الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاستخبارات الأميركية... غياب الحقائق

12 يوليو 2013 22:52
تيم واينر مراسل «نيويورك تايمز» السابق لشؤون الأمن القومي ينطوي تاريخ الاستخبارات الأميركية والعاملين فيها من كبار الضباط على تاريخ حافل وسجل طويل من المراوغة، وربما يرجع ذلك إلى المعضلة التي يجد فيها المسؤولون أنفسهم والنابعة من القَسم الذي يؤدونه لدى توليهم المسؤولية، فهم يقسمون بالتزام السرية، وفي الوقت نفسه يتعهدون بقول الحقيقة، وفيما تكون بعض الحقائق المغلوطة ناتجة عن أخطاء بشرية يمكن التغاضي عنها، إلا أن بعضها يكون مقصوداً، رغم ما قد يفضي إليه ذلك من نتائج وخيمة، والمشكلة أن التلاعب بالحقائق من قبل الاستخبارات الأميركية يقوض أحد أهم أركان الديمقراطية المتمثل في سيادة القانون. ولعل المثال الأخير على كذب الاستخبارات هي الشهادة التي أدلى بها مدير الاستخبارات الوطنية، «جيمس كلابر»، في شهر مارس الماضي أمام لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأميركي قبل تسريبات التنصت التي قامت بها وكالة الأمن الوطني، حيث أجاب الرجل على سؤال: هل تقوم وكالة الأمن الوطني بجمع بيانات من أي نوع حول الملايين، أو مئات الملايين من الأميركيين؟ بكلمة «كلا». لكن اليوم وبعد مرور أربعة أشهر على شهادة «كلابر» رجع ليعترف قائلاً: «من الواضح أن إجابتي كانت خاطئة»، وهو بالطبع لم يعترف بالخطأ إلا بعد تسريب «سنودن» لمعلومات متعلقة بالتنصت على الأميركيين وانخراط الوكالة في انتهاك خصوصية المواطنين. بيد أن «كلابر» ليس الوحيد من بين كبار ضباط الاستخبارات الذي لجأ إلى ذلك، حيث ينضم إليه «آلان دلاس»، قائد وكالة الاستخبارات المركزية خلال الحرب الباردة، فعندما أدلى بشهادته أمام الكونجرس سنة 1947، محاولاً إقناع المشرعين بضرورة استحداث الوكالة قال مطمئناً النواب: «لسنا في حاجة إلى عدد كبير من الموظفين، نحتاج فقط لبضع مئات»، لكن بحلول عام 1951، كان «دالاس» يرأس جهازاً يشرف على عدد من العمليات السرية في جميع أنحاء العالم يقوم بها الآلاف من العناصر شبه العسكرية وبموازنة سرية تصل بتقديرات اليوم إلى 3.5 مليار دولار. وفي عام 1954 عندما سأله الرئيس «أيزنهاور» عن عدد الرجال الذين فقدهم الديكتاتور «كارلوس أرماس» الذي دعمته الاستخبارات للإطاحة برئيس منتخب في غواتيمالا، رد «دالاس» إنه فقد رجلاً واحداً، والحقيقة أن عدد الذين سقطوا في الانقلاب وصل إلى 43 على الأقل. هذا السجل الحافل بالكذب يؤكده أيضاً «ريتشارد بسل»، مهندس عملية خليج الخنازير بكوبا ومطور طائرات التجسس U2، قائلاً: «أغلب العناصر التي انضمت إلى وكالة الاستخبارات المركزية لا تشعر بأنها ملزمة باحترام المعايير الأخلاقية في العمل»، وهو الشخص نفسه الذي كان وراء فضيحة إسقاط طائرة تجسس أميركية فوق روسيا خلال الستينيات في الوقت نفسه الذي كانه «إيزنهاور» يستعد لحضور مؤتمر باريس مع قيادات سوفييتية لتهدئة التوتر. فرغم أن برنامج التجسس بالطائرات من اختصاص الرئيس نفسه، أقنع «ريتشارد» بإلحاحه الرئيس بتحليق الطائرة قبل يوم واحد على موعد المؤتمر، وعندما أسقطت الطائرة تفتق ذهن مدير الوكالة «دلاس» على خديعة تقول إن طائرة استطلاع جوي أميركية فُقدت فوق تركيا، لكن موسكو كذبت الرواية الأميركية عندما أعلنت اعتقالها الطيار. وبالطبع انهارت قمة السلام بين البلدين، وهدد أيزنهاور عندما أُحرج بالاستقالة، وظلت المرارة تطارده حتى عندما تقاعد حيث قال «إن أسوأ ما أندم عليه خلال رئاستي هو كذب إدارتي بشأن طائرة التجسس التي أسقطها الروس». وتستمر سلسلة الأكاذيب مع «ريتشارد هلمز»، مدير وكالة الاستخبارات المركزية في الفترة بين 1966 و1973، ففيما كان الرئيس نيكسون يستعد لتعيينه سفيراً لدى إيران وخلال جلسة تثبيته أمام الكونجرس وُجه له سؤال واضح عما إذا كانت الاستخبارات الأميركية، قد لعبت أي دور في إسقاط الرئيس «سالفادور أليندي» بالتشيلي، فأجاب بالنفي، وعندما انكشف التورط الأميركي لاحقاً حوكم «ريتشارد» أمام محكمة فيدرالية لكذبه تحت القسم. أما «جورج تينت» الذي شغل منصب مدير الاستخبارات المركزية في الفترة بين 1977 و2004 فلم يذكر الحقيقة أمام الكونجرس بشأن العراق عندما قال في 17 سبتمبر 2002 إن العراق «كان يوفر أنواعاً من التدريب لتنظيم القاعدة سواء في كيفية القتال، أو صنع القنابل، أو استخدام الأسلحة الكيماوية»، وقد اعتمد في هذه التصريحات على اعترافات انتزعها من أحد المتشددين الذي أخضع للتعذيب واضطر للكذب لتخليص نفسه، بل تراجع عن أقواله بعدما خف التعذيب. هذه المعلومات المغلوطة كانت الأساس الذي اعتمد عليه الرئيس بوش في شن حربه على العراق، قائلاً: «إن نظام صدام يمتلك أسلحة كيماوية وبيولوجية»، ومضى بوش محذراً «يمكن للعراق أن يتخذ القرار في أي وقت بتزويد إحدى الجماعات الإرهابية، أو الأفراد المتشددين بالأسلحة الفتاكة». ورغم خروج نائب «تينت» في الوكالة للتحفظ على معلومات امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، إلا أنه وبأوامر من البيت الأبيض أصدر «تينت» بياناً واضحاً قال فيه «لا يوجد أي تناقض بين تقديرات الوكالة وما قاله الرئيس بوش»، لكن «تينت» عاد بعد سنوات ليعترف بعد فوات الأوان أن ما قام به كان غير صحيح وبعيداً عن الحقيقة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©