الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الكتاب.. يبحث عن القارئ العربي

الكتاب.. يبحث عن القارئ العربي
30 ديسمبر 2016 21:36
سلطان الحجار (أبوظبي) * اقتباسات: - مبادرة الإمارات تضخ الدماء الجديدة في عروق الثقافة العربية د. صلاح فضل - دور النشر تتحمل جزءا من المسؤولية.. والمسألة في جزء منها أصبحت تجارية سلطان العميمي - الشباب يتحمل جزءاً من المشكلة باعتماده على الشبكة العنكبوتية أحمد الشيخ - «فعل القراءة» تحول إلى مشاهدة سلبية استهلاكية عبر الإنترنت فاطمة قنديل - النشر الإلكتروني اجتذب قطاعات واسعة من الشباب شريف الشافعي - الفوضى تسيطر على سوق النشر بلا ضابط عماد العادلي - شباب مبدعون في كل بلد عربي لكن إنتاجهم لا يجد الطريق إلى النشر فيصل محمد صالح - عصر «التفاحة المقضومة» نجح في استقطاب الجيل الجديد إبراهيم الجريفاني - ازدواجية العقل بين تغليب «ثقافة السلف» وتفضيل «الحداثة» عبدالله السيد - الجيل الجديد لم يجد التوجيه المناسب أو الاهتمام اللائق هاني عويد - أجيال كثيرة لا تعي أهمية الكتاب وقيمة الثقافة والتسلح بالوعي د. معاذ الحياري - تنمية الخيال بالقراءة هي تحديات الإبداع عبدالله الجنيد - معارض الكتب تحولت إلى فعالية ترفيهية وجزء من «برستيج المدن» محمد الساعد - حل مشكلة القراءة مرتبط بالأسرة والمدرسة والمجتمع فيصل رشدي - على المبدع أن يتنازل عن كرسيه العاجي ويكتب ما يمس الناس هاني نديم - دور النشر لا تنتقي ما يجب نشره ولا تهتم بالنتاج الأدبي الهادف محمد الخنيسي ?تعيش القراءة في المجتمعات العربية أزمة طاحنة منذ فترة طويلة، وهي انعكاس لأزمة الثقافة برمتها، ولا شك أن وسائل تكنولوجيا المعلومات من فضائيات وشبكات وحواسيب أصبحت تعمل على مبدأ التنافس مع الكتاب. وقد أظهر تقرير أصدرته «مؤسسة الفكر العربي» منذ عامين، أن متوسط قراءة الفرد الأوروبي يبلغ نحو 200 ساعة سنوياً، بينما لا يتعدى المتوسط العربي 6 دقائق في العام.?وفي تقرير صدر العام الماضي، للمركز العربي للتنمية، أكد أن مستوى قراءة الطفل العربي لا يزيد على 6 دقائق في السنة، ومعدل ما يقرأ 6 ورقات، ومتوسط قراءة الشاب من نصف صفحة إلى نصف كتاب في السنة، ومتوسط القراءة لكل مواطن عربي لا يساوي أكثر من 10 دقائق في السنة مقابل 12 ألف دقيقة للمواطن الأوروبي.?كما كشف التقرير السنوي الرابع للتنمية الثقافية، الذي تصدره مؤسسة الفكر العربي، أن نسبة القراءة بين العرب تدهورت بشكل مخيب للآمال، وأن معدل الالتحاق بالتعليم في الدول العربية لا يتجاوز 21.8 في المائة، بينما يصل في كوريا الجنوبية إلى 91 في المائة، وأستراليا إلى 72 في المائة.?أما منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو»، فأوضحت العام الماضي أن نصيب كل مليون عربي لا يتجاوز 30 كتابًا، مقابل 854 كتابًا لكل مليون أوروبي، أي أن معدل قراءة العربي «ربع صفحة» في السنة، مقابل معدل قراءة كبير للفرد الأميركي الذي يصل إلى 11 كتاباً في العام الواحد. ووفقاً لدراسة لجنة «الكتاب والنشر»، فإن العالم العربي ينشر 1650 كتابًا سنويًا بينما تنشر الولايات المتحدة وحدها 85 ألف كتاب سنوياً.?هذه الأرقام والنسب المئوية التي ترصدها التقارير البحثية، تؤكد أن معدلات القراءة في العالم العربي، تتراجع بشكل مخزٍ، وأن الأمة العربية لا تقرأ، الأمر الذي ينبئ بأزمة حقيقية تؤثر في فكر ووعي الإنسان العربي، ليزداد تخلفاً ورجعية مع مرور الوقت.?وسط كل هذا، تقفز دولة الإمارات العربية المتحدة، لتتبوأ مكانة خاصة، وتقوم بدور القاطرة التي تقود العالم العربي على قضبان القراءة، لعل وعسى تصل به إلى محطة الفكر والوعي. فها هي الإمارات تعلن مبادرة (2016 عاماً للقراءة)، لتمنح العالم العربي قبلة حياة فكرية، ليستيقظ من سباته، وينهض من السطحية التي يسبح فيها.?هذه المبادرة جاءت بتوجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وأعلن عنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، والذي أوضح أنه لن ترقى أمة أو شعب بغير القراءة، وهذه المبادرة بداية لتغيير دائم في مجتمع الإمارات، لتنشئة جيل قارئ واع للتطورات من حوله، ومستعد لقيادة مرحلة جديدة من التنمية في بلده، لإحداث تغيير حقيقي في أجيالنا القادمة، وترسيخ القراءة عادة أصيلة في مجتمعنا وفي كافة مرافقنا».?في السطور التالية نتساءل: هل أزمة القراءة في عالمنا العربي، هي مسؤولية القارئ، أم مسؤولية المنتوج الأدبي عبر دور النشر، أم مسؤولية ضعف الكتابة.. وهل عزوف الشباب عن القراءة نتيجة اعتماده على الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي للحصول على المعلومات والاضطلاع على كل ما يستجد على الساحة.. أم هي من نتائج أزمة المثقف العربي الذي فقد الأمل في الإصلاح السياسي والاجتماعي.. أم هي مسؤولية عقم المناهج الدراسية ووقوع الأجيال الجديدة ضحية الحفظ والتلقين دون المحاولة لإعمال العقل..؟?من هنا نبحث عن العلاج الناجع لكي تعود القراءة إلى الساحة، قبل أن تحتضر، ويستعيد الكتاب مكانته، بعد أن تعرض للمهانة الفكرية، وتم إهماله فوق أرفف الحياة الاستهلاكية المتسارعة في ظل غياب الوعي، والركض في مضمار الجهل.??-------------------?يقول الدكتور والناقد صلاح فضل: أتحفظ على فكرة أننا في أسوأ حالاتنا في موضوع القراءة، فمتى كنّا أفضل من الآن؟، موضحاً: نحن لم ندخل بعد تقاليد العصر الحديث في القراءة والثقافة ولا يجوز أن نقارن وضعنا بمن سبق وإن دخلوا هذا العصر لأن البون بالفعل شاسع جداً. موضحاً أن عالم التواصل الاجتماعي يمثل نقلة نوعية في هذا التطور، إذ يمكن أن يزيد حجم قراءة الشباب على صفحاته الإلكترونية، شرط أن لا يقرؤون أنفسهم أو ينغمسون بين المواد الرديئة التي لا تدخل مجال المعرفة العلمية والفكرية والفنية. ?ويضيف: نحن ضحايا حالة التخلف الجاثمة على حياتنا، وهناك محاولات جادة من المؤسسات الإعلامية والتعليمية والثقافية لتحريك الجمود وتغيير العادات السيئة، وفي رأيه أن القراءة الدينية تستغرق اهتمام الأجيال القديمة، وربما عطل ذلك مسارات أنواع القراءات الأخرى.?وأشار فضل قائلاً: الشباب لم يصبح عازفاً عن القراءة، هو أساساً لم يتلق هذه العادة عن أسرته ولا يوجد لدى معظم الأسر أي مكتبة أو نواة لها، وأمامه فرصة جديدة عبر الإنترنت كي يشق طريقاً مختلفاً عن جهل الجيل السابق عليه، والمطلوب منه اليوم أن يبادر ويتفوق على آبائه.?أما عن دور النشر فهي مؤسسات تجارية عاجزة عن مجابهة الظاهرة، وهي تستهدف التربح من النشر لجمهور كسول وجاهل بالوراثة، كما أننا نفتقد لمؤسسات التوزيع المحترمة التي تصل بالكتاب إلى كل القطاعات. والأمل أن تقوم صناعات النشر بتحريك عالم التوزيع ليتم نشر ملايين النسخ مثلما يحدث في الثقافات الأخرى، وعندئذ تنتعش حالة المؤلف والناشر معاً.?ويشير فضل قائلاً: أثق في أن تعليم المرأة سيمنح الثقافة العربية فرصاً أوسع لتأصيل عادة القراءة لأنهن أحرص عليها وأقدر على تعويد أبنائهن اكتسابها، خاصة وأن أزمة الثقافة العربية تتمثل في ضبابية الرؤية ووقوع الكثيرين في خدعة الأصولية الدينية وعدم التركيز على الثقافة العلمية والإبداعية، إضافة إلى تهميش الكثيرين منهم خوفاً من طموحاتهم. أما التعليم العربي فعاجز ومسؤول أول عن تدني المعرفة بسبب عقم المناهج وتكوين الأساتذة والاعتماد على التلقين وفقدان روح المبادرة الحرة.?ويثمن د. فضل كثيراً دور الإمارات العربية المتحدة في ضخ الدماء الجديدة في عروق الثقافة العربية بكل هذه المشروعات العملاقة والجوائز والمبادرات التي نراها كل يوم، حتى أصبحت بؤرة الحركة الخلاقة في الثقافة العربية.?? ?في قفص الاتهام ?ويرى سلطان العميمي (شاعر وباحث وقاص إماراتي، مدير أكاديمية الشعر العربي التابعة لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث)، أن مسؤولية أزمة القراءة مشتركة، فالقارئ مسؤول بشكل ما عن تغذية عقله وتطوير أفكاره وقدراته التحليلية والاستنتاجية، والقراءة من أهم مصادر تحقيق ذلك. أما المُنتَج الأدبي فيقع عليه جزء من المسؤولية التي يتحملها الكتّاب أنفسهم ودور النشر والمؤسسات الثقافية، هذا لا يعني أنه لا يوجد إنتاج ثقافي جيد في السنوات الماضية، لكنه لم يكن بالمستوى المأمول، سواء على صعيد الإنتاج الفكري أو الأدبي أو الترجمة. وحدث مؤخراً تحول إيجابي بإقبال الناس على القراءة، خاصة لدى شريحة جيل الشباب، وهذا ما يحمل الأطراف الثلاثة مسؤولية أكبر «القارئ والكاتب ودار النشر».?وعن وضع دور النشر في قفص الاتهام، نتيجة فشلها في انتقاء ما يجب نشره واختيار نتاج أدبي لا يفيد، قال العميمي: دور النشر تتحمل جزءاً من المسؤولية، والمؤسف أن المسألة في جزء منها أصبحت تجارية مع كثرة دور النشر التي أصبحت تهتم بعدد مبيعاتها من الكتب، نعم هذا حق مشروع لها، لكن ليس على حساب المنتج الأدبي وثقافة القارئ.?ولا يرى العميمي أن هناك عزوفاً من الشباب عن القراءة، ويذكر أن الشبكة العنكبوتية كان لها دور إيجابي في هذا الخصوص، إذ سهلت عملية وصول الكتاب إلى القارئ، وعرفته على آخر الإصدارات من أعمال مختلف الكتّاب. أما عن المعلومات المتوافرة في الشبكة العنكبوتية، فأرى أنها لم تستطع زحزحة الكتاب عن عرشه.?وفي رأيه، أن معارض الكتب في الإمارات مثلاً تشهد سنوياً إقبالاً كبيراً من القراء، وكذلك معارض الدول الخليجية والعربية، ولو كانت الأمور بخلاف ذلك ما استمرت المعارض ولا دور النشر في المشاركة سنوياً بإصدارات جديدة وبطبعات عديدة لإصداراتها.?وحول ما إذا كان ضعف المنتوج الأدبي، والتلاعب في «بعض» الجوائز الأدبية التي تذهب لأدباء وكتاب «الواسطة»، واستبعاد إنتاجات أدبية ذات قيمة وتعرض أصحابها للظلم.. وعدم وصول إنتاجهم إلى القارئ بشكل منصف، يقول العميمي، إن الربط بين الجوائز ومستوى المنتج الأدبي يمكن من خلال النظر في عدد الجوائز المرصودة للإنتاج الأدبي في العالم العربي، وقد أصبحت كثيرة جداً، وهذا في رأيي مضر بمستواها وبمستوى نتائجها، فعندما لا نجد حجباً للجوائز في أغلب الجوائز العربية، ثم تذهب بعض الجوائز إلى أعمال ضعيفة، ليتم فيما بعد التعامل مع العمل الفائز على أنه نموذج مثالي في مادته ومحتواه، وهو عكس ذلك، فإن نوعاً من الغش يُمارس هنا تجاه القارئ، وتجاه الكاتب الذي يسعى إلى الحصول على جائزة لعمله الأدبي، وحينها يصبح العمل الفائز بالجائزة مقياساً للجودة والمستوى الذي قد يحتذي به الكاتب أو القارئ ويراه مقياساً لجودة غير حقيقية.?وحول كيفية عودة القراءة إلى الساحة، واستعادة الكتاب مكانته، بعد أن تعرض للمهانة الفكرية، وتم إهماله فوق أرفف الحياة الاستهلاكية المتسارعة في ظل غياب المكتبة المنزلية، قال العميمي ، إن هناك مبادرات جميلة في دولة الإمارات وخاصة على المستوى الرسمي، من خلال إعلان (2016 عام القراءة) ومسابقة التحدي، وغيرها من المبادرات المحلية التي تصب كلها في خانة استعادة ثقافة القراءة مكانتها التي يفترض أن تكون عليه لدى القارئ العربي. وأعتقد أن مثل هذه المبادرات كفيلة بتعزيز هذه الثقافة وخلق جيل من القراء الواعين في السنوات القليلة القادمة. ?شكراً الإمارات ?أما الروائي المصري أحمد الشيخ، فيوضح أن المقارنة بين ملابسات متوسطات القراءة بين الفرد في أوروبا والفرد في العالم العربي مفجعة وصادمة، ربما لأن تواريخ الشعوب لها شواهد وعلامات ومن بينها وأخطرها العلم والمعرفة ومدى اهتمام البشر بهما في زحمة الشواهد.?ويضيف الشيخ: لو تحدثنا عن دور النشر، لا يمكن أن تكون وحدها المسؤولة رغم اعتراضنا على ممارساتها غير المنطقية بحساباتنا في الفن والأدب مثلاً، حيث تستبعد أعمالاً أفضل من أعمال بمراحل نتيجة علاقات وأدوات تربح وتعويقات مدفوعة الأجر توسوس لهم بالمكاسب مقابل خسائر الشعوب. ?ويقول الشيخ: ربما يتحمل الشباب هامشاً في هذا التخلف، بعد اعتمادهم على الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي سعياً للوصول الى المعلومات، والتعرف على ما يستجد في العالم من منجزات في شتى الفروع، وهم في هذه الحالة ضحايا عماء مدبر يتدنى بمستوياتهم وأمنياتهم ويحولها إلى تفاهات للحمقى ويصل بهم إلى التخلف العقلي. ?وحول أن الإمارات سبقت الدول العربية بخطوات عندما أعلنت أن (2016 عام القراءة) لاستعادة القارئ العربي بعد أن هرب من دائرة المعرفة، يقول الشيخ: مبادرة الإمارات جهد مشكور وبذور لعطاء آت في المستقبل القريب، وخريطة العالم العربي براح، أين المغرب العربي ومصر والشام والعراق والجزيرة العربية واليمن من هذه التصنيفات؟ هي أمور ملتبسة وأعتقد أن الفوارق قاسية على القلوب والعقول حتى ولو نجا البعض من هذه الشعوب من تلك العلامات المؤسفة عن الفوارق بيننا وبين الغرب. ?وعلى كثرة معارض الكتب في عالمنا العربي في كل البلدان العربية، نلاحظ عدم الإقبال على شراء واقتناء الكتب، لكن دعني أسأل المواطن البسيط عن لقمة عيشه مع أولاده في وسط السعار الذي يشتكي منه كل أبناء الطبقة الوسطى التي انقرضت وانتسبت إلى طبقة الفقراء، فكيف يشتري الأب لأبنائه كتباً ويتغاضى عن طلباتهم الحياتية من مأكل وملبس ومشرب وتعليم؟، في وقت تحولت فيه وزارت الثقافة في بعض الدول إلى مهرجة مفتعلة لتكريم أنصاف المواهب والتطبيل، نحن في زمن يحتاج لوزراء ثقافة من نوع طموح يحلم معنا بالمستقبل، ويؤسس للناس مراكز تأهيل وتثقيف ويضيف الى التعليم هوامش لازمة من أجل التثقيف الحقيقي، الأوطان لا يبنيها من يتألقون أمام الكاميرات من أشباه المبدعين، كما لابد أن نحسن الاختيار، في الناشر والمنشور.?فالمسائل هنا تحتاج الى مراجعات من أصحاب العقول الذين تم استبعادهم عن التأثير وتحولوا إلى ضحايا يتوارون في دوائر الصمت.? ?أزمة كتابة ?ويقول الأكاديمي والناقد التونسي عبد الدائم السلامي: إذا كانت القراءة في خطر فإن أمر ذلك عائد في جزء كبير منه إلى الكتابة، بل أذهب إلى القول إن ضمور عادة القراءة من فعلنا اليومي سببه طبيعة المكتوب نفسه.. الكاتب العربي لم يتنبه بعدُ إلى أنّ العالَم الآن صار مضغوطاً بجميع ما فيه، ولا يحتمل الهذر والحشو. مشكلتنا أننا نكتب بإسهال، ونناقش مسائل عافها القارئ، والحال أنّ ظروفنا العامة وطبيعة عصرنا تميلان إلى أن يكون المكتوب «مكثَّفاً دونما غموض وجريئاً دونما تهوّر، وذا صلة بحياة الناس وقيمهم»، على الكتابة أن تكون مثل رصاصة لا تُخطئ أهدافها، لأن القارئ الراهن على قلق دائم وينفر من كلّ إطالة أو تكرار مجاني. ومن ثمَ يبدو لي أنه ليست لدينا أزمة قراءة، نحن نعيش أزمة كتابة.?موضحاً أن العزوف عن القراءة مشكلة كبيرة يواجهها المجتمع عامة وشباب الأمة الإسلامية خاصة، ولا شك أن يكون ذلك هو أحد الأسباب الرئيسية في تأخر الأمة. فالقراءة هي مصدر الوعي في المجتمعات وهي نماء للعقول وبناء للثقافات المتنوعة وبها تحصل الرفعة والتقدم والنماء.?ويشير السلامي قائلاً: مشكلة العزوف عن القراءة هي مشكلة عالمية، حتى أن الدول التي كانت شعوبها مدمنة على القراءة مثل الشعب الإنجليزي والشعب الفرنسي تعاني اليوم من هذه المشكلة. وقد نشرت مجلة «لوبوان»، وهي من أشهر المجلات الفرنسية تحقيقاً موسعاً عن القراءة تحت عنوان «أنقذوا القراءة»، حيث تحدّث في هذا التحقيق عدد من كبار المفكرين والباحثين عن أزمة القراءة ومظاهر العزوف عنها، وقد أوضحوا في تحقيقهم أن الكتاب يتعرض منذ سنوات لمنافسة قوية وربما غير متكافئة مع وسائل الاتصال المعرفية مثل التلفزيون والفيديو والإنترنت وكل ما يتصل بها من وسائل سمعية وبصرية.?لكن رغم هذا وذاك فإن القراءة ستظل وستبقى رافداً مهماً من روافد المعرفة البشرية إلى جوانب الروافد الأخرى. غير أن عودة الروح إلى فعل القراءة وانتفاء النفور عن عقول الأمة العربية والإسلامية يبقى رهيناً بإيجاد وصفات علاجية قادرة على بعث الروح من جديد في الكتاب وسكونه في الوجود الإنساني.? ?«كراهية الكتاب»? الدكتورة والناقدة المصرية فاطمة قنديل، تقول: في إحدى المحاضرات التي ألقيها على الطلبة في الجامعة، هذا العام، فوجئت بعدد من الطلبة والطالبات وقد انشغلوا عن المحاضرة، وانهمكوا في تقليب شاشات أجهزة الهاتف الجوال بين أيديهم! نظرت إليهم في غضب لكنني لم ألحظ أي رد فعل على وجوههم، توجهت إلى أحدهم، فنظر إليّ في براءة، وبدا أنه غير متفهم لحالة الغضب التي انتابتني، حين مد لي يده بالهاتف رأيت على شاشته النص الذي كنت أدرّسه لهم، وقد حمّلوه من أحد المواقع الإلكترونية، يقلبونه كما تُقلب الصفحات بالأنامل! اعتذرت لهم، وشعرت أنني، لوهلة، خارج المشهد بكامله، لم أعرف فعلياً هل أعاتبهم، أم أعاتب نفسي على تقصيري في فهم التقنيات، التي يحاولون التعلم بها، كانت المفارقة بيننا شديدة الوضوح، بين تاريخ أحمله على ظهري من البحث في المكتبات عن الكتب، من لمس أوراقها، وشم رائحتها، والتدقيق في الملاحظات، المكتوبة بحرص بالقلم الرصاص، من أناس جلسوا على المقعد نفسه، وفتحوا الكتاب نفسه، وسألوا ربما الأسئلة نفسها التي سألتها! لكنني سألت نفسي، أيضاً، بعد المحاضرة، هل هو فارق بين الأجيال في التقنية فحسب؟ فالطلبة كانوا يقرؤون أيضاً، أم هو فارق في طبيعة «فعل القراءة» نفسه؟ لم أجرؤ، على أية حال، على توبيخهم لأنهم لم يسلكوا الطريق نفسه، الذي سلكته في القراءة، وتحصيل المعرفة، لكنني شعرت بالخطر. ?فبالرغم من استخدامي أنا نفسي للتقنيات الحديثة، يظل هناك قدر ما من الخبرة لدي في التمييز بين المعلومات المضللة والمعلومات الصحيحة، لكن الالتباس في ثقافتنا العربية بدأ يعم كل شيء. علينا أن نتذكر أن «الثقافة» تقع في آخر سلم الأولويات في معظم عالمنا العربي، علينا أن نتذكر أيضاً أن «التلقين» في التعليم سمة غالبة، وأن بناء العقل النقدي، مسألة مؤجلة دائماً. ?ما الفارق بين أن يقرأ الشباب من كتاب، أو من الشبكة العنكبوتية، طالما النص واحد؟ كنت أسأل نفسي هل المشكلة في طريقة الحصول على النص، أم في تأثير الشبكة العنكبوتية على مجتمع بأسره، مجتمع اعتاد الاستهلاك، بحيث لايكلفه الحصول على المعلومة أكثر من ضغطة على زُرّ! حيث تنقله الصفحات الإلكترونية إلى صفحات أخرى، حسبما تواتيه الصفحات، وتُقبل عليه، وتناوشه، فالشباب قد يحصلون على المعلومة نفسها، ربما في الوقت نفسه، الذي يفتحون فيه صفحة لليوتيوب، للأفلام، والأغاني، أو يتجاذبون الحديث مع الأصدقاء على «الشات»! يختلف الأمر حين يقرأ الإنسان كتاباً، يظل يتحرك بين دفتيه، لن يخرج منه إلا للتنقل عبر صفحات خياله هو، أو للتنقل عبر أرفف المكتبة للتأكد من معلومة ما، أو حتى للاستعانة بالشبكة الإلكترونية بين وقت وآخر. علينا أن نعترف، نحن العاملون في حقل التعليم، بأننا زرعنا «كراهية الكتاب» في نفوس شبابنا، بدءاً من الكتاب المدرسي، والكتب المساعدة له، التي هي حواشٍ عليه، والدروس الخصوصية، التي هي حواش أخرى، على متن الكتاب نفسه، وليس انتهاء بالكتاب الجامعي، الذي يُفرض فرضاً على الطلاب، ليغلق أفق البحث، ومقارنة المعلومات بعضها ببعض، في عقولهم، ليصيروا، هم أيضاً، حواشي على عقل الأستاذ، وليصبح الكتاب الجامعي «سلعة» مدفوعة الأجر مثلها مثل أية سلعة استهلاكية! لقد صار الكتاب مرادفاً لحالة من القهر المعرفي، والتلقين، صار مجرد صيغة أخرى للشيخ في كُتاب القرية، تماماً كما صارت القراءة عبر الشبكة العنكبوتية صورة فوتوغرافية حديثة له، طالما أن «فعل القراءة» نفسه قد تحول إلى فعل مشاهدة سلبية، استهلاكية، عبر صفحات السوشيال ميديا، دون تفاعل حقيقي، دون أن نخط خطاً تحت مايهمنا، أو يستثير مشاعرنا، وعقولنا، في جملة من كتاب، فما الذي يفعله الشاب، إذن، بعد أن يتخرج في الجامعة وبداخله كل هذه الكراهية للكتب؟! هل سيبحث عنها في المكتبات؟! هل سيبحث عن «الروايات» مثلا، وهو يقرأ عن محاكمات الكتاب في مصر، التي وصلت إلى نبش قبور الموتى، كما رأينا مؤخراً نائباً يطلب بمحاكمة نجيب محفوظ بعد موته، ويتهمه بأن أعماله خادشة للحياء؟! هل سيأمن عواقب «الخيال» لما هو أبعد من ألعاب المزرعة السعيدة مثلًا؟! علينا، إذا أردنا بالفعل أن نعيد للكتاب مكانته، أن نعيد المكانة «لفعل القراءة» نفسه، ونعيد تعريفه، منذ البداية، بكل ماينطوي عليه من قيم العقل الناقد، قيم الدأب والمثابرة، والاحترام، والمشاركة، والتفاعل، والانفعال، والخيال، وقيمة إنتاج المعرفة وليس استهلاكها... ساعتها لن تكون الشبكة العنكبوتية خطراً على عقولنا، فللعنكبوت بيت هش، وهو لايصيد، على أية حال، إلا الذباب.? ?معالجة الأزمة ?من جانبه، يرى الشاعر المصري السيد الجزايرلي، أن أزمة القراءة مسؤولية دول لم تستطع أن تجعل القراءة جزءاً من دورة الحياة اليومية في المدارس والجامعات، مؤكداً أن مناهج التعليم في عالمنا العربي أصبحت طاردة للمعرفة، ومحرضة على كراهية القراءة، ولا تتلمس احتياجات الطلاب في مراحل التعليم المختلفة، وتخلو تماماً من الدوافع الإيجابية الملزمة لجعل القراءة شرطاً من شروط ومتطلبات التحصيل والمعرفة. ?وحول ما يثار عن أن دور النشر العربية قد فشلت في انتقاء ما يجب نشره وتقديمه للقارئ العربي، يقول الجزايرلي: نحن نحكم على الكتاب بوعينا الذاتي، فنعتبره رديئاً عندما نراه أدنى من وعينا المعرفي والجمالي، ونعتبره جيدًا عندما نجد فيه إضافة نوعية إلى وعينا، ولذلك لا يوجد في اعتقادي كتاب جيد وآخر رديء بل يوجد كتاب يناسبنا وآخر لا يناسبنا، ودور النشر في كل دول العالم لا تستطيع أن تحقق مستوى موحداً في جودة الكتب يجعلها تسير في خط مستقيم، أو يجعل الآراء متفقة على جودتها، فهناك مستويات متعددة للمنتج الذي تقدمه دور النشر في كل مكان، وهي مستويات ستظل موجودة لأنها مرتبطة بطبقات الوعي الإنساني واهتماماته المختلفة.?ويقول الجزايرلي، إن الفشل بصورته الواضحة يتمثل في عشوائية صناعة النشر بالعالم العربي، وغياب التسويق بمفهومه وآلياته الاحترافية التي لا تعيرها المؤسسات الثقافية ولا دور النشر العربية أي اهتمام.?ويشدد الجزايرلي على أن معالجة أزمة القراءة في العالم العربي تحتاج إلى مبادرات جادة تتحول إلى استراتيجيات وطنية ذات رؤى وأهداف ومشروعات ونتائج متوقعة، وتعمل بشكل فاعل على تطوير المناهج التعليمية العقيمة بصورة جذرية تعيد الروح إلى المكتبات العامة، ومكتبات المدارس والجامعات وتعزز تجارب القراءة في الأندية والمؤسسات الثقافية، وتدعم مسارات التعريف بالكتب من خلال الندوات وصفحات عرض الكتب التي أصبحت شبه غائبة عن صحفنا العربية، وكذلك البرامج التي تلقي الضوء على الإصدارات الجديدة.? ?كيف نقرأ؟ ?من جهته، قال الكاتب والأديب اليمني علي المقري: تعودنا عند الحديث عن القراءة في الوطن العربي، أن ننتقل بسرعة إلى توصيف القراءة بالأزمة. ومن ثم، يبدأ الحديث عن أسباب الأزمة، وغياب ثقافة القراءة باعتبارها فعلاً اجتماعياً، وعلاقة ذلك بالمنظومة التعليمية، وربما، يعود استهلاك نفس المقاربة، إلى «شبه غياب» مراكز بحثية تهتم بسؤال القراءة بشكل علمي، عبر دراسة ميدانية، تمدنا بمؤشرات مادية عن وضع القراءة في العالم العربي، وهو الأمر الذي يدعو إلى ضرورة الاهتمام بمراكز البحث، من أجل التطور في السؤال، وفي طريقة التفكير في قضايا شائكة.?ويطالب المقري بتجاوز توصيف الأمر بالأزمة، لأن هناك تحولات تؤشر إلى «حركة نشيطة في فعل القراءة»، والمسألة ذات علاقة بالوسائط التكنولوجية التي تُحفز- أكثر- على القراءة من باب الكتابة. فقد سمحت المواقع الاجتماعية ومواقع الصحف، وعملية تحميل الكتب والأعمال الإبداعية والفنية إلكترونياً، بخلق شرط حيوي للقراءة، وتوضح أنه حتى يتفاعل مستخدم هذه المواقع مع مادة، ويترك رأياً حولها لابد من قراءتها، إضافة إلى قرب الوسيط التكنولوجي، مع الإمكانيات الهائلة والمفتوحة لجلب الكتاب، والمقالة والدراسة، دون أن ننسى تقنية الرابط، والتي تقترح المفاجئ بالنسبة للقارئ، حين تجعله يمر إلى نصوص لم يكن يعلم بها، ولكنها توضع أمامه، فيقرأها.?ويتابع المقري «نسجل هنا، تحولاً على مستوى مفهوم القراءة، الذي أصبح تفاعلاً، والتفاعل لا يتحقق إلا بالقراءة/الكتابة. بهذا المعنى، فإن شرط القراءة تغير، فتغير معه فعل القراءة»، وبالتالي، فإن مثل هذا التساؤل يقود إلى التفكير في سؤال آخر، وهو كيف نقرأ؟ أيضاً، من خلال الكتابة عبر الوسيط التكنولوجي نستطيع أن نقارب هذا السؤال، ونتبيَن طبيعة التفاعل.? ?مؤشرات مخيفة ?وقال الكاتب السوري الدكتور علي أسعد وطفة: «نحن لا نعاني من أزمة قراءة بالمطلق، فنحن لا نقرأ كي نعاني أزمة قراءة». وأضاف أن القراءة ترتبط بمستوى التقدم الحضاري طرداً، ونحن الآن نعيش حالة «تخلف شاملة، وهذا يعني مؤشراً على ضعف القراءة»، وكذلك هناك مؤشرات إحصائية مخيفة تبين أن المجتمعات العربية «أكثر المجتمعات عزوفاً عن القراءة».?وترتبط القراءة، وفق وطفة، بعدة عوامل أهمها، الانفتاح الفكري والنهضة الحضارية للأمة. ومن المؤكد أن الأسرة والمدرسة كلتاهما يلعبان دوراً خطراً في ممانعة القراءة. ففي داخل الأسرة لا يوجد مناخ حقيقي للقراءة. ?ونوه إلى أن القراءة في أعلى مستوياتها قراءة مدرسية وليس هذا النوع من القراءة الأدبية أو الفكرية أو الشعرية المطلوبة لتنمية الروح والعقل. فالآداب والفنون ينظر إليها بـ «ازدراء واحتقار»، فلا يوجد اهتمام بالرواية والقصة والشعر والأدب والتاريخ والفنون والعلوم. وإذا كانت هناك من قراءة، فهي تقتصر على تحقيق ما يسمى بالنجاح المدرسي، أي تأدية واجبات تلقينية لا تحمل في ذاتها أية قيمة علمية بالمعنى الدقيق للكلمة.?وانتقد الدور السلبي للمدرسة، باعتبارها «مؤسسة تعلم الأطفال كراهية القراءة والكتابة»، لأن المناهج السائدة تلقينية بالدرجة الأولى قائمة على الإكراه. وسرعان ما يتعلم الطفل في المدرسة كراهية المعرفة والكتابة والقراءة، لأن كل ما يوجد في المدرسة ترويضي تلقيني يقوم على الإكراه، وتفقد المدرسة كل متطلبات الجاذبية والتشويق.? ?أزمة إبداع ?شريف الشافعي (شاعر مصري)، يرى أن تراجع معدلات القراءة في العالم العربي، مؤشر لما آلت إليه الثقافة عموماً في السنوات الأخيرة، والانحدار الذي انزلق إليه التعليم. معدلات الأمية مرتفعة للغاية وفق الإحصاءات المعتمدة، وهذا ما يحصر إمكانية القراءة أصلاً في دائرة غير متسعة. وداخل هذه الدائرة، يُدار التعليم بآلية التلقين، والتلقي السلبي المقترن بمناهج محشوة بها كتب محدودة العدد والتأثير. ويضيف الشافعي: ربما تبدو النوافذ الإلكترونية الجديدة منافساً ظاهرياً للكتاب الورقي، لكنها على نحو آخر طاقة نور إيجابية، إذ اجتذب النشر الإلكتروني عبر الإنترنت والأقراص المدمجة قطاعات واسعة من الشباب والأجيال الجديدة، وإذا كان البعض يكتفي بتصفح تلك الفضاءات الرقمية، فإن آخرين يمكن أن تدفعهم القراءة الإلكترونية إلى التبحر والتعمق أملاً في استقصاء المزيد من المعلومات حول موضوع معين، من خلال القراءة الورقية أو ارتياد المكتبات، مثلما كانت السينما تفعل في وقت ما، على سبيل المثال، مجتذبة مشاهداً لفيلم من أفلام نجيب محفوظ، فإذ به ينعطف إلى قراءة الرواية المأخوذ عنها الفيلم.?أما بالنسبة للمنتج الأدبي، ودوره في تقلص معدلات القراءة، فهذا أمر متعلق بالقراءات الأدبية على وجه الخصوص، وهي قراءة نوعية، تختلف عن مجالات القراءة العامة بتجلياتها المتعددة. ?ويرى الشافعي، أن الأزمة أزمة إبداع في الأساس، فقبل أن نطالب بأن يعود الشعر مثلاً خبزاً خالصاً للقراء، ملقين باللوم على القوى القاهرة والشروط والعوامل المساعدة، يجب أن يلغي الشاعر أولاً المسافة بينه وبين نفسه، وبالتالي تذوب المسافة بينه وبين قارئه، وتخترق قصائده كل الحدود، بحريتها وثوريتها، بقوتها الذاتية، لا بأي دعم خارجي. ?هكذا، قد تبدو خميرة المنتج الأدبي نفسه، بتجددها وتطورها وحيويتها، قابلة لتنشيط قراءات نوعية بعينها في بعض الأحوال.? ? أزمة قارئ ?وقال الكاتب والشاعر العراقي عبود الجابري يبقى سؤال القراءة شبيهاً بأغنية نرددها كلما ضاقت صدورنا، لكنه سؤال صالح للطرح في كل الأزمان، وأظن أن الأجيال التي سبقتنا كانت تطرحه كمن يعيّر من لا يقرأ بجهله بمقومات ثقافية لأزمة للفرد كإنسان مجرد أو مثقف أدواته تكمن في تراكمات معرفية تولدها القراءة وتنعكس على إبداعه، وقد كان لسطوة الكتاب الشاخصة في الحياة انطلاقاً من كونه وسيلة وحيدة للحصول على المعرفة أثر كبير في منح السؤال شرعية التداول بين الناس.?وأرجع الجابري أزمة القراءة التي نعانيها إلى وجود أزمة قارئ لا يعي ما يريد قراءته، منوهاً إلى أن القارئ العربي يتخبط كثيراً، لأنه لا يقرأ من أجل الامتلاء الفكري، وإنما يريد أن يتصدر المشهد متحدثاً بما خف حمله وجزل لفظه من الكلام دون الإيغال في عمق ما يتحدث به أو عنه.?ولا يستثني الجابري من ذلك الكثير ممن يحترفون صنعة الأدب الذين يعزفون عن القراءة إما لأسباب تتعلق بنرجسيتهم، أو لأسباب أخرى يبتدعونها حين يحاصرهم السؤال.?غير أن الجابري يرى أن أزمة القراءة الورقية «لا تلغي» أن هناك من يقرأ أو يتابع ما يكتب على الفضاء الرقمي الإلكتروني، لكن هذا الفضاء قاد البيوت إلى الخلو من المكتبات، ونحن نعلم أن وجود المكتبة في البيت محفز شاخص لساكنيه كي يكتشفوا سر وجوده، مما أدى إلى نشوء أجيال تجتنب الكتاب وتميل كل الميل إلى ما يساير أهواءهم.?? أمراض النشر ?الناشر المصري عماد العادلي، يتساءل: على عاتق من تقع مسؤولية أزمة القراءة عربياً..؟، موضحاً أن أزمة القراءة هي جُزء من أزمة حضارية كُبرى تعيشها المُجتمعات العربية برُمتها، رُبما هُناك بعض التفاوت بين دول وأخرى، ولكنه في النهاية تفاوت لا يُذكر، ولا يرفع دولة على حساب أخرى في المجال المعرفي أو الثقافي... والبداية دائماً في رأيي عند الدولة، ولا أقصد بالطبع ما تُمارسه الدولة من دعم رسمي في المجال المعرفي والثقافي.. فكُل الدول العربية تقريباً تفعل ذلك.. رغم أنه دعم هزيل لا يُسمن ولا يُغني من جهل... وإنما أقصد بدور الدولة «الإرادة السياسية الحقيقية» للتثقيف ونشر ثقافة الكتاب بين جموع الشعب.. بل رُبما تمنح الجهل مساحة أكبر حينما تغض الطرف عن إعلام الدجل والشعوذة والتغييب المُتعمد للعقول.. فالثقافة تأتي في ذيل الاهتمامات ويليها مُباشرة التعليم والذي لا يُمكنه بتلك الإمكانيات الهزيلة وتلك الآليات العقيمة إنتاج أجيال تعي معنى الثقافة وتُدرك أهمية الكتاب.?فيما يخص دور النشر... فقليل منها معني بالنشر في صورته الجادة... بينما البقية الباقية تتعامل مع الأمر على أنه مُجرد مشروع تجاري ربحي وحسب، فهي ليست معنية بالقيمة ولا معنية بالجودة في كُل مستوياتها، بل إن البعض منها لا يُراعي حقوق مؤلف ولا ناشر آخر.. ويجب أن ننوه إلى أن هُناك فوضى كبيرة في سوق النشر دون ضابط حقيقي مما جعل كُل من له أو ليس له علاقة بالفكر والثقافة يقوم بإنشاء دار نشر وينشر كُتباً لا تُساوي حبر الطباعة لمُجرد أن مؤلفها يملك بضع آلاف من الجُنيهات.. ويقوم بتوزيعها في السوق، ويستخدم السوشيال ميديا للترويج لمُنتجه عديم القيمة ولا مانع من بعض الدعاية السوداء والتي تُضيف له بعض البهارات والتوابل.?وبشأن عزوف الشباب عن القراءة بسبب الشبكة العنكبوتية.. فلا شك أن الإنترنت ساهم بشكل كبير في عزوف الناس في كُل العالم عن بعض العادات التي كانت في الماضي أساسية وهامة... ولكن الفرق بيننا وبين العالم المُتقدم... أن هُناك مازالت مساحة كبيرة موجودة للكتاب (الورقي) بجوار تكنولوجيا التواصل. وبشكل عام أعتقد أن تكنولوجيا التواصل عندنا لم تأخذ من رصيد الكتاب.. فرصيد الكتاب عندنا ضعيف أصلاً... بل رُبما تكُون وسائل التواصل عاملا مُساعدا للقارئ الحقيقي في رحلة بحثه عن الكتاب.?فيما يخص المُثقف العربي وأزمته... بالطبع يعيش المُثقف العربي/ الشعوب العربية.. أزمة كبرى تحطمت فيها آمال الإصلاح الذي حلموا به... فالقمع السياسي من جهة وسطوة رجال الدين من جهة أخرى وضغط رأسمالية طاحنة من جهة ثالثة وفساد مُستحكم من الجهة الرابعة... كل ذلك أدى إلى حالة من الإحباط سيطرت على العقول النابهة، فانقسمت إلى مُهاجر هارب ناءٍ بنفسه.. وصامت ناكص على نفسه.?ورغم كُل مساوئ معارض الكتاب عربياً إلا أنها تظل المشهد الثقافي الأبرز والأهم على الإطلاق، ففيها تشعر أنك في محمية طبيعية تحوي العديد من الكائنات التي أوشكت علي الانقراض.. وعزوف الناس عن الشراء ربما يعود لغلاء أسعار الكُتب... وحتى لو كانت معارض الكتاب بغرض التباهي فهي حالة ثقافية مُهمة لا نود أن نُحرم منها.?أما الجوائز العربية، حسبما يرى العادلي، فإنها تُعاني من مُشكلات عديدة تجعل بعضها سيء السُمعة، كالمحسوبية والمُحاصصة في بعض الأحيان والكثير من الاعتبارات غير الأدبية كالاعتبارات السياسية أو الاعتبارات الدينية وغيرها... ولكن لا أعتقد أن مشكلات الجوائز العربية هي السبب في ضعف المنتوج الأدبي (وإن كان لها علاقة) فضعف المنتوج الأدبي يعود في الأساس إلى أن الكثير من الكُتاب (باعتبارهم جزءا من مجتمع يزدري القراءة) لا يقرأون ما يؤهلهم ليصبحوا كُتاباً، وإن كان لدى بعضهم الموهبة الحقيقية.?
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©