الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إنقاذ عمال «سان خوسيه»... مهمة «وحّدت» العالم

إنقاذ عمال «سان خوسيه»... مهمة «وحّدت» العالم
13 أكتوبر 2010 21:10
في العادة تقضي "بريناردا لوركا" يومها على كرسيها المتحرك في شوارع العاصمة التشيلية، سانتياجو، منهمكة في بيع مستحضرات التجميل والورود التي تصنعها يدوياً من الورق، لكنها في الأيام الأخيرة اختلف الوضع بعدما قضت ليلة أمس بكاملها توزع الورود على عائلات العمال العالقين في منجم "سان خوسيه" وهم ينتظرون خروجهم بعد 68 يوماً قضاها الرجال داخل المنجم في حين اكتفت الزوجات والأبناء والإخوة بانتظار ذويهم خارج المنجم آملين أن تنتهي محنتهم بخير. وفي الوقت الذي تصارع فيه تشيلي، وهي أكبر بلد منتج للنحاس في العالم لتخليص العمال العالقين بمساعدة دولية ملحوظة، كانت السيدة "لوركا" جزءاً من القافلة التي جاءت إلى عين المكان لتقديم الدعم النفسي للعائلات، وتلبية احتياجاتهم المادية، بل إن حادث الانهيار الذي أقفل المنافذ أمام 33 عاملاً وجدوا أنفسهم منفصلين عن العالم وحد تشيلي التي عادة ما تفرقها المناطق الجغرافية المختلفة والانقسام الطبقي الحاد بين شرائحها الاجتماعية، فضلاً عن طغيان القيم الفردية. هذا التعاطف الذي أبداه التشيليون من مختلف الانتماءات والمشارب عبرت عنه " لوركا" بقولها "إن الناس أكثر وحدة اليوم"، مشيرة إلى المكان الذي تعسكر فيه إلى جانب العشرات من الأشخاص بالإضافة إلى أكثر من ألف صحفي قدموا من مختلف بقاع العالم لتغطية عملية الإنقاذ والتقاط لحظات الفرح التي ستعم الأهالي عندما يبدأ العمال في الخروج من المنجم. وتضيف "لروكا" واصفة الوضع في تشيلي: "إن البلد منقسم إلى أبعد الحدود، فالأغنياء في مكانهم والفقراء في مكانهم، لكن هنا في هذا المكان لا فرق بحيث يتعين على الأشخاص المترفين تمريغ أحذيتهم الأنيقة في الوحل، لأنك لا تستطيع الحفاظ على نظافة الحذاء في المكان المترب الذي يحيط المنجم". وقد بدأت عمليات الإنقاذ ليلة أول من أمس حسب ما صرح به وزير المناجم "لورينس جولبورن"، بحيث استغرق التحضير لهذا اليوم شهرين منذ العثور على العمال العالقين في قعر المنجم في 22 أغسطس الماضي، ومنذ ذلك الوقت استطاعت الحفارات الوصول إلى عمق 622 متراً حتى المكان الذي يتواجد به العمال العالقون، وتتسع الحفرة بما يكفي لإدخال كبسولة لحماية العمال أثناء صعودهم إلى الخارج، وتتطلب هذه العملية رافعات لجر الكبسولة التي تحمل في كل مرة عاملاً واحداً، وستتاح الفرصة لعائلات العمال الذين أقاموا شبه قرية صغيرة مكثوا فيها منذ اكتشاف الحادث فرصة لاستقبال ذويهم مباشرة بعد صعودهم من المنجم قبل أن يتوجهوا إلى غرف خاصة يظلون فيها لبعض الوقت تمهيداً لنقلهم إلى المستشفى لتلقي الرعاية الطبية وإخضاعهم لفحص صحي. وبهذه المناسبة أمضت بضع نسوة الليل بكامله يوزعن الحلويات على عائلات العمال ويشاركنهن الفرحة في انتظار اللحظة الموعودة التي سيخرج فيها أول عامل من النفق. وفي هذا السياق الذي يطغى عليه التعاطف الشعبي والمتابعة الحثيثة لما يجري، قطع "روبين فيجوروا" 120 كيلومتراً بدراجته الهوائية قادماً من منطقة بعيدة يحمل بطاقة كتبتها ابنته إلى العمال قبل أن تقله شاحنة كانت متوجهة إلى المنجم، قائلًا: "لقد بذلت كل ما في وسعي للوقوف إلى جانب العمال وإبداء تعاطفي مع عائلاتهم". ويذكر أن العائلات المرابطة في عين المكان منذ الإعلان عن الحادثة تواصلوا بالعديد من البطاقات والرسائل ليست فقط من داخل تشيلي، بل من بلدان عديدة، كما أن "إيدواردو فاركاس"، رجل الأعمال التشيلي والمالك للمنجم فتح حساباً بنكياً لكل عامل وضع فيه 10 آلاف دولار لكل واحد فاتحاً المجال لكل من يريد التبرع. ويبدو أن الحادث ساهم في تقريب وجهات نظر الدول المتخاصمة وتعزيز التعاون فيما بينها، لا سيما بين تشيلي وبوليفيا المعروفين بعداوتهما القديمة، بحيث من المتوقع أن يشارك الرئيس البوليفي اليساري "إيفو موراليس" إلى جانب نظيره التشيلي ذي التوجه اليميني الواضح "سيباستيان بينيارا" في استقبال العمال عند خروجهم من المنجم. وقد شاركت العديد من الدول في عملية الإنقاذ بحيث رُفعت الأعلام الكندية والأميركية والأرجنتينية وغيرها من أعلام الدول المشاركة، بل إن سفيرة فلسطين لدى تشيلي، "مي الكايلا" رفعت علم فلسطين ليرفرف إلى جانب الأعلام الأخرى، لكن الحادث الذي تسبب في بقاء العمال عالقين داخل المنجم أثار العديد من التساؤلات حول سبل منع تكرار ما جرى وحماية العمال على نحو أفضل. ففي الوقت الذي دعا فيه البعض إلى تأميم المنجم وتدخل الدولة لضمان سلامة العمال طالب فيه البعض الآخر بضخ المزيد من الاستثمارات الخاصة في قطاع المناجم للرفع من معايير السلامة، فيما ذهب جزء ثالث إلى اقتراح غلق المناجم الصغيرة التي لا تتوفر على إمكانات وموارد تحمي العمال. وإلى جانب ذلك ظهرت شكاوى من سكان المناطق الجنوبية في تشيلي التي تعرضت إلى خامس أكبر زلزال مسجل في التاريخ خلال 27 فبراير الماضي يعربون فيها عن استيائهم من إهمال الحكومة لمشكلتهم بعدما استأثرت حادثة العمال العالقين بالاهتمام المحلي والدولي. ستيفان بودزين - تشيلـي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©