الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حديث المجنون.. بألسنة العقلاء

حديث المجنون.. بألسنة العقلاء
13 أكتوبر 2010 20:55
فصول من الحب ولغته وعوالمه وأشعاره وجنونه وعذاباته.. حكايات شعبية وأخرى من أعماق الكتب التراثية والحديثة، تتقاطع مع سيرة ذاتية للمبدع والناقد السعودي عابد خزندار. يطرح كتاب خزندار الجديد “حديث المجنون” أسئلته الخاصة من خلال قراءة الموروث الكبير في الثقافتين العربية والغربية واللتين يغوص بهما الكاتب بقدرة وعمق، ويتخذ من السرد الروائي ومن المقولات مايحمل دوما دلالة على مخرجاته وخلاصاته. تمتزج سيرة الكاتب بالحكايات والقصص بالمقولات والقصائد المترجمة منها والمنقولة، ويأخذنا إلى مقاعد الدراسة في الصفوف الأولية ومشاركته الأدبية حينذاك، وسرعان مايعود إلى مجموعة النصوص والمقولات من التراث الانساني التي تعضد رؤيته وكأنما نحن في سرد مختلف بطريقة أخرى كما تشير إلى ذلك هناء حجازي في غلاف الكتاب حيث تقول: “فهو مجرد اقتباس مثله مثل الآخرين”، حيث لايفرض الكاتب نفسه ولكنه يتضمن في سيرته كل ذلك ولم لا؟ وحياة عابد خزندار كانت ولازالت بين الكتب والقراءات كمثقف رؤيوي وباحث دائم في الشأن الثقافي والانساني وحاضن للمعرفة.. إنها سيرتنا الممزوجة بأوراق الكتب، سيرة خزندار بين طيات الأفكار. و”حديث المجنون” الذي عنون به الكتاب في دلالة أخرى على الجنون كنوع من “اضمحلال الشخصية ولكن ليس فيما يتعلق بي كذات عاشقة على النقيض من ذلك أن يفضي بي إلى الجنون”، وكما يقول أيضا “هو سعيي لأن أكون ذاتا وعجزي عن الحيلولة دونه، أنا لست الآخر، الأمر الذي أقرره بكل فزع..”. إنها سيرة الكيان الانساني مع المعرفة ومايختزله من تجارب ومن أفكار تعكس من خلالها ظلالا على حياته فيتذكر ضمن سيرة المجنون، وحديث المجنون، واسم المجنون، سيرته وهو صبي صغير وكيف خطت المعرفة في داخله أولى نقوشها منذ كره المدرسة ومنذ أول حب في ذاكرة الصبا، ومنه يجد لدى ابن حزم أو الأصفهاني أو هولدرين أو بارت وغيرهم مايتماس ويتقاطع مع عالمه وذاكرته وجنونه أو لنقل جنون الشعراء والعشاق أيضا، أو مع مجنون ليلى الرمز والحقيقة والقصيدة والانعكاس، ذلك المجنون الذي تحرر من الزمن ومثله فعل كل مجانين التاريخ، بل وبقيت حسب خزندار كل الأمور نسبية في الحب حسب المعتقدات والشرائع والقوانين ومطاطية المجتمع من عدمه، وذلك يسري على التابو وعلى الحب الحرام وثقافة الذاكرة. ويقرأ خزندار من جديد سيرة الحب ضمن فصل “إرادة الحب” حيث يصف لحظة اللقاء الأول حيث الحب هو لحظة الحياة الوحيدة التي تتحقق فيها الإرادة الحرة للانسان، والانسان كما يقول حين حين يتنازل عن إرادته يفقد وجوده يقول: “فرتر يتعرف على ذاته في المجنون الخادم وأنا بدوري أيها القارئ اتعرف على ذاتي في فرتر، وتاريخيا فعل ذلك الآلاف من قبلي متعذبين ومنتحرين ومتزينين ومتطيبين وكتاب وكأنهم فرتر.. أغنية، علبة حلوى، مقبض حزام، مروحة، ماء عطر على طريقة فرتر. إن سلسلة طويلة من التوافقات توحد كل عشاق العالم وفي نظرية الأدب في أيامنا فإن اسقاط القارئ على البطل لم يعد واردا على أنه يظل المرصاد الذاتي لكل القراء المتخيلين”. هل الحب كما يرى خزندار بحاجة إلى كل هذه المكاشفات وقراءة ماحدث في الماضي الموروث والحكايات وأبيات الشعر وجنون العشاق؟ خزندار يكتشف ويستقصي ويفكر ويحرضنا على إعادة المفهوم داخلنا ليس مفهوم الحب منعزلا عن الجنون والحياة والانسان بل كلها معا مجتمعة ومتواكبة ومتماهية، بل يستل خزندار بإبداع خلاصات رائعة من الكتب ومن أفكار مختلفة فهو تارة مع بارت وأخرى مع ابن حزم وابن القيم. هذا السرد المتداعي والمتضمن لكل هذه الحكايات والأشعار لايخلو من وجهات النظر النقدية والتأملية في كتاب خزندار ليس النقد الذي يعلل ويستنبط ويشرح ويفسر أو يقرأ أثرا بقدر ماهي الرؤية المستفيضة التي تدور في فلك رؤيته ضمن حديث المجنون.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©