الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

تابع تحقيق الكتاب // ?الإحساس بالعزلة

30 ديسمبر 2016 19:50
?ويؤكد فيصل محمد صالح (صحفي وكاتب سوداني)، أن هناك عوامل متعددة ومتشابكة تتسبب في ضعف القراءة في العالم العربي، جزء منها أن كثيراً من الحكومات رفعت يدها عن حقل الطباعة والنشر وتركته لعوامل السوق، وارتفعت تكلفة إنتاج الكتاب فقل المعروض. ثم إن التكنولوجيا الحديثة بما وفرته من وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات ووسائل الترفيه الأخرى ساهمت في صرف النظر عن القراءة. كذلك فقد الكتاب القدرة على الإدهاش والجذب، وانتقلت هذه القدرة لوسائل التقنية الحديثة، ويمكن في الأخير إضافة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية على الإنسان والتي لم تترك وقتاً يخصصه للاطلاع.?ويمكن توجيه الاتهام لدور النشر، التي يقوم كثير منها على عامل واحد، هو الربحية، فاتجهت لإنتاج ما يريده السوق. دون أن تكون لديها رؤية ورسالة وفهم لدورها كمنارات وعي ومعرفة، وهذا ما نفتقده الآن. إن لم يكن صاحب دار النشر مثقفاً وقارئاً جيداً فماذا سنتوقع منه غير كتب الدجل والخرافات واعترافات النجوم وكتب الأبراج والأزياء والطبخ؟?وبشأن عزوف الشباب عن القراءة، يرى فيصل أنها ظاهرة منتشرة بشكل كبير، فالكتاب لا يشكل أولوية لدى الشباب، حتى الكتاب الإلكتروني يجد إقبالاً ضعيفاً، فقد انشغل الشباب بمواقع التواصل الاجتماعي بشكل خاص، وبشبكة الإنترنت وما تقدمه من معارف بشكل عام. والمسألة لها علاقة بالتنشئة الأسرية وفي المدارس، إن لم يخلق الطفل علاقة حميمية مع الكتاب منذ الصغر فسيصعب ذلك في مرحلة الشباب والكبر.?ويوضح أن النخب العربية المثقفة تعيش في أزمة، وتنعكس أزمتها هذه في إنتاجها الضعيف. هذه النخب تعاني من مشاكل وعقد كثيرة، وبعضها استسهل الكتابة والنقل من المناهج الغربية فخلق مسافة كبيرة بين مجتمعه وواقعه فعاش في غربة مضاعفة. فقدت النخب الوعي بدورها الريادي، وبمسؤوليتها تجاه مجتمعاتها، وتضاعف لديها الإحساس بالعزلة بسبب القهر الذي تتعرض له من السلطة، واستسلامها لهذا القهر واكتفائها بندب حظها وإلقاء اللوم على المجتمع الذي لا يقدر المفكر والمثقف، بحسب رأيها.?لن يأتي التقدير للكاتب والمثقف وهو جالس في منزله أو معتكف في محرابه، لا بد له من خوض معارك مجتمعه، ولا بد له من دور ريادي وتنويري قد يدفع مقابله ثمناً باهظاً، لكن هذه هي ضرورة الأشياء.?ويشير فيصل قائلاً: يمكن إرجاع بعض الأسباب لمناهجنا التعليمية التي لا تشجع الطلاب على القراءة خارج المقررات الدراسية ولا تعلمهم أو تدربهم على هذا، فهي قائمة على التلقين والحفظ وليس البحث والاطلاع. ولا يظن فيصل أن المنتوج الأدبي ضعيف بشكل عام، فهذا حكم قاس جداً، لكن المطبوع والمنشور هو الإنتاج الضعيف الذي قد يخضع للمجاملات والانحياز السياسي. يوجد في كل بلد عربي شباب مبدعون ومذهلون، لكن إنتاجهم لا يجد حظه من النشر والطباعة والتسويق، إما لسيطرة العقول التقليدية على مجال النشر، أو نتيجة مواقف سياسية تعادي المبدعين خارج المؤسسة.?أما المجاملات في الجوائز فهي مرض عالمي، أنظر لجوائز نوبل وكيف ولمن تمنح؟ تصويب عين الكاتب على الجوائز يجهض العملية الإبداعية ويشوهها، يفترض أن يتجه الكاتب لإرضاء وإمتاع نفسه وقارئه، ثم بعد ذلك قد تأتي الجوائز أو لا تأتي.?وعن مبادرة الإمارات (2016 عام القراءة) لاستعادة القارئ العربي بعد أن هرب من دائرة المعرفة، يقول فيصل هذه مبادرة مهمة جداً، فقد ذكرت مسبقاً أن دور الدولة مهم ومفصلي، ولو وضعت الدولة إمكانياتها الكبيرة في خدمة مشروع القراءة فذلك سيعني أولى الخطوات نحو النجاح. فتخصيص عام للقراءة ودعم مشروع المكتبة المنزلية كلها خطوات جادة ومثمرة على المدى البعيد.? ثالوث التجهيل? ويرى إبراهيم الجريفاني (أديب وكاتب وشاعر سعودي)، أن أزمة القراءة في عالمنا العربي هي نتاج طبيعي، لمخرجات التعليم فالمدارس لا تولي اهتماماً لخارج المنهج التعليمي، والمعلم مضغوط بضرورة إنهاء المنهج التعليمي فصار الإطلاع وبناء الشخصية الفكرية والثقافية من المكملات غير الضرورية في زمن التلقين والحشو العلمي لمناهج الكثير منها لايحقق الذهنية التي يمكنها مواجهة الحياة في ظل غياب المكتبات المعرفية في مدارس التربية والتعليم، وللأسف استمر الوضع حتى بالجامعات العربية في الغالب، الطالب لايعرف المكتبة إلا ما ندر. هناك ثالوث التجهيل بعد التعليم وهناك قصور في وزارات الثقافة والإعلام وهناك الضلع الأكثر وجعاً وهو الأسرة فنادراً ما نجد أسرة تركز ضمن عاداتها على القراءة وتشجيع أبنائها فنتج عنها «أمة اقرأ لا تقرأ».?ويضيف الجريفاني: حتى نسمي الأمور بمسمياتها لايوجد في عالمنا العربي دور نشر، لكنها مجرد وسيط طباعة، والسبب يعود إلى ضعف الكتاب العربي نتيجة فكر ضعيف من مخرجات التعليم، فأصاب الكتاب ونوعيته بالوهن، فمعظم الكتاب العرب (إلا ما ندر) معدل الطباعة لكتبهم (1000 نسخة) نعم ألف نسخة، فيما أقل كتاب غربي يبدأ الطبعة الأولى بالـ 300 ألف نسخة.?ونحن نعيش الآن عصر «التفاحة المقضومة»، إنها ثورة عصرية خاطبت الجيل ونجحت في استقطابه وعلينا أن نتفاعل معها ونتماهى مع لغتها، فلكل جيل لغته وأدواته، فالتقييم يأتي بعد التحول إليها ومحاولة الاستفادة منها بما يحقق الفائدة، لأننا لا نملك إيقاف الحياة شئنا أم ابينا.? ازدواجية متعددة ?يقول د. عبدالله السيد (كاتب موريتاني وأستاذ الفلسفة والدراسات بجامعة نواكشوط): بداية ينبغي التنبيه إلى أن الأسئلة التي أثيرت لا تناقض بينها، ويمكن أن تكون مجتمعة وجوهاً لهذه القضية، ذلك أن «ثورة الوسائط السمعية البصرية»، وإعلام «الواقع»، والظرف العربي – بما فيه واقع الهيئات المسؤولة عن الكتاب والكتابة كلها وسائل مجتمعة أدت إلى ما أطلقتم عليه «أزمة القراءة». وينبغي بالإضافة إلى هذه الأسباب النظر في أمور أخرى، منها: أن الواقع الثقافي في العالم العربي تعيقه ازدواجية متعددة الأوجه، ازدواجية التنافس اللغوي الحاد بين لغات مستعمر الأمس وبين اللغة العربية من جهة، وبين هذه الأخيرة و«اللهجات العامية» من جهة أخرى، وازدواجية العقل الثقافي بين تغليب «ثقافة السلف» أو تفضيل ثقافة «الحداثة». وقد تتفاقم هذه الازدواجية فينشأ عنها ازدواجية الجيل التي تؤذن بانتشار الحروب والفتن.?ويضيف: النظرة التنموية العربية، قامت منذ فترة على مسلمات خاطئة، مفادها ضرورة الاستثمار في استجلاب التقنية الحديثة، وتحديث البنى التحتية، والمرافق الحكومية... بينما ظل الاستثمار في تكوين الإنسان، والتركيز على الثقافة والتعليم، أو على الميكانزمات التي تخلق ملكة القراءة والإبداع ضعيفة.?وغاية القول إن أزمة القراءة واقع حقيقي يعيشه الوطن العربي منذ فترة ليست بالقصيرة، وقد زاد استفحال هذه الظاهرة وبروزها في العقدين الأخيرين نظراً للعوامل سابقة الذكر وغيرها.?ولا شك أن الدول العربية تتفاوت في بروز هذه الأزمة وقد تكون الفترة الزمنية بالنسبة لبعضها أفضل من ذي قبل، خاصة دول الخليج العربي عموماً، ودولة الإمارات خصوصاً، لأن نعمة الاستقرار والأمن والوفرة الاقتصادية كل ذلك جعلها قبلة لكثير من الكتاب والقراء، ومسرحاً للصحف والمجلات والكتب، فضلاً عن الدور الكبير الذي تقوم به الدولة في تشجيع الثقافة من خلال المعارض والجوائز والحراك الثقافي المستمر، والمشاريع الثقافية التي تمولها الإمارات في الدول العربية الأخرى، بالإضافة إلى الطباعة الإلكترونية والنشر المجاني لأمهات الكتب والإصدارات على الشبكة الدولية للمعلومات، الأمر الذي يسر انتقال الكتاب، وتقليل كلفة تعاطيه بالنسبة لقراء الدول العربية الأخرى.?أما علاج أزمة القراءة فيتطلب تغيير النظرة التنموية واللغوية، فلابد من التركيز على تكوين الإنسان تكويناً يؤهله لأن يكون قارئاً، ولا بد من العناية باللغة العربية حتى تتأهل لأن تكون لغة الإبداع والقراءة في الدول العربية دون منازعة من اللغات الأخرى العامية أو الأجنبية. كل ذلك فضلا عن الاستقرار والأمن والوفرة الاقتصادية التي تسمح للإنسان عموماً بتخصيص جزء من الوقت للقراءة، وتعطي للمثقف مجالاً لامتهان الثقافة والعيش منها ولأجلها.? ?وسيلة للمتعة ?محمد زين العابدين (شاعر وكاتب صحفي مصري)، يقول: ليس مستغرباً في ظل حالة التراجع العربي في كل المجالات أن تتراجع إلى حد مخيف عادة القراءة في مجتمعاتنا بعد أن كانت شائعة، بل أن هذه الظاهرة هي إفراز طبيعي لهذا التردي والتذرع بأنها نتيجة لطغيان ثورة الإنترنت والهواتف الذكية ليس سبباً كافياً لأنه في ظل هذه الثورة المعلوماتية التي تصل إلى أقصى درجات تقدمها في الدول الغربية ما زالت عادة القراءة أساسية في المجتمعات الغربية فهم يحرصون على القراءة حتى في وسائل المواصلات والحدائق والمقاهي، والواقع أننا في الماضي كنا نهتم بتشجيع القراءة في مدارسنا الحكومية وهو ما تلاشى منذ سنوات فقد كانت المدارس الحكومية تخصص حصة أسبوعية للمكتبة تحت مسمى حصة المطالعة وتعقد مسابقات للقراءة وتخصص لها جوائز، وكان في كل مدرسة ومنزل ركن للمكتبة وكان هذا يشجع على القراءة، وبقدر تنافس الإعلام الإلكتروني مع القراءة وتأثيراته السلبية إلا أن له بعض الإيجابيات مثل إتاحته لقراءة الكتب واقتنائها في شكل ملفات «بي دي إف» من خلال التحميل المجاني وبالرغم من أن القراءة الورقية متعة لا تدانيها متعة تجعلك تتعايش مع الكتاب كأنه كائن حي ملموس تتحاور معه وتسجل ملاحظاتك عليه وتحتضنه فقد أتاح الفضاء الإلكتروني إمكانية قراءة كتب نادرة لم تكن لتصل لنا بسهولة لولا اجتهاد بعض المواقع في توفيرها وقد ساهمت الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع ثمن الكتب في تقليل القدرة الشرائية للكتب بلا شك، وفي هذا الصدد يجب إعطاء مشروع مكتبة الأسرة في مصر ما يستحقه من إشادة كتجربة عربية مميزة لتشجيع القراءة لما قدمه من مكتبة كاملة في شتى المجالات بسعر زهيد للقراء، لكن للأسف القراءة عندنا في الغالب موجهة سواء من أجل الدراسة أو العمل وليست بهدف الارتقاء بالثقافة والفكر وتغذية الروح والوجدان وينظر معظم الناس للقراءة كنوع من الترف وهذه فكرة خاطئة لأن اقتناص نصف ساعة فقط يومياً للقراءة لا يحتاج للتفرغ بدلاً من إهدار الوقت في المحادثات الطويلة بغير طائل عبر الجوالات والفيسبوك أو في الألعاب الإلكترونية. وهنا أطرح بعض الأفكار التي يمكن أن تعيد الاعتبار للقراءة في مجتمعاتنا فبالنسبة للمدارس لا بد من عودة حصة المطالعة، كما يجب أن يعود اهتمام الأسرة بجعل الأبناء يحبون القراءة ويقبلون على قراءة كتب غير الكتب المدرسية من خلال تخصيص مكتبة في المنزل وتزويدها بكتب جذابة.? ?خلل المنظومة التعليمية ?يرى هاني عويد (شاعر مصري)، أن نصيب القارئ أكبر في تحمُّل المسؤولية فالمنتج الأدبي الجيد موجود بالفعل والساحة الأدبية مليئة بالكتاب الحقيقيين كما تضجُّ بأصحاب الأبواق الرنانة، وهذا يجعلني أطرح سؤالاً، هل الكاتب مُطالب دائماً بالمنتج الأدبي الجيد؟! أعرف أن الإجابة ستجوب أكثر من أفق للنقاش، ولكن ما نحن بصدده من عزوف القارئ عن القراءة التي تمثل ثِقل ومكانة للفرد في المجتمع، صِدام حقيقي في مقابل الهوية والتاريخ إما أن تكون أو لا تكون..!?فأزمة القراءة انعكاس لأزمة الثقافة بالفعل، والجيل الجديد لم يجد التوجيه المناسب أو الاهتمام الذي يليق به كي يهتم بما تبحث عنه فيه، هو بالفعل قد تعلق في خيوط الشبكة العنكبوتية ليقضي وقته ولم يزل. ?ورغم تنافس الإنترنت والكتاب الورقي كنت أتمنى أن تصبح فرصة القراءة والإطلاع أكثر لندرة عدد كبير من الكتب الورقية، إلا أنها أزمة ثقافة.?ولابد أن نكون واقعيين أكثر، فمَنْ تعوّد على القراءة حتى بعد ظهور الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي لم يزل دائم الإطلاع، بل أتاحت له تلك الخدمات الإلكترونية فضاء رحباً وسرعة أكبر في إيجاد المعلومة والتواصل مع الآخر ومتابعة ما يستجد من إصدارات وأخبار على الساحة.?أما عن عزوف الشباب فهناك خلل في بنية المنظومة التعليمية والبناء المجتمعي للفرد، ويؤسفني ذلك التفاوت الصارخ الذي أشرت إليه بين متوسط قراءة الفرد الأوروبي والعربي، رغم الأعداد الهائلة التي تتخرج سنوياً.?أين هو ذلك الفضول «فضول المعرفة» حينما كنا نقرأ كل شيء حتى نجد شغفنا ومتعتنا؟!?فالمؤلم حقًا حينما تجد داخل الأسرة مَن يعنّف أبناءَه أو يسخر منهم لاطلاعه على أحد الكتب غير الكتاب المدرسي أو الجامعي.?وكنت قد قرأت عن شيء جميل تفعله اليابان في محطات الباص، ألا وهو مكتبة صغيرة في كل محطة انتظار، كما أنه لايخفى علينا تلك الصور التي تتناقلها مواقع التواصل الاجتماعي من شخص يحمل كتاباً في المترو أو يقرأ في الباص أو القطار.. أنت تريد بناء المجتمع من جديد فعليك أن تقوم بدورك كي تنقذ الأجيال القادمة من الضياع.. وعلينا جميعاً أن نؤمن بأن القراءة وعي ضد أي سلب للحريات وأنها عمل عظيم، وتفعيل ذلك الدور الرهيب لابد أن يكون على كل المستويات بداية من المدارس والجامعات وتنمية المواهب وتحفيزها وإتاحة كل السبل لذلك. ? ?شعاع نور ?ويقول د. معاذ جميل الحياري (جامعة البلقاء التطبيقية بالأردن: القراءة «فعل» عجيب. متعبة وموجعة بقدر ما هي مفيدة وممتعة. وهذا الفعل يمارس بالتعود والمران ويقوم به الإنسان طواعية واختياراً. غير أنه يحتاج إلى أن يتعلمه في وقت مبكر من حياته. إذ كلما ألف هذه العادة في سن مبكرة فإنه يتعلق بها أكثر. وكلما تقدم به العمر أصبح القيام بها أصعب. ومن هنا نضع أيدينا على جذور القضية وعلى أصل المشكلة التي نحن بصدد الحديث عنها _ أعني مشكلة القراءة في الوطن العربي _ التي أصبحت تشكل أزمة قومية يعاني منها المجتمع العربي بأسره، وتمثل انعكاساً لأزمة الثقافة العربية.?إن أساس هذه الأزمة هو البيت العربي الصغير «نواة المجتمع»، الذي يولد فيه الطفل الذي سيكون بدوره عنصراً بناء مؤثراً وفاعلا في مجتمعه لاحقاً. وحين تتفتح عيون الطفل وعقله ووعيه على أب وأم يمارسان فعل القراءة بشكل يومي. فإنه سيألف هذا الفعل ويحاول ممارسته من باب التقليد أولا. وحين يرى الصغير والديه وإخوته الذين يكبرونه يتعاملون مع الكتاب بحب. ويقبلون عليه بشغف وشوق فإن هذا الحب وهذا الشوق وذلك الشغف سينتقل مثل العدوى إليه. وبهذا نصنع القارئ الذي سيصبح مثقفاً بالضرورة بصورة تلقائية.?وفي المجتمعات العربية ساهم الاستعمار ومن بعده الحكومات في إفشاء سياسة التجهيل ظناً منها أن حكم الجهلة أكثر سهولة وأيسر من التعامل مع شعب متعلم مثقف واع يفهم الأمور ويدرك أفراده ما يدور حولهم ويعرفون تماماً ما لهم وما عليهم.?ومع مرور الوقت ضعف الميل إلى القراءة ونشأت أجيال لا تعي أهمية الكتاب ولا تدرك قيمة الثقافة ولا تتسلح بالوعي رغم ما نراه من انتشار التعليم بشكل واسع في المنطقة العربية كلها. لكنه تعليم قائم على التلقين وحشو عقول الأطفال بمعلومات لا تغذي عقله ولا تصنع منه مفكراً. وأصبح هم المدرسة التي هي البيت الثاني الذي يتربى فيه الطفل هو «الكتاب الدراسي المقرر».. ?ولم يعد الطفل المثقل بالواجبات والفروض المنزلية اليومية التي لابد أن ينجزها والمعلومات المقننة التي لابد أن يحفظها معنياً بغيرها. أو أن يبحث عن متعة وفائدة في كتاب يختاره هو. وصار همه الوحيد أن يتنقل بنجاح من صف إلى صف دراسي آخر تنفيذاً لرغبة أهله وطموحهم. وهكذا فقدت المدارس الدور الذي كان يجب أن تقوم به في التشجيع على القراءة الحرة. وخلق بيئة تصنع قارئاً مثقفاً. وصارت المكتبات المدرسية _إن وجدت_ مكاناً مهملاً مهجوراً بدلاً من أن يكون أكثر مكان يفيض بالحركة والحيوية.?وليست الجامعات العربية بأفضل حالاً. فالطالب في الجامعة جل همه ومنتهى طموحه أن يجتاز بنجاح المقررات الدراسية والامتحانات المطلوبة في سنوات دراسته، وأن يحصل في النهاية على ورقة تفيد بأنه حصل على الشهادة العلمية التي دخل الجامعة بادئ الأمر من أجلها.?لعل المفارقة في هذا الموضوع أن وسائل التواصل والاتصال الحديثة وما أفرزته التكنولوجيا الحديثة في هذا المجال وما شهده العالم من تقدم في العقود الأخيرة قد جعل القراءة والاطلاع أمراً متاحاً ويسيراً وغدت المعلومات متاحة بكل يسر وسهولة وبصورة سريعة ومشوقة وصارت الثقافة أكثر قرباً وفي متناول الجميع صغاراً وكباراً. غير أن الذي حدث أمر مختلف تماماً. فهذه الوسائل مثلما تقدم المعلومة الصحيحة المفيدة تقدم المعلومة الخاطئة المضللة. التي تصنع تفكيراً منحرفاً سلبياً. ولعل الخطورة هنا غياب الرقابة عن كل ما يتعاطاه المتعامل معها صغيراً كان أو كبيراً. فهي لم تقدم الفائدة المرجوة ولم تصنع قراء واعين ولم تنشر ثقافة راقية ولا سليمة في ظل غياب التوجيه والإرشاد السليمين. وإنما خلقت فوضى ونشرت فساداً. ?ويرى د. الحياري، أن دور النشر نوعان: رسمية، وأهلية... أما الرسمية منها فهي محكومة بسلطة ومقيدة بسياسة وتوجهات يرسمها النظام الحاكم تتفق مع مصالحه وتوجهاته وتمارس سياسة الإقصاء تجاه كل الأفكار التي تتعارض مع توجهاتها. وعليه فإن جل ما تقدمه من كتب سيكون موجهاً أو فارغ المحتوى خالياً من المضمون الفكري المحترم الذي يغذي العقول، أما المنشورات التي تتضمن أعمالاً إبداعية من أدب أو غيره فتحكمها في العادة العلاقات الشخصية والوساطات المتنفذة التي تمنح الأفضلية لأعمال هزيلة وتعطيها الجائزة أياً كانت وتحظى بالنشر الأنيق والمكافأة لتوضع بعدها على الأرفف ولا تجد من يقرأها.?أما دور النشر الأهلية فهي مؤسسات تجارية ربحية قائمة على مبدأ العرض والطلب وكذلك أخبار المشهورين من الفنانين «الممثلاث والراقصات» والرياضيين. وكتب الحظ والأبراج إلا من رحم ربي.?ويقول الحياري: في ظل واقع ثقافي مظلم ينذر بوقوع كارثة حقيقية تؤدي إلى مجتمعات مأزومة ثقافياً وحضارياً وفكرياً، وشعوب وأجيال تائهة فاقدة للوعي وللفكر وللهوية وللهدف.. انقطعت علاقتها بماضيها قاصرة عن فهم واقعها فضلاً عن مستقبلها، عندها سينتشر الجهل ويتفشى الفكر المنحرف في ظل غياب الوعي لحقيقة ما يجري، وإن خير وسيلة للدفاع عن الأمة والمجتمعات في مواجهة حملات التجهيل، هو صنع الإنسان المثقف الواعي المحصن فكرياً.?وليس غريباً وسط هذا الواقع الثقافي المؤسف والمستنقع الفكري أن يظهر شعاع النور وتتعالى الأصوات المخلصة الواعية في أكثر من بلد عربي وأن نشهد جهوداً مخلصة من مؤسسات وجهات ثقافية صادقة تسعى إلى نشر الوعي والفكر. والنهوض بالأمة. ولذلك لم يكن مفاجئاً ولا من قبيل الصدفة إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة عام 2016 عاماً للقراءة. فالإمارات وهذا شأنها دائماً تتوافر على قيادة سياسية صادقة مخلصة، تسخر كل إمكاناتها المادية والمعنوية، لتحقيق هذا الهدف، وخلق أجيال من المثقفين، لا في الإمارات وحدها، بل في الوطن العربي كله، مستقطبة من أجل ذلك الكفاءات، وتقديم المبادرات الجادة في المجالات الثقافية كلها، وبذل الجهود وتقديم أعلى مستويات الدعم لمشروعها الثقافي القومي، أملا في تغيير الواقع والارتقاء بالإنسان الذي هو عماد الحضارة، ومحور عملية بناء الأوطان وأساسها.? دعم لوجستي ?عبدالله الجنيد (كاتب بحريني)، يقول: قد تكون أطر الكتابة التقليدية ومساحة الخيال المحاصرة من قبل ثقافة ترفض التجديد هي ما أفقد اللغة إمكانية التواصل أو الاتصال مع القارئ اليوم. وكذلك تراجع مكانة الشعوب الناطقة بالعربية في الإسهام في الإرث الإنساني في كل مجالات الإبداع والعلوم. فالنشر أو الثقافة في الدول المتقدمة تعتبر صناعة، وتسهم الدول فيها عبر حواضن داعمة اقتصادياً في التعريف بالإبداع في كل المجالات الحيوية والأدبية.?وبمراجعة تأثير الفضاءات التفاعلية لغوياً، فأن نتائجها إيجابية في استخدام اللغة العربية. ويجب أن لا نقلق من ذلك بل يجب توظيفها لخدمة انتشار اللغة عبر برامج تفاعلية للتعريف بالإبداع الشبابي. فيجب تحفيز الشباب للتعبير عن هويته بكل الأشكال الممكنة.?أولاً يجب الفصل في التعريف بين المثقف والأكاديمي والانتليجنسيا. فالمثقف إنسان لا يعيش على هامش المجتمع ويتناول الشأن العام الوطني مدفوعاً ذاتياً لا أيدلوجياً. لذلك مخزون الطاقة الكامنة لدية أكثر تجدداً من الأكاديمي أو نخبة الانتليجنسيا. أما التأخر في تجديد ثقافة الدولة باتجاه الإصلاح، فإنه عنصر مثبط تأكيداً، إلا أن المثقف يتجاوز الدولة في الرؤية المستقبلية في أغلب الأحيان.?ويرى الجنيد، أن تسييس الإبداع أو ترك قيادته لتتحول إلى ثقافة الشللية هما أكبر آفة يعاني منها الآن الإبداع الخليجي، ويجب أن ندرك أن تنمية الخيال هي أهم تحديات الإبداع، لذلك يجب الانخراط في برامج التبادل الثقافي للنابغين من الناشئة. كما يحتاج الكتاب للدعم اللوجستي، فتكلفة الشحن الآن تضع بعض الكتب خارج نطاق بعض المشترين. أما بخصوص عام القراءة الإماراتي فهو مشروع بني على خطوات رائدة في ذلك الاتجاه. لذلك حقق البرنامج تلك المكانة العالمية. وذلك نموذج حي على التخطيط الاستراتيجي.? ? موجة الرجعية ?محمد الساعد (كاتب سعودي)، يشير إلى أن دور النشر تعيد إنتاج ما يكتبه الناس، هي لا تخترع منتوجاً، ما يقوله الكتاب هو تعبير عن الناس هو فقط ما تنشره، ولذلك فلا نحمل دور النشر فوق طاقتها، الكل يعلم أن النشر غير مربح في بلداننا، لأن العملية الاقتصادية لم تجعل الكتاب والنشر أحد وسائل الغنى، وهو عكس ما يحصل في الغرب، فكثير من الكتاب الغربيين ليس لهم دخل غير الكتابة، وهم يربحون منها ومن ورائهم دور النشر، لو خلقنا هذه المعادلة ستغير الأمر لدينا كثيراً.?أما المثقف العربي فهو من وقف مع الإصلاح السياسي، وهو من حمى البنية الاجتماعية من الانهيار نتيجة الأحداث الجسام التي مرت بالمنطقة، لكن الإصلاح الاجتماعي يتطلب انحسار موجة الرجعية والانكفاء التي هيمنت بها جماعة التطرف على العقل العربي، وبالتالي فإن الخروج منها يتطلب قراراً سياسياً بالضرورة في العالم العربي كله، لأن هذا فقط هو من سيسهم في الدفع بالمجتمعات نحو التقدم والازدهار.?ويضيف الساعد أن المناهج التعليمية هي أساس الداء، لكن الأدهى هو بنية التعليم، التي تعتمد على تدفق المعلومة من مصدر واحد، فهي تمنع العقل من التفاعل والنقاش، والتفكير المستقل، ولذلك فالمتعلم في بنية تعليمية غير عربية تجده قادراً على النقاش، ولديه أدوات المعرفة الضرورية للتعاطي مع الحياة والتعايش مع كل ظروفها.?أما عن معارض الكتب فيرى الساعد، أنها تحولت إلى فعالية ترفيهية للأسف، وجزء من برستيج المدن، ولم تعد تؤثر في العقل المجتمعي، لأن الناس تشتري للاقتناء، وتؤجل قرار القراءة شهراً وراء شهر حتى تنسى ما اشترته لتعود لتشتري من جديد، وإذا اشترت لا تختار.? ?نفي ممنهج ?فيصل رشدي (باحث مغربي)، يشير إلى أن المجتمعات العربية في الألفية الثالثة تعيش مشاكل عديدة على كافة المستويات، ولو طرحنا السؤال أين يكمن المشكل أساساً؟ هل في المنظومة التربوية أم في سياسات البلدان العربية أم في الفرد العربي؟، فما من شكّ أنّ المشاكل جمّة، ذلك أنّ أزمة التعليم تكمن في المنظومة التربوية، لأنها لم تعط أكلها.. أولاً التلميذ العربي لا ينتج بل يستهلك فقط، لأن المنظومة هي التي أرادت أن يكون على ما هو عليه، هذه المنظومة التي لا تنمّي الحس النقدي في التلميذ بل تجعله أداة للاستيعاب فقط، فالتلميذ في المراحل الابتدائية لا يجد مجالات يفجر فيها طاقاته، مثل الأنشطة الموازية للحصص البيداغوجية كالمسرح والتربية التشكيلية والموسيقى، لذلك نجد أن المقدرة النّقدية لا تتطوّر بالشكل المطلوب والعملي الذي يخوّل للطفل انتقاد مجموعة من المعارف التي يتلقاها داخل الفصل التربوي. ?ثانياً: أزمة القراءة في المجتمعات العربية أنست دور القراءة أهميّة توعية المجتمع إذ نجد أنها تأقلمت مع المقولة الشهيرة «الأمة التي لا تقرأ تموت» فالقراءة تعطي وعياً للفرد والمجتمع، وهي أساس تطور الشعوب، فبالرجوع إلى منتصف القرن العشرين نجد أن القراءة عرفت رواجاً كبيراً، وذلك راجع إلى مدارس الفكر العربي. إنّ السياسة هي التي فرضت هذا الواقع وبرز لنا كتَاب ومفكرون وعلماء عرب كبار، من بينهم نجيب محفوظ الحائز نوبل للآداب، وأحمد زويل الحائز جائزة نوبل في الفيزياء، ولا ننسى المفكر الفلسطيني إدوار سعيد، فلولا القراءة ما وصل هؤلاء لما وصلوا إليه. ?ثالثاً: أزمة دور النشر العربية ويتمثل المشكل في أن أغلبها لا تحترم معايير النشر، وتؤمن بأن الذي لديه المال أو الوساطة هو الذي له الحق في النشر، وهذا ينعكس على القارئ أو المتلقي بصفة عامة، وهذا الأخير لا يميّز في الغالب بين الجيّد والرّديء، عكس دور النشر في الغرب التي تؤمن وتحترم معايير النشر بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لأن الأساس عندها هو الجودة، وتسعى هذه الدور إلى انتقاء ما يُنشر.?رابعاً: أزمة المثقف في العالم العربي حيث يتمّ التّعتيم عليه في الإعلام العربي من خلال نوع من النّفي الممنهج، وهذا راجع إلى سياسة الدّول لأن المثقف هو صوت الشعب، وهو المعبر عن مشاكله ومعاناته وهمومه داخل كتاباته ونسقه الفكري، وهو واجهة وكل شيء يرتبط بمعيشه اليومي، والحامل لبذور الوعي، لكنه في معظم الحالات يكون معارضاً للسلطة الحاكمة، خاصة داخل المجتمعات العربية. ?ويقول فيصل: إن حل مشكلة القراءة في الوطن العربي مرتبط أساساً بكل المؤسسات المتاحة، بدءاً من الأسرة مروراً بالمدرسة والمجتمع وانتهاءً بالدولة لإتاحة الفرصة للأطفال الصغار، فتربيتهم على حب القراءة وعلى الجلوس من أجل القراءة مهمّ جدّاً، وعليه يجب أن تكون التربية متاحة لجميع أطفالنا في العالم العربي. وأن نقرّب القراءة إلى نفوسهم، وأن نزرع فيهم الأمل في البحث والسّعي للعلم وأن نشجع ظاهرة لا طالما رأيناها في أوروبا وهي ظاهرة الكتب المنشورة والمعروضة في الشوارع، وأن نشجع ما يسمى بقطارات المعرفة، فما زال الأمل قائماً بأن يعود العرب لقيادة الثقافة الإنسانية، فهذا أمر تظهر بوادره في الجوائز التي تمنحها الهيئات والمؤسسات العربية، وذلك أكبر تشجيع للكتَاب العرب من أجل إعطاء المزيد من الإبداع لكي ينافس الأعمال العالمية. ولعله من المناسب هنا أن نمثّل لهذا الأمل بجائزة الشيخ زايد للكتاب التي تنظمها دولة الإمارات والتي تولي اهتماماً كبيراً للإبداع، والتي تشمل كافة العلوم. ختاماً نؤكد على ما بدأنا به من أنّ الحل هو القراءة التي هي طريقنا إلى التقدم والازدهار. ? ?أزمة «متعمدة»? هاني نديم (ناقد أدبي وشاعر سوري، مقيم في لبنان)، يرى أن المعارف تراكم، وكل أمة تفقد التواصل المعرفي بينها وبين العالم تتخلف، وتصبح بحاجة إلى إعادة تأهيل، نحن نمر اليوم بأزمة هوية حقيقية وأزمة وجودية كبيرة انسحبت على القراءة والكتابة، بعد سلسلة من الانكسارات والروزنامة المليئة بالقهر والكذب وتقديم الأسوأ دائماً.?وعن عزوف الشباب عن القراءة، يؤكد نديم أنها ظاهرة «متعمدة» لفقدان الثقة بكل شيء، ثمة مبالغة في رفض الرسمي من الجيل الجديد، واللجوء إلى السهل، وفي البلاد العربية بالعموم يقضي المرء يدرس 25 عاماً ليحمل ماجستير فيزياء أو كيمياء حيوية.. ثم ماذا، لا نتيجة مادية أو اجتماعية يحظى بها، هذا يشكل نوعاً من الردة المعرفية نحو السهل من الأمور.?وأضاف نديم: دوماً تتخذ المناهج الرسمية مناهج غير مجدية، وذلك بسبب اتخاذها الطريق الحيادي والسهل الذي لا يزعج المؤسسات الرسمية!، كما أن طريقة التدريس وتقديم المعلومة ما زالت لا ترقى لكل ما يحدث في العالم اليوم من تحرر معرفي.?أما معارض الكتاب فهي منصة للأزياء ومكابرة معرفية أكثر منها تظاهرة حقيقية. القوة الشرائية العربية تشمل الكتب، إلا أن العربي يشتري الكتب ولا يقرأ، المعارض هي الحلقة الأخيرة المتممة لحراك ثقافي عام، فإن لم يصلح ما قبلها لم تصلح بكل تأكيد.?والحل أن لا نتعالى على القارئ كمنتجين مصدرين للثقافة، أن يتنازل المبدع عن كرسيه العاجي فوق الغيوم والنزول قليلاً إلى الشارع وكتابة ما يمس الناس، من جهة المنتج الآخر وهو دور النشر، لتقدم ما يقتضيه شرف المهنة من الجيد والثمين ورفض الغثاء الذي يملأ الأرض.? ?ظاهرة كارثية ?أزمة القراءة، بحسب الناقد التونسي والأستاذ الجامعي محمد البوخاري الخنيسي تبقى مشتركة بين مسؤولية القارئ والمنتوج الأدبي الذي فشل في جذب القارئ وتمسكه بعادة القراءة، وأيضاً اقتحام وسائل تكنولوجيا المعلومات، بشكل كبير جداً البيوت والأفكار وسيطرته عليها في ظل لهث التونسي والعربي عامة وراء سهولة الوصول إلى المعلومة، باعتباره أصبح وبمجرد الضغط على زر واحد تصله المعلومة بسرعة فائقة. ?وأضاف الناقد البوخاري، أن لدور النشر في تونس أيضاً دورها في تقلص نسبة القراء وحتى في أزمتها الطاحنة العميقة بحسب رأيه، مؤكداً أنها هي أيضاً في قفص الاتهام، نتيجة نشرها وإصدارها لمنتوج أدبي قد لا يفيد، طالما أن دور النشر أصبحت تبحث عن المال فقط لضمان ثمن طباعة الكتاب ومربحه المادي، وهو ما يمهد السبل لكل من له مال النشر والطباعة، حتى وإن كان إنتاجه الأدبي أو غيره سيئاً، وقد يكون مضراً باللغة والأدب والقيم والأخلاق، كما أنه قد يساهم في الابتعاد عن القراءة، مشدداً على أن دور النشر أصبحت لا تنتقي ما يجب نشره ولا يهمّها النتاج الأدبي سواء كان مفيداً أو غير مفيد.?ومن جانب آخر أوضح الناقد التونسي أن هذه المسألة حولت العزوف عن القراءة إلى ظاهرة عامة باعتبار «أن مرصد الإحصاء المحلي أكد في دراسة له أن من مائة مواطن تونسي لا يقرأ الكتب إلاّ اثنان»، مشدداً على أنّ المسألة خطيرة جداً في ظل التهام الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي بغثّه وسمينه، ومؤكداً أن المثقف التونسي أصبح فعلا يعيش في أزمة حادة بعد شعوره بالإحباط وفقدانه الأمل في الإصلاح السياسي والاجتماعي الذي قلص من قيمة العلم والمعرفة والسعي إلى إثراء العقل.? * نسب الأمية في إحصائية سجلت نسبة الأمية في البلدان العربية للأشخاص فوق 15 عاماً:?موريتانيا: 48%، اليمن: 30%، المغرب: 28%، مصر: 25%، السودان: 24%، الجزائر: 20%، العراق: 20%، تونس: 18%، سورية: 14%، ليبيا: 9%، لبنان: 6%، الإمارات: 6%، سلطنة عمان: 5%، السعودية: 5%، البحرين: 4%، الكويت: 4%، الأردن: 3%، الأراضي الفلسطينية: 3%، قطر: 2%.?? ?*رأي القراء ?وفي رأي بعض القراء العرب، واتهامهم بالعزوف عن القراءة، والاعتماد فقط على شبكة الإنترنت في الحصول على المعلومات، دون الرغبة في اقتناء كتاب ثقافي يسهم في ثراء معرفته وعقله، يقول (أحمد. ا) من مصر: يرجع سبب العزوف عن القراءة إلى غلاء أسعار الكتب، حيث يجد المواطن العادي أو المثقف صعوبة مالية في شراء الكتب واقتنائها، كذلك تقصير البيت والمدرسة معاً في غرس عادة القراءة في نفوس الناشئة منذ الصغر، وبالتالي يشب المتعلمون وهم لا يدركون أهمية القراءة، ونراهم يلتزمون بالكتاب المدرسي المقرر فقط، وسرعان ما يقذفونه بعيداً بعد فترة الاختبارات.?سمر بن علي (الجزائر): نعيش أزمة ثقافية عامة، وكأن هناك ارتداد ثقافي قد أصاب الشباب العربي، وهذه الأزمة جزء من الأزمة الحضارية الشاملة، فالقراءة ظاهرة حضارية، وهي الوسيلة الأولى لاكتساب المعرفة، وبدونها نعيش في معزل عما يجري في العالم، وما يحيط بنا من أشياء.?صخر إدريس (سوريا): استيفاء المعلومات من الإنترنت أصبحت وسيلة سهلة وجاهزة، حيث لا يتعب المرء نفسه في القراءة، فهو بضغطة زر يحصل على المعلومات، بمعنى أن الطلاب الذين من المفروض عليهم القراءة لا يقرؤون، ويحضرون الأبحاث عن طريق الإنترنت. ويعتبرها إدريس أزمة على المستوى العالمي، فالكتب الثقافية والنظرية والفكرية لا يطالعها سوى قلة قليلة، ومن هنا فإن أهمية الكتاب تراجعت، وسوف تتراجع أكثر في المستقبل لأن القراء أنفسهم في تراجع، موضحاً أن هناك ظاهرة تسمى «الكسل الذهني» قد أصابت القارئ العربي بشكل عام، فضلاً عن الإحباطات السياسية، والمصاعب الاقتصادية التي يعاني منها المواطن.?نور جبريل (السعودية): أهمية الكتاب الإلكتروني بدأت في الانتشار، حيث يمكن اقتناء أمهات الكتب إلكترونياً بدلاً من الذهاب إلى المكتبة، إضافة إلى أن سعره أقل، كما أن الناس تبحث عن السهولة والبساطة وانخفاض السعر، مشيراً إلى أن مشروع الكتاب الإلكتروني الموجود الآن في الغرب، لابد من تعميمه في بلادنا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©