السبت 30 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكريسماس.. الاستهلاك يطفئ شعلة الروحانية

الكريسماس.. الاستهلاك يطفئ شعلة الروحانية
29 ديسمبر 2016 12:12
إميل أمين هذا زمن الكريسماس، أي زمن ميلاد السيد المسيح، وقد جرى العرف أن تكون الفترة التي تسبق الخامس والعشرين من ديسمبر من كل عام، مناسبة للبهجة والاحتفال في النصف الغربي من الكرة الأرضية بنوع خاص، غير أن علامات استفهام عريضة ترتسم في الأفق حول هذه المناسبة التي يتداخل فيها الاجتماعي مع الثقافي، الأسطوري مع الحقيقي، المثال مع الرمز، إلى الدرجة التي تضيع معها المعاني والمباني الروحانية الحقيقية للميلاد المجرد من ثقافة الاستهلاك، تلك التي أججت نيرانها رأسمالية الأسواق حول العالم. في هذه القراءة نقدم بعض التساؤلات والتأملات التي تتعلق بظاهرة الكريسماس عبر التاريخ وحتى الساعة، باختصار غير مخل وفي الوقت ذاته من دون تطويل مملّ. قبل الدخول في معمعة المفاهيم والطقوس المصاحبة لـ «الكريسماس» لا بد من معرفة ماذا تعني هذه الكلمة في البداية؟ كلمة كريسماس هي عبارة عن لفظ مزدوج مكون من مقطعين هما: Christ وتعني المسيح وهي مأخوذة من اللغة اليونانية (كريستوس). والثاني Mas وهي كلمة مصرية الأصل، هيروغليفية الجذور تعني يلد أو To give birth. فعلى سبيل المثال «تحتمس» بالفرعونية تعني المولود من تحوت، أو «رعمسيس» أي المولود من الإله رع، إله الشمس عند الفراعنة، ومن هنا جاءت كلمة «ماس» بمعنى مولد السيد المسيح. ثم... هناك سؤال يدور دوماً في الأذهان: هل 25 ديسمبر هو التاريخ الحقيقي لمولد السيد المسيح؟ الجواب الشافي الوافي يحتاج إلى مؤلف قائم بذاته، لكن يمكننا القول إن هناك جذوراً لا علاقة لها بالمسيحية حول الاحتفال بهذا التاريخ، ذلك أن أول من صرح بوضوح أن السيد المسيح ولد في 25 ديسمبر هو القديس «هيبولتيوس» الروماني، في تعليقه على كتاب النبي دانيال، كما أن بعض مفسري الكتاب المقدس يربطون هذا التاريخ بالاحتفال بعيد تكريس هيكل أورشليم، الذي أطلقه يهوذا المكابي في عام 164 قبل المسيح. وفي مرحلة لاحقة في القرن الرابع، أخذ العيد هيكليته النهائية عندما حلَّ مكان العيد الروماني المعروف باسم (الشمس الظافرة)، وتم التشديد بهذا الشكل على أن مولد المسيح هو انتصار النور الحق على ظلمة الشر والخطيئة. لماذا إذن يحتفل الشرقيون بعيد الميلاد في السابع من يناير، كانون الثاني، وليس في 25 ديسمبر، كانون الأول؟ بسبب اختلاف التقويم اليولياني (نسبة إلى يوليوس قيصر وزمن الإمبراطورية الرومانية)، عن التقويم الغريغوري، نسبة إلى البابا «غريغوريوس الثالث عشر» بابا روما عام 1825، ويرجح علماء آخرون أن مولد السيد المسيح كان في الصيف لا الشتاء، وأن التاريخ الميلادي الآن سقط منه سهواً في عمليات حسابية نحو خمسة أو ستة أعوام، ما يعني أننا الآن في عام 2021 أو 2022. أين ولد السيد المسيح؟ يجمع المؤرخون أنه ولد في مدينة بيت لحم، وهي مدينة تبعد عشرة كيلو مترات عن أورشليم «القدس» وترتفع 756 متراً عن سطح البحر. وقد تحول موقع ميلاد المسيح إلى كنيسة أثرية مهمة للغاية هي «كنيسة المهد» التي بناها الإمبراطور الروماني قسطنطين عام 355 ميلادية، وتعتبر من أقدم كنائس فلسطين والعالم، والأهم من هذا أن الطقوس الدينية تقام فيها بانتظام منذ مطلع القرن السادس الميلادي، حين شيد الإمبراطور الروماني «يوستنيان» الكنيسة بشكلها الحالي. تضم الكنيسة ما يعرف بكهف أو «مغارة ميلاد المسيح»، وتزين المغارة نجمة فضية موجودة في المذود المطلي بالمرمر ومكتوب عليها باللغة اللاتينية «هنا ولد يسوع المسيح من العذراء مريم»، وداخل المغارة خمسة عشر قنديلاً تمثل الطوائف المسيحية المختلفة، وقد تعرضت بعض أجزاء الكنيسة للدمار عدة مرات، كان أولها في عام 529 عندما دمرها السامريون، وفي زمن الحروب بين الفرس والروم تمكن الإمبراطور الروماني «هرقل» من طرد الفرس من ممتلكات الدولة الرومانية عام 641، وتعرضت وقتها كنيسة المهد للهدم، من قبل الفرس عام 614، بينما أبقى الفرس على بعض مباني الكنيسة عندما شاهدوا نماذج من الفن الفارسي الساساني على أعمدة وجدران الكنيسة. والمثير أن الصليبيين انتزعوها واحتلوها في زمن الحروب الصليبية، حيث وجدوا في مظهرها وعمارتها الخارجية الشبيهة بالحصون والقلاع مكاناً مناسباً لإدارة معاركهم، وتبقى كنيسة المهد حتى الساعة شاهدة على مولد المسيح مشرقياً في أرض فلسطين. نجمة الكريسماس 500 ألف عام تخبرنا الأناجيل أنه عند مولد السيد المسيح ظهر نجم عظيم في المشرق، ويتحدث «متى» الإنجيلي عن هذا النجم بشكل خاص، وقد وصفه المؤلف البريطاني الشهير «وليام باركلي» في موسوعته التاريخية بأنه عرف باسم «ميزوري»، أي مولد أمير. هذا النجم تتبعه علماء فلك من بلاد فارس وساروا وراءه في السماء، إلى أن توقف فوق مدينة بيت لحم، وهناك وجدوه مع أمه السيدة مريم العذراء، وفتحوا هداياهم وقدموا له ذهباً، ولباناً، ومراً، وهذه قصة لاهوتية عميقة أخرى. السؤال الآن الذي شغل العلماء، مؤخراً، ما قصة هذا النجم؟ في الأيام الماضية نشرت صحيفة «الديلي ميل» البريطانية الشهيرة تحقيقاً عن نجمة الميلاد، الأيقونة الشهيرة التى نراها عادة تزين أشجار الكريسماس، فقالت إنها لم تكن نجمة أصلاً، بل كانت عبارة عن حدث فلكي مميز، حدث في السنة السادسة قبل التاريخ الميلادي، ليل 17 أبريل على وجه التحديد، شهدت تقارب القمر مع المشتري، وزحل والشمس، في مجاورة كوكبية نادرة في فلك برج الحمل. وعلى مدى أكثر من عقد، عكف بروفيسور الفيزياء الفلكية النظرية وعلم الكونيات في جامعة «نوتردام الأميركية «غرانت ماثيوز» على دراسة هذا النجم، وأشار إلى أن علماء الفلك والمؤرخين وكذا اللاهوتيين فكروا كثيراً في نجمة الميلاد، وتساءلوا إذا كان في هذا الكون الحافل مليارات النجوم، فأيها سطعت بهذه القوة في ذلك اليوم تحديداً؟ اعتبر «ماثيو» أن الفيزياء الفلكية الحديثة هي طريقة العلماء في شرح أحداث الماضي الفلكية الكبيرة، ووفق البحث الذي أجراه، فقد اصطفت الشمس مع المشتري مع القمر مع زحل في كوكب برج الحمل، بينما كان كوكب الزهرة في برج الحوت، وكوكبا عطارد والمريخ في الجهة الأخرى من برج الثور... لكن هل ظهور هذا النجم أو حدوث تلك الظاهرة أمر قابل للتكرار؟ يقول عالم الفلك «ماثيو» حتى بعد 500 ألف عام، لن يحصل تقارب كوكبي مماثل تماماً كالذي حصل منذ 6 سنوات قبل التاريخ الميلادي. شجرة الكريسماس.. فرعونية أم أوروبية؟ كما أشرنا في المقدمة، هناك مسافة رفيعة جداً بين أساطير الشعوب وحقائق الأشياء التى نراها في حاضرات أيامنا، وشجرة الكريسماس الشهيرة واحدة من تلك الأمثلة التى تتداخل فيها ثقافات الأمم وعادات الشعوب الاجتماعية، ذلك أنه عندما نعود إلى قصة ميلاد السيد المسيح في المراجع الدينية وكذا التاريخية، لا نجد أي رابط بين حدث الميلاد وشجرة الميلاد، فنتساءل من أين جاءت هذه العادة ومتى بدأت؟ الجواب كما وجدناه في الموسوعة البريطانية يحكي قصة مثيرة وخطيرة، تعكس حالة أوروبا في القرون الميلادية الأولى، ومدى البربرية والوحشية التي كانت تعيشها في تلك الأوقات. تقول القصة، إن فكرة شجرة الميلاد قد بدأت في القرون الوسطى في ألمانيا، حيث كانت العادة لدى بعض القبائل الوثنية التي تعبد الإله «ثور» إله الغابات أن تزين الأشجار، ثم تقوم إحدى القبائل المشاركة بالاحتفال بتقديم ضحايا بشرية من أبنائها، غير أنه في عام 727م أوفد إليهم البابا الروماني «بونيفاسيوس» مبشراً، فشاهدهم وهم يقيمون احتفالهم تحت إحدى الأشجار، وقد ربطوا ابن أحد الأمراء وهموا بذبحه كضحية للإله، فهاجمهم وأنقذ ابن الأمير من أيديهم ووقف فيهم خطيباً، مبيناً لهم أن الإله الحي هو إله السلام والرفق والمحبة الذي جاء ليخلص البشر لا ليهلكهم، ثم قام بقطع تلك الشجرة ونقلها إلى أحد المنازل ومن ثم قام بتزيينها، لتصبح فيما بعد ذلك عادة في الغرب برمته. لكن القصة لا تتوقف عند هذا الحد، فهناك من يربط بين هذه الشجرة وبين الجذور الفكرية الفرعونية القديمة... كيف ذلك؟ نقرأ في كتاب عالم المصريات الكبير «جيمس هنري بريستد» والمعنون «فجر الضمير»، أن القصة لها علاقة بعودة إيزيس بالشجرة التى احتوت جثة أوزيريس، فيقول:«عاد هذا الرب إلى الحياة مرة أخرى متقمصاً جسم شجرة خضراء، ولذا صار رمز الحياة التي تنبعث ثانية بعد الموت شجرة خضراء»، ونشأ عن ذلك الحادث عيد جميل يقام كل سنة تذكرة بتلك المناسبة، ويتم خلاله رفع شجرة مقتلعة وغرسها في الأرض في محفل عظيم، وكانت تحمل فتغطى بالأوراق الخضراء، وتلك الشجرة هي التى انحدرت إلينا في صورة العيد الذي لا نزال نقيمه ونزينه بالابتهاج والرقص».... أي عيد الكريسماس. الجذور نفسها قد نجدها في الثقافتين البابلية والإغريقية، فقد أطلق البابليون عليها اسم «شجرة الحياة»، وكانوا يعتقدون أنها تحمل أوراق العمر في رأس كل سنة، فمن أخضرت ورقته كتبت له الحياة، ومن ذبلت ورقته، أو سقطت فهو ميت في يوم من أيامها، واستمر التقليد حتى اليوم في زرع شجرة أو زهرة لا تسقط أوراقها أمام المقابر علي نحو خاص. بابا نويل.. حقيقي أم خيالي؟ لا تكتمل معالم الكريسماس وملامحه الحقيقية أو الأسطورية إلا بحضور ذلك الرجل العجوز، أبيض اللحية حسن الوجه، أحمر الثوب والقبعة: «بابا نويل» بالفرنسية، فيما يطلق عليه الإنجليز والأميركيون: «سانتا كلوز». الأسطورة تقول إن «بابا نويل» يسكن القطب الشمالي في مكان ما من «جرين لاند» الجزيرة الأكبر في العالم التى يكسوها جليد أبدي.. وهناك في أعماق وادٍ خفي شمال شرق الجزيرة يقف «بابا نويل» بكل هيبته أمام «كينجس جاردن» أي مزرعة الملك، مسكنه الذي يعيش فيه فيما يتدلى حول عنقه المفتاح الذهبي لمصنع الألعاب الذي يعمل فيه لإعداد الهدايا، وليؤكد بإصرار على أنه الوحيد الذي يصنع البهجة... هل الرجل حقيقة أم خيال؟ إحدى الروايات التاريخية العتيقة تقول إن «بابا نويل، ليس سوى «القديس نيقولا»، ذلك الأسقف ذو اللحية البيضاء الذي عاش في القرن الرابع في آسيا الصغرى في مدينة «ميرا» في منطقة «ليقية» جنوب غرب تركيا. ويعتقد أنه البطريرك «نيكولاس» الذي حضر مجمع نيقية سنة 325 ميلادية، وقد نقل رفاته إلى مدينة «باري» الإيطالية الجنوبية سنه 1087 قبيل بدء الحروب الصليبية. وكان معروفاً عن نيكولاس أو «مار نقولا»، كما يسميه العرب، كرمه حيال الأطفال ودفاعه عنهم وإحسانه إليهم. وثمة قصة شهيرة تفيد بأنه منح ثلاث عذارى فقيرات ليلة عيد الميلاد أموالاً مكنتهن من الزواج... وقد جعلته هذه القصص عن حياته وكرمه شخصاً يرمز في سلوكه إلى العطف والحنان على الأطفال. لكن أبحاثاً علمية جديدة جرت علي يد عالمة الآثار «رولين ويلكنسون» تخبرنا اليوم أن «سانتا كلوز» لم يكن أبداً بالمواصفات التي نراها اليوم لبابا نوبل الشهير، ما يعني أن كل أمة أو شعب باتت تخترع من عندياتها الرجل الذي يلائمها.. كيف ذلك؟ تقليدياً نعرف أن هذا القديس الذي ترقد رفاته في سرداب كنيسة على اسمه في «باري» جنوب إيطاليا، يحمل ملامح شيخ ملتح، ولكن لا نعرف أكثر من ذلك عن وجهه، غير أنه في عام 1950، عند إصلاح سرداب الكنيسة وبناء على طلب من الفاتيكان، تم أخذ الآلاف من القياسات بدقة مفصلة وصور شعاعية من الجمجمة والعظام الأخرى، ابتدأت الدراسات ووضعت النماذج بحسب البيانات، وقد جاءت النتائج مثيرة بالفعل عبر صورة ثلاثية الأبعاد، فقد تبين أن الرجل في منتصف العمر يحمل ملامح شرق أوسطية، وذو لحية طويلة، وفك مربع، ويبدو أنه قد تعرض لكسر في الأنف التأم بشكل غير متوازٍ، وتظهر الصورة القديس ببشرة لوحتها شمس البحر المتوسط، بني العينيين، رمادي الشعر واللحية. الكريسماس وثورة الشتاء الأبيض هل كانت احتفالات الكريسماس عند الأوروبيين والأميركيين على نحو خاص شكلاً من أشكال الهروب من قسوة الطبيعية وبرودة الشتاء القاتل ولذلك رأينا المكانة الكبري للكريسماس في الغرب البارد دون أن نرى مثل تلك الأهمية في الشرق الدافئ؟ الثابت تاريخياً أن أوروبا عانت من البرودة القاتلة قروناً طويلة، ولم تعرف حياة الرفاهية إلا بعد ظهور الطاقة بأشكالها الأولية، والفحم في مقدمتها، وقد كانت ليالي الشتاء الطويلة والباردة تتسبب في انتكاسات نفسية كبيرة لشعوب القارة، ويخبرنا عدد من المؤرخين أن حالات الانتحار كانت تكثر في فصول الشتاء، وقد هال الأوروبيين لاسيما أولئك الذين شاركوا على مدى قرنين من الزمان تقريباً في الحروب الصليبية، ذلك الدفء الطبيعي والإنساني الذي وجدوه في الشرق بنوع خاص، ولذا حين عودتهم إلى بلادهم حاولوا أن يجعلوا من زمن الكريسماس أداة إنسانية للفرح وللتغلب علي قساوة الطبيعة، ولتبادل الهدايا، ومن هنا نشأت شخصية بابا نويل رجل الفرح والبهجة القادم على عربته الشهيرة التى تجرها الغزلان علي الثلج في «جيرولاند» أو حتى علي ظهر قارب أو أو جمل في بلاد لا تقل فيها درجة الحرارة عن 30 درجة مئوية، إلا أن هذا الأمر لم يكتمل ويصبح عرفاً، إلا في القرن التاسع عشر... لماذا؟ لأنه وقتها غمس فنان الكاريكاتير «توماس بنست» ريشته في الألوان ورسم علي الورق «سانتا كلوز» سميناً ذا خد متورد ولحية بيضاء طويلة، احتفالاً بأعياد الميلاد، ونشرتها إحدى المجلات، ومن وقتها أصبحت هذه الصورة هي المعتمدة لشخصية بابا نويل، كما أنها جاءت تتويجاً لمحاولات كثيرة بدأها الفنان «جون كالكوت هورسلي» المعروف بأبي بطاقات عيد الميلاد ورأس السنة وذلك عام 1843، عندما قام برسم بطاقات تبين عائلة سعيدة يتعانق أفرادها، وهم يتمتعون باحتفالات عيد الميلاد ويتبادلون التهاني والهدايا التى وجدوها أمام باب المنزل... كيف انتقل الكريسماس بمعناه الروحي إلى المشاهد الرأسمالية المنحولة التى نراها اليوم؟ أميركا.. كريسماس بـ 19 مليار دولار الذين قدر لهم أن يمضوا زمن الكريسماس في الولايات المتحدة الأميركية يدركون كيف أن الأمر هناك اكتسب مذاقاً عالمياً رأسمالياً تجارياً، لا علاقة له بالمرة، بيسوع الناصري، الذي ولد فقيراً، وكان ينادي بالرحمة والاهتمام بالفقراء والمساكين.. قصة الكريسماس هناك مثيرة للغاية ذلك أنه حتى العام 1836 كان الاحتفال بالكريسماس جريمة في الولايات المتحدة الأميركية، جريمة تستوجب العقاب والمسائلة القانونية، فقد كان ينظر إليه على أنه عيد وثني، والمثير جداً معرفة أنه لم يتم تبني الكريسماس كاحتفال رسمي إلا في أوقات لاحقة. حديثا بات الكريسماس في أميركا مرادفا وصنوا للنزعة الاستهلاكية، إذ تبتكر الشركات والمصانع في منتجاتها بغرض ترويجها في زمن الهدايا، بدءا بالمأكولات والملابس والسيارات وكافة أنواع السلع الاستهلاكية. تفيد بعض البيانات والأرقام بأن متوسط إنفاق الأميركيين في الفترة ما بين أول ديسمبر و25 منه، تصل تقليديا إلى ما نحوه 19 مليار دولار، وهو رقم يتزايد في السنوات الأخيرة، رغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى ضربت البلاد في الأعوام الأخيرة، وإن كان الخبراء الاقتصاديين أو بعض منهم يرى في الأمر ظاهرة صحية انطلاقاً من أن الإنفاق سيصب بشكل أو بآخر في صالح الاقتصاد الأميركي، وسيعمل على تعافيه من أزمته، لكن على الجانب الآخر هناك من يرى أن موسم الكريسماس أضحى مناسبة لـ (تسليع الإنسان)، بمعني أنه جعل الإنسان نفسه يدور في فلك البيع والشراء، الأمر الذي يؤذي ولاشك مشاعر الفقراء وأصحاب الدخول المنخفضة، ناهيك عن المعدومين. أضحى الكريسماس في الولايات المتحدة الأميركية اليوم ميداناً لمعركة فكرية بين العلمانيين والليبراليين من جهة، وبين المحافظين والمتدينين من جهة ثانية، الفريق الأول يرى أن أهم ما يميز أميركا هو هويتها العلمانية وفصل الدين عن الدولة، لذا فإن موسم الكريسماس لا يتسق وملامح أميركا العلمانية، بحسب التعديل الأول من الدستور الذي ينص على عدم الخلط بين الدين والدولة، أما الفريق الثاني فيرى في أميركا دولة وإن كانت علمانية الهوية، إلا أنها مغرقة في الهوي الديني وأن جذورها مسيحية - يهودية، وعليه فالاحتفالات يجب أن تصبغ بالجانب الديني. الصراع الآن امتد إلى دونالد ترامب الذي استنكر أن يتحول شعار «ميري كريسماس» أو عيد ميلاد سعيد بمفهومه الديني إلى أعياد سعيدة، بالمعني العلماني التقليدي للإجازات عامة. الجدل في واقع الحال امتد مؤخراً إلى بعض القنوات الإعلامية الكبري في البلاد مثل «فوكس نيوز» المعروفة باتجاهاتها اليمينية التى لا تداريها أو تواريها، فمنذ بداية الألفية الثالثة، نري «فوكس» مدافعة عن ملمح وملمس الإيمان الأميركي ومدافعة عن الاتجاهات الدينية المحافظة، في مواجهة ما أصطلح على تسميته «الحملة العلمانية التقدمية الشرسة»، وفقاً لـ «بيل أورايلي» أشهر مذيعي القناة المذكورة، حيث كثيراً ما يختم رايلي برنامجه الحواري الذي حظي، بأكثر نسبة مشاهدة في الأعوام الأخيرة بأنه يتمنى لمشاهديه كريسماس سعيد، خلاف باقي مذيعي البرامج الحوارية في القنوات الأخرى الذين يختتمون برامجهم بعبارة إجازة سعيدة. أميركا التى يأتيك منها عجيب وغريب ومثير، تصدح فيها أغاني الكريسماس التى تروج للمبيعات، لا للروحانية المسيحية، والأعجب أن كتاب مثل تلك الأغاني من يهود أميركا الذين لا يؤمنون بمولد المسيح من الأصل، ومن أشهر أغاني الكريسماس المحبوبة هناك، والتي حظيت ولا تزال بشعبية كبيرة جداً تأتي أغنية Jingle Bells والتي كتبت في البداية لعيد الشكر، واعتبرت لاحقاً أغنية الكريسماس الرسمية، على مستوى العالم لأميركا فقط. كريسماس الشرق الحزين كيف يحل الكريسماس على مسيحيي الشرق أو المسيحيين العرب هذه الأيام؟ هناك مفارقة شديدة القساوة من تصاريف القدر، ذلك أن المسيحية التى ولدت ونشأت مشرقية، نراها تتألم وتحتضر إلى حد يظن بها الموت في مهدها. هل رفعتم عيونكم لجهة فلسطين الحزينة حيث بيت لحم وكنيسة المهد؟ حواجز وجدران الاحتلال تقطع كل شيء بل وتشوهه، إسرائيل ماضية قدماً في تهويد القدس، ومحاولة إفراغها من سكانها الأصليين من مسيحيين ومسلمين عرب، إسرائيل اليوم تسعى لاستصدار قانون يمنع الأذان، وغداً ستفعل الشيء عينه مع أجراس الكنائس، في بيت لحم والقدس، في الناصرة والخليل. لا تحافظ إسرائيل على المقدسات المسيحية إلا لغرض استجلاب السياحة، والترويج لنفسها، في حين تبقي بقية المقدسات الإسلامية في خطر بالغ، وفي المقدمة منها الأقصى المبارك. كريسماس المسيحيين العرب في العراق حزين، هجرت داعش غالبية الحضور المسيحي هناك، قتل من قتل، وبات الأحياء منهم لاجئين حول العالم، بعد أن لعبوا دوراً بالغ الأهمية في صدر الحضارة الإسلامية، عندما كان السريان منهم، وفي العصر العباسي تحديداً، يقومون بترجمة التراث اليوناني والإغريقي إلى اللغة العربية، ومنه إلى اللاتينية فكانوا بذلك فجراً مضيئاً لأوروبا الغارقة، في ذلك الوقت، في الظلام. المسيحيون في سوريا لا يختلف حظهم كثيراً عن العراق، فست سنوات من الحرب الأهلية الطاحنة، ومن هجومات داعش علي الكنائس والمكتبات والأديرة، فضلاً عن اختطاف رجال الدين، والتنكيل بغيرهم، جميعها جعلت من المستقبل غير مأمون أو مضمون. ماذا عن أقباط مصر؟ كان نصيبهم هذا العام محزناً وحزيناً، فقد صممت داعش أن ترسل إليهم بهداياها من الانتحاريين لتوقع عشرات القتلى والجرحى، في محاولة لشق الصف والنسيج الاجتماعي المصري، ورغم وقوف الأقباط صفاً واحداً مع مسلمي مصر، ومحاولة الذود عن أمن وأمان المحروسة، فإنه من الطبيعي للغاية أن يكون هناك غصة في الحلق، ومرارة في الفم، ما يعني أن كريسماس هذا العام فقد طعمه. على أن ما يخفف من الآلام هو وجود حاضنات للتسامح والتصالح في العالم العربي، في زمن الكريسماس، كما الحال في دولة الإمارات العربية المتحدة، التى تحترم إلى أبلغ حد ومدى الحرية الدينية، وتصون الكرامة الإنسانية، وتحفظ حق القائمين والوافدين وكل من يوجد على أرضها في مباشرة شعائره الدينية وطقوسه الإيمانية، لتعيد التذكير بملمح من ملامح الحضارة الإسلامية في عظمتها عندما كانت تقبل الآخر، قبولاً طوعياً حقيقياً دون تمييز أو فرز أو تعصب. ليلة الكريسماس الحقيقية، ليلة الميلاد المثالية، تلك التي يمَّحي فيها البغض، وتزهر فيها الأرض، وتدفن الحرب، وينبت الحب. عندما نسقي عطشاناً كأس ماء نكون في الكريسماس الحقيقي، والأمر ذاته عندما نكسو عرياناً ثوب حب، أو نجفف الدموع في العيون، أو نملأ القلوب بالرجاء.. ساعتها فقط نعرف معنى الكريسماس الحقيقي. ليلة ولادة السيد المسيح رتلت الملائكة «المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة». كل عام وأنتم بخير... الإمارات حاضنة التسامح ما يخفف من الآلام التي يعيشها مسيحيو الشرق في بعض بلدان الشرق، هو وجود حاضنات للتسامح والتصالح في العالم العربي، في زمن الكريسماس، كما الحال في دولة الإمارات العربية المتحدة التي تحترم إلى أبلغ حد ومدى الحرية الدينية، وتصون الكرامة الإنسانية، وتحفظ حق القائمين والوافدين، وكل من يوجد على أرضها في مباشرة شعائره الدينية وطقوسه الإيمانية، لتعيد التذكير بملمح من ملامح الحضارة الإسلامية في عظمتها عندما كانت تقبل الآخر، قبولاً طوعياً حقيقياً دون تمييز أو فرز أو تعصب. الكريسماس تحول إلى كرنفال استهلاكي تعتاش عليه صناعات بأكملها شيء ما يتحرك في أحشاء الغرب مؤخراً رافضاً تفريغ الكريسماس من معناه ومبناه الروحي العميق، الأوروبيون اليوم بنوع خاص يتحدثون عن الكريسماس الذي تحول إلى موسم استهلاكي، حيث نجح سوق الهدايا في أن يفرض نفسه بعد الحرب العالمية الثانية، وتحقق المعجزة الاقتصادية، لقد فقد الكريسماس القيم الروحية والتطلعات الإنسانية، ولا يمكن أن يسترد قيمته إلا عبر الشراكة والمساواة والقيمة، التي تسبغ على كل إنسان حول الأرض. أحد أفضل القلوب والعقول التي تحاول العودة بالأوروبيين وبمسيحي العالم إلى حدود «المسيحية الإنسانية»، هو البابا فرانسيس الأول بابا روما الحالي، فغداة التقائه في الأول من ديسمبر الجاري بوفدين من مالطا ومن مقاطعة «ترينتينون» قدما شجرة الميلاد والمغارة التقليديتن اللتين تقامان سنوياً في ساحة القديس بطرس في حاضرة الفاتيكان، تحدث البابا عن كيفية جعل الكريسماس مناسبة حقيقية لإظهار التعاطف الإنساني والروحاني مع اللاجئين والمهاجرين عبر البحر بنوع خاص. وقال البابا فرانسيس: «إن تجربة هؤلاء الأخوة والأخوات المؤلمة، تذكر بيسوع الطفل، الذي لم يجد وقت ولادته سكناً وجاء إلى العالم في مغارة بيت لحم، ومن ثم انتقل إلى مصر هرباً من تهديد هيرودوس»، لافتاً إلى أن من سيقوم بزيارة هذه المغارة مدعو إلى إعادة اكتشاف قيمتها الرمزية التي تمثل رسالة أخوة وتقاسم وترحيب وتضامن. كما توجه البابا بالحديث إلى الأطفال الذين ساهموا هذا العام أيضاً بتزيين شجرة عيد الميلاد بدعم من مؤسسة «ثون لين»، التي تدير ورش العلاج بالسيراميك في عدد من المستشفيات وقال: «إن الكرات الملونة التي صنعتموها تمثل قيم الحياة والمحبة والسلام، والتي يعود ليطرحها علينا عيد ميلاد المسيح كل عام من جديد». المتأمل جيداً لكلمات البابا يرى رفضاً واضحاً لعملية «عولمة الكريسماس»، بعد أن تحول الكريسماس إلى كرنفال استهلاكي لا ينتهي وتعتاش عليه صناعات بأكملها من أميركا وحتى الصين، وفيما عدا البطر الاستهلاكي المنتشر ونضوب فرح الأطفال بالهدايا، فقد نسي الناس بالتأكيد ما تعنيه الرموز التي يشترونها في العيد، وهل لها علاقة بالعيد المسيحي الأصيل والجذور أم بدورة رأس المال، وقوى السوق، التي تحاول تفريغ العالم من كل رونق روحاني إيماني أممي، لصالح حياة المظاهر التي قزمت الإنسانية، بالضبط كما حاولت الشيوعية أن تسحق الإنسان من قبل. أوراق العمر البابليون سمّوها «شجرة الحياة» وكانوا يعتقدون أنها تحمل أوراق العمر في رأس كل سنة، فمن اخضرت ورقته كتبت له الحياة، ومن ذبلت ورقته، أو سقطت فهو ميت في يوم من أيامها، واستمر التقليد حتى اليوم في زرع شجرة أو زهرة لا تسقط أوراقها أمام المقابر على نحو خاص. شجرة الكريسماس.. الفرعونية هناك من يربط بين شجرة الكريسماس وبين الجذور الفكرية الفرعونية القديمة، ويرد في كتاب عالم المصريات «جيمس هنري بريستد» والمعنون «فجر الضمير»، أن القصة لها علاقة بعودة إيزيس بالشجرة التي احتوت جثة أوزيريس، فيقول: «عاد هذا الرب إلى الحياة مرة أخرى متقمصاً جسم شجرة خضراء، ولذا صار رمز الحياة التي تنبعث ثانية بعد الموت شجرة خضراء»، ونشأ عن ذلك الحادث عيد جميل يقام كل سنة تذكره بتلك المناسبة، ويتم خلاله رفع شجرة مقتلعة وغرسها في الأرض في محفل عظيم، وكانت تحمل فتغطى بالأوراق الخضراء، وتلك الشجرة هي التي انحدرت إلينا في صورة العيد الذي لا نزال نقيمه ونزينه بالابتهاج والرقص».... أي عيد الكريسماس.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©