الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

في معنى الاستنارة

3 أغسطس 2014 23:35
الإستنارة تعني بالنسبة لي رفض المفاهيم التي أنتجت في زمن ماض لضرورة واقع ذلك الزمن. الاستنارة تعني أن نرى وندرك ببصيرة المستقبل الذي تنتجه ضرورة الواقع الراهن، حيث كل لحظة لم تأت بعد هي المستقبل. والمستقبل يعني حدة الانتباه للحياة في اللحظة الراهنة. قليلون هم الذين يرون ببصيرة المستنير أن التمسك بما نسميه الثوابت والأعراف والتقاليد ليست سوى أقنعة تتحرك تحت سطحها المخادع التكرار والتكريس في العلن، والخروج عليه في الخفاء. وليس هذا التشبث الظاهري سوى تعبير مبطن عن رغبة فرد أو أفراد ضئيلة العدد للهيمنة والاستبداد والتغفيل. يمكن لأي فرد أن يتصور المتعة التي يستشعرها حين يستطيع أن يضلل الآخر أو يستغفله. وفي دلالة المتعة يكمن الشعور بالانتصار والتفوق والتسيّد على الآخر. حين أجلس أو أقف بين حشد من الناس وألقي عليهم خطابا مبطنا بالتهديد والوعيد والعذاب والتنكيل، فإنما أستنهض في فطرة الكائنات الخوف من الألم والعذاب والموت. وهذا الخوف يجعله خاضعا لي، ويجعلني متفوق، متسيد عليه. هذا ما يقوم به أصحاب الخطاب السلفي في كل آن، كي يخضعوا الآخرين لسلطتهم العدمية المستبدة. إن الفرق بين الخطاب المستنير وبين الخطاب السلفي الذي تعج به بعض وسائل الإعلام، هو الفرق بين خطاب المستقبل وخطاب الماضي. وبين الخطابين لا يمتد إلا جسر التهديد والوعيد والتنكيل والموت! في العتمة التي تحيط بنا وتتوغل، تصبح الكتابة النوعية مطلبا إنسانيا وحضاريا من أجل التغيير والارتقاء بالإنسان والحياة، وتصبح الثقافة المستنيرة ببعديها الأعمق والأوعى ضرورة ملحة في مواجهة خطاب الظلامية المستشري. لكننا لسنا بحاجة إلى الإجتهاد والتنقيب في ركام التراث والفكر السلفي للتفنيد والرد على خطاب الظلامية، فمثل هذا الانهماك يسقطنا في شباك هذا الخطاب دون وعي منا، وننصرف عن تكريس الخطاب المستنير وتأكيده وتعميقه وتكثيره وتعدد أفكاره وموضوعاته، انتصارا للحياة والتطور والحق والسلام المفقود في كل شبر من هذه الأرض. . أيضا ليوازي ويتجاوز خطاب العدمية الذي كان وما زال يحاصرنا بما لا يحصى من الوسائل، على مدار السنين، ويصادر حقنا الطبيعي والإنساني في الحرية والكرامة والسلام. نساء ورجالا وعلى قدم المساواة نحن بحاجة الى قول (لا) لكل خطاب ينتصر للموت تحت أية ذريعة، ويجعل من الحياة قيدا ووعيدا، ومن الوجود خطيئة وعبئا ثقيلا. بحاجة إلى أن نعلّم أطفالنا منذ طراوة المهد أن المقدس هو الحياة. . أن نعلّمهم أن الوعي هو أقصى درجات الانتباه للحياة، من أجل إدراك معنى المستقبل، لا كلفظ بل كمتحرك ينبني في كل لحظة. نحن نعرف أن جذور الاستبداد مستشرية في تاريخنا منذ عصور بعيدة، متماهية بأيديولوجيات عديدة، متقنعة بعادات وتقاليد تسري في سلوكنا اليومي، وموقفنا السلبي من الإنسان والكون والكائنات والطبيعة. لكننا نعرف أيضا أن القانون الأعظم للحياة هو التطور. . وبقوة هذا القانون تفنى جذور وعصور، لتولد جذور وعصور جديدة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©