الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مالي... استياء شعبي من المتشددين

10 يوليو 2012
وصلت "تاوايي أوتارا" إلى هذا المعسكر المترامي الأطراف، مؤخراً بعد أن سارت مسافة طويلة وشاقة من شمال مالي عبر صحراء شديدة الحرارة. كانت"أوتارا" تحتضن طفلها الذي كان يبدو عليه الهزال من شدة الجوع، وتحمل في قلبها غصة تجاه المتشددين الإسلاميين الذين طردوها من موطنها. تقول "أوتارا"، بائعة الخضار، بصوت حزين وغاضب:" في البداية طلبوا من النساء أن يضعن غطاء على رؤوسهن، وبعد ذلك أمرونا بعدم الذهاب للأسواق... ونتيجة لذلك لم أعد قادرة على إطعام طفلي. ما يفعلونه ضد تقاليدنا، وضد الإسلام الذي أعرفه". تشير تقديرات منظمات الأمم المتحدة إلى أن عدة آلاف من اللاجئين يتركون ديارهم الواقعة بشمال مالي ويقيمون في معسكرات لاجئين عشوائية تكاثرت في المناطق النائية في النيجر، وبوركينا فاسو، وموريتانيا وغينيا. والمحظوظ من هؤلاء اللاجئين هو ذلك القادر- أو القادرة- على دفع تكاليف المواصلات أما سيء الحظ منهم- وهم الغالبية- فيضطرون لقطع مسافات طويلة فوق هضبة صحراوية ذات درجات حرارة حارقة سعياً للجوء لدولة تعد من أفقر دول العالم ، وأشدها حرارة، وأقلها تنمية وتطوراً، وتعاني بالفعل من أزمة طعام، وأزمة إنسانية طاحنة. وهذا الخروج الكبير لا يشبهه أي خروج حدث من قبل في منطقة غرب أفريقيا، لأنه خروج ليس مدفوعاً بالمجاعة أو القحط، وإنما بأوامر وأفعال أعضاء" أنصار الدين" وهي حركة دينية متشددة مرتبطة بالقاعدة استفادت من الفراغ الأمني الذي نشأ في العاصمة وفي أماكن أبعد قريبة من الجنوب، وبذلك بعد أن اكتسح الإسلاميون شمال مالي هذا العام راكبين موجة تمرد انفصالي للطوارق. وفي الوقت الراهن أحكمت تلك الجماعة قبضتها على العديد من المناطق، وتقوم بتطبيق نسختها المتشددة من الإسلام فيها، والتي تشمل إجبار الرجال على إطلاق لحاهم، وتحريم مشاهدة التلفزيون وهي كلها أفعال تحاكي تلك التي قامت بها من قبل حركة "طالبان" في أفغانستان، وحركة "شباب المجاهدين" في الصومال. ولم يتوقف الأمر عند ذلك حيث قام أعضاء تلك الجماعة بتدمير المساجد الأثرية والأضرحة القديمة في مدينة تمبكتو التاريخية الواقعة في شمال مالي، والتي كانت مركزاً إسلامياً مزدهراً في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وهو ما ذكر العالم بما فعلته حركة "طالبان" عندما نسف رجالها تمثالي بوذا في مدينة" باميان". ومن المصائب الأخرى التي قد لا يتم التطرق إليها ما ألحقته حركة أنصار الدين من صدمة عاطفية بالسكان، وهم يرون معالم بلادهم التاريخية وأضرحة الأولياء التي كانت تحظى بالتوقير، وهي تدمر أمام أعينهم، دون أن يستطيعوا عمل شيء، ولا يجدون أمامهم في النهاية من سبيل سوى الفرار. يعبر" السالم آج إهدت" عن تلك الصدمة العاطفية بقوله في صوت مرتعش: "لقد فرضوا قانوناً لا أعرفه ولم أسمع به من قبل ...قانون يختلف عن العادات والتقاليد التي تربينا عليها، لقد أحالوا حياتنا إلى جحيم ولذلك قررت الهرب، ولا أنوي العودة لهناك مرة أخرى". يذكر أن مالي هي أكبر دولة في غرب أفريقيا، وأن 90 في المئة من سكانها مسلمون وأن الإسلام المطبق في هذا البلد كان معتدلاً لحد كبير، وقادراً على استيعاب التقاليد القبلية، ويسمح للنساء بالمشاركة في التجارة والأعمال بل وفي السياسة، كما يسمح لهن بالاختلاط بالرجال دونما عائق كما يمنحهن مطلق الحرية في اختيار ارتداء الحجاب وعدم ارتدائه. وعلى الرغم من أن مناطق شمال مالي قد شهدت تكاثراً لافتاً للوعاظ المحافظين في السنوات الأخير، فإن القليلين من سكانها هم فقط الذين كانوا يتوقعون أن يأتي يوم تصبح فيه الأصولية الإسلامية قوة اجتماعية مؤثرة هناك. يقول "محمد آج إنتباكات" وهو مدرس يبلغ من العمر 54 عاماً يعيش في مدينة "جاو" المالية إن أعضاء حركة أنصار الإسلام قد دمروا وأغلقوا العديد من المدارس، وأجبروا المدرسين على النجاة بجلدهم. وفي المدارس التي أعادوا فتحها، أمروا التلاميذ بتعلم الشريعة الإسلامية ومنعوا دارسة بعض المواد مثل الأحياء على سبيل المثال على اعتبار أنها من العلوم الغربية، التي تحض على الكفر والإلحاد. ولم يقتصر الأمر على ذلك حيث فصلوا بين الأولاد والبنات، وأجبروا البنات على الجلوس في مؤخرة الصفوف كما هو الحال بالمساجد. وكانت الآثار المترتبة على التشديد على النساء محسوسة بشكل خاص في المناطق الريفية التي يعتبر فيها دور النساء حيوياً لحياة المجتمع، ويشمل كل شيء بدءاً من شراء الطعام من الأسواق، إلى حراثة الحقول ورعاية الأطفال. ومع كل يوم يمضي يتزايد كم الغضب بين المقيمين في معسكر اللاجئين هذا، وتتطاير الأسئلة من خيمة لخيمة وخصوصاً أثناء اجتماعات كبار السن في المعسكر ومن بينها أسئلة من مثل: هل سيقوم جيران مالي بإرسال قوات مسلحة لطرد الإسلاميين؟ وهل ستقوم الأمم المتحدة بدعم مثل هذه القوة؟ ومتى سيتمكنون من العودة لديارهم؟ ليس لدى أي أحد منهم إجابة على أي سؤال من تلك الأسئلة ولكن رجلاً كبير السن من اللاجئين قال إنه مستعد للبقاء في هذا المعسكر لعشرين عاماً قادمة طالما ظلت مالي تحت سيطرة"أنصار الدين". سودارسان راجافان أبالا - النيجر ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©