الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبيد اليماحي: مظاهر التكاتف والتلاحم لم تختف من مجتمعنا على مر الزمن

عبيد اليماحي: مظاهر التكاتف والتلاحم لم تختف من مجتمعنا على مر الزمن
13 يوليو 2013 21:33
سكنت قبيلة اليمامحة في مناطق مختلفة من إمارة الفجيرة، وقد سكن الأهالي في بيوت من الطين، وتوفيرا للنفقات كان المطبخ يصنع من شجر العسبق، وهو شجر قوي الأغصان، وأيضا مطواع لين، ويستطيع أن يحمي الأطعمة من الحشرات والزواحف، ويقي الطعام من الغبار والعوامل الأخرى، وكانت القبيلة تعتمد في الرزق على جني العسل من الجبال، وتجارة الأغنام، وأيضا اعتمدت قديما على صيد الغزلان والطيور، وأيضا جمع الحطب والحشائش للأغنام، وفي الصيف كانت البيوت من السعف لأن بها فتحات تسمح بمرور النسمات في الصيف. تنتشر اليمامحة في عدة مناطق من إمارة الفجيرة، ومن بين تلك المناطق منطقة الفجيرة القديمة شمال القلعة الأثرية، وهناك كانت عائلة عبيد عبيد محمد بن نويلة اليماحي، وكان عبيد بن نويلة اليماحي قد ولد عام 1950، وقد أصبح يتيم الأبوين، وهو لا يزال صغيرا في عمر الخامسة، لكنه لا يزال يحفظ الكثير من الصور عن الأجداد في ذاكرته، حيث لا تزال صور البيت الذي تعود أهله أن يكون للجميع تتراءى له، وهو يقول إن الأحوال كانت سيئة في الزمان البعيد، ولكن رغم ذلك لم يغلق لهم باب أمام أحد، لأن الأمور ليست كلها طلب طعام أو حاجة مادية، وقد تعود أبناء القبيلة على أن بيت كل إنسان لنفسه وأهله وللأحباب والأهل، حتى لو لم يكن أهل البيت على مقدرة مادية كافية لإطعام، وإيواء الغريب والضيف واجب على كل أحد. الرعي والزراعة ويكمل بن نويلة اليماحي: استطعت أن التقي عمي سيف محمد وهو من كفلني، وبالجوار كان لهم جيران يحبونهم مثل بيت علي بن راشد الزحمي، وعبدالله بن سليمان الزحمي وعبدالله بن ساير، وعلي بن قدور اليماحي، ويتجمع الرجال بعد أداء بعض الأعمال مثل الرعي أو الزراع،ة أو العودة من بيع المنتجات، حيث اعتادوا على أن يأخذوا استراحة في فترة الضحى، ليتناول الجميع الإفطار الذي تصنعه النساء، وهو بسيط ولكنه غني في قيمته الغذائية، كاللبن الذي يغلى حتى يتكتل، وبعد تصفيته يصب عليه السمن المصنوع من زبدة الماعز أو الأبقار. كما تصنع النساء من الأمهات أو الأخوات والخالات والزوجات الخبز، ويوضع التمر وما يتوافر في البيت، ويتلاقى معظم الرجال يوميا، ولهم دائما أحاديث تعزز فيهم محبة الحكمة ورجاحة العقل، وكل رجل يسعى لتطوير مقدرته على ضبط النفس وتسيير أمور حياتهم بأسلوب لا يخلو من الذكاء، وكانت زيارة الرجال أيضا تكثر إلى بيت الشيخ سرور بن سيف الشرقي، لأن منزلنا ومنزل الجيران قرب مساكن الأسرة الحاكمة، وخلال الإفطار، أو تناول القهوة يخبر كل رجل المجموعة أو الشيخ ما لديه من أخبار أو ما صادف من عراقيل، أو ما حقق من نجاح، وإن كان هناك من لديه قضية مع رجل آخر ويحرج من مناقشتها أمام الجماعة، فإنه قد يأتي في أوقات أخرى ليخلو بالشيخ، وتتم جلسات المصالحة بشكل سري أو قد يحضرها بعض الرجال المقربين. رحلات التجارة ويضيف بن نويلة اليماحي: لا يجلس الشيخ من دون عمل، فهو رجل له مهامه كغيره من الرجال، وقد يكون أيسرهم حالاً، ولكنه طوال الوقت له برنامج زيارات، وبرنامج يومي لحل قضايا الأهالي وأيضا للتعرف على احتياجاتهم، وبيوت الشيوخ فيها الكثير من الخير، مثل الإبل والحمير والبغال والمواشي، وهي نادرة وثمينة في ذلك الوقت، وللشيخ مناديب ينوبون عنه للوصول لأي شخص لأهداف خاصة بالمنطقة، وحين يخرج الرجال في رحلات تجارة إلى دبي والشارقة، نجد أن الرحلة تستغرق عشرة أيام ذهابا وإيابا، وكانت الإبل تحمل البضائع، وتكون البضائع مكونة من بضع رؤوس من صغار الماعز والسمن والعسل والحطب، وكانت الحمير ضمن القافلة لحمل الزاد من أوان وأوعية، ورجال أي قافلة لا يقل عددهم عن عشرة ، تحسباً لأي طارئ ولحماية بعضهم من قطاع الطريق. ويوضح بن نويلة اليماحي: كانت المناطق جميعها من الشرية أو منطقة الغرفة أو غيرها، تجمع أهالي يتشابهون في العادات والتقاليد، وكنا نذهب لمجالس الرجال ونحضر التجمعات، ونتوق لسماع أحوال الناس، ونتقصى عمن لا نراه عند المسجد أثناء الصلاة، ونحث بعضنا على زيارة المريض أو المصاب بأي حادث، والرجال لا يتخلفون عن الصلوات الخمس في المساجد إلا لشدة ما بعدها شدة، مثل المرض الشديد أو السفر، وكل رجل مهما كان قدره أو مقامه لا يتوانى عن خدمة قومه أو عشيرته، وقد كبرنا ونحن نرى أجدادنا في خدمة القبيلة أو العشيرة. مظاهر التكاتف والتلاحم ويشير بن نويلة اليماحي قائلاً: كبرنا ونحن نرى العشيرة أو القبيلة التي لا يمر عليها يوم دون مظهر من مظاهر التكاتف والتلاحم، وحتى في مسألة المهر الأهالي يقدمون العون، وكان المهر ربما 30 روبية، لأن كل رجال القبيلة من عادتهم أن يقدموا نقودا لأي شاب يتزوج، لأنهم يعلمون أن تلك المساعدات سوف تعود لكل منهم عند زواج أحدهم أو أحد أبنائهم، وكانت الذبائح لا تزيد على رأسين من الماعز أو الغنم، ونشتري احتياجاتنا من دبي والشارقة، وفي المناسبات السعيدة وفي رمضان نزور الحاكم ولنا أصدقاء في مناطق مختلفة نعمل على الذهاب لهم مهما كانت المسافة بعيدة وشاقة. وفي القديم لم تكن هناك مساجد في المنطقة ولكن علامات، وهي عبارة عن صخور توضع على الأرض في شكل مربع يبدو واضحا للناس، ولذلك لتحديد القبلة والرجال يتلقون يوميا هناك، وفي رمضان نتجمع بعد أداء صلاة العصر عند ذلك الموضع. وكنا نقضي ولا نزال نقضي وقتنا في تذكر الأجداد والترحم عليهم وفي الاستغفار، حيث ننتظر أذان المغرب، ومن أجمل المشاهد حتى اليوم، الجهود التي تقوم بها المرأة في منزلها لتعد الإفطار، ومن مواد غذائية بسيطة جدا، حيث لا توجد قديما أصناف كثيرة من الطعام، ولكن هناك أسراً تعمل على تقديم اللحم من الماعز الذي تمت تربيته لشهر رمضان، ومن ثم توزيع اللحم على الجيران، ومن أصناف الطعام الخبز المصنوع من القمح واللبن الحامض أو الزبادي أو الروب، والبعض يصب الحليب الخالص على الأرز مع إضافة السمن، كما تصنع أقراص اللقيمات ويصب عليها دبس التمور أو عسل التمور، وفيما يتعلق بالسمك فإنه يطبخ طازجا، ولكن يقلل من تناوله في شهر الصوم عند بعضهم. آبار المياه العذبة ويشير بن نويلة اليماحي: كأطفال لا نختلف عمن هم في مثل أعمارنا، فقد كنا في كل الشهور نبحث عن الأصدقاء ونلعب مع بعضنا، ولكن في رمضان كان الأهل يحتاجون لخدماتنا مثل أي وقت يكون فيه عمل، لأن لكل أسرة أعمالاً للأب، وهذه الأعمال أو المهنة تتطلب أن يساعده فيها رجال، مثل الزراعة أو الصيد، وكثيرا ما ساعدت عمي في الزراعة وفي أمور أخرى، وكان يترك لي وقتاً للعب، ولا زلت أذكر أنه كان لنا منزل لا يزال حتى اليوم في ذات المكان، ولكن لا نذهب إليه كما كنا نفعل سابقا ولكنه موجود، ونحن قمنا بتصوير ذلك البيت، لأننا لا ندري ربما ذات يوم يزال أو ينهار، وهذه الصور تركناها لأحفادنا حتى يشاهدوا مساكن الأجداد. وفي الصيف نذهب لقضاء كثير من الوقت في المزارع، ونسكن في منطقة اسمها البراحة لأنها تكون منطقة مستوية رمالها جميلة، وتكثر في مناطقنا آبار المياه العذبة، ومن تلك الآبار «طوي خماسوه»، كما أن هناك مناطق جميلة، مثل ند الهدب وند الشباء وند سيف بن سرور وند المهدلي وند السلمي، وكان الأهالي يقضون وقتهم خارج العريش، عندما تكون هناك حرارة في الداخل، وفي الخارج شيء من النسمات الباردة في الظل، وكان المارة يسلمون على كل الجالسين في المكان، وكل الناس كانوا من المنطقة أو من معارفهم الذين يأتون للمصيف، ولا يوجد أغراب من أية جنسية، وحتى من دخلوا البلاد للعمل كانوا يتحاشون المرور أمام تجمعات النسوة لأنهم يعرفون العادات الإسلامية والعادات المتوارثة. ويواصل بن نويلة اليماحي حديثه: فيما بعد دخلت الجنسيات الآسيوية ولكن رجال المناطق كانوا يعلمونهم الآداب الخاصة بالمنطقة، وأن على الرجل ألا يتعرض للنساء حتى ولو لمجرد المرور قرب المنطقة، لأنه إن كانت له حاجة فإن الطبيعي أن يذهب لأماكن تجمع الرجال، أما رجال المنطقة فكل منهم له أم أو زوجة أو أخت، ولذلك لا يقبل أن يأتي بأي فعل لا يقبله لأهله، ويكون مستعداً لتلبية أية حاجة لمنزل جاره في غيابه، حتى فيما يتعلق بحلوى الأطفال، فلا ننسى أن نشتري لأطفال الجيران، فهم أبناؤنا. أوائل المدرسين ويكمل لنا عبيد بن نويلة اليماحي قصة عن ذكرياته لجزء من قلب الوطن، وقصة الناس والمكان والظروف التي أحاطتهم، حيث قال: لي إخوة اثنين سافرا للعمل في الخارج حين كنت طفلا صغيرا، وقد عاش أحدهما في الخارج مدة 20 سنة، وأيضا فعل أبناء عمي، ولكن لم يبقوا في الخارج طويلا، وقد شجعني عمي على الالتحاق بالمدرسة، وقد تعلمنا في المدرسة الصباحية التي تتبع مكتب المعارف لدولة الكويت، وقد فتحت المدرسة سنة 1961-1962، ولم يكن قبل ذلك العام لدينا أية مدرسة، ولذلك نلاحظ أن أعمار الطلاب كانت أكبر من عمر أي طالب يدخل المدرسة للمرة الأولى، ولا زلت أتذكر الأستاذ عبدالسلام الخلايلة وهو من أوائل المدرسين في الفجيرة، ويعمل حاليا مستشاراً في حكومة إمارة الفجيرة للشؤون التعليمية، وكان والد الحاكم الشيخ محمد بن حمد الشرقي رحمة الله عليه يهتم كثيرا بالتعليم، كما كان يولي اهتماماً بالمعلمين ، والمدرسة كان بها صف واحد فقط وعدد الطلاب في الأول الابتدائي كان 47 طالباً، وقد أخبرنا الأستاذ عبدالسلام أن عدد الطلاب في عام 1971 قد تضاعف ليصل إلى 461 طالباً، وعدد الطالبات كان 129 طالبة، والمثير في الأمر أن المعلمين كانوا اثنين، واحد للطلبة، والثاني للطالبات، وكان عمر الأستاذ الخلايلة في حدود تسعة عشر عاما، وقد جاء مع بعثة دولة الكويت، ضمن طائرة هبطت بهم في مطار الشارقة العسكري البريطاني، وهذه المعلومات موثقة أيضا في كتاب عن مسيرة التعليم في إمارة الفجيرة، وقد قام بتأليف الكتاب مراد عبدالله البلوشي وهو إعلامي من أبناء الفجيرة. زواج وعمل يقول عبيد بن نويلة اليماحي: بالنسبة لي لم أستمر كثيرا في الدراسة، فقد تزوجت عام 1971، والتحقت بالعمل في مكتب التطوير لمدة سنتين، وكان مقر العمل في منطقة وادي حام، وكان العمل أن نحمل الأحجار الجبلية من جبل مريشيد لنصنع جسور من الحصى والحجر، وذلك لأجل عبور الناس من وإلى إمارة الفجيرة، بدلا من الدخول إلى الوادي المحفوف بالمخاطر، لأن المياه التي تجري من الجبال كانت تمر وتجرف كل من يسير هناك، وقد كانت الأمطار كثيفة وبكميات كبيرة، وقد أشرفت على ذلك المشروع إحدى الشركات البريطانية. وبعد عامين التحقت بالعمل في وزارة الزراعة والثروة السمكية وبقيت بها حتى عام 2002 حيث تقاعدت.
المصدر: الفجيرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©