الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد الرحمة: خصوصيتنا الثقافية غائبة

محمد الرحمة: خصوصيتنا الثقافية غائبة
13 أكتوبر 2010 20:56
يدرك الشاب محمد عبد الله عبد الرحمن الرحمة أن الحديث عن “تسويق الثقافة” يثير غضب الكثير من المثقفين العرب الذين يرون أن المال عندما يدسّ أنفه في الشأن الثقافي يفسده. ويعلم حجم ما ينتظره من صعوبات وهو يسعى حثيثاً في مشروعه الثقافي الذي يتغيا من خلاله تحويل الثقافة إلى منتج قابل للتسويق. ويحلم، والأحلام مشروعة، أن يغير النظرة السائدة عن العلاقة بين الثقافة والمال، وأن يقدم مع فريقه الواعد الذين لا يقلون عنه حماسة وحباً للعمل، تجربة مختلفة في حقل توثيق وتقديم ثقافة المنطقة التي يجب أن تقدم في صورة حضارية راقية وفي وعاء قابل للتداول. لا يخشى محمد الرحمة، الذي ورث شغفه بالثقافة والتراث من والده الباحث عبد الله عبد الرحمن الرحمة، من الفشل لأنه يطير في مشروعه بجناحين: الأول هو الخبرة الواسعة والمادة الغنية التي حصل عليها من أرشيف والده وغيرها من المصادر التراثية المتوفرة عن منطقة الخليج بشكل عام والإمارات بشكل خاص، والثاني هو تخصصه العلمي ودراسته للتسويق الاستراتيجي وتطوير المنتجات دراسة أكاديمية تتيح له تلمس مناطق النجاح والفشل بيسر وسهولة على حد تعبيره... هنا إطلالة على طموحاته وأحلامه وما أنجزه على هذا الصعيد. ? الثقافة كما تعرف لا تربح.. فما الذي دفعكم إلى خوض غمار مشروع من هذا النوع فيه الكثير من المغامرة؟ ? بداية أريد التأكيد على عدم قناعتي بهذه النظرة السائدة عن العلاقة بين الثقافة والمال، وأنني لا أرى للقطيعة الموجودة بينهما سبباً معقولاً. بل إن العمل الثقافي يزدهر ويثمر أفضل في حال توفرت له الإمكانيات المادية والبشرية المؤهلة. إن المنتج الثقافي يمكن تسويقه مثل أي منتج آخر. وأظن أن هناك إمكانية واسعة لخلق قاعدة من المستهلكين ذوي الولاء للمنتوج الثقافي في حال قدم على نحو صحيح. أما لماذا فكرة “ميديالوجيا للاستشارات الاعلامية والثقافية” فهذا يعيدنا إلى بداية الألفية الثالثة حيث شهدت الدولة طفرة إعلامية واسعة، ولاحظنا الزيادة المتسارعة في عدد المجلات والقنوات الفضائية. التي تحتاج أولا لمن يعنيها على تلمس خصوصية ثقافة المنطقة من جميع جوانبها العملية والمعرفية ومن يرشدها في طريقها لتطوير منتجات اعلامية وثقافية تلبي رغبات الجمهور المتعطش لمعرفة المزيد. وكنا نلاحظ في أحيان كثيرة أن الوسائل الإعلامية خاصة الفضائيات تنشر من التراث والثقافة الشفاهية والشعبية ما هبَّ ودبّ، ومن دون أن تتوثق من صحة المعلومات التي تنشرها. لهذا رأينا بما يتوفر لدينا من خبرات واسعة ومعلومات دقيقة أن نقدم لهم المعلومات التي تتيح لهم تقديم ثقافة المنطقة بصورة علمية وخالية من الشوائب والأخطاء. كان التركيز في البداية منصباً على المشاريع الكبيرة وهذا العدد الكبير من وسائل الإعلام المرئي والمقروء التي كانت تبحث عن الثقافة المحلية. وكان هاجسنا في العمل إظهار ثقافتنا المحلية وخصوصية ثقافة المنطقة والخليج للعالم الخارجي أو تصويره للمتلقي العالمي بشكل مبسط، وبطريقة فنية جمالية جاذبة تشجع على متابعته لقناعتنا أن الثقافة الخليجية عموماً لم تقدم في صورة يمكن أن تكون عالمية الطابع. ومع المتغيرات الكبرى في بنية الاقتصاد رأينا أن نركز على تطوير المحتوى أكثر من تقديم المشورة فقط. ونحن ننطلق في عملنا من كوننا مطوري محتوى ثقافي على صعيد مختلف الوسائل الإعلامية بما فيها الإنترنت التي تحظى الآن باهتمام خاص من قبلنا. أما عن كون السعي إلى تسويق العمل الثقافي مغامرة غير مأمونة العواقب، فأعتقد – خلافاً للشائع ولما يؤمن به كثيرون من العاملين في الحقل الثقافي – أن الثقافة يمكن أن تكون منتوجاً قابلاً للتسويق بل والربح في حال عرف القائمون عليها طبيعة الخطاب الثقافي الذي يوجهونه للناس. إن السر في النجاح هو القدرة على مخاطبة الناس بما يثير اهتمامهم ويحقق مصالحهم لأن دعم العمل الثقافي يتوقف على نجاحه بين الناس، وإذا نجحت في تقديم المنتج الثقافي بوصفه يخدم الأهداف الاستراتيجية لمؤسسة ما، عندها سيكون الاهتمام اكبر بما تطرحه، وسيكون لمنتجك الثقافي قابلية التسويق التجاري جنباً إلى جنب مع نظرائه العالميين، وهذا بحد ذاته يجب أن يكون حافزاً أو دافعاً لرجال الأعمال ورواد العمل الثقافي لتقديم ما يلبي احتياجات الأفراد والمؤسسات والمجتمعات. هذا بشكل عام، أما فيما يخص تراثنا الثقافي وموروثنا الحضاري في الإمارات والمنطقة، فلدينا الكثير من الأشياء القابلة لأن تبرز وتسوق بل هي في تقديري كنوز مجهولة لا نعرف عنها شيئاً. ? قلت إن الإنترنت تحظى باهتمام خاص من قبلكم، لماذا وكيف؟ ? لأن الإنترنت فضاء مفتوح لكل البشر. إنها شبكة عملاقة متاحة لكل الناس للحصول على المعلومات عن أي موضوع وفي أي مجال. وهي تفرض علينا تحدياً حقيقياً لنكون في صورة جيدة على هذه الشبكة. نحن نعرف عن ثقافة الغير من خلالها ومن خلال وسائل الإعلام المختلفة، وهذا ما يفعله الآخرون أيضاً عندما يرغبون في التعرف على دولتنا وثقافتنا ومدننا، وأقل ما نفعله أن نقدم لهم معلومات موثوقة ودقيقة ورصينة تحقق الغاية. بالطبع هناك مواقع جيدة عن ثقافة الإمارات على الإنترنت لكن ما نسعى إليه تقديم محتوى مميز بحيث يظهر الثقافة المحلية والخليجية بشكل عام في صورة مفهومة ومقروءة من قبل الناس. وحالياً نحن بصدد إطلاق موقع موسوعي لتوثيق تراث وتاريخ وثقافة الإمارات الشفاهية نستفيد فيه من الجيل الثاني للإنترنت والتكنولوجيا التفاعلية بحيث نتيح لمستخدمي الأنترنت اضافة المعلومات التي بحوزتهم، كما في موسوعة ويكيبيديا على سبيل المثال، بعد أن نقوم بفحصها والتحقق من صحتها. ? ما هي الحقول التي تركزون عليها في عملكم؟ ? في جميع الحقول الثقافية والاعلامية المتعلقة بالمنطقة مع التركيز على نطاقات عمل معينة قابلة للتطوير عبر مجموعة من الباحثين والجامعين الميدانيين الذين يتم تدريبهم في الميدان مباشرة وبإشراف باحثين متخصصين في هذا المجال، وهي: ? كتابة السير الذاتية وقصص النجاح للشخصيات والعائلات و المؤسسات التي ساهمت الى جانب القادة المؤسسين لهذا الوطن، أو من الذين كان لهم دور بارز في بناء المجتمعات الخليجية. هنا في الإمارات لدينا عائلات عريقة توازي قصة نجاحها في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي قصص النجاح الاقتصادية العالمية. نحن نسعى إلى وضع قصة هذه النجاحات على رفوف المكتبة العربية والعالمية تماماً كما نجد في المكتبات العالمية قصص نجاح هنري فورد أو جاك وولش أو غيرهما ممن أسسوا مشروعات كبرى مؤثرة. ثمة قصص يزيد عمرها على مائة عام من النجاح لكن لم يدون عنها أي شيء. وحين نكتب هذه السير نقدم للباحثين والمتخصصين في حقول الثقافة وحتى رجال المال والأعمال مرجعاً علمياً لتاريخ المنطقة ومادة غزيرة تعزز معرفتهم العلمية بنا وبثقافتنا. ? كتابة ذاكرة المكان كتابة علمية متخصصة، تستند إلى مصادر موثوقة، وتعتمد البحث الاجتماعي المتخصص والمبني على معلومات مؤكدة نستقيها من أرشيف ضخم تمتلكه المؤسسة. هذا الأرشيف الذي اجتهدنا في جمعه والحصول عليه من الميدان والمراجع المختلفة يحتوي على معلومات كثيرة عن الأمكنة المختلفة في الدولة سواء في الماضي أو الحاضر، فضلاً عن باقي مفردات الثقافة الشعبية المادية والمعنوية قل أن تتوفر لدى جهة واحدة. ? بناء هويات مؤسسية مميزة ومتوافقة مع الخصوصية التاريخية والثقافية الوطنية سواء ما يتعلق بالمؤسسة بشكل عام أو على صعيد منتجات أوخدمات محددة ، في مسعى لأن تكون الهويات المؤسسية في الدولة مستمدة من العمق التاريخي الذي يعكس خصوصية المكان وهويته الثقافية والحضارية - وهو أمر يغيب على الكثير من مؤسساتنا المحلية لا سيما في القطاع الخاص – متمثلة في معماره وأبنيته وصوره ولوحاته وديكوراته وغيرها مما يمكن أن يوظف لإظهار عراقتها تماماً كما يحدث في كبرى المشروعات والعلامات التجارية العالمية. ? درست التسويق في الجامعة الأميركية في دبي وساهمت في التخطيط لعدة مشروعات اقتصادية ما يفتح لك مجالاً واسعاً للعمل في قطاعات الاقتصاد، ما الذي أخذك إلى الحقل الثقافي؟ ? ربما يكون الوالد هو السبب الأول في هذا الخيار، فقد اعتدت منذ الصغر على عشق التراث وكبرت وأنا أحمل شغفاً للثقافة والقراءة في كل ما يخص هذا المجال. اما السبب الثاني فهو سنوات العمل الأولى في سلطة منطقة دبي الحرة لتكنولوجيا المعلومات والإعلام وخاصة في التخطيط والتطوير وفي بيئة إعلامية عالمية، حيث ترسخت قناعتي بوجود حاجة حقيقية لهكذا مشروع ولتفرده أيضاً. وإن شئت الدقة، وجدت من المفيد أن أدمج بين خبرة الوالد الطويلة في هذا المجال ومعرفته العميقة بتراث وثقافة البلد وبين تخصصي العلمي في حقل التسويق لإنجاز مشروع رأيت أنه يحقق لي ذاتي على المستويين الثقافي والعملي لأنه يجمع بين ما أحبه وما تخصصت فيه، علاوة على أنه متفرد وجديد والدولة بحاجة حقيقية له. ? ماذا عن الفريق الذي يعمل معك؟ ? نحن نعمل معاً وهذه واحدة من أهم نقاط نجاح أي فريق. التشارك في الهدف والشغف. والشباب الذين أعمل وإياهم يمتلكون ذلك فضلاً عن الرغبة في التعلم والكفاءة وملكات البحث. ثمة شيء آخر وهو أن الفريق ليس ثابتاً بل يمكن أن ينضم إلينا أي طالب من حديثي التخرج أو هاوٍ للثقافة والتاريخ بحيث ندربه على مهارات البحث الاجتماعي والاتصال الميداني وعمليات جمع الموروث الشعبي. وهؤلاء يتم اختيارهم بالتنسيق مع الجامعات أو من خلال المعرفة الشخصية بهم وبموهبتهم. ? أنت تنظر إلى نفسك كرائد أعمال ثقافي، ألا تخشى من منافستهم لك في المستقبل؟ ? لا ضير في أن تخرج من عندك رائد أعمال جديد ربما ينافسك في المستقبل. البحر واسع ويمكن أن يغرف منه الجميع. بل إنني حريص على اختيار المواهب المحلية والخليجية لتدريبها على عدد من المشاريع التنافسية التي أقوم بها وفي ذهني أن تنتشر الفكرة إلى دول أخرى من خلالهم. ? على مستوى الإنجاز، ما الذي تحقق منذ بدأتم هذا المشروع؟ ? أعتقد أن واحداً من أهم الإنجازات التي تحققت، رغم الصعوبات الكثيرة التي يواجهها من يعمل في هذا المجال، هي أننا استطعنا بناء سمعة ومصداقية في تقديم المنتجات المتخصصة في التراث والتاريخ والبحث التوثيقي، مما وطد علاقتنا بالكثير من المؤسسات الثقافية والإعلامية ومراكز البحوث والوزارات والدوائر المحلية وحتى المؤسسات الخاصة ليس على المستوى المحلي فقط، بل الإقليمي والدولي. لقد اشرفنا على تأسيس وإدارة أكثر من مشروع ثقافي وإعلامي منها على سبيل المثال لا الحصر: وضع دراسة الجدوى التأسيسية المتكاملة لمشروع “MediaCPR” العالمية، وشاركنا من خلالها في إنجاز ألبومين غنائيين مع منتجين وفانين عالميين في أميركا وجامايكا وجنوب أفريقيا، وأشرفنا على تأسيس وإدارة دار “ديالوج للنشر” في دبي. وقد انتهينا مؤخراً من كتاب “أيام لا تنسى”، مذكرات الطبيب الشخصي للملك فيصل آل سعود وعائلته لـ 40 سنة مع رواياته عن المملكة منذ أوائل الخمسينيات وهو قيد الطبع. علاوة على سلسلة كتب مختارات تراثية متنوعة قيد الترجمة. بالإضافة الى انجاز عدد من الهويات وخطط العمل المؤسسية لمبادرات ومؤسسات حكومية متعددة في المجال الثقافي والتعليمي، وهناك عدد من المشاريع الثقافية والتوثيقية قيد التنفيذ.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©