السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

منافذ جانبية لقراءة المجتمع

منافذ جانبية لقراءة المجتمع
12 يوليو 2012
ترك لنا الأديب الموسوعي أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ البصري (ت 255هـ) مجلدات من كتبه الشاملة في ضروب الأدب والفكر والفنون الحضارية والثقافة الشعبية التي أودعها في مصنفاته الموسوعية إبان القرن الثاني الهجري أيام الخلافة العباسية في العراق، حيث حظي التراث الشعبي بنصيب واضح ووافر ضمن تلك المادة المبثوثة في مؤلفاته الكبيرة نحو: الحيوان، والبيان والتبيين، والتاج، ورسائله المعروفة، والتربيع والتدوير، والبرصان والعرجان والعميان والحولان، والبلدان… كما حظي الجاحظ باهتمام كتاب كثيرين ممن ولعوا بترجمته ونقد مؤلفاته من العرب وغير العرب، ونال أدبه عناية كثير من الباحثين والدارسين والنقاد. وقلما حظي أديب عربي آخر بمثل ما حظي به الأديب الجاحظ من الاهتمام الموصول والعناية الجادة. ولا غرابة في ذلك، فالجاحظ ملأ الأسماع وغير المفاهيم، وأثار الجدل، وأضاف الجديد، ودعا إلى التفكير المليء والنظرة الثاقبة عند معالجة الأشياء ونقد الظواهر، بعيداً عن العاطفة واتخاذ المواقف سلفاً. وما يزال الجاحظ يشتغل بال الأدباء والكتّاب والنقاد والباحثين والدارسين وأرباب القلم، على اختلاف توجهاتهم وتباين أمزجتهم ومشاريعهم واهتماماتهم. الحيوان... حريّ بالاهتمام كتاب “الحيوان” لأبي عثمان عمرو بن بحر الملقب بالجاحظ والمتوفى سنة 255هـ ، جدير بالاهتمام، حري بالمطالعة والدرس والتفقه والتجوال في أسفاره المتعددة، لا من قبل المثقفين فحسب، بل هو حرّي بالاهتمام من كل من يهتم بماضي الأمة وحاضرها وبات يؤرقه مستقبلها ، وكل من أراد أن يصل فرعه بجذوره فثقافة الأمة خالدة بخلود لغتها الأصلية، فقيمة الكتاب جدّ عظيمة، والأجدر بالدارس لهذا التراث أن يكون موقناً أن العودة إليه ضرورة لا بد منها، وأنه لزام عليه أن يقف على قاعدة صلبة متجذرة في المعرفة ليستخرج كنوزها؛ عندها سيحسن ربط الماضي بالحاضر، وليصنع منه علماً مجدياً للمستقبل، وبقدر إيمان الشخص بأهمية تراثه وجدواه بقدر ما يكون ناجحاً متهيئا لما سيأتي من زمان. ولعلّ كتاب “ملامح الحياة العباسية من خلال كتاب الحيوان للجاحظ” لمؤلفته الدكتورة رابعة عبدالسلام المجالي، والصادر عن دار كنوز المعرفة العلمية للنشر والتوزيع في الأردن بصفحاته ألـ 328 صفحة من القطع الاعتيادي، فإنّه يأتي من قبل المجالي لكي تتجول في رحاب هذا الكتاب الموسوعي الذي ألفه الجاحظ بخبرة سبعين عاماً مثمرة مشحونة بالطاقات والاطلاع الصادرة عن عقل مختمر، وفكر مستو، وتجارب واسعة، والقارئ لهذا الكتاب أو الناظر لعنوانه “الحيوان” كما تقول المؤلفة: “... يخاله كتاباً خاصاً بالحيوان فقط، وهذا ربما يلاحظه الشخص إن كان قارئاً له للغاية العلمية، وكان يهمه أولاً علم الأحياء متخصصاً فيه، فلا ريب أنّه موسوعة تُعنى بمعالجة الحيوان في جميع ما يخصه، إلاّ أن هذا الكتاب وبالصفة التي لا نستطيع انتزاعها وخلعها عنه، فهي صفة ملتصقة به وهي صفة الشمولية الموسوعية. سبعة مصاحف...أجزاء قارئ الحيوان الكتاب يجده مزدان بالكثير من المعارف والعلوم والآداب والفنون، إذ يتألف من سبعة مصاحف على حدّ تعبير الجاحظ أو سبعة مجلدات ـ الأجزاء ـ التي حققها وفهرسها المحقق الرائد المرحوم عبدالسلام محمّد هارون، وأوجزت المجالي محتويات كل جزء من أجزاء كتاب الحيوان، حيث يتألف جزؤه الأول من مقدمه يبدو أنها كانت رداً على كل من سينتقد هذا الكتاب وهذا الجهد بعد إصداره، وبعد أن تتناقله الأيدي وتدرسه العقول، فهذه مقدمة فيها ردّ على هؤلاء المنتقدين لكتاب الحيوان وغيره من مؤلفات الجاحظ العديدة، فهو إضافته إلى قيمته بذاته يشكل فهرساً ضخماً للكثير من مؤلفات الجاحظ، ثم ينتقد حال الكتابة والكتاب في عصره حاثاً لهم على التميز كماً ونوعاً، مفرداً باباً يعالج فيه قضية نفسية صعبة يحكي فيه عن وضع الإنسان...، ثم يتجه للحديث عن الكلب والديك خاتما به الجزء الأول. أما الجزء الثاني تتمة وتكملة لما كان قد به جزأه الأول، وهو الحديث عن الكلب والديك، ناثراً بين صفحاته صوراً وإشارات عديدة سنأتي على علاجها إن شاء الله. بينما دارت مادة الجزء الثالث حول مجموعة من الطيور الهوام مثل الحمام، والهدهد، والرخم، والغراب، والذباب، والجعلان، بالإضافة إلى ما أراد المؤلف بيانه عبر هذا السياق، كحديثه عن خصائص الحرم ، وصدق الفطنة ، وجودة الفراسة، والمدح في الجمال وغيره. وعالج الجاحظ في الجزء الرابع شأن الذر، والنمل، والأفاعي، والقرد، الخنزير، والظليم ـ ذكر النعام ـ ثم تحدث عن النيران، متابعاً كلامه في جزئه الخامس شارحاً نظرية الكمون، وتحدث خلاله عن العقرب، والنحل، والجراد، والسنور، والفأر، والعنكبوت، والضفادع، والضأن، والماعز، مدخلاً فيه باباً عن السرِّ وآخر عن المنى. كما فسرّ مؤلف الحيوان في جزء كتابه السادس قصيدة “البهراني”، وقصيدتين لبشر بن المعتمر، وبشر أحد كبار أعمدة مذهب الجاحظ وهو مذهب الاعتزال، مبيناً ما ورد في هذه القصائد من كلّ ما يخص الحيوان، متحدثا بعدها عن الضب والأرنب، مفردا أبوابا للجنّ وغيره. أما الجزء السابع والأخير فقد كان معرضاً لمعرفة الجاحظ في علم النفس الحيواني، فقد دار حول إحساس أجناس من الحيوان، وتضمن شرحاً عن الفيل وحيوانات أخرى، مبيناً موطن الإعجاز والأعجوبة فيها، مما يؤكد موسوعية الكتاب وضخامته، فهو يحتوي مادة علمية غزيرة تركزت حول الحيوان بشكل خاص حيث تناوله من زوايا عديدة، فعرض لأحواله وصفاته وطباعه وأعماله. نوافذ مفتوحة على الحياة مع هذا الوصف الخاص لهذه الموسوعة العلمية العظيمة، فإنّ لنا من خلالها مداخل واسعة لمناقشة مظاهر ومعالم الحياة فيها، أهمها أن الجاحظ كلما تحدث عن شأن من شؤون الحيوان يربطه بعالم الإنسان، عارضا شواهد حية على ذلك، مما جعل الكتاب حكمة واتعاظ واقتداء في بعض المواقف فهو عندما تحدث عن الصرع عند الحيوان تطرق إليه عند الإنسان صانعاً ـ بلغته الجاحظية الخاصة ومقدرته الكبيرة ـ نوافذ مكنته من العبور والولوج إلى أي موضوع أراده، نوافذ مفتوحة على الحياة بعامة والحياة العباسية بشكلها الخاص، نوافذ سياسية، واقتصادية، واجتماعية، ودينية، وكلامية، واعتزالية، وأدبية، من خلالها ذكرت مادة لغوية واسعة أفسح لظهورها ما اتسم به الكتاب من استطراد، ويدلل صاحبه على هذا التوسع حين يصفه قائلا: “وهذا الكتاب تستوي فيه رغبة الأمم، وتتشابه فيه العرب والعجم، لأنّه ـ وإن كان عربياً أعربياً وإسلامياً جماعياً ـ فقد أخذ من طرف الفلسفة وجمع معرفة السماع وعلم التجربة، وأشرك بين علم الكتاب والسنة وبين وجدان الحاسة وإحساس الغريزة”. الحياة العلمية والثقافية عقدت الدكتورة رابعة عبدالسلام المجالي مفردات كتابها من ثلاثة فصول، قسمت كل واحد إلى مجموعة مباحث. فقد تناولت في الفصل الأول من كتابها “الحياة العلمية” وزعته على المقدمة، والحياة العلمية، ومنهج الجاحظ في البحث والتأليف، والطب عند الجاحظ، والجاحظ عالم نفس، وعلم نفس الحيوان. “الحياة الثقافية”، عنوان الفصل الثاني من كتاب “ملامح الحياة العباسية من خلال كتاب الحيوان للجاحظ”، وقفت فيه المؤلفة عند مقدمة وثلاثة موضوعات هي: نظرة الجاحظ للكتاب، والترجمة، واللغة عند الجاحظ. بينما عرضت المجالي في فصل الكتاب الثالث “الحياة الاجتماعية” تناولت فيه فضلاً عن مقدمة هذا الفصل: للجاحظ عالم اجتماع، والبيئة عند الجاحظ، وأخيراً أوضحت صورة المجتمع عند الجاحظ.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©