الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قرار اختيار التخصص يجب أن ينال قدراً كبيراً من الاهتمام

12 أكتوبر 2010 20:54
لربما كان موضوع هذا السؤال الهاجس الأهم لدى الطلاب بمختلف فئاتهم العمرية، وإن كان يصل إلى المحك الحقيقي في المرحلة الجامعية، حيث يتعين على الطالب أن يختار خياراً واضحاً بين خيارات كثيرة يخط به مسار حياته العملية بعد التخرج في الجامعة. في الواقع أن قرار اختيار التخصص هو قرار حياتي بالدرجة الأولى، ويجب أن يحوز قدراً كبيراً من الاهتمام والسؤال والبحث والتقصي، تماماً كقرار اختيار شريكة الحياة، ما لم يتم اتخاذه عن معرفة وعلم وثقة، وإلا فسيكون الحصاد مُراً. أنا لا أظن أن أحداً لا يعتقد بمثل هذا الأمر ولا يهتم بمثل هذا الموضوع، لكن في الحقيقة أن طريقة ترجمة الاهتمام بالموضوع إلى واقع عملي عادة ما تكون خاطئة بسبب الخلفيات الذهنية التي لا يستطيع الطالب أن يخرج عن إطارها. وبالتالي تودي بالطالب في خيار ربما سيحصد مُرّه بعد أجل طويل. هذه الخلفيات الذهنية هي نتاج لتنشئة طويلة، يأتي في مقدمتها التربية الأسرية والتربية الاجتماعية ووسائل الإعلام والمدرسة والشارع وغيرها. الطالب الجيد فعلى سبيل المثال حول التربية الاجتماعية، يعتقد الناس بأن الطالب "الممتاز" يجب أن يكون طبيباً أو مهندساً، والعكس صحيح، فكل طبيب أو مهندس كان طالباً ممتازاً، واستقرت هذه الثنائية في المجتمع لتصبح في ما بعد أشبه بالتيار العام الذي تحول إلى عامل ضغط على الطلاب المتميزين، بحيث يجب أن يختاروا إما طب أو هندسة في سبيل محافظتهم على مكانتهم الاجتماعية. لقد ساد في فترة ماضية اعتقاد ينص على أن الطالب الجيد يجب أن يكون معلماً – وأتحدث هنا عن مجتمعي الذي نشأت فيه –، وقد ذهبت الآلاف المؤلفة من العقول اليافعة والجبارة إلى كلية المعلمين ليدرسوا ويتخرجوا معلمين ويتسلموا رواتبهم في آخر الشهر – في أجمل وأسهل عيشة يراها المجتمع – على الرغم من أن كثيرين منهم لا يناسبهم هذا المجال لكي يبدعوا فيه. وربما تكون هناك أسباب رئيسية أدت لسيادة مثل هذا الاعتقاد كالحاجة والفقر وبُعد المنطقة عن النهضة والنفط والحركة التجارية وغيرها، لكن لا يمكن أن يسقط هذا الأمر على جميع شرائح المجتمع بما فيها الشريحة القادرة على النفقة والسفر. سوف نجد الأمر ذاته في مجتمعات أخرى كان لها نصيب الأسد من النهضة والمصانع والتي تحتاج إلى المهندسين، كموقف المجتمعات في المنطقة الشرقية من شركة أرامكو السعودية، وأن الطالب الممتاز يجب أن يكون مهندساً فيها حتى لو لم يكن لديه ميول لمثل هذا الأمر. أصعب الأمور إن الخروج من هذا التيار الاجتماعي في سبيل تحقيق الرغبة الشخصية من أصعب الأمور، خصوصاً إذا لم يكن للإنسان مساند قوي قريب منه يدعمه في قراره كالأب أو الأم، لأن الإنسان بنفسه يفكر في صندوق اجتماعي كبير لا يكتشف أنه كان محاصراً داخل هذا الصندوق إلا بعد حين، فمثلاً - أخي الطالب - قد تقول لي بأنك اخترت الهندسة عن رغبة حقيقية منك، وتبدأ بسرد الأمور والمبررات التي تجعل رغبتك حقيقية كأن يكون أبوك مهندساً أو تكون قد أنجزت اختراعاً بسيطاً في ذات المجال، لكن كل هذا -في غالب الحالات- لا يعدو كونه جرياً داخل الصندوق، ولا يمكن اكتشاف حقيقة الأمر إلا بعد حين. هذا مثال واحد فقط لعنصر التربية الاجتماعية، ناهيك عن التربية الأسرية "داخل البيت" وتأثير وسائل الإعلام وتأثير المدرسة وغيرها من قنوات التأثير. الجواب صعب والآن ربما تتساءل بصدق: وماذا أفعل أنا كطالب أريد أن أختار تخصصي بنجاح بعيداً عن الضغوط كافة؟ في الحقيقة أن الجواب صعب، والجواب عن هذا السؤال سيعني أن المجيب – وهو أنا – قد اجتاز هذا الضغط وصارت له تجربة يحكيها للآخرين، وهذا ما لم يحصل في الحقيقة، فأنا تخصصي هندسي "هندسة برمجيات" وفي جامعة علمية لها مكانة اجتماعية كبيرة "جامعة الملك فهد للبترول والمعادن"، وأستطيع أن أعترف صراحة بأني قد استجبت للضغط الاجتماعي واخترت خياراً لا يمثل رغبتي "الأولى" البعيدة عن هذه الجامعة بما فيها من تخصصات، لكنه على كل حال يمكن أن يمثل أفضل نقطة تقاطع بين رغباتي وضغط المجتمع من حولي.. فلا تسألني عن الجواب. ولكي تحصل على الإجابة يجب أن تفكر ملياً بنفسك، وتسأل الناجحين ذوي الخبرات الواسعة في الحياة.. سوف تقول لي بأنك تعرف الكثير من الناجحين الذين أبدعوا في مجال غير تخصصاتهم التي درسوها في الجامعة، فكيف نولي هذا الموضوع اهتماماً فوق اللازم ونذيب الضغوط الاجتماعية و"السوالف" المعقدة هذه؟ حسناً، يجب أن تفكر أن هؤلاء الناجحين في ما لو درسوا تخصصاتهم الصحيحة ابتداءً من المرحلة الجامعية فسوف يكونون أكثر إبداعاً وأكثر نجاحاً؛ لأن وقت الإنسان قصير وعمره محدود، فكلما استثمره في مجال محدد يبدع فيه كلما كانت فرص عطائه أكبر وأوسع فيما بعد. وعلى الرغم من ذلك فهؤلاء الناجحين يندمون كثيراً على "تضييع" أوقاتهم في تلك التخصصات التي لم تكن تناسب رغباتهم، وحُـق لهم ذلك، ومن العبرة أن نستفيد من الدروس ولا نقع في الخطأ نفسه ونندم بالطريقة نفسها. اكتشاف النفس في الختام، أعتقد أنه كلما كان للطالب قابلية لاكتشاف نفسه واكتشاف اهتماماته ومواهبه، كلما زادت فرصته في اختيار التخصص الأنسب له ولحياته. فانطلق أخي الطالب في كل ما يعجبك من المجالات واكتشف نفسك، وتعرف أكثر أين يمكن أن تبدع وتنتج، بعد ذلك سيكون أمامك عالم كبير واسع الخيارات مملوء بالفرص التي تنتظرك وصمّ أذنيك عن كل من يدعي بأن الفرص باتت أقل مما مضى.. فهل ستكون لديك القدرة الحقيقية التي تستطيع الخروج بها خارج الصندوق؟ http://www.som1.ney
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©