السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تسيبراس وميركل.. فشل مشترك

12 يوليو 2015 00:09
بتصويتها في استفتاء الأحد الماضي برفض برنامج التقشف، ربما شعرت اليونان بلحظة من الزهو، ولكنها قد تندم أيضاً على عواقب ما فعلت لفترة طويلة مقبلة. فقد وقعت مرة أخرى في سلسلة جديدة من الحسابات الخاطئة. وكان من العسير إتمام الصفقة بين اليونان ومقرضيها الأوروبيين، ومع اقتراب الموعد النهائي الجديد لسداد الديون خلال عطلة نهاية الأسبوع الجاري، ستكون المهمة أكثر صعوبة بالنسبة لليونانيين، وقد راهن قادتهم (والآن انضم إليهم مواطنوهم بعد الاستفتاء)، على استغلال الرغبة التي يشعر بها الاتحاد الأوروبي لإبقائهم ضمن نظام اليورو بأي ثمن، إلا أن هذه الرغبة تلاشت الآن واندثرت، ودفعت المقاربات التي طرحها اليونانيون خلال المفاوضات إلى دفع عدة دول من الاتحاد الأوروبي إلى التفكير في النتيجة التي تفيد بأن خروج اليونان أصبح يصب في مصلحة الجميع، والآن يبدو أن الاستفتاء جاء ليثبت هذه الحقيقة. وبعد أن وصلت المفاوضات بين الطرفين إلى طريق مسدود، تأتي التصريحات القوية لرئيس الوزراء اليوناني «ألكسيس تسيبراس» وفريقه السياسي لتكريس هذه النتائج السلبية بطريقة أخرى، وكل أسبوع من التأخير في التوصل إلى حل للأزمة، كان يأتي بالمزيد من مؤشرات الشلل المالي والاقتصادي في اليونان. ومن جهة، أكدت أثينا أن إعادة هيكلة الديون أصبحت ضرورية كجزء من أي خطة مقبولة للتعافي المالي، ومن جهة أخرى، تسببت مواقف «تسيبراس» المتشنجة في تخفيض سقف العوائد التي ينتظر المقرضون تحقيقها من خلال الوصول بالأزمة إلى حل نهائي. فكيف يمكن تفسير ذلك؟ يعرض الخبير المالي «جاكوب فونك كيركجارد» لهذا المنطق فيقول إن إعادة الهيكلة التي يمكن أن تؤدي إلى شطب نسبة 30 في المئة مثلاً من قيمة الديون اليونانية، يُفترض فيها أن تكون كافية لتحقيق الاستقرار المالي للبلاد. وفي هذه الحالة، يكون المستثمرون قد حققوا أملهم في استرجاع 70 في المئة من الأموال المستحقة على اليونان.. أما الآن، ونظراً للتدهور الذي شهده الاقتصاد اليوناني خلال الأشهر الأخيرة، فقد أصبح من الضروري شطب نسبة أعلى من القيمة الإجمالية لتلك الديون. وقال «كيركجارد»: «لم يعد مهماً ما يمكن أن يحدث في المرحلة التالية، لأن حزب سيريزا عمد إلى تحويل هامش الخسائر الناتجة عن الانكشاف السوقي لمنطقة اليورو في اليونان إلى تكاليف ائتمانية لا يمكن استردادها. ومن الناحية المالية، لم يعد أمام منطقة اليورو الكثير مما يمكنها إنقاذه في اليونان. ولهذا السبب، أصبحت دواعي التوصل إلى حل وسط ضعيفة، ولا يبدو أن تسيبراس وحزبه سيريزا قد فهما أن عملهم على تقويض الاقتصاد لم يؤدِّ إلى الرفع من سقف المعايير الجديدة التي يتحتم عليهم تبنّيها من أجل تحقيق أهداف مالية أقل طموحاً فحسب، بل خفضا أيضاً العوائد التي ينشدها أي طرف من خلال التعامل معهم». وأنا أرى أن «كيركجارد» كان على صواب عندما وجه انتقاداته لهذه الأخطاء التكتيكية التي ارتكبها «تسيبراس». ولكن النقطة التي لا أتفق معه بشأنها تتعلق بتقاسم المسؤولية عن ارتكاب هذا الخطأ، أو بالجهات التي تستحق اللوم بسببه. وذلك لأن المقرضين يتحملون جزءاً منه أيضاً، ولابد لهم أن يتحملوا التكاليف الكاملة عن الأخطاء التي ارتكبوها، وأكرر القول هنا بأنهم لو أظهروا قدراً أكبر من المرونة في بداية المفاوضات، لكان في وسعهم أن يستردّوا 70 في المئة من الديون المستحقة على اليونان، ولكن ما حدث هو أنهم سعوا بكل طاقتهم لبلوغ الموقف الذي لا يسمح لهم باسترداد أي شيء، وكان من نتيجة ذلك أن اقتصرت «العوائد» التي ابتغوها على تقويض المؤسسات المالية للاتحاد الأوروبي ذاته. حقاً.. لقد كان «تسيبراس» يفتقد للمصداقية في التعامل مع ناخبيه، وهو الذي أوهمهم فيما يتعلق بحساب التكاليف التي ستنجم عن أفعاله. ولكن، يمكن أن يقال الشيء ذاته أيضاً عن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وهي التي فشلت خلال الشهور الماضية في توضيح الدوافع الحقيقية الكامنة وراء اهتمامها بتجنيب دافعي الضرائب الألمان تحمّل جرائر تأخر اليونانيين عن سداد ديونهم. ولم يقتصر فشلها على مجرّد التقصير في توضيح موقفها الحقيقي، بل إنها ضلّلت شعبها أيضاً فيما يتعلق بطبيعة الصفقة التي كانت تسعى إلى عقدها. ولاشك في أن «تسيبراس» قاد بلده إلى الفشل. ولكن، إذا ما تعثرت اليونان وتأخرت عن تسديد ديونها وتم خروجها من مجموعة اليورو، فلن يقتصر خطأ «ميركل» على إفشال ألمانيا وحدها، بل وبقية دول الاتحاد الأوروبي أيضاً. كلايف كروك* *محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©