الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معركة تاهت وسط المعارك

معركة تاهت وسط المعارك
13 أكتوبر 2010 20:54
تعد حرب الاستنزاف بين المعارك المصرية والعربية، حالة غريبة فلا يكاد يعترف بها المؤرخون والدارسون ولم تتحقق في الوجدان الشعبي، رغم أنها أكثر المعارك التي كانت الحياة المدنية طرفاً رئيسياً فيها، فقد ترتب عليها تهجير سكان مدن القناة “بورسعيد والاسماعيلية والسويس” إلى سائر المدن والمحافظات المصرية، خاصة في الدلتا والوجه البحري وفي تلك الحرب حول الطيران الإسرائيلي، بشكل غير سابق ولا لاحق العمق المصري الى هدف للغارات حيث أغار الطيران الاسرائيلي على مدرسة بحر البقر بالشرقية ومصانع ابوزعبل وقناطر النيل في نجع حمادي ورغم كل هذا يتحدث الجميع عن حرب يونيه أو نكسة يونيه ويقفزون منها الى الحديث عن معركة اكتوبر والعبور. ومن هنا تأتي أهمية كتاب الراحل محمود عوض “اليوم السابع، الحرب المستحيلة، حرب الاستنزاف”. بدأت هذه الحرب في يوليو عام 1967 اي بعد أقل من شهر على هزيمة يونيه أو النكسة كما هو سائد في الأدبيات، واستمرت حتى اغسطس 1970 حين قبلت مصر القرار 242 وهي حرب مستحيلة بالمفهوم العسكري وذلك ان الجيش المصري الذي دمر تماماً في يونيه 1967 لم يكن في نظر الكثيرين قادراً على أي تحرك قبل عشر سنوات لكنه تحرك بعد عدة اسابيع فقط وفي نفس الوقت كان الاتحاد السوفييتي غاضباً بشدة ويرى أن السلاح السوفييتي أهين في الميدان، وأن الجيشين المصري والسوري غير صالحين للتعامل مع الاسلحة الحديثة ومن ثم كان التردد في إعادة تسليح هذين الجيشين، وكان الرأي العام مصدوماً مما حدث وتوقع الجانب الاسرائيلي ومعه الولايات المتحدة ان الشعب المصري سوف يثور على عبدالناصر ويطيح به فحدث العكس تماماً. وكان القرار السياسي وكذلك الشعبي هو معاودة القتال، والثأر. بدايات صغيرة وبدأت عمليات صغيرة يقوم بها الجيش المصري في شرق القناة ويوماً بعد يوم كانت تجري إعادة بناء القوات المسلحة وكانت العمليات تتسع حتى وصل الأمر الى إغراق المدمرة إيلات وغيرها من العمليات التي رفعت الروح المعنوية في الشارعين المصري والعربي وبإزاء ذلك قررت اسرائيل أن تضرب في العمق المصري كي تجبر الجيش على التوقف، وتدفع المدنيين لمزيد من الضغط على عبدالناصر ليضطر الى وقف الحرب لكنه لم يتوقف. وإلى جوار هذه الحرب في الميدان كانت هناك حرب دبلوماسية يقودها الرئيس عبدالناصر ومعه وزير خارجيته محمود رياض فقد تلقى عبدالناصر رسالة شفوية من الرئيس الاميركي چونسون عبر الرئيس اليوغسلافي تيتو تقول إنه والولايات المتحدة لن يذهبا أبعد من ذلك في محاولة إذلال مصر والعالم العربي، وانه لا يطلب منه تفاوضاً مباشراً مع اسرائيل، لكن لابد من إقامة سلام معها، ويجب على الدول العربية إنهاء الحرب مع اسرائيل والبدء في السلام الدائم، وبعدها كانت هناك تحركات دولية ومفاوضات قادها محمود رياض وزير الخارجية مع الجانب الاميركي كانت تقوم على أن اسرائيل سوف تنسحب بالكامل من سيناء وتفتح قناة السويس للملاحة الدولية في مقابل أن تنهي مصر حالة الحرب، وليس شرطاً أن تتفاوض مباشرة مع اسرائيل وليس مطلوباً تبادل السفراء بين البلدين، فقط تتوقف مصر عن الحديث حول فلسطين وبقية القضايا العربية، وعُرض الأمر على عبدالناصر فرفضه نهائياً وكان رأيه ألا يوقع سلاماً منفرداً مع اسرائيل، وأن تنسحب اسرائيل من كل الاراضي العربية المحتلة في وقت واحد وأن تقام الدولة الفلسطينية. سياسة وسط النار وأخذ الأمر كثيراً من المباحثات في الدوائر الاميركية وكان چونسون يتعجل لتحقيق السلام وفق شروطه. وكان يعتقد أنه قام بتأديب عبدالناصر، أو عملية اصطياد الديك الرومي وكان يود الاكتفاء بذلك وإعادة اسرائيل الى ما كانت عليه بالنسبة لاحتلال الأراضي قبل عام 1967. كان هناك وزير خارجية اميركا روچرز وهو صاحب المبادرة الشهيرة وكان حريصاً على إنهاء التوتر في المنطقة وإحلال السلام بها لكن كان هناك هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي الاميركي وكان يكره روچرز ويرفض ما يقوم به وكان تصعيد الغارات الاسرائيلية في العمق المصري بنصيحة كيسنجر كي تلتهب المنطقة فيتوقف وزير روچرز عن الحديث حول السلام، وكانت اسرائيل قلقة من فكرة السلام وأن تؤدي بها الى الانسحاب من سيناء وكل الاراضي العربية على غرار ما جرى بعد حرب 1956. وكان كيسنجر يدفع الامور بعيداً عن ذلك الطريق وكان اسحق رابين سفير اسرائيل في اميركا وقتها يهرع الى كيسنجر يتلقى منه التوجيه والنصح. وأخذت اسرائيل تصعد من غاراتها في العمق المصري للضغط على عبدالناصر حتى بلغ ما ألقي على مصر في يوم واحد ما يساوي حجم قوة القنبلة الذرية التي استعملت في الحرب العالمية الثانية، ثم امكن لمصر الحصول على صواريخ مضادة للطائرات، أعاقت اسرائيل عن مواصلة غاراتها، وكثف عبدالناصر الحرب في سيناء، حتى حدثت الكارثة بالنسبة لإسرائيل فقد عاودت الادارة الاميركية الحوار مع عبدالناصر عبر وسطاء لوقف القتال وإحلال السلام في المنطقة. واستجابت اميركا لشروط عبدالناصر الاساسية وهي الانسحاب من الجولان والضفة الغربية وغزة وسيناء والعودة الى حدود 4 يونيه 1967 وتعهدت اميركا لعبدالناصر في رسالة بهذا المعنى بألا يكون السلام مع مصر انفرادياً. ثم هي لم تلزم عبدالناصر بمفاوضات مباشرة مع الاسرائيليين. ولا إقامة علاقات دبلوماسية واصيبت اسرائيل بالرعب، حتى أن جولدا مائير هددت برفض مبادرة اميركا، وبالفعل أعلن عن رفضها، لكن في النهاية بعد ضغوط اميركية قبلت اسرائيل بذلك. وكان عبدالناصر يؤخر القبول حتى يتم بناء حائط الصواريخ وبمقتضاه لم يعد الطيران الاسرائيلي قادراً على الاقتراب من شاطيء القناة، وكانت تجارب العبور قد بدأت عبر نهر النيل، وتوصل المصريون الى فكرة خراطيم المياه لإزالة الساتر الممتد على شاطيء القناة، وفي اغسطس 1970 قبل عبدالناصر مبادرة روچرز وتوقف إطلاق النار. وأراد عبدالناصر بوقف النار أن يواصل الاستعداد للحرب، بحيث يدخلها في بداية عام 1971. ظلت مبادرة روجرز قائمة ويقظة حتى سبتمبر 1970 حيث توفى الرئيس عبدالناصر، وجاء السادات الى الحكم فقدم مبادرته في فبراير 1971 والتي تقضي بانسحاب اسرائيل لمسافة 15 كيلومترا شرق القناة مقابل افتتاح القناة للملاحة الدولية وطبقاً للكاتب الراحل محمود عوض فإن تلك المبادرة هي التي قضت على مبادرة روچرز تماماً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©