الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ألمانيا ومعضلة الفطام عن الطاقة النووية

17 يوليو 2011 21:49
ايزابيل دي بوميرو "هوتزنفالد"- ألمانيا قبل أن تقرر ألمانيا إغلاق 17 محطة طاقة نووية بحلول 2022 لم يكن هناك سوى قليلين قد سمعوا بمحمية "هوتزنفالد" الطبيعية الواقعة في الطرف الجنوبي لــ"الغابة السوداء" الواقعة في ولاية"بادن - فورتمبرج" الغنية. والآن، وبعد أن تراجعت الحكومة الألمانية عن المضي قدماً في مشروعاتها الرامية لبناء المزيد من محطات الطاقة النووية، وقررت التحول للطاقة المتجددة، فإن كثيرين سينظرون إلى هذه البقعة الرعوية على أنها "أرض تجارب" لمستقبل ألمانيا الأخضر الطموح. ولكن النعيم ذاته "لا يخلو من مشكلات" كما يقول المثل، حيث يقوم زعماء حزب"الخضر" المحليين، وسكان المدينة، بخوض معركة في الوقت الراهن من أجل تحويل حافة مرتفعة مستطيلة الشكل من الأرض تطل على سلسلة جبال الألب السويسرية، إلى منشأة لتخزين الطاقة الكهرومائية، وهو مشروع يقول زعماء "الخضر" وسكان المدينة معاً إنه سيدمر مئات الأفدنة من الجمال الطبيعي الخلاب الذي تتميز به المنطقة. تشرح "روث كريمر - ريكن" عضوة البرلمان الألماني عن حزب "الخضر"، والتي تقطن في منطقة "باد ساكنجن" القريبة:"عندما تقوم بتشريح قمة جبل ثم تفريغها مثل بيضة على مائدة إفطار، فإن ذلك سيكون بمثابة هجوم فظيع على البيئة الطبيعية، يمكن أن يعرض وجود المنطقة ذاته لخطر داهم" ولكن الخبراء يقولون إن المشروع المذكور الذي يتكلف 1.2 مليار يورو(1.7 مليار دولار) يمثل جزءاً غاية في الأهمية لمشروع التحول الألماني في مجال الطاقة. يقول"فرانك ميوسيول" من مركز "بادن - فارتيمبيرج" للطاقة الشمسية وأبحاث الهيدروجين بـ"شتوتجارت": "قد يمثل المشروع مشكلة للطبيعة، ولكن يجب علينا أن نحدد ما الذي نريده. فإذا لم نبن المشروع، فإننا لن نتمكن من الحصول على ما نحتاجه من الطاقة البديلة". والجدير بالذكر في هذا السياق أن سياسة "ميركل" في مجال الطاقة، قد مرت بتغيير جذري وتراجعت للنقيض. ففي الخريف الماضي عَكَسَ ائتلاف "يمين الوسط"، الذي تقوده ميركل، خطة حكومية سابقة للتخلي عن الطاقة النووية. وكانت كراهية ألمانيا الغريزية للطاقة النووية التي مثلت جزءاً لا يتجزأ من هويتها منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي، قد بدأت تكتسب زخماً بعد كارثة مفاعل تشيرنوبيل، ثم تزايد هذا الزخم مرة أخرى حديثا بعد الحادث الذي وقع في مفاعل فوكوشيما الياباني. وقد مثل هذا كله ضغطاً على المستشارة الألمانية كان يدفعها لفطام واحد من أكبر اقتصادات العالم عن الطاقة النووية. ولكن معارضة تقنية الطاقة الخضراء في الولايات الألمانية المختلفة من"بافاريا" إلى " ساكسونيا السفلى"( من الخضر ذاتهم عادة) تقف كحجر عثرة في سبيل ذلك. يوضح "مارسيل فيتور" خبير الطاقة في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية في برلين ذلك بقوله:"أمامنا الآن فرصة تاريخية كي نضرب مثلاً نثبت من خلاله أن هذا التحول ممكن، ونبين في الوقت ذاته الكيفية التي يمكن أن نفعل بها ذلك. وإذا لم ننجح، فما الذي يدفع أي أحد آخر للانطلاق على هذا الطريق؟ ويواصل "فيتور" قائلًا:"والضرر الناتج عن ذلك سيكون كبيراً على المستوى العالمي... إلا إذا أثبتت ألمانيا أنها قادرة على تحقيق هذا التحول الجذري للطاقة البديلة من الناحية الفنية بسرعة، وبطريقة تؤدي لتعزيز درجة تنافسيتها الاقتصادية" ويضيف:"ونحن في ألمانيا نشعر بالتفاؤل حيال هذا الأمر، وهو ما قد يرسل إشارة تشجيع للمجتمعات الأخرى". ويقول النقاد إن الاختفاء التدريجي للطاقة النووية سيؤثر بالسلب على أهداف ألمانيا الرامية إلى تخفيض نسبة الكربون، وإنه كي تتمكن الطاقة الخضراء من تعويض النقص الحاصل في الطاقة النووية، فإن "ميركل" تريد إنشاء مصانع أخرى تعمل بالفحم والغاز على مدى السنوات العشر القادمة، وهو ما يمكن أن ينتج مليارات الأطنان من غازات الدفيئة. عندما تُغلق منشأتها النووية وهي واحدة من أربع في "بادن فارتيمبيرج"، فإن مدينة "نيكارفيثايم" بالقرب من شتوتجارت، معرضة لفقدان 250 وظيفة وعوائد ضريبية ضخمة. ولكن سكان المدينة البالغ عددهم 3500 نسمة يظهرون في الوقت الراهن مؤشرات تدل على أنهم بدؤوا يفكرون بطريقة "خضراء"، حيث خصصوا مبلغ 50 ألف يورو(71 ألف دولار) من أجل إقامة ألواح طاقة شمسية على المركز الثقافي الجديد في المدينة. المزارع "اليكسندر جيوب" لم يمنح صوته لـ"الخضر"، الذين حققوا نصراً تاريخياً في "بادن - فارتيمبيرج"، ولكنه ما يزال يريد مع ذلك التخلص من الطاقة النووية. يرجع السبب في ذلك إلى أن قريته "سالزبيرج" القابعة في الغابة السوداء تقع بالقرب من مفاعلين نووين يمكن أن يظلا مستمرين في العمل بعد وقت طويل من قيام بلاده ألمانيا بالتخلص من مفاعلاتها النووية: أحد هذين المفاعلين يقع في"لايبشتادت" في سويسرا، والآخر في فيسينهايم في فرنسا(وهو أقدم مفاعل فيها). يقول "جيوب" متذمرا" يمكنكم أن تروا أننا محاصرين بالمفاعلات من كافة الجهات، وهذه هي المشكلة التي نعاني منها". ولكن"جيوب"، مع ذلك، لا يظهر تعاطفاً تجاه منتقدي إقامة خزان للطاقة الكهرومائية في "هوتزنفالد" حيث يقول:"ليس هناك شيء في العالم من دون ألم، فإذا أردنا إنتاج المزيد من الطاقة فيجب علينا أن نكون قادرين على تخزينها أولا". ويضيف:"إن الكثير من الآمال قد تبددت في الانتخابات الأخيرة، ولقد حان الوقت كي ننصرف إلى العمل. فالأمر ليس سهلاً بحال. ولكننا إذا لم نبدأ هذه المناقشة أبدا فإننا لن نصل لشيء". ينشر بترتيب خاص مع خدمة" كريستيان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©