الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تراجع النمو الصيني...تداعيات عالمية

12 يوليو 2012
يبدو أن الاقتصاد الصيني يضعف بوتيرة أسرع مما توحي به الأرقام الرسمية، وهو ما يثير المخاوف من احتمال تباطؤ مؤلم قد يؤثر على مجمل الاقتصاد العالمي، فالإحصاءات التي تشير إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثاني من السنة الجارية المتوقع إصدارها خلال هذا الأسبوع تظهر نسبة نمو تصل إلى 7.5 في المئة مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية، لكن النسبة رغم ارتفاعها، حسب التقديرات الرسمية، تبقى الأضعف منذ بدء الأزمة المالية العالمية، لا سيما وأن المعطيات الصينية كما يعتقد على نطاق واسع تقلل من حدة مشاكل الاقتصاد الصيني، ذلك أن مؤشرات أخرى حول أداء الاقتصاد الصيني تؤكد تدن أكبر في نسبة النمو، خاصة وأن كميات قياسية من الفحم الحجري والحديد ما زالت متراكمة في المستودعات والمخازن في دليل واضح على تراجع الطلب على الكهرباء ومواد البناء. كما أن آلات الحفر وباقي الأجهزة والمعدات إما أنها من دون عمل، أو بيعت بأسعار مخفضة بسبب توقف مشاريع البناء، هذا بالإضافة إلى استقرار أسعار الديزل الذي يستخدم لتشغيل تلك الآليات على مدى الأشهر الستة الماضية بسبب تناقص الطلب، فيما سرحت مصانع بناء السفن عشرات الآلاف من العمال لتظل هياكل السفن معرضة للصدأ دون استخدام. وانسجاماً مع هذا الوضع حذر رئيس الحكومة الصيني، "وين جيابو"، يوم الأحد الماضي من "ضغوط ركود كبيرة" على الاقتصادي الثاني في العالم، وهو أقوى اعتراف بانشغال القيادة الصينية بالتباطؤ المستمر للاقتصاد الصيني، وللحد من وتيرة الانكماش عمد البنك المركزي الصيني وبصورة مفاجئة إلى خفض نسبة الإقراض بين البنوك في محاولة لتحفيز الإقراض، هذا فيما قال وزير التجارية الصيني في الشهر الماضي إن البلاد ستكون "محظوظة" لو استطاعت بلوغ أهداف التصدير والاستيراد خلال السنة الجارية، واصفاً الوضع بأنه "قاتم". وبحسب العديد من الخبراء الاقتصاديين المستقلين لا تعكس بيانات النشاط الصناعي معدلات النمو التي يصدرها المسؤولون الصينيون بشأن القطاع، بل إن المسؤولين الصينيين يُشك أنهم يلجأون إلى تضخيم الأرقام ترويجاً لبلادهم عالمياً، وهو ما يعبر عنه "يبينج هوانج"، الاقتصادي ببنك "باركليز"، قائلاً "تشير البيانات الاقتصادية الأخيرة بما فيها إنتاج الفولاذ وأرباح الشركات إلى أن الاقتصاد يواصل تراجعه بشكل واضح، وهناك انطباع راسخ أن الاقتصاد الحقيقي هو أكثر ضعفاً مما تشير إليه الأرقام الرسمية"، هذا في الوقت الذي تراجعت فيه أنشطة القطاع الصناعي بسبب تقلص الطلب من أوروبا والولايات المتحدة التي تعتبر السوق الأكبر للمنتوجات الصينية. والمشكلة أن ضعف الاقتصادي الصيني وتدني وتيرة النمو لا يقتصر تأثيرهما على الصين وحدها، بل تمتد تداعياتهما إلى مجمل الاقتصاد العالمي، لا سيما في ظل المشاكل التي تعاني منها أوروبا بسبب أزمة الديون المستفحلة. فمع أن الصين نجحت في الحفاظ على نسبة نمو مرتفعة عقب اندلاع الأزمة في 2008 بفضل خطة الإنقاذ الهائلة التي تبنتها القيادة الصينية، إلا أنه اليوم تشير التقديرات إلى استقرار نسبة النمو في 8 في المئة وذلك في أفضل الحالات، فقد بدأت الدول الصاعدة مثل البرازيل تعرف ركوداً واضحاً في الطلب على صادراتها المتمثلة في النفط والحديد وباقي البضائع التي تستهلكها الصين، ويشتكي تجار المجوهرات الفاخرة في هونج كونج من تدني مبيعات الصينيين، فيما تراجعت أرباح الشركات الأميركية العاملة في الصين. ولعل ما يزيد من تحديات الصين انتظارها لعملية انتقال سياسي لا تحدث إلا مرة في كل عقد من الزمن، بحيث يظل عامل الاستقرار ضرورياً ومهماً في حسابات القيادات الصينية، لذا تتعالى الأصوات المطالبة بتسهيل عملية انتقال السلطة من خلال معالجة الاختلالات الاقتصادية والتعامل معها بحكمة. بيد أن الخطوات التي يتعين اتخاذها من قبل السلطات الصينية يجب أن تتوخى أعلى درجات الحذر بسبب استمرار تداعيات آخر تدخل حكومي في 2008 لإنقاذ الاقتصاد، فلإبقاء عجلة الاقتصاد مستمرة كان لا بد للقيادة الصينية أن تضخ مليارات الدولارات على الأشغال العامة وتشجيع المصارف على الإقراض، لكن الاقتراض السهل غذى فقاعة عقارية ونسبة القروض المرتفعة التي حصلت عليها الحكومات المحلية. أما اليوم فقد انفجرت الفقاعة العقارية بسبب القيود التي فرضتها الحكومة قبل عامين على المضاربين لتنخفض بذلك أسعار المنازل في عموم الصين فيما تحمل المطورون عبء عشرات الآلاف من الوحدات السكنية التي لم يتمكنوا من بيعها، وفي هذا الإطار، يقول "زهو هي"، مدير المبيعات لإحدى الشركات العقارية، إن المالك سحب العشرات من الشقق من السوق بدل خفض أسعارها، وفيما كانت شقة من ألف قدم مربعة تباع قبل سنتين بحوالي 1.15 مليون دولار، صارت اليوم لا تتجاوز 900 ألف دولار، بل إن ذلك الرقم أصبح مبالغاً فيه مع تدني الأسعار في بعض المناطق إلى ما دون نصف سعرها الأصلي، هذا الانحدار في السوق العقاري أثر أيضاً على مالية المدن التي اعتمدت بشكل كبير على بيع الأراضي العامة لتمويل أنشطتها. وعن هذه الأجواء الصعبة، التي تمر بها الصين وتداعياتها على الاقتصاد العالمي صرح أستاذ الاقتصاد المعروف بجامعة نيويورك "نورييل روبيني" لمحطة "بلومبيرج" قائلاً "النزول الصعب للصين أصبح أكثرة قسوة مما كنا نتوقع، وربما نحن مقبلون على عاصفة هوجاء على الصعيد العالمي، فقد نواجه انهياراً لمنطقة اليورو، ودخول أميركا في ركود مزدوج، وتباطؤ الاقتصاد الصيني ومعه الاقتصادات الصاعدة الأخرى، هذا بالإضافة إلى احتمال الحرب في الشرق الأوسط، لذا فإننا قد نشهد في السنة المقبلة عاصفة عالمية كبرى". ديفيد بيرسون بكين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي.إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©