الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الخفض الجذري للانبعاثات الكربونية.. التحدي الأكبر في طريق التنمية العالمية المستدامة

22 يناير 2014 22:53
تمثل الطاقة المحور الأساسي في تحدي التنمية المستدامة الذي يواجهه العالم؛ فمن جهة، تعد سهولة الوصول إلى الطاقة وتوفرها بكميات كافية وبتكلفة منخفضة عوامل ضرورية لتحقيق الرخاء الاقتصادي. ومن جهة أخرى، فإن نمط استخدام الطاقة الحالي في العالم، والمعتمد على الوقود الأحفوري، يُنذر بتغير مناخي كبير في المستقبل، وهو ما ستترتب عليه عواقب وخيمة. وبالتالي فإن أعظم تحدٍ يقف في طريق التنمية المستدامة اليوم يكمن في تلبية احتياجات الطاقة التي يتطلبها الاقتصاد العالمي المتنامي، مع التحول إلى نمط أكثر أمانًا لاستهلاك الطاقة. ويمكن توضيح صعوبة الوضع الذي يواجهه العالم على النحو التالي: يستهلك نظام الطاقة العالمي في الوقت الحالي حوالي 170 كيلوجرام نفط مكافئ من الطاقة الأولية مقابل كل 1000 دولار من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك عند جمع حجم الاستهلاك السنوي العالمي للنفط والغاز والفحم والطاقة النووية والطاقة المتجددة، وتحويل كل مصدر طاقة أولي إلى وحدات نفط مكافئ. وفي المتوسط، فإن كل وحدة طاقة أولية (مُقاسة مرة أخرى بأطنان نفط مكافئ) تطلق 2,4 طن من ثاني أكسيد الكربون في الجو. وإذا ما علمنا بأن حجم الاقتصاد العالمي يبلغ حوالي 90 تريليون دولار، بناءً على الأسعار المعدلة وفق القوة الشرائية، فإن إجمالي حجم الانبعاثات الكربونية العالمية يقارب 36 مليار طن. وعلاوة على ذلك، فإن الانبعاثات الكربونية مرشحة بشكل أساسي للزيادة، ويُعزى ذلك إلى نمو حجم الاقتصاد العالمي بمعدل يتراوح بين 3 و4? سنوياً. كما يعتبر هذا النمو الاقتصادي أمراً ضرورياً لضمان رفاهية ما لا يقل عن 6 مليارات نسمة من سكان العالم البالغ تعدادهم 7,2 مليار نسمة، وبالأخص أولئك الذين يعيشون في دول نامية. وتشير توقعات قطاع الطاقة الصادرة عن “الوكالة الدولية للطاقة” و”وكالة معلومات الطاقة الأميركية”، وغيرها، إلى احتمالية ارتفاع حجم الانبعاثات الكربونية العالمية إلى 50 مليار طن سنوياً بحلول عام 2050، والرقم مرشح للزيادة. وتكمن المشكلة بالفعل في أن معدلات انبعاث ثاني أكسيد الكربون المشار إليها سوف تشكل تهديدًا على المناخ العالمي. لذلك، يجمع غالبية العلماء على أن العالم يجب أن يفعل ما بوسعه لمنع ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية لأكثر من درجتين مئويتين مقارنة بدرجة حرارة الأرض في فترة ما قبل النهضة الصناعية (عام 1800 على سبيل المثال). ويرى بعض العلماء أن مجرد ارتفاع درجة الحرارة بمعدل درجتين مئويتين يهدد سلامة كوكب الأرض، كما يرون أن الحد يجب ألا يزيد على درجة مئوية واحدة. ولكن النمط العالمي لاستخدام الطاقة في الوقت الحالي، وما يترتب عليه من ارتفاع معدل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، قد يؤدي إلى زيادة درجة الحرارة لأكثر من ثلاث درجات مئوية خلال القرن الحالي، كما قد يؤدي ذلك إلى إحداث سلسلة من العواقب العكسية المادية التي تسبب احتباسًا حراريًا يزيد على خمس درجات مئوية. يمكننا مرة أخرى تمثيل هذه المشكلة بالأرقام: للحفاظ على معدل ارتفاع متوسط درجة الحرارة عند أقل من درجتين مئويتين، يلزم خفض معدل الانبعاثات الكربونية السنوية الحالي البالغ حوالي 36 مليار طن إلى 15 مليار طن، وربما أقل بحلول منتصف القرن. وبالتالي، علينا تلبية احتياجات الاقتصاد العالمي المتنامي مع الحد بشكل كبير من معدل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. قد ينمو الاقتصاد العالمي بمعدل ثلاثة أضعاف بحلول منتصف القرن، ليرتفع حجمه من 90 تريليون دولار إلى حوالي 280 تريليون دولار، وذلك نتيجة زيادة عدد سكان العالم من 7,2 مليار نسمة إلى 9,3 مليار نسمة، مع زيادة معدل دخل الفرد بمقدار ثلاثة أضعاف. وبالتالي، فإن نمو الاقتصاد العالمي تتبعه حاجة ملحة لخفض الانبعاث العالمي لثاني أكسيد الكربون إلى أكثر من النصف. وهناك بعدان أساسيان للتغيير من شأنهما المساعدة في تحقيق ذلك؛ أولهما الزيادة الكبيرة في معدل كفاءة الطاقة، وهو ما يعني انخفاضًا كبيرًا في استخدام الطاقة الأولية لكل وحدة إنتاج اقتصادي، حيث يستهلك العالم حاليًا حوالي 170 كيلو جراماً نفط مكافئ لكل 1000 دولار من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يجب أن ينخفض إلى حوالي الخمس؛ أي حوالي 30-35 كيلو جراماً نفط مكافئ لكل 1000 دولار من الناتج المحلي الإجمالي. ويتمثل البعد الثاني في الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لكل وحدة طاقة، علماً بأن مزيج الطاقة الحالي يتسبب في انبعاث 2.4 طنًا من غاز ثاني أكسيد الكربون لكل طن نفط مكافئ. ويمكن خفض ذلك إلى حوالي 1,5 طن من ثاني أكسيد الكربون لكل طن نفط مكافئ، وذلك من خلال توجيه مزيج الطاقة العالمي نحو مصادر طاقة منخفضة أو عديمة الانبعاثات الكربونية. وعندما يصل حجم الاقتصاد العالمي إلى 280 تريليون دولار باستخدام 31 كيلوجرام نفط مكافئ لكل 1000 دولار من الناتج المحلي الإجمالي، مع انبعاث 1,4 طن من غاز ثاني أكسيد كربون لكل طن نفط مكافئ من الطاقة الأولية، تكون النتيجة انخفاض معدل الانبعاث السنوي العالمي لحولي 13 مليار طن من غاز ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050، أي ضمن الحدود اللازمة للحفاظ على معدل ارتفاع درجة الحرارة عند مستوى أقل من درجتين مئويتين. ولكن، هل يعتبر هذا التحول الكبير في الطاقة مجديًا؟ الإجابة هي نعم، يمكن تحقيق مكاسب كبيرة جداً من خلال تحسين كفاءة الطاقة في كل قطاع طاقة رئيسي، إذ يمكن للمباني السكنية والتجارية استخدام طاقة أقل بكثير للتدفئة والتبريد والتهوية باستخدام أساليب وتقنيات متطورة. كما يمكن خفض معدل استهلاك الطاقة في مجال النقل بشكل كبير من خلال استخدام مركبات ووسائل نقل عام تستهلك طاقة أقل بكثير. وتستطيع العديد من المدن الكبرى خفض معدلات أحمال الطاقة لديها بشكل كبير من خلال تبني تصاميم حضرية أفضل، واستخدام الحرارة العادمة الناتجة عن مولدات الطاقة في تدفئة المباني. ويمكن خفض معدل استهلاك الطاقة بشكل كبير في العديد من عمليات الطاقة الصناعية من خلال استخدام مواد جديدة عالية الكفاءة في استهلاك الطاقة في المنتجات التي يتم تصنيعها. في الوقت نفسه، يؤدي تحسين كفاءة استهلاك الطاقة إلى انبعاث كمية أقل بكثير من ثاني أكسيد الكربون مقابل كل وحدة طاقة، وبالتالي لا بد من التوقف تدريجيًا عن استخدام الفحم والاستعاضة عنه بالغاز الطبيعي منخفض الانبعاثات الكربونية إضافة إلى الطاقة النووية والمائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية عديمة الانبعاثات الكربونية. وعلاوة على ذلك، يجب الحد بشكل كبير من معدل استخدام النفط، ولكن أقل من الخفض المطلوب في معدل استخدام الفحم. فسيارات اليوم التي تعمل بالبنزين، سوف تعمل بكل تأكيد بحلول عام 2050 بالكهرباء أو باستخدام خلايا وقود الهيدروجين (حيث سيتم إنتاج الهيدروجين باستخدام طاقة كهربائية منخفضة الانبعاثات الكربونية). وفي حين أن هذه التحولات تعد مجدية، إلا أنه ليس من السهل تحقيقها؛ حيث ستتطلب تعاوناً عالمياً كبيراً جداً للاستعاضة عن الفحم ببدائل منخفضة أو عديمة الانبعاثات الكربونية؛ والتحول إلى استخدام مركبات تعمل بالكهرباء؛ وتحسين كفاءة استخدام الطاقة في مبانينا ومدننا وأنشطتنا الصناعية. سوف يحتاج كل جزء من العالم إلى خارطة طريق لتحقيق “الخفض الجذري للانبعاثات الكربونية” بما يضمن توفر الطاقة اللازمة لتحقيق النمو والازدهار مع خفض معدل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكل كبير جدًا لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي النهائي. وبصفتي مدير “شبكة حلول التنمية المستدامة” التابعة للأمم المتحدة، ونيابة عن بان كي مون؛ الأمين العام للأمم المتحدة، فإنني ملتزم بالعمل مع كل دولة لإيجاد أفضل الوسائل العملية التي يمكن من خلالها تحقيق خفض كبير في حجم الانبعاثات الكربونية. وفي سبيل تحقيق ذلك، أطلقت “شبكة حلول التنمية المستدامة” مشروع “مسارات الخفض الجذري للانبعاثات الكربونية” لمساعدة الدول على إيجاد المسار المناسب منخفض التكلفة الذي يمكنها من خلاله بناء مستقبل منخفض الانبعاثات الكربونية. وأتطلع وزملائي للتعاون مع جميع الحكومات حول العالم من أجل مساعدتها على تحديد المسارات العملية، كما ندعو الحكومات للتواصل مع “شبكة حلول التنمية المستدامة” للحصول على المزيد من المعلومات. مدير “معهد دراسات الأرض” مدير “شبكة حلول التنمية المستدامة” التابعة للأمم المتحدة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©