الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بيوت الله.. رحلة روحانية ورسالة إبداع للفن المعماري الأصيل

بيوت الله.. رحلة روحانية ورسالة إبداع للفن المعماري الأصيل
13 يوليو 2013 17:57
العمارة الإسلامية فن راق له جذوره الممتدة عبر التاريخ، خاصة منذ فجر الإسلام، ومثلت دور العبادة بقيمها الروحية عاملاً مهماً في إضفاء الصفاء النفسي على المؤمن، وهو ما يجعله ينظر بعين الاعتبار إلى المساجد الكبيرة ذات النقوش والزخارف الجميلة التي تبعث في النفس الراحة والهدوء، ومن ثم استقبال القبلة بدرجة عالية من الحرارة الإيمانية والجسارة، وكأن المصلين في رحلة كونية مع الإبداع الفني الأصيل، فضلاً عن الفعاليات التي تزخر بها الكثير من المساجد طوال شهر رمضان، مثل تحفيظ القرآن وحلقات الدروس الدينية التي تقام بعد صلاة العصر. مع حلول شهر رمضان المعظم، يختار كل مسلم المسجد الذي يؤدي من خلاله طقوسه الدينية وشعائره الإيمانية، وعلى الرغم من أن بيوت الله على درجة واحدة من القدسية في نفس كل مؤمن، إلا أن إصرار العديد من الناس على الصلاة في بعض المساجد يرتبط بمدى رغبتهم في التمتع بفن العمارة الإسلامية. ومن ثم تأدية الصلوات الخمس، وصلاة التراويح والتهجد بين الأعمدة الرخامية العتيدة، والآيات القرآنية المنقوشة على الجدران في تأنق واضح وجمال آسر، يبهر العين ويثلج الصدر ويمنح الوجدان فرصة لاستخراج فيوضها الداخلية، في أجواء تمنح النفس الراحة والاطمئنان. روح الجمال وحول جمال العمارة الإسلامية وارتباط المسلم بها نفسياً يقول المهندس الاستشاري المدني بمكتب هيدر الاستشاري البريطاني في العين محمد جاد: «منذ فجر الحضارة الإسلامية وهي لم تغفل مكانة العمارة الإسلامية في إضفاء روح الجمال على دور العبادة، فالنفس الإنسانية مجبولة على حب الجمال ومنطبعة عليه، والفن الإسلامي على مر العصور كان ولم يزل يتميز بخصائص معينة مثل فن الزخرفة، وفن الخط العربي، وفن العمارة، وكل هذه الفنون تتناغم مع بعضها بعضاً لتشكل في النهاية لوحات بديعة تأسر العين، وتذهل العقل، وما من شك في أن الهندسة المعمارية لها أصولها، فقد أبدع مهندسوها في التصورات الأولية لها، من خلال وضع نماذج راقيه اعتمدت على المقاييس والرسوم والمجسمات. ومن ثم التبحر في علوم الهندسة والميكانيكا والرياضيات، والعمارة الإسلامية تزخر بمعالم ضخمة لها مكانتها التاريخية والإنسانية والحضارية عند المسلمين، فقد أبدع المسلمون في تشييد القباب والأعمدة والمقرنصات التي هي عبارة عن الأجزاء التي تتدلى من السقف، فضلاً عن المشربيات التي لم يزل لها حضور طاغ في العديد من المساجد والبيوت التي اتخذت أشكالاً تراثية بحتة، ويلفت إلى أن قبة الصخرة في بيت المقدس وقباب مساجد الأستانة، والأندلس، والقاهرة، كلها كانت نماذج حية على روعة العمارة الإسلامية، التي هي شاهد حقيقي على الإبداع الإسلامي على مر العصور». بناء جامع ويبين جاد أن المساجد تمثل قوة روحية تمد المسلم بأسباب الارتباط بالمكان الذي يؤدي فيه عباداته، ولم يزل تشييد المساجد في هذا العصر على ضوء ما أبدعه المهندسون الأوائل في الفن المعماري الإسلامي مع اختلاف التقنيات الهندسية الحديثة في طريقة البناء، لكن يظل الشكل المعبر عن النقوش الكتابية والرسوم الهندسية قريباً مما درجت عليه المساجد قديماً، ويؤكد أن المسلم بطبعه لديه وعي بهذه العمارة، والدليل على ذلك أنها تؤثر بطريقة ما في نفسه، وتجعله يحدد وجهته نحو مسجد ما، وإن كانت طريقة عبادته لا تختلف لأنها نابعة من قيم الدين الإسلامي الحنيف، ويوضح أن إمارة أبوظبي خاصة ودولة الإمارات بشكل عام، تزخر بمساجدها التي تتنوع فيها العمارة الإسلامية، وعلى رأسها جامع الشيخ زايد الكبير الذي يعد واحداً من أكثر المساجد في العالم امتلاء بالفنون الإسلامية كافة، وهو نسق مثالي للأبنية الهندسية الجامعة في العصر الحالي. عمارة كلاسيكية من بين المساجد التي تحفل بالعديد من الأنشطة الرمضانية المحببة لدى الناس في أبوظبي، مسجد فاطمة بنت جمال الذي يقع في شارع محمد بن خليفة ويتوسط شارعي المرور والمطار، وعن الأجواء الإيمانية التي يعيشها المصلون في رمضان يقول إمام المسجد محمد عبدالله مولفي: «يستقطب مسجد فاطمة بنت جمال ما يزيد على ألفي مصلٍ من الجنسيات كافة، ويتميز بعمارته الكلاسيكية التي اتخذت في أركانه أشكالاً هندسية وزخارف فنية عديدة، وما من شك في أن مساحته كبيرة للغاية، وعلى الرغم من أن واجهته على الشارع الرئيسي، إلا أن المكان الفسيح الذي يمتد أمامه يستخدم كباحة لاستقبال المصلين، وهو ما يضيف مساحات أخرى للمسجد، ويبين أن الأبواب الخشبية تضمنت منحوتات وكتلاً بأشكال إسلامية بديعة، وفور دخول المصلين إلى ساحة المسجد يمتد السجاد الأحمر الذي تتوسطه زخارف ذات أحجام صغيرة، ومن أعلى ينحسر المسجد من الأطراف ليظهر بناء مستقل يحيط به سياج خشبي تتوسطه حلقات ودوائر مفرغة، وهو ما يمثل فناء ضيقاً يتسع للأعداد التي تزيد على المصلى الرئيسي، ويلفت إلى أنه على جانبي حوائط المسجد من أعلى، تتمركز النوافذ الزجاجية التي أخذت شكل المثلث، وبين كل نافذة وأخرى، شكل مربع متداخل وهو عبارة عن مجسم من الجبس». أشكال مختلفة ويذكر مولفي أنه من أسفل أرضية المسجد إلى أعلى، وعلى مسافة ثلاثة أمتار، توجد زخارف على شكل زهور صغيرة للغاية، فضلاً عن القبلة التي تتصدرها لوحة حمراء مكتوب عليها باللون الأبيض «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وأسفلها من على الطرفين كلمتا « الله- محمد»، ويشير إلى أنه في منتصف المسجد مصابيح معلقة كالثريات بشكل تراثي قديم معروف في العمارة الإسلامية في العصور الماضية، وهي تتخذ أشكالاً مختلفة عند إنارتها، فضلاً عن القبة التي تتوسط باحة المسجد من الداخل التي تزخر بنقوش لآيات قرآنية كتبت بالخط الكوفي الشهير، كما أن هناك مكاناً آخر لاستقبال النساء. وجبات الصائمين ويوضح إمام مسجد فاطمة بنت جمال، محمد عبدالله مولفي، أنه في خارج المسجد مركز لاستقبال الأطفال من عمر 6 إلى 12 عاماً بهدف تحفيظهم القرآن الكريم يومياً في رمضان، ويقام درس على مدار أيام الأسبوع بعد صلاة العصر، وبالنسبة لصلاة التراويح يؤكد أنه يصلي بالناس عشرين ركعة إلى جانب ركعتي الشفع وركعة الوتر، ويضيف: «يحرص باني المسجد إسماعيل الخاجة على تقديم وجبات لإفطار الصائمين طوال أيام شهر رمضان المبارك، وهو ما يجعل المسجد يعج بأعداد كبيرة عند وقت الإفطار». عمارة باذخة يفضل أحمد المنصوري حضور الصلوات الخمس في مسجد مصعب ين عمير، ويوضح أنه يشعر براحة نفسية كبيرة حين يرى قبته الكبيرة، ويمضي غادياً ورائحاً يومياً بين رحاب أعمدته الكثيرة التي يحس من خلالها بالسكينة التي ترمز للعمارة الإسلامية الباذخة، حيث تزين هذه الأعمدة بنقوش مختلفة وزخارف رائعة، ويلفت إلى أن مهندسي المساجد في هذا العصر جمعوا بين الماضي والحاضر في تشكيلات تلقائية تعتمد علي حدسهم وانتمائهم الديني، وهو ما يعطي دلالة واضحة على غزارة المفردات التي شكلوا من خلالها جدران وحوائط هذا المساجد الإسلامية التي تمثل مكانة عالية في حياة المسلمين، ويلفت إلى أنه شعر في مسجد مصعب بن عمير بوجود المقياس الإنساني الرحب للعمارة الإسلامية التي تنسجم مع الإطار العقائدي للمسلم، وهو ما يجعله يأتي إليه في صحبة عدد من أصدقائه الذين لا يقطنون بالقرب من المسجد، ولكن تجمعهم الصداقة والأخوة الخالصة، فضلاً عن أن هذا المسجد يجمعهم على تلاوة القرآن وأداء صلاة التراويح. بيئة إسلامية خالد النعيمي يحضر مع أولاده الثلاثة كل يوم لأداء صلاة التراويح على الأخص بمسجد محمد خلفان الكتبي الذي يتميز بمصابيحه التي تتعدد أشكالها وتطلق أنواراً تشبع النفس بالراحة والانسجام مع المكان، فضلاً عن مآذنه الأربع التي تبرز منها اثنتان في الأمام، ومن الخلف اثنتان، ومن الداخل يتميز باتساعه، ويشير النعيمي إلى أنه يحرص دائماً على أداء صلاة الجمعة به طوال أيام السنة، أما في رمضان فهو يقيم صلاة العشاء والتراويح، وأحياناً التهجد، ويذكر أنه على الرغم من أن قيمة المساجد في نفوس المسلمين على الدرجة نفسها، إلا أن كل فرد يشعر بأنه مرتبط بمسجد ما، وأنا شخصياً أحب المساجد الواسعة التي تتسع فيها رقعة النقوش، بحيث تتزين الجدران بالآيات القرآنية التي تكتب بخط بارز، ويشير إلى أنه في الغالب يعيش الطقوس الرمضانية مع أطفاله حتى يظل ارتباطهم بدور العبادة موصولاً وأن يعرفوا أن المسلمين يهتمون بمساجدهم ويصممونها بشكل تراثي مستمد من البيئة الإسلامية الأولى.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©