الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصر الجديدة والسودان... نحو تصحيح العلاقات

12 يوليو 2012
كان الخطاب الذي وجهه الرئيس محمد مرسي بعد أن أدى اليمين الدستورية أمام المجلس العسكري موجهاً للشعب المصري وبالتالي للعالم أجمع، وكان أشبه ببرنامج سياسي معبراً عن سياسته. وهو أراد أن يطمئن معارضيه في الداخل والمتخوفين من وصوله إلى سدة الرئاسة في الخارج، وكان بذكاء شديد قد يرد على كل التساؤلات والمخاوف والشائعات المبالغ فيها. الصحيح منها والصادرة عن جهات في الداخل والخارج التي رددتها خاصة الصحف والدوائر الأميركية وتوابعها. لقد قام الرئيس المنتخب بخطوات محسوبة وسيحفظها له الناس، فإعلانه أنه قد استقال من جماعة "الإخوان" وحزبها العلني هي خطوة جيدة (بصرف عن النظر من النوايا الحقيقية له) سيراقبها خصومه السياسيون والعالم الخارجي بدقة وسيرون إن كانت خطواته السياسية القادمة تؤكد صدق حديثه والتزامه بأن يصبح رئيساً لكل المصريين، بل سيبقى كأخ مسلم سابق يطبق برنامج الجماعة المعروف. وفي رأيي أن حركة "الإخوان" المسلمين العالمية تشهد الآن وقد شهدت بالفعل تحولات فكرية خطيرة وتعلمت من سنوات القهر في كثير من البلدان العربية أن عليها أن تتغير، فالعصر قد فرض عليها أن تتقبل الديمقراطية بكل مستلزماتها ونتائجها. ففي هذا العصر يخطئ بل يجرم في حق حزبه وفي حق الإسلام من أن يتصور أنه من الممكن إعادة عجلة التاريخ إلى عصر الخلافة والإمامة. وليس هدف هذه المقالة إعادة الحديث المتكرر عن التاريخ الإسلامي القديم والحديث، لكن الهدف قاصر على العلاقات المصرية- السودانية، وكيف ستكون في عهد الرئيس محمد مرسي الآن وغداً. العلاقات المصرية السودانية توصف في تعبير سوداني بالعلاقات الأزلية بين شعب وادي النيل. كان ذلك زمان إن كان السودان اسماً أولاً مستعمرة مصرية يحكمها الباشا محمد علي باسم الخليفة العثماني. ثم أصبح السودان (اسماً) مستعمرة مصرية - إنجليزية يحكمها حاكم عام بريطاني ترشحه بريطانيا ويعينه السلطان أو مصر.. وقد كان للحق الحكم المسمى الحكم الثنائي حكماً بريطانياً لأن مصر (المستقلة) كان نفسها يحكمها ويتحكم فيها السفير البريطاني. ولقد رأى القسم الأكبر من السودانيين أن ما بين السودان ومصر من العلائق والصلات والمصالح المشتركة يدعوهم إلى (النضال) من أجل وحدة النيل تحت تاج الفاروق المفدى. وكان ما كان، وسقط النظام الملكي بالضربة القاضية التي وجهتها له حركة الضباط الأحرار بقيادة عبدالناصر، وكانت أولى إنجازات ثورة يوليو أنها جعلت من قضية السودان من أول أولوياتها بل أنها طالبت وحققت باتفاقية فبراير عام 1953 جلاء الجيش البريطاني من السودان قبل جلائه عن مصر. وكان ما كان وتحقق استقلال السودان بإرادة الشعب السوداني، وكان على رأس القيادة الوطنية التي حققت الاستقلال الاتحايون بقيادة الزعيم إسماعيل الأزهري.. ولقد انهارت الوحدة الوطنية، التي بفضلها تحقق الاستقلال وأدخل المغفور له الأميرالاي عبدالله خليل رئيس الحكومة الائتلافية السودان في دوامة الانقلابات العسكرية التي أصبحت قدراً مكتوباً على السودان حتى اللحظة. ولم ينس السودانيون الطيبون أن مصر عبدالناصر كان أول معترف بانقلاب نوفمبر بقيادة الفريق عبود وكان داعماً له .. لم ينس السودانيون ولكنهم كانوا يعرفون أن للسياسية ألاعيبها وظل حرصهم على العلاقات المصرية - السودانية مستمراً وقوياً. والذين يعرفون خبايا وأسرار العلاقات المصرية السودانية يعرفون أنها لدى بعض دوائر صنع القرار في مصر قائمة على اعتقاد خاطئ، يرى في قيام نظام ديمقراطي مدني في السودان خطر عليه، وهي كما قال ذات مرة مسؤول مصري عن ملف السودان إن التعامل مع مجموعة من الضباط السودانيين أفضل وأريح من التعامل من السياسيين والأحزاب السياسية. وسيجد الرئيس مرسي (إذا سمح له العسكر) تفاصيل العبارة المقتضبة السابق ذكرها في ملفات السودان التي كانت حتى اللحظة الأخيرة من أيام مبارك .. وسيجد من يقول له إن (حكاية السودان هذه تدخل في موضوع الأمن القومي الذي يتولى أمره المجلس العسكري. نحن نعلم أن ما بين "إخوان مصر" وحكام السودان اليوم أكثر مما صنع الحداد، ولا نريد، ولن نطلب من الرئيس المصري المنتخب أن ينحاز أو يدعم المعارضة الشعبية السودانية التي تخوض صراعها الآن ضد هذا النظام. فقط نتمنى أن يلتزم بما نقل عنه ونشر ما قيل إنه قال لوفد الجماعة الذي هرع مسرعاً للقاهرة للقائه (أنه ملتزم مع خيار الشعب السوداني) وخيار الشعب السوداني معروف لديه وللعالم أجمع. فالسودانيون يريدون أن يذهب هذا النظام الذي تآمر على الحكم الديمقراطي المدني الذي اختاره في آخر انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة. السودانيون يريدون استبدال هذا النظام الذي وصلت به الدرجة أن يحاصر المصلين في المساجد وأن يضرب المتظاهرين المسالمين بالرصاص الحي، وأن يرمي قنابل الغاز المسيل للدموع على المنازل والذي يهدد كل يوم على لسان قادته بأنه سينزل (المجاهدين) إلى الشوارع ليؤدبوا هؤلاء الذين يطالبون بحقهم المشروع في الديمقراطية والحرية والذين بهم الجوع والفقر لدرجة أن تساوى الموت برصاص النظام في حياة كلها بؤس وشقاء. فإذا صدق مرسي في وعده للشعب المصري بأن يعمل معه وبه لقيام دولة ديمقراطية مدنية تحقق العدل والمساواة في الحقوق والواجبات لكل المصريين فسيكون السودانيون سعداء بما سيحققه لأشقائه المصريين وسنطمئن أن ملف العلاقات المصرية- السودانية، سيعود إلى مكانه الطبيعي وستكون علاقات البلدين كما تنبغي العلاقات بين الأخوة التي تجمع بينهم مصالح مشتركة وعواطف ومشاعر تاريخية. عبدالله عبيد حسن كاتب سوداني مقيم في كندا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©