الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علم الأخلاق وأخلاق العلم

29 ديسمبر 2016 01:31
احتضنت العاصمة أبوظبي مؤخَّراً أمسية ثقافية تربوية دافئة عنوانها «التربية الأخلاقية أساس بناء الأمم» نظّمها «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية»، وألقاها وشاركنا في حواراتها المتدفّقة الدكتور/‏ علي بن تميم مدير عام شركة أبوظبي للإعلام، حيث قدم التربية الأخلاقية كضرورة حياتيّة إنسانيّة وقوّة فاعلة تربط بوعي واتزان بين الحرية والمسؤولية، وتعزّز تلك العلاقة التناغميّة بين الفرد والمجتمع والذات والآخر، وتجعل الأخلاق حاكميّة ومرجعيّة. وإذا مددنا الطرف إلى التجارب العالميّة التي حقّقت قفزات نوعيّة بعد دمج مادة التربية الأخلاقيّة في المنظومة التعليميّة بصورة إلزاميّة، مثل سنغافورة واليابان وكوريا الجنوبيّة، والتي تتربّع جميعها على سلّم التنافسيّة العالميّة، فالأولى ألّا نذهب أبعد من عقر دارنا ومنهاجنا القويم المتمثّل في القرآن الكريم والسنة المطهّرة، فعدد آيات القرآن الخاصّة بالعبادات لا يزيد على 110 آيات، بينما آيات تهذيب الأخلاق تبلغ نحو 802 آية، وآيات النظام الاجتماعي وردت في 848 آية، لندرك أنَّ بين أيدينا موروثاً إسلامياً إنسانياً أخلاقياً قِيَمياً يجمع بين متون العبادات وواحاتِ الأخلاق والمعاملاتِ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً». لقد جذب انتباهي في هذه الندوة طموحات أعرب عنها المشاركون ويمكن إيجازها في مسارين. الأوّل: أهميّة أن تكون «التربية الأخلاقيّة» منظومة متكاملة من خلال معلِّم متمكِّن مدرك لرسالته في بناء الإنسان المعتزّ بهويّته وتقاليده وإرثه التراثي، الفاعل في حاضره، والمتطلّع لمستقبل مشرق، ولهذا يجب أن يخرج الطالب من محرابه الدراسي قادراً على تمييز الخطاب الديني الوسطي المعتدل من ذلك المشوّه بالغلوّ والتطرُّف، ويقف بصلابة في مواجهة التطوّرات والتحوّلات والتعقيدات التي يشهدها عالمنا الراهن، فقد قدّرت دراسة أصدرها معهد «بروكينغز» أنّ عدد حسابات «داعش» على «تويتر» بلغ ما بين 46 و90 ألف حساب في عام 2015م، كما تمَّ جمع وتحليل بيانات جزئيّة من 1.9 مليون حساب إضافي، يعتقد أنّ ما لا يقلّ عن 166 ألفاً منها تخصّ مؤيّدي «داعش». ثانياً: أنّها مبادرة جاءت في وقتها لمواجهة الزحف المتنامي للفكر الظلامي المنحرف على عقول أبنائنا من الفضاء الإعلامي والرقمي المتسع الذي يغزو المجتمعات بالغثّ والسمين، ويجعل من الصّعب التحكُّم في ضبط مساراته أو تجفيف منابعه، ورغم أنّ المواجهة الفكريّة بالتربية الأخلاقيّة هي أحد الأسلحة، لكنّها ليست المسار الأوحد، وهذا ما تثبته إحصاءات وأرقام حول معدلات الجريمة، والهويّة والانتماء، وإدمان التكنولوجيا، وصعوبات الاندماج وتقبُّل الآخر بفعل استخدام مواقع التواصل ومشاهدة القنوات الإعلاميّة خلال العقدين الأخيرين على الأقل، حيث بيَّن تقرير جديد صادر عن لجنة «النطاق العريض» التابعة للأمم المتحدة، أنَّ عدد مستخدمي الإنترنت عالمياً وصل إلى 3.5 مليار شخص لعام 2016 الحالي، وهو ما يمثّل 47% من إجمالي سكان العالم. ما أحوجنا أن ندرك أنّ للأخلاق علماً وللعلم أخلاقاً كما ذكرها الدكتور علي بن تميم، ولهذا فمبادرة التربية الأخلاقية ليسَتْ فحسب توجُّهاً حكومياً تربوياً تعليمياً، وإنَّما مشاركةٌ مجتمعيَّة لكلّ شركاء الوطن ممن يُدركون خطورةَ الخطوبِ وحتميَّة الحلول المستلهَمَة من قيمنا الدينيّة الراسخة وحضارتنا الزاخرة لتأهيل طالبٍ واعٍ لذاته وسلوكه وأهدافه ونتائج تصرفاته ومدركٍ لكلّ جوانب مجتمعه وعالمه الواقعي والافتراضي المعقد. الدكتور - عماد الدين حسين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©