السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التنصت بموضوعية : الغاية والوسيلة

18 يوليو 2011 20:00
قضية تجسس صحفيي جريدة التابلويد البريطانية الأسبوعية “نيوز أوف ذي وورلد” على آلاف المكالمات الخاصة لعائلات قتلى الجيش البريطاني في حربي أفغانستان والعراق ليست الفضيحة الأولى. ولن تكون المرة الأخيرة التي يتجسس فيها بعض الصحفيين على خصوصية الناس من أجل صيد خبر ثمين. ولكن الظروف المحيطة هي التي أعطت للقضية بعداً عالمياً لدى البعض وشكل نوعا من أزمات ضمير، وهي التي ضغطت لإغلاق الصحيفة نهائيا، وجعلت امبراطور الإعلام الأسترالي- العالمي روبرت مردوخ يعتذر رسميا في صفحات إعلانية كاملة من الرأي العام. بعض الكتاب البريطانيين لم يترددوا في اتهام التجسس على الخصوصية بأنه قوّض احترام المهنة والمشتغلين بها في وقت تعيش فيه الصحافة أصلا أزمة ثقة. كثيرون رفعوا الصوت، كالعادة في مثل هذه الحالات، بأن الصحافيين قساة قلوب لا يرحمون. لكن كل ذلك حصل تحت ضغط الرأي العام أكثر مما حصل لظروف وأحكام موضوعية وقناعات. ما جعل الفضيحة تتحول لقضية رأي عام أن ضحايا التجسس هم بشر ولهم مشاعرهم الفصيحة والمكتومة، ولهم خصوصيتهم وحفنة أسرار حميمة إذا استبيحت يشعر المرء عندها أنه أصبح “مشاعا” بدون “ذات”. لكن هناك سبب لا يقل أهمية هو أن صاحب الصحيفة نفسه يُعتبر بذاته موضوعا مثيراً للصحافة، الصفراء والراقية على حد سواء. فالجدل الذي دار، والضجة الكبرى التي عمت العالم كان يسبقها جدل واسع متواصل، في بريطانيا وأوروبا حول مشروعه للاستحواذ الكامل على تلفزيون “بي سكايبي” ومدى خطر ذلك على التعدد، واعتباره سببا لنشوء احتكار في الإعلام لأن الرجل يملك أيضا صحفا ووسائل إعلام أخرى كثيرة في بريطانيا وأميركا وأستراليا وأماكن أخرى عديدة. ثم لا ننس أن صحافة “التبلويد” كانت في محطات كثيرة موضع نقمة وغضب شعبي، ليس آخرها ما أثير عن دورها في مقتل الأميرة ديانا ودودي الفايد سنة 1997 وما قبله وبعده. لكن أحد الكتاب البريطانيين لفتني عندما علق على مصير “نيوز أوف ذي وورلد” قائلا، بين الجد والتهكم، أن ما نتمناه الآن هو أن يأتي متمول كبير مثل مردوخ ويشتري الصحيفة ويعيد إصدارها، كما لفتتني اللامبالاة تجاه ما أعلنه الصحافي بول ماكمولان، الذي عمل سابقا في الطبعة الإيرلندية من “النيوز” نفسها في تسعينيات القرن الماضي، عن التنصت على المكالمات الذي طالما استخدم من أجل تلك الطبعة، ولكن الشرطة قالت إنها لن تجري تحقيقات بهذا الشأن لأنها لم تتلق شكاوى في إيرلندا. معنى ذلك أن الصحفي “الشاطر” الذي يستطيع إخفاء تنصته وأي سبل أخرى لانتهاك خصوصيات الناس “العاديين” قد لا يكف عن ذلك، والصحفيون ليسوا ملائكة خاصة عندما يُزرع فيهم أن الأولوية هي للسبق والاثارة التي تتناقض غالبا مع الأخلاق والحشمة. وبالفعل فالصحفي يدرس كل شيء، سياسة واقتصاد وإحصاء وقانون وتاريخ وفنون الكتابة والبحث، ولكن قلما يدرّس الأخلاق والفلسفة، بل قلما نسمع عن أبحاث أكاديمية تتعلق بذلك. والأخلاق ليست مثيرة في الصحافة إلا بمقدار ما يكون “فضائح أخلاقية” ولكنها ليست موضوعا بذاته أو أولوية. وتلك إشكالية أكبر من قدرة الأشخاص وحتى المؤسسات ولهذا من غير المتوقع أن يتوقف التنصت في بعض الصحافة أو غيره من ممارسات كثيرة يعتبرها الرأي العام مصدر إدانة للصحافة ولا يرى الصحفيون غضاضة في سلوكها. ولكنهم يتسترون عليها ولا يريدون أحدا أن يتجسس عليهم! د.الياس البراج | Barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©