الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إعمار أفغانستان: إهدار وفوضى

13 يوليو 2013 22:53
راجيف شاندراسيكاران أفغانستان أقام الجيش الأميركي مبنى ضخماً يمتد على مساحة 64 ألف قدم مربع بأحد المواقع المهجورة والمقفرة بجنوب غرب أفغانستان، على أمل أن يتم استخدامه كمقر رئيسي لقوات مشاة البحرية في البلاد، حيث جُهّز المبنى بجميع الوسائل التي تتيح شن حرب عصرية، وبداخله يمكن العثور على قاعة كبيرة للمؤتمرات بصفوف متصاعدة من المقاعد، ومسرح لتلقي المعلومات، ومكاتب واسعة، وكراسي وثيرة، بل حتى المكيفات حرص المشيدون أن تكون على أحسن طراز لتصمد أمام الأجواء الملتهبة في أفغانستان. لكن ما ينقص المكان هو الجنود؛ فالمبنى الضخم المكون من طابقين، والذي لا يتوافر على نوافذ، وبمساحته التي تتجاوز ملعب كرة القدم، كلّف بناؤه خلال السنة الجارية 34 مليون دولار. إلا أنه مع ذلك لا نية للجيش الأميركي لاستخدامه. فالقادة العسكريون الذين أصروا قبل ثلاث سنوات أنهم بحاجة إليه، يستعدون الآن للانسحاب من أفغانستان تطبيقاً لخطة أوباما، ولا يوجد ما يدفعهم لشغل المنشأة. وبالنسبة للعديد من كبار الضباط، بات المبنى رمزاً للكلفة الباهظة التي يتكبّدها الأميركيون بسبب سوء إدارة البنتاجون، إذ فيما يحزم الجنود الأميركيون حقائبهم استعداداً للعودة إلى الوطن، ما زال المتعاقدون الذين تمولهم أميركا يضعون اللمسات الأخيرة على مشاريع لم يعد أحد في حاجة إليها، أو يتخلون عن استثمارات تصل إلى ملايين الدولارات. ففي محافظة قندهار، انتهى الجيش الأميركي مؤخراً من استكمال منشأة بكلفة 45 مليون دولار، الهدف منها صيانة وإصلاح العربات المصفحة وأنواع أخرى من المعدات المتطورة، لكن تلك المساحة تُستغل اليوم كمحطة لفرز المعدات التي يتم شحنها إلى أميركا استعداداً للانسحاب! وفي شمال أفغانستان تخلت وزارة الخارجية الأميركية في السنة الماضية عن خطط للانتقال إلى مبنى كبير كان يفترض أن يتحول إلى قنصلية، لكن بعد إنفاق أكثر من 80 مليون دولار والتوقيع على عقد تأجير لعشر سنوات، قرر المسؤولون أن المنشأة غير محمية بالشكل الكافي ومعرضة للهجمات. غير أن كبار المسؤولين في واشنطن يرون في المبنى الكبير الذي كان مخصصاً كمقر لمشاة البحرية، باعتباره المثال الأبرز على حرب اتسمت بإهدار المال العام وبالتسرع في إطلاق مشاريع غير ضرورية يمولها دافع الضرائب الأميركي، وبحضورها الضخم وسط معسكر «ليثرنيك» بمحافظة هلمند، باتت المنشأة الفارغة محط تندر وسخرية من الجنود المنتشرين في المعسكر ودرساً مؤلماً ومحرجاً في نفس الوقت لكبار الضباط الأميركيين في كابول وواشنطن. ومع أن قائد مشاة البحرية في هلمند سبق أن أرسل مذكرة إلى مقر القوات الأميركية في كابل، قبل ثلاث سنوات، يؤكد فيها أنه لا حاجة لبناء المنشأة الجديدة، فإن تقييمه للوضع تم تجاهله تماماً من قبل الضباط الذين يوقعون عقود البناء مع الشركات الخاصة. وحتى عندما انتهى من بناء المنشأة، عبّر عدد من الضباط لدى زيارتهم لها عن عدم الحاجة إليها. فقد وصفها جنرال لدى جولة في مرافقها بأنها «أفضل تجهيزاً من أي مقر للجنود في العالم»، كما علًق جنرال آخر بالقول إن المركز هو الأكبر حتى من القيادة المركزية الأميركية، ومن القيادة العليا لقوات التحالف في أوروبا، لكن الجنرالين فضلا عدم الإفصاح عن اسميهما. وفي رسالة وجهها يوم الإثنين الماضي المفتش العام لإعادة الإعمار في أفغانستان، جون سوبكو، إلى وزير الدفاع «هاجل»، قال عن البناية: «إنها أحسن ما رآه في أفغانستان»، مضيفاً أنها «مع الأسف غير مستخدمة ولا أحد يعيش فيها، ومن المرجح أنها لن تستخدم أبداً، وهي مثال واضح على أخطاء عملية الإعمار، فما إن ينطلق مشروع حتى يصبح من الصعب وقفه». وترجع بداية المقر المهجور إلى عام 2009 عندما قرر أوباما إطلاق خطة الزيادة في عدد القوات والتركيز بشكل خاص على جنوب أفغانستان لدحر متمردي «طالبان»، حيث وقع اختيار مخططي الجيش في جنوب كارولينا وفي البنتاجون على معسكر «ليثرنيك» الذي اختير كمقر لقوات المشاة البحرية، باعتباره المكان الذي يحتاج إلى منشأة متطورة تستضيف القيادة، لكن عندما سمع ضباط مشاة البحرية في هلمند بالخبر اعترضوا على المشروع، حيث اعتبر قائد القوات وقتها، الجنرال ريتشارد بيلز، أن مقره الحالي كاف ولا حاجة لمنشأة جديدة، وقد حرص على توضيح هذا الأمر إلى رؤسائه في كابل، غير أن أحداً لم يكترث لاعتراضه، ليمضي ضباط القيادة العليا في كابل في خطط تحديد مواصفات المركز الجديد، إذ طلبوا من ضباط القوات الجوية العثور على شركة لمباشرة أعمال البناء. وهكذا وقع الاختيار على شركة بريطانية، لكن في الوقت الذي بدأت فيه البناء، في نوفمبر 2011، كان أوباما قد أعلن إنهاء عملية الزيادة في عدد القوات، مع إجراء الجزء الأكبر من الانسحاب في ولاية هلمند التي يفترض أن تستضيف المنشأة. وفيما انخفض عدد قوات مشاة البحرية في جنوب غرب أفغانستان من 20 ألف عنصر إلى سبعة آلاف، كان عمال البناء يضعون القواعد والتجهيزات لبناء منشأة يفترض أن تستوعب 1500 شخص، بينما عدد الجنود اليوم لا يتجاوز 400. وحتى بعدما قرر أوباما سحب 34 ألف جندي إضافي خلال السنة الجارية، استمرت أعمال البناء دون توقف، إلى غاية فصل الربيع الماضي عندما قرر الجنرالات في كابل أن الوقت قد حان لوقف المشروع. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©