الثلاثاء 7 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ساحل العاج... رهان على الضغوط الاقتصادية

18 يناير 2011 23:22
لورانت جباجبو، الذي أعلن نفسه فائزاً في الانتخابات الرئاسية التي عرفتها ساحل العاج في نوفمبر الماضي، معروف بين مواطني بلده وآخرين بلقب "le boulanger" - الخباز - لأنه انتصر على خصومه الكثيرين عبر دحرجتهم في الدقيق أو، بعبارة أخرى، عبر بزهم والتفوق عليهم. فهل سيكون المجتمع الدولي التالي الذي ستتم دحرجته في الدقيق قريباً؟ الواقع أن السياسيين والدبلوماسيين عبر العالم يبذلون جهوداً حثيثة لصياغة حل سلمي للأزمة التي تجمع جباجبو، والرجل الذي يعترف به المجتمع الدولي باعتباره الرئيس المنتخَب لساحل العاج، الحسن واترا. والأكيد أن الرهان كبير، ذلك أن جباجبو (الذي يوجد في السلطة منذ عام 2000) يرفض التخلي عن السلطة؛ وأي اتفاق حول اقتسام السلطة يبدو مستبعداً؛ وعشرات الآلاف راحوا يصوتون بأرجلهم عبر الفرار من البلاد؛ هذا في وقت بدأت تتآكل فيه بسرعة بقايا مظاهر الديمقراطية في هذه الدولة. غير أن معظم مكونات الوصفات التي يقترحها المجتمع الدولي لحل الأزمة لا يبدو في الوقت الراهن أنها تروق لجباجبو، بينما يفتقر الخياران العسكري والسياسي للخميرة الضرورية لرفع جباجبو من السلطة. والحال أنه إذا تم التعاطي مع الضغوط الاقتصادية المنسقة على النحو الصحيح، فإنها قد تتضمن الوصفة التي تحمل الطباخ على الخروج من المطبخ بشكل نهائي. وفي حال نجاحها، فإن هذه الوصفة قد تصلح أيضا للاستعمال في حالة سياسيين سلطويين آخرين يتمسكون بالسلطة، لم تنجح تحركات أو محاولات استمالة سابقة في تحريكهم. بعض الوصفات التي تُطبق على ساحل العاج، مثل الحل الذي قدمته الولايات المتحدة في البداية، تركز على مكون واحد - مكون سياسي - ويشمل ذلك تعيين "جباجبو" في منصب رفيع في منظمة دولية أو منحه حق اللجوء السياسي في الولايات المتحدة. غير أنه بالنظر إلى طباعه الشخصية، فإن جباجبو لن يفكر في العرض الأميركي بشكل جدي ربما، وذلك لأنه سيشعر على الأرجح بأن ذلك لا يخدم مصالحه قصيرة وطويلة المدى. وبالمقابل، تقوم وصفات أخرى، مثل تلك التي تقترحها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس"، على استعمال مزيج من المكونات الأساسية: الحوافز السياسية، والتهديدات العسكرية، والعقوبات الاقتصادية والمالية. ولكن الخيارين السياسي أو العسكري من غير المرجح أن يدفعا جباجبو إلى التنحي عن السلطة. والواقع أن الجهود الدبلوماسية الإقليمية التي يقودها الاتحاد الأفريقي و"إيكواس" سبق أن أخفقت مرتين؛ في وقت يتجاهل فيه جباجبو الجهود الأميركية. أما بالنسبة للمقاربة العسكرية، فقد أعلن أعضاء "إيكواس" عن استعدادهم لإرسال جنود إلى ساحل العاج لتنصيب "واترا" باعتباره الرئيس الشرعي للبلاد. غير أن تدخلات "إيكواس" العسكرية السابقة في منطقة جنوب الصحراء (سيراليون وليبيريا) كانت باهظة جداً، وانطوت على مخاطر كبيرة، ولم تكن ناجحة تماماً. وعلاوة على ذلك، فإن التأشير على الرغبة في التدخل شيء، والاستعداد للتدخل شيء ثان؛ إذ من بين الدولتين العضويين المؤهلتين أكثر من غيرهما للمساهمة بجنود في قوة تدخل مقترحة، أعلنت غانا رفضها المشاركة، بينما تؤشر نيجيريا إلى تردد من جانبها؛ حيث تخشى غانا تعرض جاليتها التي تعيش في ساحل العاج (والبالغ تعدادها حوالي المليون نسمة) لأعمال انتقامية بسبب التدخل، في حين تستعد نيجيريا لانتخابات خاصة بها في أبريل المقبل. ولعل الأهم من ذلك أن تدخلاً عسكرياً سيمثل طريقة غير محبذة ليبدأ بها "واترا" رئاسة البلاد، وذلك لأنها ستغذي مشاعر الاستياء بين أنصار جباجبو، ومن الوارد جدا أن تزرع بذور المقاومة والتمرد في المستقبل القريب. في المقابل، فإن المكونات الحاسمة التي أشارت إليها مؤخرا "إيكواس" والتي لديها فرصة كبيرة لقلب مجرى الأمور بشكل حاسم ضد "جباجبو" هي اقتصادية ومالية. فقد منح بنك غرب أفريقيا المركزي "واترا" حقوق التوقيع بخصوص احتياطيات دولة ساحل العاج؛ وقابل ذلك قرار للبنك الدولي بتجميد إمكانية وصول "جباجبو" إلى الموارد المالية الدولية. ومن جانبها، قامت الخزينة الأميركية، التي انضمت إلى هذه الاستراتيجية، بتجميد ودائع "جباجبو" مؤخراً. كل هذه التحركات تخلق عدداً كبيراً من المآزق المترابطة التي من المرجح جداً أن تنقلب ضد جباجبو؛ ومن ذلك أن يصبح جباجبو قريباً عاجزاً عن دفع أجور قواته العسكرية التي مازالت حتى الآن تحت سيطرته، علماً بأن الجيوش الإفريقية التي لا تتقاضى أجورها تميل تاريخياً إلى الاستيلاء على الشؤون السياسية للبلاد، مما يثير انقلابات ضد من يتخلفون عن دفع أجورها، أو تغيير ولاءاتها إلى من يستطيعون دفعها مثل "واترا". وإضافة إلى ذلك، فإن الكثيرين من محيط "جباجبو" ربما سيصبح لديهم قريباً دافع قوي لهجره؛ حيث عرض الاتحاد الأوروبي رفع التجميد الذي فرضه على الودائع وحظر السفر على أي من الأفراد الـ78 الأقرب إليه سياسيًا إنْ هم اعترفوا علنًا بأن "واترا" هو الرئيس المنتخَب الشرعي للبلاد. وبالتالي، فمن خلال إعادة صياغة المصالح الذاتية والاقتصادية لحلفاء "جباجبو"، فإن شبكة دعمه ستتبخر على الأرجح؛ الأمر الذي سيزيد من احتمال تخليه عن السلطة. لقد استفاد جباجبو كثيراً، وعلى غرار سلطويين آخرين كثيرين، من كونه "الخباز"؛ ولكن ممارسة الضغط المالي والاقتصادي عليه قد تمثل أفضل أمل للمجتمع الدولي لحل أزمة ساحل العاج السياسية، ولتجنيب البلاد ربما خطر العودة إلى الحرب الأهلية التي ابتلي بها البلد خلال العقد الماضي. كما تمثل وصفةً على اللاعبين الإقليميين والدوليين استعمالها مستقبلًا عندما يرفض زعماء سلطويون الخروج من المطبخ. مليسا لابونتي أستاذة مساعدة للعلوم السياسية بجامعة فوردام الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©