الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ملامح نضوج وعلامات فقر

ملامح نضوج وعلامات فقر
13 أكتوبر 2010 20:57
شهدت الدورة الرابعة لمهرجان دبي لمسرح الشباب ظواهر عدة، وعلينا الوقوف مع أبرز هذه الظواهر، وقراءة بعض الملامح والعلامات التي أشار إليها كثر ممن حضروا هذا المهرجان، ومن هذه الملامح بروز مخرجة شابة وحيدة في المهرجان، وظهور الرغبة لدى غالبية المخرجين الشباب في استخدام التكنولوجيا (ولا أقول التقنيات الفنية) بصورة مبالغ فيها، مقابل ضياع على مستوى النصوص والمعالجات الموضوعية للقضايا التي يتم تناولها، وفقر شديد على مستوى الأمور الفنية، وثمة بروز لبعض هموم الشباب والمجتمع مثل المخدرات وعواقبها. السؤال هنا هو حول حجم التفاوت بين مستوى العروض الموضوعي والفني، ومن المسؤول عن هذا التفاوت، هل يتعلق بمستوى المواهب المشاركة، في الكتابة والإخراج والعناصر الفنية، أم أنه يرتبط بأمور الدعم والتشجيع الذي يتلقاه كل فريق مسرحي من الجهات المسؤولة، فكيف يشارك عرض على قدر من النضوج إلى جانب عرض لا يمتلك المقومات الأساسية للعرض المسرحي؟ المخرجة الوحيدة ابتداء، وعلى صعيد حضور المرأة المخرجة، نتوقف مع تجربة المخرجة الشابة شيخة الحوسني، في عمل حمل عنوان “المغني” عن نص للكاتب عمر غباش، حيث نجحت المخرجة في خلق التوازن بين الموضوع والعملية الإخراجية وعناصرها الفنية. ففي أول تجربة إخراجية لها، تمسك المخرجة الشابة بخيوط النص فتخلق منه لعبة درامية معقدة رغم ما يبدو من بساطتها في بدايات العرض، هذا التعقيد الذي ستفرضه نهاية الحبكة المسرحية، التي يلتبس فيها الحلم بالوهم والواقع بالخيال، وتستطيع المخرجة أن تقنعنا طوال مدة العرض تقريبا أن ما نشاهده هو الواقع، لتفاجئنا في نهاية العرض أننا أمام حلم شخص عاجز يخوض حروبا دونكيشوتية وهو منكفئ على نفسه في مقعد فاخر. وبأدوات وعناصر فنية بسيطة، ومن خلال نص مركب يمتزج فيه الحلم بالوعي والأمل باليأس، استطاعت المخرجة الشابة وفريق عملها تقديم رؤية جديد لواحدة من مشكلات الشباب، مشكلة الخلط بين الوهم والحلم، فهما ليسا الأمر نفسه، وقد استعانت المخرجة بمجموعة من المقولات والمأثورات الشعبية والتراثية لترسم ملامح شخوصها وسلوكياتهم. بين الواقعية والدراما في بعض العروض نجد توازنا بين النص والمسائل الفنية، وهو ما نجده في عرض “زلة عمر”، الذي نقف أمامه فنجد معالجة جديدة لهموم اجتماعية تؤرق الجميع، ورغم اتكاء العرض على المادة الخبرية واعتمادها أساسا للنص، إلا أن العمل يذهب بعيدا عن الخبر لمعالجة القضايا المطروحة بتعمق أكبر، وبما يعادل الشعور الاجتماعي بالقضية وخطورتها، فالموضوع كما جاء في الحوارات تفصح عن قلق كبير تجاه التفاصيل التي يتناولها العرض. نص واقعي تماما، لكن اقتراحات المخرج تأخذ العرض في اتجاهات تقنية تحاول منحه بعض الجماليات، خصوصا على مستوى الإضاءة، ومحاولة فتح الخشبة المسرحية على الصالة والجمهور من خلال الإضاءة. ثمة إيقاع متوازن بين النص والإخراج، فواقعية النص توازيها واقعية في المقترحات الإخراجية رغم ما يبدو من محاولات الخروج على الواقع في الإخراج، خصوصا على مستوى الفصل والتواصل بين السجين والسجان. أما أداء الممثلين في هذا العمل كان مقنعا بصورة جيدة، وهو ما أشار إليه عدد من شهود المسرحية، في ندوة مناقشة العرض، حيث تحدث كثيرون عن بروز عدد من الممثلين ممن يبشرون بمستقبل واعد. وتم الحديث أيضا عن اعتماد الأخبار الصحافية كمادة للعرض، فقد قال البعض إن هذه الأخبار شكلت مادة درامية استغلها الكاتب بصورة حية، وقام بتحويلها إلى عمل درامي لكونها تمثل هموما اجتماعية تؤرق المجتمع كله، وقد تناولها المخرج برؤية فنية متميزة. أين التوازن؟ في سياق الحديث عن فقدان التوازن بين النص والإخراج، نتوقف مع عرض بعنوان “سيدة اللوحات”، وهو عرض يحتشد بالعناصر الفنية التي جرى توظيف بعضها بصورة معقولة، بينما جاءت عناصر أخرى لتشكل عبئاً على العمل، فهناك مبالغة في استخدام الإضاءة أحياناً وسوء استخدام لها أحياناً أخرى. وعلى مستوى الموسيقى والمؤثرات هناك عمل يتوازى مع الحوارات وطبيعتها ومستوى تصاعدها. ومن بين اقتراحات المخرج تعدد مستويات الخشبة من خلال انفتاح الستارة الأولى على ستارة ثانية تنفتح بدورها على فنان يقوم بالرسم، وسط أجواء موسيقية وإضاءة هادئة، ونجد خشبة مربعة بدلاً من المستطيلة، حيث اقتطع المخرج مساحة من الجانبين وحصر العمل في ثلثي الخشبة تقريباً. وإلى ذلك، فأحد مستويات العرض هو تقسيم الخشبة إلى قسم أمامي وقسم خلفي، وقسم سفلي وآخر علوي (نظام الفيلا) لأغراض إخراجية تتكشف دلالاتها في ما بعد، لكننا لم نجد تلك الدلالات الحقيقية. المبالغة في الواقعية التي قام عليها العمل أضعفت منه، فقد أعطى المخرج مساحات زمنية فائضة عن الحاجة لبعض المشاهد، كمشهد الحمام الذي بدا نافراً وفائضاً عن الحاجة، فما الحاجة لوضع البانيو في العرض؟ والمبالغة الثانية هي المتمثلة في المساحات المكانية التي بناها المخرج ولم يتم استغلالها. وبخصوص حركة الممثلين، فقد كانت تبتعد عن طبيعة اللحظة التي تعيشها الشخصية، وفائض الحركة كان بلا مبرر أحياناً. «راح ملح» يرسم خرائط جديدة للعالم ويمنح صنّاع التاريخ فرصة للدفاع عن أنفسهم السلام على طريقة غاندي والعنصرية الهتلرية والثورة الغيفارية من بين العروض الثمانية التي قدمت في المهرجان، نستطيع الحديث عن عدد من المسرحيات المتميزة، مثل “المغني” و”العاصفة” وسواهما، لكننا نختار مسرحية “راح ملح” بوصفها العمل شبه المتكامل، من حيث اشتماله على العناصر الأساسية لأي عرض مسرحي، من نص ناضج وفنون المسرح المتمثلة في الجماليات والأمور الخاصة بالخشبة المسرحية وتأثيثها بكل ما يلزم من أساسيات. فعلى مدى خمس وأربعين دقيقة تقريبا، استطاع المخرج مروان عبد الله في عرض “راح ملح” أن يملأ مساحات الخشبة المسرحية بالديكور والحركة والصوت والموسيقى والإضاءة، واستطاع تفكيك نص الكاتب طلال محمود إلى مفرداته الأساسية، فقام بتشكيل عرضه من الحوادث والشخصيات التاريخية التي تعبر عن صراعات العصر وكوارثه، أو صراع الحضارات وحواراته، ومحاولات رسم خرائط جديدة للعالم تقسم هذا العالم إلى مستعمرات خاصة لكل دولة من الدول الاستعمارية. العرض الذي قدمته فرقة مسرح دبي الشعبي، حمل رسائل كثيرة في سياق العلاقة بين الشعوب والحضارات، وهو يبدأ من وجهة نظر المؤلف في كتابة تاريخ العالم، وسط صراع القيادات التي يقدمها المؤلف، وعلى إيقاع موسيقا مميزة، وديكورات بيضاء تعبر عن العروش والكراسي القيادية. يبدأ العرض من شخصية المؤرخ الذي يريد كتابة تاريخ العالم من وجهة نظره، فيستعرض لنا شخصيات شهيرة مثل هتلر وغاندي وغيفارا وغيرهم من قيادات الإمبراطوريات والدول المهمشة في العالم، ليقدم صرخة كاتب التاريخ ضد كل الديكتاتوريات، ضد مقولات “السلام” التي لا تحقق السلام، وضد العنصرية التي يجسدها هتلر، وفي نظرة متعاطفة مع غيفارا، ولكنه تعاطف يعبر عن سخرية مما آلت إليه حال هذا “البطل” في الشارع، لجهة نشر صوره حتى على “الكيلوتات”. المؤرخ يصارع الجميع، ويعرض صنيع كل منهم عبر التاريخ، ويمنح لكل منهم فرصة الحديث والتعبير عن تجربته، فنجد قراءة جديدة للتاريخ تختلف عما تعودنا عليه، لكن مؤلف النص يعتمد معلومات عامة ومألوفة عن شخصياته التي يتناولها، خصوصا ما يتعلق بتعامل غاندي مع “السلام”، وتعامل هتلر مع العنصرية، مع الالتفات هنا إلى علاقة هتلر مع عشيقته لخلق نوع من المفارقة الكوميدية بين الديكتاتور والعاشق، ثم التركيز على موضوع المحرقة اليهودية التي يصر هتلر على أنه اقترفها ويتحسر أنه لم يكملها. السلام على طريقة غاندي، والعنصرية الهتلرية، والثورة الغيفارية، والرغبات الاستعمارية لدى الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، والقائد الذي يجتاح العالم بسبب عقدة في طفولته، وأفريقيا الغائبة تماما عن اهتمام العالم، هذه وسواها هي الثيمات الأساسية لهذا العرض الذي يوازن بين النص وعناصر المسرح الأخرى، الديكور والإضاءة والموسيقى وحركة الممثلين، ما يصنع عملا تتوازن فيه الحكاية مع التشكيلات. فقد وقع المؤرخ في ورطة بين القادة الذين استحضرهم النص، ولم يكن من السهل إقامة علاقات متوازنة بين هؤلاء القادة في خلافهم واتفاقهم، وهو ما استغله المخرج في خلق تشكيلات من الممثلين تعتمد على ما يجري في الواقع، ونستمع إلى وجهات نظر مختلفة ومتصارعة بين قادة الشعوب، بينما المؤرخ يحاول الوقوف بين الجميع، لكنه يضطر إلى التمرد عليهم جميعا، ليكتب من وجهة نظره الخاصة. وما بين صراع الحضارات وحوارها يرسم المخرج والمؤلف مشكلة المؤرخ الذي تحاصره الروايات التاريخية المختلفة، ويحاول المخرج أن يعكس ذلك عبر حركة الممثلين/ قادة العالم وتشكيلاتهم وعلاقاتهم، وسط موسيقى عالمية تصاحب أداء موفقا لمعظم الممثلين، باستثناء العثرات التي عانى منها بعض الممثلين في الأداء والنطق، مع ملاحظة أن أداء الممثلين لم يصعد إلى مستوى العرض في جوانبه الأخرى. وفي مشهد يبرز حجم الخلاف بين المؤرخ وبين قادة العالم، نجد في المشهد الأخير أن هذا المؤرخ في مواجهته الجميع يتحداهم، لكنه يسقط صريع الحشود العسكرية التي تحيط به، وسط موسيقى شديدة التأثير على أعصابه، فيسقط مغشيا عليه. وهو المصير المتوقع لمن يتصدى لكتابة تاريخ العالم في هذا الزمن الذي فقد أخلاقياته، الزمن الذي يفتقر إلى رؤية حقيقية للسلام، حيث يظهر غاندي نموذجا خاسرا لا يمكن الاعتماد عليه في خلق سلام حقيقي يجري الحديث عنه حاليا، وتجري الإشارة إلى فلسطين والصهيونية والاحتلال، الأمر الذي يضع المسرحية في سياق نقد الواقع الراهن، بقدر نقدها للتاريخ القريب والبعيد، خصوصا بالنظر إلى النهاية التي انتهى إليها المؤرخ محاصرا بين العسكر الذين يطالبونه بكتابة التاريخ كما يريدون، وليس كما يريد، فقد “راح ملح” بينهم، رغم دعوته إلى الحوار والمساواة والعدل والحرية للجميع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©