الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المسكوكات الإسلامية شاهدة على طبيعة تطور فلسفة الحاكم والدولة

المسكوكات الإسلامية شاهدة على طبيعة تطور فلسفة الحاكم والدولة
2 أغسطس 2014 22:08
تعد المسكوكات الإسلامية قطعة لها مدلولات تاريخية هامة، تزخر بالكثير من المعلومات والمعرفة حول مراحل زمنية تعاقبت عليه الدولة الإسلامية، لتظل قطعة نقدية شاهدة على ما حققه المسلمون من انتصارات خلال الفتوحات الإسلامية الممتدة وما بعدها، وما انطوى عليه من نشر الدين والثقافة الإسلامية. حيث دون على هذه العملات مختلف مدن السك والتواريخ ومدى انتشار وقوة الحكم الإسلامي، الأمر الذي جعل من هذه المسكوكات والعملات وثيقة هامة تسجل المواقف والأحداث التاريخية الهامة، حيث برزت مختلف العملات التي تنوعت بين الدنانير والدراهم والفضة والنحاس التي تظهر زمن ومكان سكها وتحمل بعض النقوش والمعاني التي تعكس نظام الحكم ومدى قوته. هذه المسكوكات التي ظلت مادة خصبة ومنبعا هاما لهواة التراث الإسلامي من يجدونها قطعة من الماضي البعيد، تداولها الملوك والحكام ودارت بين يد الرعية. فهي قطعة أثرية نفيسة غيرت الكثير من المفاهيم التاريخية التي كانت سائدة عن طبيعة هذه الفترات أو تلك، وشواهد حية تعكس إلى حد كبير ما كان يدور في البلاد في تلك الحقبة من الزمن. عاشق وهاوي العملات والمسكوكات الإسلامية عبد الله جاسم المطيري، يشير إلى مجموعته النفيسة من المسكوكات الإسلامية التي شارك بها في مهرجان رمضان الشارقة المقام في مركز إكسبو الشارقة، وحيث ينقلنا بها إلى طيات التاريخ الذي شهد فيه العالم الإسلامي الكثير من الأحداث التي ضربت وسجلت على أوجه هذه العملات. يشير عبد الله جاسم المطيري قائلاً: «لقد عرف العرب قبل الإسلام النقود الساسانية والبيزنطية واليمنية والتي تعرف بالحميرية، ولكنها كانت بأعداد قليلة وقد تعامل المسلمون بالنقود في مجال التجارة الخارجية والمدن، أما البدو في الجزيرة العربية فإنهم كانوا قانعين بطريقة التبادل والمبايعة قديما والتي تسمى بالمقايضة. ومن العملات والمسكوكات الإسلامية المعروضة هنا أردت أن يتعرف الزائر على أهمية ودور هذه العملات ليس باعتبارها وسيلة للتعاملات التجارية فقط ولكن العملات في العصر الإسلامي أخذت دوراً آخر وهاما أيضا، فقد كانت تقوم بدور الإعلام وتتضح عبرها سياسة الدولة وسياسة الحاكم والمناسبات المختلفة التي تمر بالبلاد. ومن خلال مشاركتي بست وأربعين قطعة نقدية، أردت إبراز النفائس والتي تحمل في طياتها مواقف سياسية وحكايات ظهرت على إثرها هذه النقود أو المسكوكات». الدرهم الساساني يقول المطيري: من نفائس القطع النقدية التي عرضتها، الدرهم الساساني المعرب للخليفة يزيد بن معاوية وكتب عليها «وبسم الله ربي»، بينما نجد درهما آخر ضرب على الطراز الساساني، ولكن للخارجي قطري بن وجاه، وقد أراد الأخير أن ينشر دعوته، مما أضاف في وجه القطعة «لا حكم إلا لله»، مضيفاً عليها شعار الخوارج. ونجد أن الدولة الأموية عندما بدأت في عملية الإصلاح النقدي وتعريب العملات أرادت أن تبرز شعارها الديني على المسكوكات وتميزها عن النقود التي كانت مستخدمة قبل التعريب وهي الدراهم الساسانية والدنانير البيزنطية، وهي السيليدوس، فنجد الخليفة عبد الملك بن مروان عندما بدأ في عملية الإصلاح النقدي في عام 77 هـ بالنسبة للدينار وفي عام 78 هـ بالنسبة للدرهم، كتب في الوجه الأول وعلى الإطار «محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون»، وكتب في منتصف العملة سورة الإخلاص، والشهادتين، بالإضافة إلى تاريخ سن العملة والمدينة». ويتابع المطيري مشيراً إلى أن في النصف الأخير لعهد الخلافة الأموية، ظهرت ثورات، منها ثورة ابن قيس الشيباني الحروري في العراق والذي ضرب الدراهم على الطراز الأموي بنفس الشعارات الأموية، ولكنه أضاف على القطعة «لا حكم إلا لله»، وأيضاً شعار الخوارج. فيما نجد الثائر عبد الله بن معاوية، في 128 هـ ضرب دراهم على الطراز الأموي أيضاً بنفس العبارة واللفظة، ولكن أضاف عليه عبارة «قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً». ويوضح المطيري قائلاً: فيما ظهر ثائر آخر وهو الكرماني بن علي وهو جديع بن علي الأزدي من أهل عمان لكن هاجر إلى كرمان واستقر فيها، مما لقب بالكرماني، وكان هذا الثائر من ولاة الخلافة الأموية، ولكن خلافه مع الحجاج أدى إلى أن يخلع طاعة الخليفة مما ضرب الدرهم على الطراز الأموي وأضاف عليه اسمه الأمير الكرماني بن علي». الخلافة العباسية كما عرضت أيضاً نقودا تعود لزمن الخلافة العباسية، ونجدها قد سكت على نفس الطراز الأموي، ولكن أراد الخليفة أبو العباس أن يميز نقوده عن النقود الأموية، فحذف سورة الإخلاص واستبدلها بعبارة «محمد رسول الله» في ثلاثة أسطر. ويذكر المطيري قائلاً: «من القطع أيضاً نجد عملة نقدية لهارون الرشيد عندما بيع بالخلافة في سنة 170 هـ، وفي أواخر هذه السنة ظهرت فرقة أو جماعة تنادي بأحقية جعفر ابن الهادي ابن أخ هارون الرشيد في الخلافة، فأراد هارون الرشيد أن يثبت لقومه أنه الخليفة الشرعي، فأمر بإضافة إطار جديد على العملة كتب عليها عبارة «مما أمر به عبد الله الذي قدم العبودية لله هارون أمير المؤمنين». ويبين المطيري أيضاً أن من نفائس المسكوكات التي عرضت في المعرض درهما وحيدا سكها الخليفة الأمين سنة 195هـ، بسب تعيين ابنه موسى الذي لقبه بالناطق بالحق وليا للعهد وهو في عمر الخمس سنوات، وعزل المأمون من ولاية العهد، وقد ضرب الدرهم وكتب عليه «بركة وغبطة وسرور للأمير منصور»، أي منصور على المأمون بتنحيه عن ولاية العهد. وهذا يعد الدرهم الوحيد على مستوى العالم. وهناك أيضاً نقد آخر للثائر أبو السرايا السري بن منصور والذي ضرب في الكوفة سنة 199هـ، وقد كان يعمل في تأجر الحمير، ثم أصبح بعد ذلك قاطع طريق، وقد دعاه هرثمة ابن أعين والي الأمير على أصفهان أن يكف أذاه عن الناس مقابل أن يدفعوا له أجرا مستمرا له ولرجاله، فانصاع لأمر الخليفة واستمر في طاعته إلى أن تولى المأمون الخلافة 198 هـ، الذي أنقص من ماله السري، فعاد للتمرد من جديد، واحتل الكوفة في 199 هـ، وضرب هذا الدرهم الذي كتب عليه «أن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص». درهم الهدية يوضح المطيري، ويقول: «لقد ظهر أيضاً درهم الهدية، فعادة ما يسك بمناسبة ما، ويهدى للآخرين تعبيراً عن الفرحة، ومن هذه العملات درهم فريد للدولة الوجيهية فعند تأسيس الدولة في 314هـ وتحديداً في صحار بعمان وأسسها يوسف بن وجيه. ظهر هذا الدرهم للإعلان عن قيام الدولة، حيث أمر يوسف أن يسك هذا الدرهم الذي كتب عليه آيات قرآنية ورفع شعار «يوسف يتوكل على الله ويوسف يعتز بعز الله». ومن النقود التي ظهرت احتفاءً بالشهر الكريم نقد للدولة السلجوقية، ويذكر أن السلاجقة يهتمون اهتماما غير عادي لشهر رمضان وكانوا يسكون نقوداً خاصة بهذه المناسبة. وقد كتب على هذه العملة آية الكرسي كاملة». ويلفت المطيري إلى أن هناك نقدين متناقضين، نقد لحاكم ونقد آخر لثائر عليه، فنجد القائم بأمر الله الفاطمي لما تولى الحكم في القيروان في سنة 322 هـ أمر بأن يسك دينارا ويكتب عليه «وتمت كلمته صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم». أي بمجيء الدولة الفاطمية تمت كلمة الله، مما ثار عليه ثائر من أهل القيروان يسمى أبو يزيد مخلد بن كداد ولقب بصاحب الحمار لتنقله الدائم على الحمار، وقد حاصر المهدي في المدينة واستولى على القيروان، وسك الدرهم في سنة 333 هـ و334 هـ، وكتب عليه آية قرانية، وعبارة «العزة لله الحق المبين محمد خاتم النبيين». سك النساء لعملات حول سك النساء العملات يقول المطيري: «هناك دينار للملكة أروى بنت الصليحية في اليمن، وتعد من أشهر نساء عصرها، تولت الحكم بعد وفاة زوجها أحمد بن علي في 478 هـ إلى أن توفيت 532 هـ. ووفاءً لزوجها الراحل كتبت نفس العبارة الذي كتبها زوجها على العملة إبان حكمه. ومن النقود المميزة نقد على بن يوسف بن تاشفين، حيث تميزت نقود المرابطة بشعاراتها واختلفت اختلافاً كلياً عما كان متعارفا عليه سواء في العصر الأموي أو العباسي، حيث نجد أن الدولة المرابطية رفعت شعار: «ومن يبتغي غير الإسلام ديناً، فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين». وسكت النقود في بلاد المغرب والأندلس أيضاً على نفس الاتجاه. ويضيف: «من نفائس النقود هناك دينار لحمدين بن محمد وهو قاضي القضاة فعندما خلع أهل قرطبة طاعة المرابطين دعوا للخليفة العباسي في العراق وجيء بحمدين القاضي وتم تعيينه والي قرطبة مما ضرب الدنانير على الطراز المغربي، ولكن بشعارات عباسية، دام حكمه أربعة عشر شهرا، ثم خلع وهرب إلى ملاقي وقتل هناك». ويتابع المطيري: «كما ضرب عمله في زمن الخليفة المستوفي بالله أبو الربيع سليمان خلد الله خلافته وفي الوجه الآخر للعملة ضرب في زمن السلطان محمد بن تقلق شاه خلد الله ملكه، لكن هذا الدينار يختلف اختلافا كليا عن غيره نظراً لكون هذا الحاكم كريما ومنفقا في أعمال الخير فخشي أن يصيبه شيء من الغرور والرياء فأراد أن يؤدب نفسه فضرب الدينار بلفظة «والله غني وأنتم الفقراء».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©