اليوم الخامس عشر من العدوان
بيروت - رفيق نصرالله:
تستيقظ الضاحية ··· او ما تبقى منها ··· يعد الناس بعضهم كم نقص منا هذه الليلة···هكذا تلقي الصواريخ صباحاتها على البيوت التي هجرها ناسها ليتوزعوا في مفارق الاحتمالات·
دخان يتصاعد، رائحة موت، دمار يرسم ''سينوغرافيا'' العذابات للايام القادمة عندما يعود الذين فروا من تحت نار الطائرات دون ان يجدوا بيتاً، او سقفاً او حتى بضعة أمتار ليكملوا حياتهم فوقها·
الضاحية ··· صارت مقبرة مفتوحة، يسكنها الموت الذي يأتي تباعاً، تجيئها الطائرات السوداء لترمي فوقها كتلاً من لهب، هي اجود انواع الحقد، والذين لا يزالون عند الاطراف يرفعون يداً مرتجفة وهي تحمل شارة النصر·
الى متى ستظل هذه البقعة التي تمددت هامتها صامدة امام هذا الموت العظيم· من الذي اخذ قراراً باغتيال النوافذ والشرفات التي كان الفقراء يطلون منها وهم الذين أتوا من اطراف الوطن ليسكنوا كتف بيروت، وتحمل احياؤهم صفة الاحياء الشعبية حيث الصورة الخلفية لوطن لا يزال فيه الكثيرون تحت خط الفقر·
تريد الطائرات من الضاحية ان تخلع ثوبها، وربما ان تتمشى عارية في عراء المرحلة· تريد الطائرات ان تثأر· لم ينسَ الاسرائيليون مشهد الضاحية في العام ألفين وهي ترقص حتى الفجر احتفالاً بالانتصار وبهزيمة الاسرائيلي الذي انكفأ، كأن ما يجري هو حفلة للثأر، لكن ثمة من يصرخ هنا سندحرهم مرة أخرى···
للضاحية رائحة مختلفة· هي خليط من رائحة الموت، والمواد الفوسفورية التي رمى بها الاسرائيليون، وللضاحية مشهد آخر، حيث يسود الصمت والوحشة، مكان اصوات الباعة والناس الذين كانوا يطلون من فوق الشرفات· للضاحية غد مختلف تريد الطائرات ان ترسمه في هذا الزمن الذي مات فيه الوجدان· حيث يراد اغتيال الامس واليوم والغد···
في الضاحية تشم رائحة الاجساد المتفحمة، او تلك التي لا تزال تحت الركام، تسأل، من سيزيل كل هذا الدمار، والى أين سيأوي اكثر من نصف مليون هم الآن في مفاصل الوطن يحملون صفة (نازح)·
الضاحية تلبس لون الرماد، تتشح بالسواد، تبكي زمناً عربياً طالما غنت له وتظاهرت، يسأل احدهم (ولو ··· أين نشيد الله اكبر، أين قصيدة اخي جاوز الظالمون المدى، اين التظاهرات التي كنا وقودها في سبيل كل القضايا العربية·
لن ننسى جميلة بوحيرد، ولا عبد المنعم رياض ولا جول جمال، ولا كل الذين غنينا لهم وتظاهرنا· لن ننسى اننا خلعنا عنا حتى (دبل) زواجنا كي نساهم في المجهود الحربي بعد العام 1967 ···
لماذا تخلى عنا الجميع؟
سؤال يطاردك كما الخوف، لأن الوقوف فوق اطلال الضاحية مخيف، ففي اي لحظة قد تطل الطائرات وتعود لترمي ··· لترمي وهي لم تشبع بعد من كل هذا الدمار···
عدد اليوم
