أقسى ما يمكن تحمله أن يتشكك الإنسان فيما يتناوله من غذاء. فكل يوم نسمع عن المنتجات الزراعية الملوثة بفعل المواد الكيميائية أو المبيدات الحشرية التي تعالج بها، أو من خلال تعديلات الهندسة الوراثية التي تتعرض لها، أو بسبب مكونات تصنيعها، وما يضاف إليها من ألوان ونكهات ومواد حافظة من مكسبات الطعم واللون، وغير ذلك من معالجات تصنيعية كثيرة، ومن ثم افتقدنا كثيراً من الإحساس بالثقة فيما يصل إلينا من غذاء من كل حدب وصوب، حتى أن أصابع الإهمال والعبث طالت حليب الأطفال الرضع، وباتت الأمهات أكثر قلقاً فيما يسمعونه كل يوم من أخبار، وحوادث، وتحذيرات، وتشكيكات ما أنزل الله بها من سلطان!.
كثيراً ما تشجع الأوساط الطبية والغذائية استخدامات زيت النخيل، وفجأة تخرج علينا الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال لتؤكد وجود تأثير سلبي على كثافة عظام الأطفال نتيجة استخدام حليب أطفال يحتوي على زيت النخيل كمصدر من مصادر الدهون الموجودة في تركيبة الحليب!
أشارت الدراسة إلى وجود علاقة بين قلة امتصاص الكالسيوم من أمعاء الأطفال وزيت النخيل ما يؤدي إلى إمكانية حصول هشاشة ولين في العظام مستقبلاً عند الأطفال. وأثبتت الدراسة التي هدفت إلى قياس كثافة العظام عند الأطفال الذين يتناولون حليب أطفال يحتوي على أحماض دهنية مصدرها زيت النخيل بأنهم معرضون للإصابة بلين العظام، وذلك بسبب فقد كمية من الكالسيوم الممتصة وارتباطها بأحماض زيت النخيل الموجود في الحليب .الجدير بالذكر أن هذه الدراسة امتدت لمدة ستة أشهر واشتملت على 128 طفلاً من عمر الولادة إلى ستة أشهر، وتم تقسيمهم إلى مجموعتين، الأولى تناولت حليباً خالياً من زيت النخيل، والأخرى احتوت على زيت النخيل. لا يمكن تجاهل قلق الآباء والأمهات أمام تأكيدات أجهزة الرقابة الغذائية بخلو الأسواق من عبوات حليب «سيميلاك» الملوث، بعد قرار الحظر الذي اتخذته الشركة الأميركية «أبوت» المنتجة للحليب، والذي أفضى إلى سحب نحو خمسة ملايين عبوة في أعقاب معلومات أفادت بوجود أجزاء حشرية في بعض العبوات المنتجة في الولايات المتحدة. «الكود» لتلك العينات برقم تشغيلة العبوات المدرجة في قرار الحظر.
وبحسب تقارير هيئة الغذاء والدواء الأميركية، فإن البقايا الحشرية الموجودة ـ “خنافس صغيرة ويرقاتها” ـ في عبوات المنتج المشمولة بالحظر لا تسبب مخاطر صحية قاتلة للأطفال الرضع، بل إن أضرارها تقتصر على التسبب بآلام في الجهاز الهضمي تستمر ليومين أو ثلاثة، وأنها قد تسبب امتناع الرضع عن تناول الغذاء.
الأمر نفسه وثيق الصلة بما تلقته السلطات السعودية مؤخراً، إشعاراً من هيئة المفوضية الأوروبية بقيام شركة بلجوميلك المصنعة للحليب بسحب نوعيات معينة من الحليب لاحتمال تلوثها وضررها على الأطفال، وقامت الهيئة بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة بالمملكة لاتخاذ الإجراءات الضرورية لضمان سحب المنتج من الأسواق المحلية.
ورغم تأكيد الأجهزة الرقابية المسؤولة عن خلو الأسواق من تلك الأصناف، يبقى السؤال: إلى متى يظل المستهلك رهين هذه المخاوف التي تكتشف أسبابها بمحض المصادفة في أحيان كثيرة، ومن يضمن للمستهلك سلامته من مسببات أمراض خطيرة لا تكتشف مصائبها إلا بعد عقود من الزمن؟
المحرر | khourshied.harfoush@admedia.ae
عدد اليوم
