الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شواهد حضارية توثق تاريخ صيدا اللبنانية

شواهد حضارية توثق تاريخ صيدا اللبنانية
14 أكتوبر 2010 20:43
تحتفظ مدينة صيدا الرابضة على مدخل الجنوب اللبناني برونقها التاريخي والتراثي، الذي يبرز في جمالية عماراتها وأسواقها القديمة، حيث يرى من يزور صيدا، مدينة تعود معظم أبنيتها للقرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ويزيد عمر بعضها على سبعة قرون. ومن أبرزها القلعة البحرية المطلة على البحر المتوسط، وهي قلعة بناها الصليبيون على مدخل المدينة عام 1228م، وشيدّت على جزيرة صخرية تبعد حوالي 80 متراً من الشاطئ، ويربطها به جسر صخري مبني على تسع قناطر، ويزين مدخل القلعة أحجار سوداء منحوتة، ويقع داخلها مسجد بناه الأشرف خليل بن قلاوون، وجدده الأمير فخر الدين. يشير مؤرخون إلى أن بناء قلعة صيدا البحرية، يعود إلى القرن الثالث عشر، وقد شيدت على أيدي الصليبيين عندما احتلوا المدينة وتمركزوا فيها، بعد إقامة القلاع والحصون لمنع أي غزو عليها، والدفاع عن السواحل من الحملات العسكرية والهجمات المعادية. وقد بنيت على جزيرة صخرية صغيرة على بعد 80 متراً من الشاطئ، ويعتقد باحثون أن القلعة هي نموذج فريد في فن العمارة، بنيت فوق معبد فينيقي قديم، كان مكرساً لتكريم “الآله ملكارت”. والقلعة البحرية التي تحيط بها المياه من جوانبها كافة، تتألف من مجموعة من الأبراج المتصلة ببعضها عبر ممرات ومسارب. القلعة البحرية عن تاريخ صيدا وقلعتها، يقول رئيس بلديتها السابق هلال قبرصلي إن اسمها القديم كان “صيدون”، وتشكل البلدة القديمة من صيدا مساحة تبلغ 200 ألف متر مربع، وهي جزء مهم من المنطقة الأثرية والتاريخية للمدينة. وتضم البلدة القديمة محال وأسواقاً ومساجد وحانات ومدارس ومقاه، ومشاغل صغيرة يعود معظمها إلى القرون الماضية، ووفقاً لأرقام البلدية، فإن أكثر من 50 ألف سائح يزورون قلعة صيدا البحرية سنوياً. ويشير مدير عام الآثار في لبنان فريدريك الحسيني إلى أن مديرية الآثار مهتمة بموضوع قلعة صيدا البحرية، وهي ستقوم بأعمال تحت البحر لدعم الجدران، بعدما تهدم الجدار الشمال الشرقي للقلعة بفعل سقوط الركائز الإسمنتية التي كانت مثبتة على الصخر في عمق البحر، نتيجة تحرك الصخور بفعل العوامل الطبيعية، وقد سقط الجزء المرمم حديثاً، والخوف أن يسقط الجزء الذي فوقه، لذلك ستتم عملية تدعيم لتجميد الوضع على ما هو عليه. الأسواق القديمة بين المرفأ البحري وخان الإفرنج والأسواق القديمة، أكثر من حكاية شهدتها هذه المدينة التاريخية، فهي لم تنزع عنها عباءة الماضي، بل حافظت على هويتها التراثية، عبر المقتنيات الأثرية والعمرانية النفيسة، التي تشهد على عراقة تاريخ صيدا، ودورها الريادي في ترسيخ أسس الحضارة الفينيقية، وهذا ما جعلها تتواصل مع العالم القديم، حيث تؤكد الوثائق التاريخية براعة تجار صيدا في الميدان الاقتصادي داخل الحوض المتوسط، والذين كانوا يركبون البحر ببضائع لبنانية من الخشب والزجاج والصابون والزيوت عبر أسطولهم البحري الشهير. ومدينة صيدا من أقدم مدن العالم المأهولة بالسكان التي تعود إلى خمسة آلاف عام، حسب رأي المؤرخين، ومعالمها الحضارية المتبقية لا سيما الأسواق القديمة التي تبقى الشاهد على ذاكرة صيدا، وتراثها العمراني المميز. ومن خلال الأزقة الضيقة التي تتشعب على امتداد السوق القديم، يظهر جلياً مقدار خصوصية هذا الحيز الجغرافي والعمراني داخل صيدا. فسكان تلك الأحياء الشعبية الموازية لهذا السوق، تبدو على وجوههم ملامح الماضي العتيق، حيث إنهم لم ينخرطوا في رحاب الحضارة الحديثة، وارتضوا لأنفسهم البقاء على هامش الحياة المعاصرة التي لم يتعودوا عليها. عائلات مرتبطة بالمهن متاجر منتشرة داخل الأزقة الضيقة، تشكل خريطة طريق لمشاهد تاريخية وتراثية ولسوق شعبي تتوزع دهاليز حسب المهن والبضائع المعروضة، والتي تبدأ من أنواع الصابون كافة إلى الزيت والعطور والبهارات، والتي ارتبطت شهرتها بأسماء عائلات صيداوية توارثتها أباً عن جد، فالتصقت المهن بالأسماء منذ سنوات طويلة، ومن يزور الأحياء الداخلية والأزقة الضيقة و”خان الافرنج”، يلمس الإرث الحضاري لهذه المدينة، بدءاً من الأبواب العتيقة والنوافذ الخشبية، وصولاً إلى الجدران التي تدل ألوانها على التاريخ. والأسواق تظهر المزايا العمرانية لصيدا، حيث الأرصفة المعبدة، والجدران المشيدة بالخشب والأحجار القديمة والطوب، وتشير اللوحات الرخامية المرفوعة على مداخل السوق القديم إلى تواريخ وشخصيات لعبت دوراً في تشييد هذه الأحياء، خصوصاً في الحقبة العثمانية. وفروع السوق الشعبي تبدأ من قطاع الحياكين، الذين ابتكروا وأبدعوا في مجال التطريز والألبسة والحياكة. وتظهر صناعة الحلي التي تحول الذهب والنحاس والفضة إلى زينة للنساء، وصولاً إلى الحدادة التي يستخدم أصحابها المطرقة والسندان في صناعة الأبواب والنوافذ والكراسي، إلى جانب صناعة الخيزران. كذلك الأمر بالنسبة لسوق العطارين، حيث الروائح الزكية تنبعث من الزقاق الضيق، فتشكل جاذباً للزوار، الذين يتزودون بالأعشاب والتوابل والبهارات. «خان الإفرنج» تحفة عثمانية خالدة يبقى “خان الإفرنج” الذي شيد عام 1590 في عهد العثمانيين، ويعتبر أول فندق عرفه لبنان طوال تاريخه الذي يظهر عبره أهمية صيدا، بحيث كان بمثابة محطة التداخل والتجار العرب، والإفرنج والبعثات الأجنبية التي كانت تنطلق منه إلى الشرق العربي والهند، في قوافل تطوف العالم وتعرض منتجاتها على الجميع. وصنف “خان الإفرنج” تحفة عمرانية من خلال النقوش واللمسات الإبداعية والهندسية المميزة، فنال شهرة واسعة، فأصبحت القلعة البحرية والميناء والسوق الشعبي إلى جانب “خان الافرنج” هم مدينة صيدا، ويقول مؤرخون إن الحضارة الفينيقية عندما حطت رحالها على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، لم تكن صيدا سوى نقطة الارتكاز لهذه الحضارة التي تعود إلى خمسة آلاف عام قبل الميلاد، وهذا ما جعل من المدينة محط أطماع الغزاة عبر تاريخها الطويل.
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©