الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ثناء العريدي: دفء الإمارات وأهلها لا نشعر معه بالغربة في رمضان

ثناء العريدي: دفء الإمارات وأهلها لا نشعر معه بالغربة في رمضان
12 يوليو 2013 22:11
تعددت الألوان والأعراق والألسنة بتعدد البلاد والشعوب، فاختلفت العادات والتقاليد عبر دول العالم الإسلامي التي يعيش فيها أكثر من مليار نسمة في شتى قارات العالم، ولا يجمعهم إلا الإسلام تحت راية «لا إله إلا الله محمد رسول الله». وفي رمضان من كل عام، يتحول المسلمون في شتى ربوع الأرض إلى كتلة واحدة عملاقة، تهيمن عليها روحانيات الشهر الفضيل، فيؤدي الجميع العبادات نفسها من صيام وصلاة وإقبال استثنائي على فعل الخير ونزعة أقوى للتسامح والتواصل مع الآخرين. لكن رمضان بسماحته، يعطي أحبابه في مشارق الأرق ومغاربها فرصة عظيمة ليضع كل مجتمع بصمته ولمساته المستمدة من عاداته وتاريخه على طقوس استقبال ومعايشة الشهر الفضيل. وتنشر «دنيا الاتحاد» على مدى الشهر سلسلة حوارات مع العديد من زوجات سفراء الدول العربية والإسلامية في الإمارات، لإلقاء الضوء على عادات وتقاليد شعوبهن خلال رمضان. لكبيرة التونسي (أبوظبي) - بحنين دافق للماضي، تسبقه دمعة دافئة، تتحدث عن الأجواء الرمضانية حين كان أولادها صغاراً، يملأون البيت حيوية ونشاطاً طوال ساعات النهار، ثم يلتفون حول المائدة عند الإفطار، منتظرين بلهفة آذان المغرب.. الآن كبر الأولاد، وذهب كل في طريق، سعياً وراء الرزق. ولم يبق في المنزل سواها.. السيدة ثناء كريدية مع زوجها خيري العريدي السفير الفلسطيني لدى الدولة وحفيدتهما الصغيرة ميرا. مع كل رمضان يزداد الحنين والاشتياق إلى «لمة الأسرة» على مائدة الإفطار، لكن السيدة العريدي تجد بعض العزاء في روحانيات الشهر الفضيل، وما يمنحه لأحبابه من سكينة وأمان نفسي، لذا فهي تفضل البقاء في المنزل طوال أيام الصيام، وتتفرغ لقراءة القرآن والتأمل.. وعائلتها. «إنها طقوس رمضان، شهر التعبد والتقرب إلى الله، والتكافل والترابط الاجتماعي والأسري»، حسبما تقول. تسهر السيدة العريدي على تجهيز أكل بيتها بنفسها، فهي تعتبر «الطبخ فن وإبداع»، وتحرص على إعداد ما تحتاجه أسرتها، من دون زيادة، لأنها تكره إسراف البعض في رمضان، عندما يعمدون إلى تحضير وجبات تزيد عن الحاجة، يتم التخلص من معظمها في اليوم التالي. وعادة ما تفضل التنوع كل يوم على مائدة الإفطار التي لا يمكن أن يغيب عنها أبداً زيت الزيتون والتمر والحليب أو اللبن. وإلى جانب هذه الثوابت، لابد للمائدة الفلسطينية أن تضم في رمضان، أطباق شهيرة، مثل شوربة الفريكة والعدس مع السلطة والمعجنات كالسنبوسك باللحم أو الخضراوات أو الجنبة النابلسية، والعصائر الخاصة برمضان كشراب قمر الدين والتمر الهندي وعرق السوس، واللبن الرايب والمسخن، وهو طبق شبه يومي على المائدة الرمضانية، إلى جانب القدرة الخليلية والمنسف الفلسطيني والمحاشي والمقلوبة، وغيرها من الأكلات الشعبية كاليخاني التي تقدم مع الرز بالشعيرية. وهناك أطباق تؤكل باردة كالفاصوليا والبامية بالزيت. ثم يأتي دور الحلويات الفلسطينية الشهيرة كالقطايف والكنافة النابلسية والعوامات وأصابع زينب. تقول ثناء العريدي «عادات الحياة في هذا الشهر تختلف كلياً عن بقية العام، بحيث تصبح السهرات أطول، والنوم أقل، وذلك للطابع الروحي والاجتماعي للشهر، ويزيد إقبال الناس على العبادات والأعمال الخيرية التي تقرب الناس من بعضهم بعضاً، وتنجلي القلوب من الحقد والضغينة، ليحل محلها التسامي الروحي والحب والصفاء للتقرب من الله عز وجل». وعن رمضان في فلسطين، تقول السيدة العريدي إن الناس هناك تحتفي بالشهر الفضيل، بتزيين الشوارع والمنازل بالمصابيح، بينما تضج الأسواق القديمة بالرواد من الرجال والنساء بصفة خاصة، لشراء مستلزمات المطبخ من المواد الغذائية الضرورية، مثل المكسرات والسكر والأرز وماء الزهر وماء الورد والزبيب واللوز والصنوبر والتين المجفف والمشمش المجفف والتمر، والبعض «يشتري أدوات جديدة للمطبخ أو قطع أثاث للبيت لمن يتيسر له ذلك». الطبخ فن وإبداع وترى حرم السفير الفلسطيني أن برامج الطبخ على القنوات الفضائية، أثرت المائدة الفلسطينية بأطباق عالمية، فأصبحت توجد على المائدة «أطباق جانبية أخرى كالطبق اللبناني والسوري والمصري والإيطالي والتونسي والمغربي والخليجي، تشمل كل ما لذ وطاب، لكن بتوازن، ومن دون إسراف».أما بالنسبة للسحور، فإن زيت الزيتون يحافظ أيضا على مكانه على المائدة لما يحتويه من عناصر غذائية ضرورية للصائم، وإلى جانبه الزعتر والجبنة النابلسية واللبنة والتين مع كوب الشاي بالمرامية، لتسهيل حركة الأمعاء، وعدم الشعور بالعطش. إكرام البنات في العيد اضطرت ظروف العمل ودراسة أولاد السيدة العريدي للإقامة في دول متفرقة، ويزيد اشتياقها لهم خلال رمضان، خاصة أيام العيد، وتتذكر بقوة بهجته في الماضي عندما كان أولادها صغاراً، حيث كانت تستعد للمناسبة السعيدة قبل حلولها بفترة طويلة بشراء الملابس والفساتين والشرائط الحريرية للبنات. وعن طقوس ما قبل العيد، تقول « قبل حلول عيد الفطر بثلاثة أيام تبدأ مرحلة تجهيز الحلويات الخاصة بهذه المناسبة مثل المعمول بالتمر والجوز والفستق الحلبي والكعك بالتمر». وفي أول أيام العيد، يبدأ الأب عادة بزيارة إخوته البنات وبناته وتوزيع «العيدية» عليهن «مهما كان وضعهن المادي». وتضيف «سواء كانت الأخت أو البنت غنية أو فقيرة فلابد لها من عيدية. إنه تقليد لابد من القيام به، كما نقوم بزيارة الأضرحة وقراءة الفاتحة على أرواح الشهداء والأقارب، ومن ثم تجتمع العائلة على مائدة الغداء، وعادة تكون طبقاً رئيسياً كبيراً تتجمع حوله العائلة، ويكون عادة مسخن أو منسف أو خروف محشي، كل حسب قدرته المادية في اختيار الطبق». طقوس رمضانية وتتولى السيدة العريدي مسؤولية الإشراف على الأنشطة الاجتماعية والخيرية لعقيلات السفراء المعتمدين لدى الدولة، على مدار السنة. وبالتالي تزداد مسؤولياتها خلال الشهر الفضيل، فهناك «التزامات خاصة، وواجبات تجاه الدولة، وتجاه الجالية الفلسطينية، بالإضافة إلى العائلة» حسبما تقول. ولابد بالطبع من تلبية دعوات على السحور أو الإفطار، كما يتعين دعوة دبلوماسيين أجانب وأسرهم لموائد الإفطار للتعريف بالطقوس والعادات الإسلامية والتقاليد التراث الفلسطيني. ولأن عمل الزوج في السلك الدبلوماسي حتم دوماً على الأسرة التنقل من بلد لآخر، فقد تعددت مذاقات رمضان بالنسبة لأفرادها مع تنقلهم بين أكثر من خمس دول. تقول السيدة العريدي، إنه على الرغم من التنقل بين دول العالم «فلم يختلف رمضان كثيراً عن فلسطين، لأننا نمارس طقوسنا وعاداتنا كما لو كنا نعيش فيها، فالمائدة هي نفسها والأطباق والحلويات كما هي من دون تغيير، وذلك لأنني أعدها بنفسي حتى ولو كانت متوافرة في الأسواق، ولكن تظل هناك بعض الاختلافات من دولة لأخرى». ففي تونس مثلا يبدأ الإفطار، «بالبريك»، وهو نوع من السمبوسك، عبارة عن رقاقات في داخلها بيضة تقلى بالزيت وتؤكل وهي ساخنة، ثم يتناولون الشاي أو القهوة، ويصلون صلاة المغرب، وبعدها بحوالي الساعة يبدأون تناول الفطور. وتتذكر العريدي كيف كان الجميع ينتظرون انقضاء العشر الأوائل من شهر رمضان، لحين موعد فتح الأسواق ليلاً، «فنذهــب مع الجيران والأصدقاء والأولاد بعد صلاة العشاء لاختيار ثياب العيد للأبناء، قبل أن تنفذ المقاسات خصوصا وأن لي من الأبناء، أربعة وبنتين، وهذا يحتاج إلى أيام عدة حتى أتمكن من شراء ما يلزمهم لاستقبال عيد الفطر السعيد». وتضيف «كنت أشعر بفرحة كبيرة عند الانتهاء من شراء الثياب، لأتفرغ لممارسة حقي في اختيار ما يلزمني». في موسكو، حيث عمل الدكتور العريدي سفيراً لفترة من الوقت، فقد بذلت قرينته السيدة ثناء العريدي جهداً أكبر، كي تشعر الأسرة بأنها لم تغادر فلسطين، خاصة في ظل اختلاف الوقت والطقس وعادات المجتمع. وتقول «كنا نعيش في بلد أجنبي لا أحد يصوم فيه، فكنا نوفر لأنفسنا جوياً رمضانياً داخل البيت، ونعوض النقص الحاصل في المجتمع الخارجي، بحيث نضع مسجل للقرآن الكريم لسماع صوت الأذان عبر المسجل، حسب موعد الإفطار، وانتظار مغيب الشمس». أما عن رمضان في الإمارات، فهو الأفضل بالنسبة للسيدة العريدي بل «أجمل أيام العمر». وتقول «في دولة الإمارات الحبيبة لم نشعر يوماً أننا في غربة، نظراً لوجودنا في بلد عربي إسلامي ولوجود جالية فلسطينية كبيرة بشكل عام وجاليه عربية بشكل خاص. وستبقى هذه الدولة الشقيقة ذكرى جميلة جداً في قلبي وعقلي، خصوصا في شهر رمضان المتنوع العادات والتقاليد والطقوس الجميلة، خاصة منها الدينية، ودعوات السحور التي لم نمارسها ولم نتلقاها إلا في دولة الإمارات وفي بلدنا الأم فلسطين، ففي دولة الإمارات نشعر بالأمان والأمن والراحة النفسية والدفء، من خلال الشعب المعطاء المحب للجميع، خاصة لفلسطين ولشعب فلسطين». ثقافات عديدة.. صداقات جديدة وتعتبر السيدة العريدي التنقل من بلد لآخر، سلاح ذو حدين بالنسبة للأبناء. فهم مثلاً ينسجون علاقات صداقة مع البعض خلال وجودهم في بلد ما، ثم فجأة يضطرون للانتقال إلى بلد آخر، ليبنوا صداقات جديدة، ثم ما يلبثون أن يغادروا إلى بلد آخر.. وهكذا دواليك. وبالطبع يترتب على التنقل مشكلات فيما يتعلق بالمدارس واختلاف المناهج وتقلبات المناخ.. لكنْ للأمر ثمة أبعاد إيجابية. تقول العريدي إن الأبناء في هذه الأجواء «يكتسبون ثقافات عديدة، ويتعرفون، من خلال الصداقات المتنوعة، إلى عادات وتقاليد عدة، كما يعرفون أبناء الشعوب الأخرى بعاداتنا وتقاليدنا وتراثنا، من خلال تلك الصداقات». ولوضعها الخاص، حرصت حرم السفير الفلسطيني دوماً على ربط أبنائها بعادات وتقاليد بلدهم، لأن «الأبناء يتعلمون أولا داخل أسرتهم عادات وتقاليد بلادهم ويورثون عادات وصفات ذويهم وحسن تربيتهم، يعكس سلوكهم عند اختيار أصدقائهم داخل المدرسة وخارجها، وعلينا نحن كأولياء أمور مراقبة أبنائنا عن بعد، ونحاول أن نبقي على عاداتنا وتراثنا لينشئوا عليها، وتكون لهم هويتهم الخاصة بهم، يفتخرون بها أمام أصدقائهم، أياً كانت جنسيتهم» حسبما تقول. ومن واقع خبراتها تؤكد العريدي ضرورة أن ينسج الآباء علاقات صداقة مع أولادهم حتى لا ينجرفون وراء تصرفات وعادات لا تتناسب مع المجتمع العربي والإسلامي. وتضيف «ونحن والحمد لله عائلة ملتزمة مبادئ الدين الحنيف والإسلام القائم على الأخلاق والقيم والمعاملة الحسنة من دون فرضها على أبنائنا بالقوة، فهم بالفطرة تربوا في بيئة جيدة ملتزمة وديمقراطية والحمد لله. أبنائي جميعاً يصومون ويصلون منذ بلوغهم الثاني عشر وبعضهم قبل ذلك، ويتمتعون بصفات وخصال جميلة تجاه أقاربهم وأصحابهم وإخوانهم».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©