السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

رؤية في نشوء الإسلام السياسي الراديكالي وانهياره

29 يوليو 2006 00:47
عرض: د· رسول محمد رسول: استأثر موضوع الإسلام السياسي أو الحركات الأصولية الإسلامية العاملة في العالم باهتمام ملحوظ بعد حادث الحادي عشر من سبتمبر عام ،2001 وذلك لكون فعل هذه الحركات قد وصل إلى عقر دار الغرب في ذلك الحادث المروِّع· وحتى مرحلة متأخرة في النصف الثاني من القرن العشرين، خصوصاً بعد عام ،1979 حيث الثورة الإسلامية في إيران، كان التركيز في دراسة نشاط هذه الحركات إنما ينصب على وجودها في دول الوطن العربي والى حد ما إيران· إلاّ أن حادث الحادي عشر فتح الأفق واسعاً لأن يهتم الدارسون الغربيون باستظهار عمل ونشاط وحركة تلك الحركات في كل مكان سيما وأن نشاطها أخذ ينفلت من مواقعها الحصينة في الشرق نحو الامتداد بالغرب الأوروبي والأمريكيتين ودول المعسكر الاشتراكي القديم· من بين الدراسات التي تغطي هذا المجال كتاب راي تاكيه وزميله نيكولاس غفوسديف (نشوء الإسلام السياسي الراديكالي وانهياره)، الذي صدر باللغة الانجليزية عام ،1994 وصدرت ترجمته العربية مؤخرا عن دار الساقي في بيروت بترجمة الأستاذ حسان بستاني· النجمة الحمراء والهلال الأخضر يقع الكتاب في ستة فصول بحث فيها على التوالي: التحدي الإسلامي، وإيران: الدولة الإسلامية والبرنامج الإصلاحي، والإسلام في الجزائر: تاريخ أمل وصراع عنيف، ومصر: الصراع حول جوهر أمة، والإسلام في يوغسلافيا السابقة، وأخيرا الأسلمة في الاتحاد السوفييتي: من النجمة الحمراء إلى الهلال الأخضر· بحث القسم الأول من الكتاب في ما يميز الإسلام السياسي الراديكالي عن أشكال أخرى من السياسات الإسلامية، وبذهنية شعبية، فإن أي تطبيق للمبادئ الإسلامية على الحياة الاجتماعية والسياسية يضاهي الأسلمة· ويقول المؤلفان إننا ندرك أن شعار (أصولي / إسلامي) أُلصق بمجموعات متعدِّدة كتعدُّد (حماس) في إسرائيل / فلسطين، وحزب الله في لبنان، وحزب الرفاه في تركيا، وحزب النهضة في تونس، والأخوان المسلمون في مصر والأردن وسوريا، والجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، وجماعتي إسلامي في باكستان· ولكن بالنسبة إلينا، والقول للمؤلفين، فالإسلام الراديكالي هو قوة سياسية متميزة، وحركة راديكالية إصلاحية غير عملية توسعية ترفض الوضع الراهن، وتعتمد العُنف لتعزيز برنامجها· كما أن الإسلاميين الراديكاليين يشيرون إلى وجود فوارق بينهم والإصلاحيين المسلمين أو التقليديين· في ضوء ذلك، شرع المؤلفان في فحص ثلاث ركائز في الشرق الأوسط تمتُّ بصلة في موضوع كتابهما، وهي إيران والجزائر ومصر؛ إذ كانت الثورة الإيرانية الإسلامية بعد عام 1979 المحاولة الأولى لاعتماد النظرية الإسلامية وتطبيقها في الحكم الفعلي· والتآكل التدريجي للتوهج الإسلامي هو ذو أهمية خاصة لأن قدر إيران، والقول للمؤلفين، يشير إلى المسار المحتمل للحركات الإسلامية في دول أخرى· أما حالتا الجزائر ومصر فهما حاسمتان لأنهما كانتا في الأساس الحالات الاختبارية لكل العالم العربي، فكما لاحظ عدد من الباحثين المتخصصين بقضايا الشرق الإسلامي والعربي من أن كل من الإسلاميين في الجزائر وفي مصر سيثبتون عجزهم في الحث على ثورات جماعية حتى ضد الأنظمة الفاسدة· ومن جهة أخرت تفحص هذا الكتاب كيف أن الحركات الإسلامية كانت قد ربحت موطئ قدم بسيط في البلقان وعبر أوراسيا، ولكنها أثبتت عجزها عن تعزيز موطئ القدم نفسها وبسطها لتشمل القرى والوديان المعزولة بالرغم من تأثير ودعم الحركة الإسلامية الدولية بمن فيهم اللاجئون من الحملات الفاشلة في مصر والجزائر· والقارئ الفطن يلاحظ في فصول هذا الكتاب التي تناولت البلقان وأوراسيا أنها تحتوي على معلومات مسبقة عن الإسلام في هذه المناطق· أيديولوجيا الأسلمة يعتقد المؤلفان أن الأسلمة هي أيديولوجية العقاب الإلهي القادرة على تحريك الجماهير، غير أنها توفر إرشاداً ضئيلاً للحكم القائم· وعندما كان يولّى الإسلاميون المسؤوليات سواء على رأس اتحاد مهني، كما في مصر، أم لإدارة الدولة، كما في إيران، فإن وقائع السياسات فرضت إجمالاً تبدلاً في الحركات الإسلامية· ويعود سبب ذلك بقسمه الأكبر إلى مأزق الفساد المؤسساتي، وسوء توزيع الثروة، وغياب الديمقراطية في كل مكان من العالم الإسلامي· ما هو لافت في هذا الكتاب هو أن كلا المؤلفين تناولا الإسلام السياسي في نيجيريا وماليزيا أيضا، ووجدا أنه لا بد من تقييم الانتصار الأولي الواضح للحركات الإسلامية بهذين البلدين في ضوء جملة من المحددات التي هي أسباب رئيسة للانتصار المفترض الذي بات يوما بعد آخر حقيقة موضوعية لا بد من الركون إلى سلطتها، ومن هذه المحددات: أولا: إن الحركات الإسلامية الراديكالية هي ردّات فعل لاضطرابات سياسية واقتصادية تسبّبت بها العصرنة والتحرُّر ولأعمال ظلم بصفة خاصة ناجمة عن ممارسات السلطة السياسية والفوضى الاقتصادية· ثانيا: كثيرا ما تحقق الحركات الإسلامية توسُّعا لأن النظام الحاكم يتجاهل الإسلاميين أو يقدِّم دعما ضمنيا لهم بهدف الحد من فعالية القوى العَلمانية أو التقدمية عادة· ثالثا: غالبا ما بدأت الحركات الإسلامية كائتلافات قائمة على نطاق واسع مستاءة من الوضع الراهن وراغبة بإقامة نظام إسلامي عادل يحل مكان السياسات الفاشلة المرتبطة باعتماد الطابع الغربي من نظم الحياة، وعندما تكون هذه الحركات في إطار معارضة صرفة، فإنه من السَّهل إيجاد أرضية مشتركة بين مختلف الجماعات لجهة قبول مبادئ مثالية· رابعا: على رغم إغراءات الأسلمة لأولئك الذين هم على هامش السلطة والثروة بسبب تشديدهم على الاستقامة، يمكن للأحزاب الإسلامية خسارة شرعيتها بسهولة عندما لا يمكنها تأمين النظام العادل والأخلاقي الذي وعدت به· خامسا: ما يتعلق بالصلة بين الأسلمة والعنف، فكون الأسلمة هي أيديولوجية مقاتلة، فإن الأسلمة غالبا ما ازدهرت في أجواء من النزاع سواء كان صراعات أهلية داخلية كما في مصر والسودان والجزائر والبوسنة وطاجيكستان، أم حروبا خارجية كما في إيران والشيشان، وفي ظل الأجواء الضاغطة الناجمة عن الصراع يحاول الإسلاميون حشد الدعم على صورة نزاع متقاسم وبحلول السلام، يفقد خطاب الجهاد والتضحية إغراءه· في النهاية، يتوافق المؤلفان أيضا مع ما يقوله جيل كيبل، الباحث الفرنسي المتخصص بالإسلام السياسي، من أن العنف في حد ذاته أثبت كونه شريكا مميتا للإسلاميين ككل، معيقا أي قدرة على ضبط جماهير الناخبين الذين يحتاجون إليها لتسلُّم السلطة السياسية· ولهذا السبب يرى المؤلفان أنه في كل مكان من العالم الإسلامي تخلى المقاتلون السابقون عن رفاقهم في السلاح وسعوا إلى التوفيق بين التعليم الأخلاقي الإسلامي والليبرالية الحديثة ولذلك، وبالرغم من حادث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابي فإن فترة تميز الإسلام السياسي الراديكالي قد ولّت، وأن التحرر السياسي الحقيقي وتحديث الاقتصاد تبقى هي الوسائل الوحيدة القابلة للحياة لتجاوز المأزق حيث قسم كبير من العالم الإسلامي يجد نفسه واقعا فيه·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©