الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

المبدع موظفاً!

11 أكتوبر 2010 23:02
لا يوجد مبدع أو مفكر أو كاتب أو باحث متفرغ لعمله في الوطن العربي، إلا من ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، ولهذا، يصرف هؤلاء سنوات أعمارهم في انتظار تحقيق أمنية التفرغ لأعمالهم الإبداعية والفكرية والبحثية، وحين تحين هذه اللحظة يكون الواحد منهم قد أنهكته الوظيفة والمديرون وروتين العمل ومسؤوليات الحياة، وفقد عزمه ولغته وأفقه وأفكاره ومداه وفضاءه وانطلاقته، وفقد حضوره في الوهج الإبداعي والإعلامي والثقافي، ويجد نفسه في لحظة ما، وكأنه يبدأ من جديد. معظم العباقرة من الفنانين والأدباء والمفكرين العالميين قدموا أعمالهم الاستثنائية التي اثرت الحضارة البشرية وهم في شبابهم، حين كان بمقدورهم أن يعيشوا اللحظة والفكرة والصورة والصوت، حين كان بمقدورهم أن يعيشوا الحالة بكل ابعادها، فلا يوقفهم ليل أو نهار أو مطر أو قيظ صيف أو مواقيت أو مواعيد صباحية أو مسائية، فلحظة الإبداع لا تعترف بالمكان ولا الزمان ولا الطقس، حين تهطل، تهطل بكل عنفوانها وتألقها وزخمها وجنونها، وهي لا تقبل التأجيل، فإذا ما تعرضت للتأجيل فقدت نصف بريقها وأناقتها وعشوائيتها وعبثها ونظامها، وبالتالي تخرج غير مكتملة، ينقصها شيء ما، هو بالتحديد ما ينقص الأعمال العربية الإبداعية والفكرية حتى تصبح عالمية، هي تلك اللحظة التنويرية المضيئة، تلك الروح الحاضرة بكل زخمها وثرائها وقوتها، ويمكن تلخيص كل هذا بالاخلاص في الاستجابة للصوت والفكرة والمعنى والإيقاع، فكم منا زارته شيطانة الشعر والشكل واللون في لحظة ما قبل النوم، أو في صباح من صباحات العمل، أو في طريقه لأداء مهمة، أو أثناء قيامه بعمل ما، فيبدأ بالكتابة في فضاء رأسه أو الرسم على المدى الشاسع، حتى إذا استيقظ في الصباح أو عاد في المساء إلى البيت، هربت لوعة الحرف ونداء الكلمة وتفرّد الفكرة، فيحاول تنفيذها، لكنه يدرك أنها ليست هي. الإبداع يتطلب ثقافة عالية واطلاع على الرصيد البشري، ودون هذا يبقى العمل الإبداعي محصورا بجدران مقفلة، لا ابتكار فيه ولا تطوير، وبهذا، يكرر المبدع نفسه دون أن يدري، فنجد قاموسه اللغوي محدودا، وأشكاله متشابهة، وشخصياته متقاربة، يحدث كل هذا لأن المبدع لا يخوض تجارب الحياة عن كثب، وليس لديه الوقت للتحاور مع المنجز الإبداعي الإنساني. المبدع العربي موظف، ولهذا نجده موظفا أيضا وبنفس الطريقة عند أعماله، فهو يتعرض لأسوأ أنواع المعاملة عن طريق تجاهل شخصيته المبدعة، ويُنظر إليه كآلة يجب أن تنفذ عملها بمعزل عن روحه وعقليته وتركيبته النفسية، والغريب أن كثيرين لا يحاولون حتى فهم طبيعة هذا المبدع (الموظف) ويجهلون نتاجاته، بل يتجاهلونها في أحيان كثيرة، حتى لا يشعرونه بتميزه. يحدث هذا في الدول الغنية والفقيرة، العريقة والحديثة، ويحدث هذا لدى المديرين المتعلمين والجهلة، ومع كل حادثة، تخسر الأوطان مقعدا حضاريا بين الشعوب. akhattib@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©