اليورو قد انتهت؟ قطعاً لا. ففي فرنسا، يتعين على هولاند نفسه، والذي قام للتو بتنسيق "ميثاق نمو" للاتحاد الأوروبي وجلَب تحولاً جديداً في الدينامية الأوروبية عبر دعم مخطط رئيس الوزراء الإيطالي لتجنب الانهيار، القيام باقتطاعات تقشف كبيرة في الداخل، وإيجاد نحو 12 مليار دولار من العائدات الجديدة. وكان هولاند قد فاز في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وفاز حزبه الاشتراكي بكلتا غرفتي البرلمان أواخر الربيع، بعد أن رفعا شعار "النمو". غير أنه لطالما كان هناك إدراك في قصر الأليزيه بأنه لابد من تخفيضات لتجنب اضطرابات الأسواق من النوع الذي أرسل اليونان، وإيرلندا، والبرتغال، والآن إسبانيا، إلى مستقبل مجهول. والجدير بالذكر هنا أنه منذ عام 2010، تلقت اليونان وإيرلندا والبرتغال نحو 240 مليار دولار من صناديق الإنقاذ المالي، كما أن نسبة الدين الفرنسي مقارنة مع الناتج المحلي الخام للبلاد، تبلغ اليوم رقماً مقلقاً يناهز 90 في المئة. مصادر فرنسية مطلعة تقول إن هولاند سيحقق جزءاً كبيراً من هذا الهدف عبر عدم توظيف موظفين جدد عوضاً عن الموظفين الحكوميين الذين سيحالون على التقاعد. ذلك أن نحو 24 في المئة من الفرنسيين العاملين موظفون لدى الدولة. ويذكر هنا أن مخطط سلفه ساركوزي كان سيتجنب استبدال نصف المتقاعدين، لكن هولاند يأمل "تقسيم الفرق"، ماعدا في قطاعي التعليم والشرطة. غير أن هولاند خرج من قمته الأوروبية الأولى محققاً بعض النجاح بخصوص سياسة النمو ومع شعور بأنه انتقل سياسياً نحو تحقيق "إعادة توازن" أوروبا عبر الاصطفاف مع إيطاليا وإسبانيا ضد التشدد التقشفي لألمانيا التي حددت الطريق والحلول لأوروبا خلال عامين من أزمة الديون والبنوك. أما "ربح الجانبين" في بروكسل بالنسبة لميركل، فيتمثل في حقيقة أنها تجنبت الفكرة الممقوتة المتمثلة في دين متبادل أو مشترك في أوروبا، والذي كان سيجسده إصدار سندات لليورو، كما أبقت على الإشراف المباشر لقواعد البنوك. وفي هذا الإطار، رأت مجلة "دير شبيجل" الألمانية، نهاية الأسبوع، أن ميركل استطاعت أن تبيع لهولاند ميثاق نمو يعتمد بشكل رئيسي على صناديق مشاريع أوروبية غير مستعملة و"لن يكلف ألمانيا سنتاً واحداً". لكن كاتب العمود في صحيفة "نيويورك تايمز" وعالم الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل، "بول كروجمان"، جادل في مقال تحت عنوان "وهم أوروبا الكبير"، بأن التنازلات التي قدمتها ميركل تظل "صغيرة جداً مقارنة بحجم المشاكل". وفي تعليقه على هذا الارتفاع النسبي في المعنويات، قال سيدريك تيليي، الخبير في منطقة اليورو بمؤسسة "ناتيكسس" في باريس: "لا أعرف ما إن كان هذا الشعور الجيد سيستمر طيلة الصيف، لأنه لابد من أن تكون ثمة متابعة. غير أن هذه القمة تبدو أكثر إيجابية من سابقاتها بالنسبة لأوروبا، نظراً للاتفاق الجماعي والاختراق الذي حدث. فقد تنازلت فرنسا بعض الشيء بخصوص سندات اليورو، والشيء نفسه فعلته ألمانيا بشأن موضوع البنوك، لكن شريطة أن يتولى مراقبة ذلك مشرف موثوق فيه مثل البنك المركزي الأوروبي". روبرت ماركند باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©