الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أعذبنا.. أكذبنا!

7 نوفمبر 2017 23:30
قلت وليست لديّ أقوال أخرى إن الإعلام العربي استهلاكي وليس منتجاً ولا إنتاجياً، هو إعلام الجعجعة بلا طحن والأغنية بلا لحن. هو مرآة تعكس وجوه وآراء وأفكار الغرب والشرق. هو صورة وليس أصلاً. هو إعلام ناقل لا عاقل. هو ينتظر الحدث ولا يصنعه. هو يستقبل ولا يرسل، هو متبع لا مبتدع. شأنه شأن كل المجالات العربية. هو إعلام يتأثر ولا يؤثر، لذلك لم يعد هناك فرق أبداً بين الإعلامي ومن يشاهده على الشاشة. وبين الصحفي ومن يقرأ له. لم يعد الإعلامي العربي قائد رأي ولا قائد وموجه فكر. ولا صانعاً للرأي العام. والمشكلة أن أكثر من نصف العرب الآن إعلاميون، فلكل صفحته أو مدونته أو حتى محطته وقناته التلفزيونية على المواقع. وليس صحيحاً أننا في عصر المعلومات لأن الجملة تنقصها كلمة واحدة لتكون صحيحة «المعلومات الكاذبة». والإبداع الحقيقي الآن هو إبداع الكذب، لأن الصدق كاسد، لكن الكذب «بياع» على رأي المصريين. والكذب تطور جداً حتى أنه يستعصي على أكثر آلات كشف الكذب تطوراً. والمصريون يقولون: «الكذب مالوش رجلين». وهذا مثل فات أوانه، وانتهت صلاحيته، لأن الكذب الآن له جناحان. واللغة ملك للجميع يستخدمها الصادق والكاذب، ولا تستعصي على أحد، لكن الكاذب أعذب قولاً وأفصح لساناً وأقوى حجة. والمشكلة الكبرى ليست في شيوع المنكر والكذب والخطايا، فتلك أمور في كل زمان ومكان لكن المأساة هي موت من ينكر المنكر ويشمئز من الخطايا ويكذب الكذابين، بل إن الناس الآن يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويجعلون الكذابين والسبابين نجوماً. ويُقال إن العرب ظاهرة صوتية ولا أحد يعرف السبب، والسبب عندي أن الكذاب أعلى صوتاً وأكثر ثرثرة. وإذا ثرثرت الألسنة خرست العقول. وإذا علا الصوت سفلت القلوب. والإعلام الرائج هو الإعلام الكاذب. لا يمكن أن يبدأ الإعلام العربي يطرح قضية يتناقلها عنه الإعلام الغربي والعكس هو الذي يحدث. ولا يمكن أن ينظر الإعلام العربي بريبة وحذر إلى ما يرد في الإعلام الغربي، بل يتعامل معه بتقديس واحترام. فإذا قالت صحيفة «نيويورك تايمز»، فهي جهبزة التي تقطع قول كل خطيب وكذلك وكالات مثل «رويترز» و«الفرنسية» وغيرهما. ولا يتطرق إلينا شك في أن الإعلام الغربي موجه ومدفوع الثمن ومأجور. وقد ظهر هذا جلياً في أزمة قطر، وظهر من قبل كثيراً في كل قضايا وأزمات العرب بداية من القضية الفلسطينية، وحتى القضية الليبية والأزمة اليمنية، ومأساة سوريا والحرب على الإرهاب. ولم يتطرق العرب يوماً في إعلامهم إلى الشك في الطرح الغربي لقضايا مفتعلة مثل حقوق الإنسان أو حقوق المرأة أو حقوق الأقليات أو تصنيف الإسلام إلى إسلام معتدل وإسلام متطرف أو تحيز الغرب الواضح لما يسمى المعارضة في الأمة العربية وخصوصاً جماعة «الإخوان» الإرهابية. ومن المضحك حقاً أن يفصل العرب وإعلامهم الإسلام على مقاس الأفكار الغربية كأن يُقال مثلاً إن الإسلام هو أول من نادى بحقوق الإنسان، أو إن الإسلام سبق كل الشرائع الوضعية في تكريم المرأة. وإن الإسلام هو أول من دعا إلى الديمقراطية وحرية التعبير. والحجة عندنا ونحن نلوي عنق الدين ليوافق الفكر الغربي أننا نسعى لتحسين صورة الإسلام في عيون الغرب. نريد أن نجعل الإسلام تابعاً وكأننا نقدم برنامج «ما يطلبه المستمعون»، وتلك آفة العرب فهم إما متطرفون يميناً أو متطرفون شمالاً، فهم ريشة في مهب الريح. فإذا هبت وغلبت رياح الشرق كما كانت قلنا إن الإسلام اشتراكي، وهو أول من طبق الاشتراكية قبل ماركس.. وعندما كانت الموضة السائدة هي الاشتراكية لم يتورع أمير الشعراء أحمد شوقي في وصفه ومدحه للرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: الإِشتِراكِيّونَ أَنتَ إِمامُهُمْ لَولا دَعاوي القَومِ وَالغُلَواءُ داوَيتَ مُتَّئِدًا وَداوَوا طفرَةً. وَأَخَفُّ مِن بَعضِ الدَواءِ الداءُ وعندما كانت الموضة هي الثورات والانقلابات قال الرئيس الراحل جمال عبدالناصر: إن رسالات السماء كلها في جوهرها كانت ثورات إنسانية استهدفت شرف الإنسان وسعادته لم يقل العرب أبداً إن الإسلام ليس فيه ما يسمى حقوق الإنسان، ولكن فيه واجبات الإنسان، وحقي هو واجب غيري وواجبي هو حق غيري، حتى أنه سمى الواجب حقاً في قوله تعالى (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)، «سورة الذاريات: الآية 19». وهكذا حسم الإسلام الأمر، ولم يكن أبداً دعوة تحريضية مثل دعوة حقوق الإنسان. والإسلام لا يعاقب من يتنازل عن حقه لكنه يعاقب من يترك واجبه لأن واجبه حق غيره، حتى قوامة الرجل على المرأة اعتبرها الجهلاء حقاً للرجل بينما هي واجب عليه وحق المرأة، فالقوام صيغة مبالغة من القائم، أي كثير القيام من أجل المرأة، وعندما أرادوا أن ينافقوا الغرب قالوا إن الإسلام أول من كرّم المرأة بدليل أنه سمى سورة في القرآن الكريم باسمها «النساء»، وهذا مضحك جداً فالإسلام سمى سورة البقرة ولا يعني هذا تكريم البقر، وسمى سورة النمل وسورة العنكبوت، وذكر في آياته الذباب والحية والغراب وأبا لهب، فهل هذا تكريم لكل هؤلاء؟ ما لكم كيف تحكمون؟ كل أفكار العرب بين اثنين: إما تابعة لما هو سائد في الغرب وإما سلفية على طريقة وجدنا آباءنا وألفينا آباءنا، بل إن أقوام الأنبياء الذين كفروا بهم كانوا بهذا المعنى سلفيين، على طريقة «وجدنا آباءنا». وفي الحالتين لا يوجد عقل عربي لأن النقل في أمتنا قتل العقل. وهكذا يفعل الإعلام العربي، حيث يقتات على النقل ولا يعترف بالعقل. والأفكار والمناهج والنظريات العربية والتحليلات والمقالات. كلها ناقلة لا عاقلة.. وكلها حسب الموضة السائدة في الغرب أو الشرق. نحن فقط ننتج مشاكل ولا ننتج حلولاً، وننتج حرائق ولا ننتج وسائل إطفاء. نحن نعرف كيف نستهلك، لذلك كان استهلاكنا سبب هلاكنا، ولذلك ارتفع الكذابون وصاروا نجوماً، وأصبح أعذبنا أكذبنا! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©