الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوباما وتخفيض سقف الاستراتيجية العراقية

11 يوليو 2015 00:11
عقد الرئيس أوباما، مؤتمراً صحفياً يوم الاثنين في مقر البنتاجون سيكون له دلالة بالغة الأهمية على إرثه الرئاسي. الشيء المهم في هذا المؤتمر، لم يكن هو ما قاله الرئيس الأميركي وإنما ما لم يقله وهو: أنه ليست هناك أي فرصة لهزيمة «داعش» في العراق في المستقبل القريب. بدلاً من ذلك، أكد الرئيس على أن القتال ضد الجماعة الإسلامية السنُية المتمردة سيكون «طويلاً»، وأن التجربة قد أظهرت أنه لا يمكن تخفيض درجة خطورة تلك الجماعة سوى من خلال تعاون قوات برية محلية فعالة. في الحقيقة أن أوباما كان يقر بأنه عندما يغادر مكتبه في البيت الأبيض، فإن تنظيم «داعش» سيكون موجوداً. كما كان أوباما يشير أيضاً إلى أن هدفه الحقيقي الآن هو الحيلولة دون تمدد المتمردين، ودون دخولهم بغداد قبل انتهاء مدته. ذلك تقريباً هو جوهر الاستراتيجية التي اتبعتها الولايات المتحدة لمجابهة «طالبان» في أفغانستان. ومن الواضح أن أوباما يعتقد أنه لا يستطيع كسب الحرب ضد تنظيم «داعش»، تماماً مثلما يعتقد أنه لا يستطيع كسب الحرب في أفغانستان؛ ولكنه أيضاً لا يود أن يخسر أيا منهما. هذا يدفعنا للتساؤل: لماذا يرغب أوباما في عقد مؤتمر صحفي في مقر البنتاجون، إذا لم يكن لديه سوى القليل مما يمكن قوله أكثر من أن الولايات المتحدة تدعم الخطة العراقية لاستعادة الرمادي؟ الإجابة- اليقينية تقريباً-عن هذا السؤال هو أنه كان يحاول أن يفعل شيئين متناقضين: الأول، هو محاولة إظهار أن الولايات المتحدة والعراق لديهما استراتيجية منسقة ضد «داعش». منذ عدة شهور، كان الرئيس يريد من العراقيين أن يركزوا على استعادة مدينة الموصل المهمة؛ في حين كان العراقيون يريدون التركيز على استعادة مدينة الرمادي التي لا تتمتع بذات القدر من الأهمية من الناحية العسكرية، وإن كنت تحمل أهمية سياسية باعتبارها عاصمة محافظة الأنبار السنية. فلو ظلت مدينة الرمادي في يد «داعش» فإن العراق سيبدو على نحو متزايد أنه دولة شيعية، وهو ما يضر بشرعية حكومة بغدد. ونظرا لأنه يتعين على العراقيين تقديم القوات البرية اللازمة للغزو، فإن المحادثات بينهم وبين الأميركيين كانت أحادية الجانب تقريبا. الأكثر من ذلك هو أن الولايات المتحدة لو امتنعت عن تقديم الإسناد الجوي، فإن الجهود المناوئة لـ«داعش» ستخفق حتما، وهو أمر سيء بالنسبة لأوباما أيضا. كان من المحتم أن تقنع وزارة الخارجية أوباما بضرورة تحقيق أفضل ما يمكن تحقيقه من وضع سيء أصلا، بأن يتفق مع العراقيين بشأن موقفهم المتعلق باستعادة الرمادي أولا. وتأكيد هذا النهج في مقر البنتاجون، يفترض أن يؤشر على أن المؤسسة العسكرية الأميركية أيضا قد انضمت إلى أوباما والخارجية في موقفهما. الشيء المتناقض الثاني، الذي كان أوباما يحاول عمله يوم الاثنين، هو خفض سقف التوقعات المتعلق بالقتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وتحويل اللوم والمسؤولية عن الفشل إلى العراقيين. لقد أوضح أوباما بجلاء أن النجاح في العراق يعتمد على توافر قوات برية محلية يعتمد عليها. ومن المعروف أن القوات البرية الحكومية لم تحقق سوى نجاح محدود، وأن أداء المليشيات الشيعية وقوات البشمركة الكردية كان أفضل قليلا. بيد أن المشكلة هي أن الولايات المتحدة لا تريد منهما أن يقاتلا في مناطق ذات أغلبية سنية، خوفا من أن يؤدي تواجدهما هناك إلى المساهمة في تأجيج التوترات الطائفية إلى مستويات أخطر. طالما أن الوضع على هذا النحو فإن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هنا هو: ما هي إذن الاستراتيجية الأميركية الحقيقية؟ الحقيقة المأساوية هي أن تلك الاستراتيجية تبدو في الوقت الراهن استراتيجية احتواء. فالشيء الذي لا تستطيع إدارة أوباما احتماله هو أن يسقط المزيد من أجزاء العراق- أي أجزاء من العاصمة بغداد- تحت سيطرة «داعش». الحالة الموازية الأقرب ورودا إلى الذهن هنا هي تلك الخاصة بالوضع في أفغانستان سواء الآن، أو في نهاية فترة حكم الرئيس السابق جورج بوش الابن. ففي ذلك الوقت كان بوش يخشى من أن يؤدي الانسحاب الأميركي من أفغانستان إلى سقوط كابول، وإلى سيناريو شبيه بسيناريو الانسحاب التعس المذعور من سايجون. تحقق هذا السيناريو في العراق سيجعل أوباما يظهر بمظهر الرئيس الذي خسر الحرب في العراق، وليس الرئيس الذي نجح في «إنهائها»، وهو ما يجعلنا نتساءل: طالما ظل تنظيم «داعش» موجوداً، فكيف يمكن تحديداً لأي رئيس أميركي أن يترك العراق مرة واحدة وللأبد؟ نوح فيلدمان* *أستاذ القانون الدستوري والدولي بجامعة هارفارد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©